ظاهرا من الحياة الدنيا

عبد العزيز بن عبد الله السويدان

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ تثبيت الله لعباده المؤمنين2/ أين نحن من تدبر القرآن؟! 3/ أهمية تعلق القلوب بالله وحُسن الأمل فيه 4/ظاهر الحياة الدنيا محدود سطحي 5/ مساوئ الغفلة عن الآخرة 6/ علاقة الدنيا بالآخرة وصلة الحياة بالموت 7/ ثمرات التفكر في النفس والآفاق

اقتباس

إن أي إنسان ينظر إلى الحياة الدنيا بمعزل عن الآخرة لن يكون علمه بالدنيا إلا علمًا سطحيًّا ناقصًا.. فالآخرة لا تنفصل عن الدنيا، والدنيا لا تنفصل عن الآخرة.. إن الذي يعلم ظاهراً من الحياة الدنيا وهو غافل عن الآخرة مسكين يحسب أنه سيد العارفين، وهو في الحقيقة غافل جاهل، ولذلك كانت الجاهلية اصطلاح قرآني رباني يُرَاد به عدم اتباع ما أنزل الله من العلم في العقائد والأحكام والأخلاق.

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]،

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

يقول الله -سبحانه وتعالى- في سورة الروم بعد إنباء النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام بغلبة الروم على فارس في أوج هزيمتهم من فارس مبشّرهم بتبدل الحال وانتصار الروم على فارس خلال بضع سنين فقط.

 

يقول سبحانه: (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ * أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ) [الروم:6- 8].

 

أيها الإخوة: لقد وزع الله -تعالى- الفهم والتدبر كما وزع الأرزاق والآيات التي تتلى لا يتوقع أن يصل مغزاها كاملاً لكل عقل، ولا أن يحظى بها كل فكر، ولكن السعيد هو من وُفِّق لذلك بلا شك، فكثيرًا ما نقرأ الآيات نكثر من القراءة، ولكن ماذا بعد كثرة القراءة هل نتعظ؟ هل نتأمل؟ هل نتدبر؟!

 

(غُلِبَتِ الرُّومُ) لم يكن للعرب لا المسلمين منهم ولا المشركين لم يكن للعرب علاقة مباشرة بما كان يجري بين الروم وفارس وقتها من حروب أكبر قوتين على وجه الأرض آنذاك إلا أنهم كانوا يتابعون أخبار تلك الحروب لتأثر تجارتهم وأرزاقهم بها، فنزلت هذه الآيات للمؤمنين على وجه الخصوص؛ لأنه كما قال ابن عباس: "كان المسلمون يحبون أن تغلب الروم؛ لأنهم أهل كتاب، وكان المشركون يحبون أن يغلب أهل فارس؛ لأنهم أهل الأوثان"، فنزلت الآيات على المؤمنين في أوقات شدة وضعف كانوا فيها مضطهدين في مكة تحت الحصار والجوع والقتل والتعذيب، نزلت تذكّرهم بقدَر الله -تعالى- الذي لا يعلمه إلا هو، وأنه -تعالى- هو رب الأرض والسماء ومدبر الأمر بينهما وما يجري فيهما من أحداث.

 

ونزلت كذلك تبشّرهم بتغير الحال، ولو بدا هذا في الأفق ضعيفًا جدًّا ومستبعدًا، لكن الآيات بالرغم من ذلك تقول بما معناه: إن الروم وإن غلبت اليوم، وإن لم يكن أحد يظن أنها تقوم لهم بعد ذلك قائمة، فقد بلغوا من الضعف حدًّا يكفي من سوئه أنهم غزوا من الفرس في عقر دارهم، وهزموا في بلادهم، فإنهم بالرغم من كل هذا الضعف والانكسار ومن بعد هذه الهزيمة المنكرة القاسية سيغلبون.

 

فالأمل بالله في الفرج لا ينقطع، وكلما زاد الإيمان قل اليأس في صدر المؤمن حتى يندثر اليأس، ولذلك نرى هذه القيمة في الصورة نفسها في أكثر من موضع كقوله -تعالى- (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الروم:48-50].

 

فانتصار الروم كما أن الله -تعالى- سينصركم أيها المؤمنون، مع ما أنتم عليه من ضعف، انتصار الفرس على الروم قادم لا يأس ولا محالة من ذلك، وليس هذا فحسب بل هناك تحديد للمدة هذه المرة (فِي بِضْعِ سِنِينَ) أي: لا تتجاوز تسع كما هو معروف من تعريف البضع في لغة العرب، تسع سنين، وتقوم دولة الروم غالبة قاهرة من جديد.

 

إنه أمر من السماء لا يقف في وجهه أي: مخلوق ولذلك جاء في الآية الرابعة قوله -تعالى- (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ)، نعم لله الأمر لما هزموا، ولله الأمر حين ينتصرون بإذنه -تعالى- كما قال سبحانه (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران: 140]، مداولة مبنية على علم وحكمة يوم لهؤلاء، ويوم لهؤلاء على قدر من الله -عز وجل-، إنه مدبر الكون وواهب النصر لمن يشاء، ومقدّر الهزيمة لمن يشاء، وكل ذلك عنده بأجل مسمى قال جل وعلا: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الروم: 1- 5].

 

ثم قال -تعالى- مؤكدًا ومعظمًا وعده بتحقق ذلك النصر قطعًا لا ريبة فيه (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم:6]، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) ولو بدا في الظاهر لدى عامة الناس أنهم علماء وأنهم يعرفون الكثير من العلوم المتعلقة بالإنسان والأرض والفلك والاقتصاد والسياسة وغير ذلك من العلوم فقد درج الناس على تعظيم الظواهر، واعتبارها دون البواطن في زمان سيطر فيه المظهر على الجوهر والسبب في ذلك أنهم كما قال الله -تعالى- (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، وظاهر الحياة الدنيا محدود جدا سطحي بل حتى هذا الظاهر لا يستطيع البشر استقصاءه كله في حياتهم المحدودة نسبة علمهم كنسبة هذه الأرض إلى غيرها من الكواكب والمجرات لا تعد ولا تحصى تلك الكواكب والمجرات.

 

وهذه الأرض والحياة فيها ما هي إلا طرف صغير من هذا الوجود الهائل البعيد زمانًا ومكانًا ظاهرًا من الحياة الدنيا.

 

معاشر الإخوة: إن معرفة المشركين ظاهرًا من الحياة الدنيا ليس أمراً مذموماً بحد ذاته فالمؤمنون أيضاً يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وإنما المذموم أن يتبع هذه المعرفة غفلة عن الآخرة (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ).

 

تكرار الضمير (هم) (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) يشير إلى أنهم هم المسئولون عن غفلتهم كقول القائل: لماذا أغفلتني؟ فيجيبه: أنت كنت غافلاً (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ).

 

وإذا خيّمت الغفلة عن الآخرة على الإنسان بشكل تام، فإن الحياة الدنيا لا تجد لها منازعًا فتسيطر على حياته، وتستولي على أركانه وتطبّق عليه من كل جانب، فلا يرى إلا الدنيا عن يمينه وشماله وفوقه وتحته، الدنيا ولا شيء غير الدنيا، فلا يحذر بعد الموت حسابًا ولا يخاف عقابًا، ولا يرجو جنة ولا يرهب نارًا؛ لأنه يغفل أن وراء عالم المادة عالم آخر هو عالم الغيب.

 

همه الدنيا؛ يعرف في العقار في البيع والشراء، في الهندسة، في الطب، في مختلف فنون الحياة وهذا طيب لا ضرر منه، بل تُعد المعرفة ببعض هذه الفنون ضرورة أحيانًا، ولكن في أمور الآخرة تراه لا يعرف في الدين أبسط الأمور.

 

ولذلك قال الحسن البصري في هذه الآية قال: "والله ليبلغ من أحدهم بدنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره فيخبرك بوزنه وما يحسن أن يصلي".

 

والناس في هذا درجات كلما زاد الإنسان جهلاً بالآخرة وغفلة عنها، كلما تعرض لبغض الله -جل وعلا-، ولذلك جاء في صحيح الجامع من حديث أبي هريرة قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -تعالى- يبغض كل عالم بالدنيا جاهل بالآخرة"، وفي زيادة صحيحة "صخاب في الأسواق، جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالم بالدنيا جاهل بالآخرة" وصححه الذهبي.

 

كمن يسعى وراء الكسب المادي، ولو بالربا الممحوق ركضًا وراء هذه المادة؛ لأنه غفل عن الآخرة.

 

معاشر الإخوة: إن أي إنسان ينظر إلى الحياة الدنيا بمعزل عن الآخرة لن يكون علمه بالدنيا إلا علمًا سطحيًّا ناقصًا؛ لأن الآخرة ما هي إلا حلقة في سلسلة النشأة وصفحة من صفحات الوجود، فالآخرة لا تنفصل عن الدنيا، والدنيا لا تنفصل عن الآخرة.

 

ولذلك تاه فلاسفة الإلحاد في تفسير بداية الدنيا ونهايتها، وما يجري فيها، تاهوا بين نظرية وأخرى، تاهوا في تفسير بداية الكون وتفسير العقل والروح، تاهوا في تفسير الخير والشر، تاهوا في تفسير الموت وما وراء الموت، تاهوا في تفسير نشأة الإنسان حتى زعم أحدهم أن أصل الإنسان أميبا، كائن أولي متكون من خلية واحدة لا يُرَى إلا بالمجهر يعيش في الرطوبة والإنسان، هذا هو أصل الإنسان!

 

وآخر زعم أن أصل الإنسان قرد! وهكذا تاهوا وورثوا تيههم للناس حتى قال من قال:

جئت، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت *** ولقد أبصرت قدّامي طريقا فمشيت

وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت ***  كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟

لست أدري!

أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود *** هل أنا حرّ طليق أم أسير في قيود

هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود *** أتمنّى أنّني أدري ولكن...

لست أدري!

 

هذا التيه، هذا الضياع، تحكيه آية كريمة ضُربت مثلاً للكافر وعمله، يقول -تعالى- (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) [النور:40]،

يقول لست أدري ..

إن نور الإيمان هو الذي يجعلك تدري بما لست تدري، نور الإيمان.

 

يا إخوة: لا يمكن لأحد أن يتصور الحياة تصوراً صحيحاً بكل ما فيها من أحداث ونوائب، وخصب وجدب، وانتصارات وهزائم، ما لم يعلم سنن الله الجارية، ما لم يدرك ما وراء الظاهر من روابط تصله بالغيب الذي خلقه الله -عز وجل-.

 

لا يمكن أن يتصور الحياة تصوراً صحيحاً دون معرفة علاقة الدنيا بالآخرة، وصلة الحياة بالموت، وصلة الماضي بالحاضر والمستقبل، ولن يعرف هذا إلا بالدخول في الإسلام وتدبر كتاب الله والتأمل في سننه ودوافعها (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الأحزاب: 62].

 

وكذلك بالاطلاع  على حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا العلم الراشد ينقل الإسلام الإنسان إلى مكانه المرموق الكريم بين مخلوقات الله -تعالى- في هذه الحياة كما قال -تعالى- (وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء: 70].

 

إن الذي يعلم ظاهراً من الحياة الدنيا وهو غافل عن الآخرة مسكين يحسب أنه سيد العارفين، وهو في الحقيقة غافل جاهل، ولذلك كانت الجاهلية اصطلاح قرآني رباني يُرَاد به عدم اتباع ما أنزل الله من العلم في العقائد والأحكام والأخلاق، فحتى لو كان هذا المعارض لحكم الله -تعالى- بروفسورًا في الجامعة فهو في عُرف الإسلام جاهلي.

 

ولذلك سمى النبي -صلى الله عليه وسلم- عمرو بن هشام -بالرغم من رجاحة عقله في عُرف قريش حتى سموه أبا الحكم- سماه أبا جهل، فأي شيء خرج عن الإسلام وتعاليمه فهو جاهلي، والمسلم قد تكون فيه خصلة من خصال الجاهلية، ولا ينتقض أصل إسلامه بذلك ما لم يكن مستحلاً لتلك المخالفة.

 

ولذلك جاز أن يقال للمسلم المخالف: إن فيه جاهلية، وصح في صحيح مسلم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أربع من أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن؛ الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة".

 

أسأل الله لي ولكم الهدى والتقى والعفاف والغنى وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من صار على نهجه واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

 

 أما بعد: فإن الغفلة عن الآخرة علة يشترك فيها كثير من الناس، ولكل علة دواء، وها هنا دواء العلة هو التفكر، يقول -تعالى- بعد ذكر الغفلة عن الآخرة (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) فيما ورد في الآيات السابقة قال (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ) [الروم:8].

 

التفكر في النفس وفي خلق السماوات والأرض وما بينهما، إذا كان بإخلاص وصدق فإنه لا بد أن يثير في الإنسان الإحساس بثقل الآخرة، التفكر المصحوب بذكر الله هو علاج الغفلة، وكلما زاد الذكر والتفكر وأخلص فيه صاحبه كلما انقشعت الغفلة عن الآخرة من حياته، التفكر في النفس (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ) كما قال -تعالى- في آيات أخرى يستنهض التفكر في النفس وفي السماوات والأرض (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ) [الطور:36].

 

وفي آيات أخرى قال سبحانه: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ  * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الذاريات: 20- 21]، وفي آيات أخرى قارعة (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [يس: 77- 83].

 

وآيات أخرى تسلُب لبّ من تفكر فيها (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 190- 191].

 

أيها الإخوة: احمدوا ربكم -تعالى- على نعمة الإيمان، واسألوه الثبات عليه؛ لأن كثيرًا من الناس لا يعلمون إلا ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون.

 

فالحمد لله، ثم الحمد لله، ثم الحمد لله .. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا..

 

 

 

المرفقات

من الحياة الدنيا

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات