ضمان استقرار الحياة الزوجية

سامي بن عبد العزيز الماجد

2011-03-07 - 1432/04/02
عناصر الخطبة
1/حقوق الزوجة 2/ مقومات إصلاح البيوت

اقتباس

إن اعتبار المرأة أمانةٌ في عصمة الزوج لا يعني انتقاصَ مكانتِها، ولا تشبيهَها بالأمانات المستودَعة التي لا اختيار لها ولا إرادةَ ولا رأي، بل هي أمانة مكرَّمةٌ بما رُكِّب فيها من حاجة الرجل العاطفيةِ والنفسية، يسكن إليها، ويستأنس بها، ويستمتع معها، ولا يستغني عنها مهما كان غناه وسلطانُه وقوَّتُه، ومن هنا ترى المرأةُ في حاجة الرجل إليها من حيثُ المشاعرُ العاطفية ضَعْفَ الرجل ومَكْمَنَ قوتِها، وفي ذلك رفعٌ لمنزلتها، وإكرامٌ لها يعوِّضها عما..

 

 

 

 

أما بعد: فإن الله شرع النكاح، وحبَّبه إلى خلقه، وجعله إليه محبَّباً، فهو شرعته –جل جلاله-، وسُنةُ نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وهو آية من آيات الله يستشعرها أهل التفكر، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].

خُلقت المرأة سكَناً للرجل، يتزوجها وهو من أغرب الناس عنها، لا تصله بها رَحِمٌ، ولا سابقُ علاقة، فتتخلَّقُ بينهما من المودة والرحمة ما ليس بينه وبين أقرب الناس إليه من ذوي رَحِمِه.

ولقد جُعلت الزوجات أماناتٍ بأيدي الأزواج، كما قال -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: "اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِة اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ"، ولا بد للأمانة أن تُسترعى، ولا بد للمؤتمن أن يُسأل عن أمانته؛ والزوجة في عصمة زوجها أمانة بما أوجب الله على زوجها من حق الرعاية والحماية والنفقة، ومن خيانة هذه الأمانةِ أن يضيعَ الزوجُ حقَّ زوجه، أو يقصد مضارَّتَها وتعليقَها، وليست الأمانة التي تُخان هي أمانةَ الأموال فحسب، بل كلُّ ما جُعل في عصتمك وذمَّتِك فهو أمانةٌ بيدك.

ومن آية المنافق أنه إذا اؤتمن خان. يقول الله محذِّراً:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال:27].

إن اعتبار المرأة أمانةٌ في عصمة الزوج لا يعني انتقاصَ مكانتِها، ولا تشبيهَها بالأمانات المستودَعة التي لا اختيار لها ولا إرادةَ ولا رأي، بل هي أمانة مكرَّمةٌ بما رُكِّب فيها من حاجة الرجل العاطفيةِ والنفسية، يسكن إليها، ويستأنس بها، ويستمتع معها، ولا يستغني عنها مهما كان غناه وسلطانُه وقوَّتُه، ومن هنا ترى المرأةُ في حاجة الرجل إليها من حيثُ المشاعرُ العاطفية ضَعْفَ الرجل ومَكْمَنَ قوتِها، وفي ذلك رفعٌ لمنزلتها، وإكرامٌ لها يعوِّضها عما نقص منها في الجوانب الأخرى.

وسمَّى الله النكاحَ ميثاقاً غليظاً، استُحِلَّتْ فيه الأبضاعُ بكلمة الله حين قال –جل جلاله-: (فانْكِحُوا ما طَابَ لكُم من النِّسَاء) [النساء:3].

والأصل في كل ميثاق التزامُ الصدق والنصحِ والوفاء، وتركُ الكذبِ والظلم والخديعة، ولذا كان الأصلُ في النكاح الاستدامةَ والسكنَ والاستقرار، يقاوم فيه الزوجان كلَّ ما يتهدد هذا السكنَ والاستقرار.

ولا بدَّ، تحقيقاً لذلك، من تنازلٍ عن بعض الحقوق، وإغضاءٍ عن بعض التقصير، وتجاوزٍ عن بعض الهَنَات والهفوات، وهكذا سياسةُ كلُّ شريكٍ حكيم، يرضى بالخسارة اليسيرة اتقاءً لخسارةٍ أكبر، والقاعدة الشرعية تنص على تفويت المصلحة الصغرى حفاظاً على المصلحة الكبرى.

وقد يستمسك الزوج بأدنى حقوقه، ويشتدُّ في مطالبته، فيكون ثمنُ ذلك خسارةَ سكنه واستقرارِه، يُخرِبُ بيته بيده، ويخاطر باستقرار بيته من أجل قضايا لا تستحق التصعيد.

ومن العجائب أن ترى الرجل يتجاوزُ عن بعض هفوات عُمَّاله في شركته مراعاةً لمصلحة العمل، واتقاءً لخسارة أعظم، ثم لا تراه يأخذ بهذه السياسة الحكيمة مع زوجته، فهو يدقق معها في الجليل والحقير، لا يتجاوز عن أدنى هفوة، ولا ينسى أدنى سقطة، يزن سلوكها بأدقِّ الموازين، ويحاسبها على القِطمير، يحاكمها بالظِّنَّة، وهي التهمة المجردة، ويغلِّب سوء الظن، ويعاملها بما لا يحب أن يُعامَل به.

ولو أُحصي عليه هذا الإحصاءُ الدقيق، وأُخذ بهذا الطريق، إذن لأدين عند أول محاسبة، ولوجد نفسه مداناً قبل أن يُدينَ غيرَه.

ولا أمان لبيتٍ ولا استقرار إذا كان الزوجُ يحصي على زوجته، والزوجةُ تحصي على زوجها. فالنقص جِبِلَّة، والخطأ وارد، والحكيم من يزن الأخطاء قبل أن يحاسب عليها، فيفاوت بين الخطأ اليسير والجليل، فالأمر على ما قال الشاعر:
ليسَ الغَبِيُّ بِسَيِّدٍ في قَوْمِهِ لكنَّ سَيِّدَ قَومِهِ الـمُتَغَابي!

وإنما حقيقةُ التغابي التغاضي، وإنما يسود المرء في قومه حين يتغاضى عن يسير الهفوات والأخطاء؛ مراعاةً لاجتماع الكلمة، وكسباً لقلوبهم حين يرونه يعاملهم معاملة الأخِ الناصح، وليس الشريكَ المدقِّق، ولذا قال الإمام أحمد: "تسعة أعشار حُسنِ الخلق في التغافل" وهو تكلُّفُ الغفلة مع العلم والإدراك لما يُتغافَل عنه؛ تكرُّماً وترفُّعاً عن الأمور المحقرة. ويقول الحسن البصري: ما زال التغافل من فعل الكرام". وقد قيل: ما استقصى كريم قط.

وهنا يجب التفريق بين أمرين يخلط بينهما كثيرٌ من الأزواج، وهما الإصلاح والمحاسبة، فالإصلاح في شأن العلاقة الزوجية طريقٌ ليس بالضرورة أن يمر بالمحاسبة والمساءلة، كما أن المحاسبةَ طريقٌ ليس بالضرورة أن يحقق الإصلاح.

والذي يصلح للحياة الزوجية إنما هو محاولةُ الإصلاح وليس المحاسبة، فشأن المحاسبة إنما تكون في استيفاء الحقوق التي قد تضيع بين الشركاء، أو المتبايعِين، ما لم يتحاسبوا بينهم.

إن باستطاعة الزوج أن يصلح من حال زوجته من غير أن يضطر إلى التدقيق والإحصاءِ والمحاسبة المباشرة، ومن تطبعت على خطأ فإن إصلاح شأنها لا يتأتَّى في يوم وليلة، ومهاد ذلك الصبر والأناة والتجمل، كما قال عمر –رضي الله عنه-: وجدنا خيرَ عيشنا بالصبر.

وكما يصبر الرجل في تربية ولده وتعليمه، فلْيصبر صبره كذلك مع زوجه، فإن صدق النية في الإصلاح والاستبقاء تستدعي ذلك، وأكثرَ منه.

وقبل أن يسأل الزوج الذي له، فعليه أن يؤدي الذي عليه، والذي على الزوج أن يعاشر زوجه بالمعروف، يحسن عشرتها ويؤدي لها حقوقها المعنوية والمادية، من حيث العاطفة والمعاملة والنفقة، وقد تسيء المرأة وتقصِّر ولا تبالي في حق من حقوق الزوج معاملةً له بالمثل، فكيف يُستصلَح منها هذا التقصير والزوجُ ما يزال على تقصيره وعدم مبالاته؟!.

(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) [الفرقان:74].

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

أما بعد: فإن من أهم مقومات إصلاح الزوجات واستصلاح البيوت تفهّمَ طبيعةِ المرأة، فللمرأة طبيعتها التي توافق وظيفتها وميولها العاطفية، كما أن للرجل طبيعتَه التي توافق وظيفته.

على الزوج في عشرته لزوجه أن يتذكر قوله -صلى الله عليه وسلم-: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ؛ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَه،ُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ".

إن هذه الحقيقة تستوجب أن يكون مَبْنَى الإصلاح على المقاربة وليس التسديد التام لخلل، فمهما حاول الزوج من إصلاح عِوَج الزوجة فسيظل فيها من العوج قدرٌ يجب التسليم به واحتماله؛ حتى تستقيم الحياة. فليؤخذ الاصلاح على أنه نسبيٌ وليس تاماً.

لقد أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- الأزواج إذا رأوا من زوجاتهم ما يسوء أن يتذكروا ما فيهن من محاسن الأخلاق، فقال: "لَا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً -أي لا يبغضها بغضاً مطلقاً- إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ".
اللهم أصلح حال بيوتنا...

 

 

 

 

المرفقات

استقرار الحياة الزوجية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات