طغيان المادة وإيثارها

عبدالله بن حسن القعود

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/المكانة الحقيقية للمال في الإسلام 2/ الابتلاء بالمال 3/ طغيان حب المادة 4/ المال خير أم شر ؟ 5/ عواقب سيطرة حب المال 6/ التحذير من المكاسب الخبيثة.
اهداف الخطبة
التحذير من سيطرة حب المادة / بيان عواقب المكاسب الخبيثة.
عنوان فرعي أول
حبا جما
عنوان فرعي ثاني
عندما يكون المال في القلب لا اليد
عنوان فرعي ثالث
كيف تكسب مالك؟

اقتباس

إنّ سيطرة حب المال على النفوس لأشد الأعداء فتكاً بالذمم والكرامة، بل والفضيلة والعفاف وسائر القيم الإسلامية. ولا جرم، فكم وئد من أجل المال من فضيلة، وديس من كرامة، وأضيع من قيمة وخلق مثالي.

 

 

 

 

 

 

 

الحمد لله الملك الخلاق، الكريم الرزاق، يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر، ويمتحنهم بالأموال فيغني ويفقر، سبحانه لا إله إلا هو العزيز الحكيم، أحمده وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين.
أما بعد فقد جاءت الآيات القرآنية الكثيرة والأحاديث النبوية الصحيحة موضحة ومبينة شأن المال ومكانته والحكمة من إعطائه لأي شخص كان، وأنه وسيلة لا غاية، وبداية لا نهاية، وأن ليس كل من أعطيه سعيداً، ولا كل من حرمه شقياً.

يقول تعالى: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) [التغابن: من الآية15]، والفتنة هنا بمعنى الاختبار والابتلاء،(وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء: من الآية35] (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) [سـبأ:37] ، ويقول عليه الصلاة والسلام: "إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء" رواه مسلم.

وإنّ مما يندى له الجبين ويبعث أشد الأسى في قلوب المؤمنين، ما يرى يسود قلوب الناس اليوم ويهيمن على جل تفكيرهم من طغيان حب المادة والإعراض بالأموال عما أعطيت له، وتهافت الناس عليها تهافت الفراش على النار وقصر جل التفكير والإحساس والعمل عليها كأنها وحدها الطريق الموصل إلى الله وإلى جنته.

فاتقوا الله أيها المسلمون، فما للمال خُلِقنا ولا لاتخاذه هدفاً أسمى أمرنا، وليس المال خيراً محضاً فنقصر جل تفكيرنا عليه، بل ولا شراً محضاً فنجمع قوانا على التخلص منه. إنما يكون المال خيراً إذا استُغل في أوجه الخير ويكون شراً إذا استعين به في الشر، نعم يكون المال شراً وأعظِم به من شر إذا لم يرقب صاحبه في جمعه إلاَّ ولا ذمة، إذا جمع من غول من أخذ من بيت مال المسلمين بغير حق، إذا جمع من معاملات تتسم بالربا والغش والأيمان والأحاديث الكاذبة، وبخس كيل أو وزن، أو ذرع إذا جمع من قمار أو رشاء أو كهانة أو فساد خلق أو تعامل في محرم كالمخدرات، والمصورات لذوات الأرواح و آلات اللهو. وكما يكون المال شراً بكسبه من الطرق المذكورة ونحوها يكون أيضاً شراً إذا أوُثِر على الآخرة ولو كسب من حلال، إذا ديست به كرامة، إذا استغل في معصية، إذا استبعد صاحبه وألهاه عن ذكر الله وعن الصلاة. وكما يكون المال شراً لما سمعتم وأمثالهم يكون خيراً وسعادة إذا طاب مدخله، إذا استعف واستغنى به صاحبه، إذا استعف واستغنى به صاحبه، إذا بر به أب أو وصلت به رحم أو صينت به كرامة أو سدت به حاجة فقير ونحوه، أو وليته يد صالحة كيد من أشار إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا حسد إلا في اثنين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار؛ ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار " وفي لفظ: "رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها، ورجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق".

فاتقوا الله أيها المسلمون – ومن كان منكم ذا مال فليكن الرجل الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: "فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار" واحذروا أن تصرفوا جل تفكيركم وهمكم في المال وتجعلوه أسمى غرض ينشد في هذه الحياة فتخسروا الدنيا والآخرة احذروا أن يسيطر حب المال على قلوبكم فيوردكم أشد موارد العطب ويصدركم أفظع مصادر الهلاك.

احذروا فإنّ سيطرة حب المال على النفوس لأشد الأعداء فتكاً بالذمم والكرامة، بل والفضيلة والعفاف وسائر القيم الإسلامية. ولا جرم، فكم وئد من أجل المال من فضيلة، وديس من كرامة، وأضيع من قيمة وخلق مثالي، يقول صلى الله عليه وسلم، فيما رواه أحمد: "من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى".

ويقول فيما رواه البزار بسند جيد: "ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه".

فاتقوا الله أيها المسلمون في أموالكم فإن عقبى المكاسب الخبيثة والمصارف المحرمة شدَّه حساب وسوء عقاب، وعقبى المكاسب الطيبة والمصارف المشروعة طوبى وحسن المآب يقول الله جل وعلا:(قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:100]، يقول سبحانه: (فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) لأالنازعـات:38-41].

أقول قولي هذا وأسأل الله تعالى أن يجعل مطعمنا ومكسبنا حلالاً، وأن يجانب بينا وبين الحرام ويقينا من التغذي به، وأن يعاملنا وجميع المسلمين بعفوه: إنه تعالى حسبنا ونعم الوكيل.

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

103

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات