طوق النجاة من الأزمات

الشيخ أ.د عبدالله بن محمد الطيار

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ المخرج من الفتن 2/ أهمية العبادة والتوكل على الله وحده 3/ نعمة الأمن في الأوطان 4/ الاستقامة على طاعة الله هي العاصم من كل شر وفتنة 5/ من أفضل الأعمال التي تُقرِّب إلى الله 6/ فضل بناء المساجد وعمارتها.

اقتباس

هذه العبادة العظيمة التي شرعها الله -جل وعلا- نجاة من الفتن وطوقاً للناس في الأزمات واختناق الأمور، نقصد العبادة بمفهومها الواسع الشامل؛ حيث تشمل أعمال الجوارح من الصلاة والصيام والحج والزكاة، وغيرها، وتشمل أقوال اللسان من تلاوة القرآن، والذكر والدعاء، والتسبيح والتهليل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتشمل أعمال القلوب من الاستعاذة والاستغاثة، وغيرها, هذه العبادة هي -بإذن الله- المخرج من الفتن ألم تسمعوا قول الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: "العبادة في الهرج كهجرة إليَّ"...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.

 

 أما بعد: فاتقوا الله عباد الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران آية: 102].

 

عباد الله: خلق الله -جل وعلا- الخلق لعبادته وصدق الله العظيم: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات آية: 56].

 

أيها المؤمنون والمؤمنات: هذه العبادة العظيمة التي شرعها الله -جل وعلا- نجاة من الفتن وطوقاً للناس في الأزمات واختناق الأمور، نقصد العبادة بمفهومها الواسع الشامل؛ حيث تشمل أعمال الجوارح من الصلاة والصيام والحج والزكاة، وغيرها، وتشمل أقوال اللسان من تلاوة القرآن، والذكر والدعاء، والتسبيح والتهليل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتشمل أعمال القلوب من الاستعاذة والاستغاثة، وغيرها, هذه العبادة هي -بإذن الله- المخرج من الفتن ألم تسمعوا قول الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: "العبادة في الهرج كهجرة إليَّ" (رواه مسلم).

 

 فإذا حلت الفتن فالمخرج منها باللجوء إلى الله، والاعتصام بالعبادة، والإكثار منها في جميع أنواعها المختلفة.

 

أيها المؤمنون: وإننا ونحمد الله ونشكره حيث جعلنا أمة مسلمة، وهدانا لهذا الدين العظيم، وجعلنا إخوة متحابين متآلفين نتعاون على الخير والبر والمرحمة، وصدق الله العظيم: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة آية: 2].

 

 ويقول حبيبنا -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" (رواه البخاري ومسلم).

 

 ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" (رواه البخاري ومسلم), ولكنَّ أقوامًا من بني جلدتنا ويتكلمون بلغتنا ويعيشون فوق أرضنا أبوا إلا أن يخرقوا السفينة، وأن يحدثوا البلبلة في بلادهم، فسعوا إلى الإرهاب بكل صوره وأشكاله؛ أحيانًا بالقتل، وأحيانًا بالتفجير، وأحيانًا ببذر الفتن في كل اتجاه وفي كل حين.

 

يركبون مركباً صعباً في ضلالهم وتشويه ما يحملون يزعمون أنهم متمسكون بالإسلام وهم أبعد الناس عن ذلك ألم يقل حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- ألم يقل عليه الصلاة والسلام: "لأن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد"؟ ألم يقل -عليه الصلاة والسلام-: "يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا يَرَى شَيْئًا وَيَنْظُرُ فِي الْقِدْحِ فَلَا يَرَى شَيْئًا وَيَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلَا يَرَى شَيْئًا وَيَتَمَارَى فِي الْفُوقِ" (رواه البخاري).

 

إذاً ما هو العاصم من الفتن أيها المؤمنون؟! إنه التوحيد إنه إفراد الله بالعبادة اللجوء إليه التوكل عليه إفراده سبحانه ونبذ كل شريك له في إلوهيته وربوبيته -سبحانه وتعالى-، ثم بالاعتصام والاجتماع وتوحيد الصف والتعاون على الخير (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران آية: 103].

 

 ففي الاجتماع الخير والبركة، ثم بالطاعة لولاة الأمور بالطاعة لهم والالتفاف حولهم ألم يقل ربنا -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء آية: 59].

 

 ألم يقل الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" (رواه أحمد وأبو داود).

 

ألم يوصِ -صلى الله عليه وسلم- بلزوم جماعة المسلمين وقت الفتن هذا هو العاصم بإذن الله.

 

أيها المؤمنون: أما أولئك الذين يحاولون خرق السفينة فنقول لهم: اسمعوا قول الله -جل وعلا-: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [النساء آية: 93].

 

 واسمعوا قول رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة, وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا» (رواه البخاري).

 

 فلا بد من الاجتماع والتوحد والالتفاف حول الراعي من أجل أن تصل السفينة -بإذن الله- إلى بر الأمان بسلامة وأمن، وإن من أعظم المنن علينا جميعاً الأمن في الأوطان الذي امتن الله -جل وعلا- به على عباده المؤمنين, بسم الله الرحمن الرحيم (لإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [سورة قريش: 1-4].

 

 فليعبدوا رب هذا البيت هذا إفراد لله -جل وعلا- توحيد خالص فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، لا بد من الأمن ولا يتحقق الأمن إلا بالتعاون والاجتماع والالتفاف حول الراعي "فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في بيته ومسئول عن رعيته".

 

 وصدق الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أصبحَ مِنكُم معافًى في جسدِهِ آمنًا في سربِهِ عندَه قوتُ يومِه فَكأنَّما حيزَتْ لَه الدُّنيا" (رواه ابن ماجه).

 

إن الأمن والأمان والطمأنينة والاستقامة على طاعة الله هي العاصم من كل شر وفتنة وصدق الله العظيم (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت آية: 30]، وصدق الله العظيم (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [سورة العصر: 1-3].

 

 فتعاونوا على الخير يا عباد الله واجتمعوا على الخير وتآلفوا فيما بينكم، واعلموا أن الخير في الاجتماع وإعلان التوحيد لله -جل وعلا-، أسأل الله بمنه وكرمه أن يغفر لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

 

 أما بعد: فاعلموا عباد الله أن من أفضل الأعمال التي تُقرب إلى الله عمارة المساجد حساً ومعنىً حسية باللبن والأسمنت وتكميلها وتحسينها؛ لتكون مكاناً للطاعة والعبادة، ومعنوياً بالصلاة والذكر والتسبيح والتهليل وسائر العبادات.

 

 وإن من فضل الله -جل وعلا- على هذه البلاد المباركة أن يسَّر الله -جل وعلا- أهل الخير للبر والعطاء لعمارة المساجد وصدق الله العظيم (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة : 18].

 

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من بنى لله مسجداً بنى الله له مثله في الجنة"، وقال -صلى الله عليه وسلم- قال: "من بنى لله مسجداً، ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتاً في الجنة".

 

وتوعد ربنا -جل وعلا- الذين يمنعون مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، فقال: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) [البقرة: 113]، أولئك الذين يسعون في خراب المساجد ويؤذون المصلين فيها لهم العذاب في الدنيا والآخرة.

 

أيها المؤمنون: وإن من فضل الله على هذه البلاد المباركة حكومة وشعباً أن هيَّأ الله -جل وعلا- أهل الخير لبناء المساجد وإني بهذه المناسبة أشكر رئيس هذه البلاد جمهورية السودان الرئيس البشير على تيسيره وتسهيله ورعايته وحرصه على الدعوة والتوحيد، وتهيئة الجو للدعوة والدعاة، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

 

 كما أشكر بهذه المناسبة والي هذه البلد على رعايته ومتابعته ووزير الأوقاف على متابعته لهذا المشروع وغيره من مشاريع الخير فجزاهم الله عنا خير الجزاء، كما أشكر سفارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على متابعتها ورعايتها.

 

وأشكر الذين تولوا بناء هذا المسجد، فجزاهم الله خيراً، جزى الله خيراً العم عبدالمحسن بن عبدالعزيز الطيار وأولاده البررة خير الجزاء, وجعلهم الله مباركين أينما كانوا وزادهم من التوفيق والهدى ووفقهم لمثل هذه المشاريع المباركة في هذا البلد المبارك.

 

كما أني أشكر هذه البلاد حكومة وشعباً على موقفها المشرف مع بلاد الحرمين ودفاعها عن المقدسات وأمن الحرمين فجزاهم الله خيراً وزادهم من الهدى والتوفيق والصلاح والرشاد.

 

أيها المؤمنون: وإن هذا المسجد المبارك الذي يعتبر منارة للعلم والدعوة والتوحيد، إن هذا المسجد المبارك ينبغي أن يكون معلما بارزاً حساً ومعنىً، فنسأل الله -جل وعلا- أن يوفِّق إمامه الشيخ عثمان وزملاءه أن يجعلوه منارة علمٍ وهدى، وأن يتحرك منه قوافل التوحيد لنشر التوحيد في سائر البلاد الإسلامية، وأن يوفقهم لسلامة العقيدة وسلامة المنهج والالتفاف حول ولاة أمر هذه البلاد ففي ذلك الخير لهم بإذن الله تعالى.

 

هذا، وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى، فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].

 

 

المرفقات

النجاة من الأزمات1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات