عناصر الخطبة
1/ اختلاف الناس في رؤية مصادر السعادة 2/ السعادة في ملازمة الطاعة 3/ أسباب السعادة 4/ آثار السعادة 5/ بعد السعادة عن أهل العصياناقتباس
فإن السعادة مطلب العقلاء، ومبتغى الكبراء، وحلم يراود الضعفاء، ولكن الناس متفاوتون في فهم حقيقتها، ومتباينون في طرق الوصول إليها، منهم من يراها في المال والولد، ومنهم من يراها في الجاه والمنصب، ومنهم من يراها في توفر الشهوات يعب منها عباً، غير آبه بما يحل وما يحرم، ولا فرق عنده بين ممنوع ومشروع، ومنهم من يراها في السبق في مجال الصناعة والاختراع ..
الحمد لله رب العالمين خلق فسوى وقدر فهدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قسم الخلق – بعلمه وحكمته – إلى أشقياء وسعداء ففريق في الجنة وفريق في السعير. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه، حمل رسالة الخير إلى أمته ففاز بالاتباع أهل السعادة، وانتكس أهل الفسوق والشقوة ولا يظلم ربك أحداً. اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين ومن سار على هديهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات:13].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1].
أما بعد:
إخوة الإسلام: فإن السعادة مطلب العقلاء، ومبتغى الكبراء، وحلم يراود الضعفاء، ولكن الناس متفاوتون في فهم حقيقتها، ومتباينون في طرق الوصول إليها، منهم من يراها في المال والولد، ومنهم من يراها في الجاه والمنصب، ومنهم من يراها في توفر الشهوات يعب منها عباً، غير آبه بما يحل وما يحرم، ولا فرق عنده بين ممنوع ومشروع، ومنهم من يراها في السبق في مجال الصناعة والاختراع ومنهم من يراها في القصور الفارهة، والحسان الغانية، والخيل المسمومة والأنعام والحرث، وكل ذلك من متاع الحياة الدنيا الفانية، ولكن ثمة ما هو أنفع وأبقى.
(قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران:15].
أجل لقد أخطأ طريق السعادة فرعون الذي ظن الملك والجبروت طريقه الآمن الدائم، فقال قولته الظالمة الآثمة "يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي" وأعلن على الملأ عقيدته الجائرة (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى) [النازعـات:24-25] وجعل فيه عبرة وكان لمن خلفه آية وأبصر هو وجنده المخدوعون به آثار الشقوةوهم بعد لم يفارقوا الدنيا، أعلن الندم والتوبة ولكن هيهات (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) [يونس:91-92].
أيها المسلمون: حين أضل طريق السعادة فرعون ومن على شاكلته في الكفر والطغيان، وجدها فتية مستضعفون آمنوا بربهم واعتزلوا معبودات قومهم، وكان نصيبهم من الأرض – حين العزلة – كهفاً تقل مساحته في الأرض وتضيق منافذه الظاهرة نحو السماء، حتى إن الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال، ولو اطلعت عليهم داخله لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً، ومع ذلك فالسعادة تحيط بهم، والرحمة منشورة عليهم، والعقبى كانت لهم تلك ثمرات الإيمان وذلك طريق السعادة لمن رام الجنان.
أيها المؤمنون: لقد جاء في كتاب الله تحديد طريق السعادة والفلاح فمرة باتباع هدى الله (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) [طـه:123] (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:38) ومرة بالإيمان وعمل الصالحات (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97]. ومرة بتزكية النفس وتحليها بالصفات الحميدة وإبعادها عن الصفات المذمومة: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس:10]. ومرة بالقيام بالواجبات والانتهاء عن المحرمات: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون:1-11].
أيها المسلمون: إذا كانت الحيرة والشك والضلال عذاباً وجحيماً لا يطاق في الدنيا، والآثار في الآخرة أشد وأبقى، فإن الإيمان واليقين سبيل للسعادة في الآخرة والأولى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) [مريم:96]. (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82]، (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) [طـه:112].
محال أن يجد السعادة أصحاب الخنا والغناء، والكؤوس المحرمة، وأهل الريب والرذيلة والمعاصي مهما أوتوامن حظوظ الدنيا، إن لم يهتدوا ويتوبوا، ذلكم لأن ذل المعصية يحيط بهم ويقعد بهم السعادة الحقيقية: "إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين، إن ذلك المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه".
وإذا أفلس من السعادة أرباب الأموال العظيمة والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وقارون نموذج للانتكاسة والشقوة، ولمن يمنعه ماله، وقد أتاه الله من الكنوز ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة أولو القوة فقد خسف الله به وبداره الارض فهو يتجلجل بها إلى يوم القيامة.
إذاً أفلس هؤلاء ووجد السعادة وحققها بكل معانيها من اتصلوا بالله وأطاعوه، ولو كان نصيبهم من العيش كفافاً، ولو كان فرشهم حصيراً يبقى لها بعد النوم في الجنوب أثر.
عباد الله إن للإيمان والاستقامة على الحق أثراً حميداً حاضراً ومستقبلاً، والله يقول: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت:30].
وطاعة الله ورسوله سبب للفوز والفلاح كما قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:71].
وتأمل يا أخا الإسلام نعيم الأبرار، وجحيم الفجار الوارد في قوله تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) [الانفطار:13-14].
يقول ابن القيم رحمه الله: ولا تظن أن قوله تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) مختص بيوم المعاد فقط، بل هؤلاء في نعيم في دورهم الثلاثة، وهؤلاء في جحيم في دورهم الثلاثة وأي لذة ونعيم في الدنيا أطيب من بر القلب، وسلامة الصدر ومعرفة الرب تعالى ومحبته، والعمل على موافقته، وهل العيش في الحقيقة إلا عيش القلب السليم، وهو الذي سلم من الشرك والغل والحق والحسد والشح والكبر وحب الدنيا والرياسة فهذا القلب السليم في جنة معجلة في الدنيا، وفي جنة في البرزخ، وفي جنة يوم المعاد.
قال بعض العارفين وهو يستشعر محبة الله ويتنعم بعبادته: إن كنت في الجنة في مثل هذه الحالة فإني إذا في عيش طيب.
أيها المؤمنون: للرضا بالمقدور والقناعة بالميسور أثر في السعادة في الدنيا والمثوبة في الآخرة والله يقول: "ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه" وهذا حوار لطيف في مسكن السعادة وطرق جلبها، قيل: للسعادة أين تسكنين؟ قالت: في قلوب الراضين قيل: فيم تتغذين؟ قالت: من قوة إيمانهم قيل: فبم تدومي؟ قالت بحسب تدبيرهم قيل فبم تستجلبين؟ قالت: أن تعلم النفس أن لن يصيبها إلا ما كتب الله لها، قيل فبم ترحلين؟ قالت: بالطمع بعد القناعة وبالحرص بعد السماحة، وبالهم بعد السرور وبالشك بعد اليقين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) [هود:106-108). نفعني الله وإياكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ومن على من شاء بالعبادة والهدى فشرح صدرهم للإسلام فهو على نور من ربه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حجب نوره عن المعرضين المعاندين فعاشوا حياة العمى وإن كانوا مبصرين، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وحي إليه ربه فيما أوحى (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور:40].
اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
أما بعد:
إخوة الإسلام: فإن هذا الدين سبب للسعادة والهداية وغيره من الأديان والنحل سبب لنكد والشقوة، قال الله تعالى: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الزمر:22].
والقرآن طريقك للهدى وهو مذكر لك لحصول السعادة ومحذر من طرق الغواية والردى، ومن أعرض عنه باتت حياته ضنكاً، وإن خيل للآخرين غير ذلك ظاهراً وكذلك حكم ربنا ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) [طـه:124-126].
يا أخا الإسلام: إذا كان الإيمان واليقين وعمل الصالحات، والاستقامة على الحق، وسلامة القلب من الأمراض الخبيثة، والاهتداء بهدي القرآن.. كل ذلك من أسباب السعادة، فهناك أسباب أخرى فلا يفوتنك العلم بها والعمل، والعلم الشرعي باب واسع للسعادة وأهله أشرح الناس صدراً، وأوسعهم قلوباً، وأحسنهم أخلاقاً، وأطيبهم عيشاً، أما الجهل فهو يورث الضيق والحصر والحبس وصدق الله "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون".
أيها المسلمون: من أسباب السعادة أيضاً دوام ذكر الله على كل حال، فبذكر الله تطمئن القلوب، وتورث الغفلة ألواناً من الضيق والعذاب، وهي طريق إلى موت القلوب "ومثل الذي يذكر الله والذي لا يذكره كمثل الحي والميت" ومصيبة أن يميت الإنسان نفسه وهو يعد في عداد الأحياء؟
وأعظم ممن ذلك أن يرضى المرء بقرين الشيطان عوضاً عن الأنس بالله، والله يقول: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف:36].
ونفع الخلق والإحسان إليهم بالمال أو الجاه أو البدن كل ذلك يورث السعادة، فإن المحسنين الكرماء أشرح الناس صدراً وأطيبهم نفساً، وأنعمهم قلباً، أما البخلاء فهم أضيق الناس صدراً وأنكدهم عيشاً..
عباد الله: إذا أورث الكرم السعادة وانشراح الصدر، فكذلك الشجاعة تورث السعادة، فالشجاع منشرح الصدر، واسع البطان، متسع القلب، والجبان أضيق الناس صدراً وأحصرهم قلباً أيها المؤمنون إن لذة الحياة وجمالها وقمة السعادة وكمالها لا تكون إلا في طاعة الله، ومهما ابتغيت السعادة بغير ذلك فهي وهم زائف، وما أهون الحياة الدنيا على الله وقد حكم على متاعها بالقلة مهما تكاثر أو تطاول في أعين الجاهلية "قل متاع الدنيا قليل" وتأمل هوانها على الله في قوله: (وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) [الزخرف: 33-35].
وحذار -يا أخا الإسلام- أن تغرك سعادة لحظة عن السعادة الأبدية، أو تفتن بلذة عاجلة تعقبها ندامة آجلة، احذر أن تكون في حضيض طبعك محبوساً وقلبك عما خلق له مصدوداً منكوساً، حذار أن ترعى مع الهمل، أو تستطيب لقيعات الراحة والبطالة، وتستلين فراش العجز والكسل، فتبصر حين تبصر وإذا بجياد الآخرين قد استقرت في منازلها العالية وأنت دون ذلك بمراحل وتود الرجعة لتعوض ما فات ولكن هيهات.
يا أخا الإسلام كيف ترجو السعادة وتأمل النجاة ولم تسلك مسالكها، وهل رأيت سفينة تجري على اليبس؟
حاسب نفسك على الصلاة ولا تأمل السعادة وأنت ساه مضيع لها والله يقول: "فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون".
ولقد أخطأت الفهم حين قدرت أن سماع الغناء المحرم وسيلة لسعادة والأنس في هذه الحياة، وفي ذلك ضلال عن طريق الهدى والله يقول: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) [لقمان:6].
وكيف ترجو السعادة إن كنت من أهل الكسب الحرام، وإن خيل لك ذلك وأنت تتعاطى الربا مثلاً فاقرأ قوله تعالى "يمحق الله الربا..".
وليست عقوبة الآخرة أقل من الدنيا (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ) [البقرة:275].
ابن آدم بشكل عام احذر خطوات الشيطان تكن سعيداً في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، واتخذه عدواً.. تشعر بالسعادة عاجلاً وأنت واجد ذلك آجلاً والله يقول: (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة:168].
يا ابن آدم: في طباع النفس من الهلع والجزع والشح والبخل ما يقعد بها عن السعادة، وفي تعاليم الإسلام ووصايا القرآن ما يهذبها وتضمن سيرها إلى الله (إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) [المعارج:19-35] اللهم اجعلنا من أهل الجنة.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم