طهارة قلب المسلم ولسانه واغتنامه لزمانه

أحمد طالب بن حميد

2023-03-10 - 1444/08/18 2023-03-10 - 1444/08/18
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/بعض فضائل القلب السليم وخيراته 2/كثرة ذكر الله برهان سلامة القلب وطهارته 3/حرص المسلم على طهارة قلبه واغتنام وقته 4/طهارة اللسان طريق التوفيق والبر والإحسان

اقتباس

مَنْ رُزِقَ اليقظةَ شحَّ بالأوقات وحاسَب نفسَه على الأنفاس محاسبةَ الغريمِ، فقوَّم أعمالَه وأقوالَه، وجاهَد في إصلاحها لوجه الله -تعالى-، ومَنْ توجَّه بقلبه إلى الله، وجمَع همَّ قلبِه على مولاه كَفَاهُ ربُّه ما سواه...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1].

 

أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

 

عباد الله: إنَّ إمام الحنفاء إبراهيم -عليه السلام- قد دعا ربه بدعوات مبارَكات طيبات فقال: (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ * وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ)[الشُّعَرَاءِ: 83-86]، وعَلِمَ -عليه السلام- أنه لا ينجو عندَ الله إلَّا مَنْ سَلِمَ قلبُه من الشهوات والشبهات لله رب العالمين فقال: (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشُّعَرَاءِ: 87-89]، وإن صاحب القلب الأطهر -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن للهِ آنيةً من أهل الأرض، وآنيةُ ربِّكم قلوبُ عبادِه الصالحينَ، وأحبُّها إليه ألينُها وأرقُّها؛ فالأبرارُ عباد الله تَغِلي قلوبُهم بأعمال البِرِّ، والفُجَّار تغلي قلوبُهم بأعمال الفجور، واللهُ يرى همومَكم، فانظروا همومَكم، فإنما عملُ المرءِ تبعٌ لهمِّ قلبه، وليس من الآنية مقبولًا عند الله إلا ما كان صلبا رقيقا صافيا، صُلبًا في طاعة الله، رقيقًا عند ذِكر اللهِ، صافيًا نقيًا ممَّا يكرهه اللهُ ويأباه.

 

والألسنُ مغارفُ القلوبِ، وآيةُ طهارتِها وسلامتِها إدمانُ ذِكر الله -تبارك وتعالى- بلا سأم ولا ملل، قال الله -عز وجل-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[آلِ عِمْرَانَ: 190-191].

 

ومِنْ ذِكْرِ اللهِ -تبارك وتعالى- تعلُّم العِلمِ وتعليمُه، والفقهُ في دين الله -تبارك وتعالى-، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إِذَا مررتُم برياضِ الجنةِ فَارتَعُوا" قيل: وما رياضُ الجنةِ؟ قال: "حِلَقُ الذِّكْرِ"، وهي مجالس العلم التي يُبيَّن فيها الحلالُ والحرامُ، وتُوضَّح فيها الأحكامُ، ويُعرَّف الناسُ فيها ربَّهم وأسماءه وصفاته وأوامره ونواهيه -سبحانه-، ويعرفون فيها برسولهم -صلى الله عليه وسلم-، وأسمائه وشمائله وسُنَنِه وأيَّامه ومعجزاته ودلائله وخصائصه -صلى الله عليه وآله وسلم-.

 

ومن صُفِّيَ وحَيِيَ قلبُه يَأْلَم لفوات وِرْدِه من صلاة أو تلاوة أو ذِكْر، أشدَّ مِنْ أَلَمِ فواتِ المالِ صاحبِه، ومَنْ رُزِقَ اليقظةَ شحَّ بالأوقات وحاسَب نفسَه على الأنفاس محاسبةَ الغريمِ، فقوَّم أعمالَه وأقوالَه، وجاهَد في إصلاحها لوجه الله -تعالى-، ومَنْ توجَّه بقلبه إلى الله، وجمَع همَّ قلبه على مولاه كَفَاهُ ربُّه ما سواه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "مَنْ كانت الآخرةُ همَّه، جعَل اللهُ غناه في قلبِه، وجمَع له شملَه، وأتتْه الدُّنيا وهي راغمةٌ، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفَرَّقَ عليه شملَه، ولم يأتِه من الدنيا إلا ما قُدِّر له"، قال الله -تبارك وتعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا * وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا)[النِّسَاءِ: 125-126].

 

بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قَوْلي هذا، وأستغفِر الله العظيم لي ولكم فاستغفِروه، إنه هو كان غفورًا رحيمًا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلاةً وسلامًا على خير خلق الله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد، نبينا محمد.

 

أيها المؤمنون: لا يرجونَّ أحدُكم إلا ربَّه، ولا يخافنَّ إلا ذَنبَه، ولا يُغفَر ذنبُ العبدِ حتى يَصلُح عمَلُه، ولا يَصلُح عملُه حتى يُسدِّد قولَه، ولا تُسدَّد الأفواهُ إلا بتقوى الله؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "‌لَا ‌يَسْتَقِيمُ ‌إِيمَانُ ‌عَبْدٍ ‌حَتَّى ‌يَسْتَقِيمَ ‌قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ"، وأخبرنا الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- أنه "إِذَا ‌أَصْبَحَ ‌ابْنُ ‌آدَمَ ‌فَإِنَّ ‌الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا، فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا"، قال الله -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)[فُصِّلَتْ: 30-33].

 

واعلموا -عبادَ اللهِ- أنه من أفضل وخير ما غرفت الألسن من آنية الله من عباده، الصلاة والسلام على رسول الله -تبارك وتعالى-؛ فهي من أفضل ذكر الله وأطيبه وأذكاه، وأعذبه وأوفاه، فبها تطيب القلوب وتستنير الدروب.

 

اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما صليتَ على آلِ إبراهيمَ، وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما باركتَ على آل إبراهيمَ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدينَ، الأئمة المهديينَ؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ، وعنَّا معهم برحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ.

 

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذلَّ الشركَ والمشركينَ، ودمِّر أعداءكَ أعداءَ الدينِ، واجعل هذا البلدَ آمِنًا مطمئِنًّا سخاءً رخاءً، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنا، واجعَلْ ولايةَ المسلمين فيمَنْ خافَكَ واتقاكَ واتَّبَعَ رضاكَ يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهم وفِّق إمامَنا لهداكَ، واجعَلْ عملَه في رضاكَ، وارزقه البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ، التي تدلُّه على الخير وتُعِينه عليه يا أرحمَ الراحمينَ، اللهم ووليَّ عهده وإخوانَهم على الخير يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهم إنا عبيدُكَ بنو عبيدِكَ بنو إمائِكَ، نواصينا بيدِكَ، ماضٍ فينا حُكمُكَ، عدلٌ فينا قضاؤُكَ، نسألُكَ بكلِّ اسمٍ هو لكَ، سميتَ به نفسَكَ، أو أنزلتَه في كتابِكَ، أو علمتَه أحدًا من خَلقِكَ، أو استأثرتَ به في عِلمِ الغيبِ عندَكَ، أن تجعل القرآنَ العظيمَ ربيعَ قلوبنا، ونورَ صدورنا، وجلاءَ أحزاننا، وذَهابَ همومنا وغمومنا، اللهم ذكِّرْنا منه ما نُسِّينا، اللهم عَلِّمْنا منه ما جَهِلْنا، اللهم ارزقنا تلاوتَه آناءَ الليلِ وأطرافَ النهارِ على الوجه الذي يُرضِيكَ عنَّا، اللهم اجعلنا من أهل القرآن، الذين هم أهلُكَ وخاصتُكَ، اللهم انفَعْنا وارفَعْنا بالقرآن العظيم، واجعَلْه لنا إمامًا وهاديًا إلى جناتك جنات النعيم.

 

اللهم اغفر لنا ذنوبَنا وإسرافنا في أمرنا، وثبِّت أقدامَنا وانصرنا على القوم الكافرين.

 

اللهم (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها، دقها وجلها، أولها وآخرها، علانيتها وسرها.

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلم ما تصنعون.

 

 

المرفقات

طهارة قلب المسلم ولسانه واغتنامه لزمانه.doc

طهارة قلب المسلم ولسانه واغتنامه لزمانه.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات