ضرب لبنان

سامي بن خالد الحمود

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ أسلمة الصراع 2/ واجب المسلمين اليوم 3/ طريق النصر والعزة

اقتباس

إن أهم ما ينبغي التأكيد عليه هذه الأيام في خضم هذه الأحداث الرهيبة التي تحيط بأمتنا هو مسألة أسلَمة الصراع، والنظَر من زاوية واحدة لمجرَيات الأحداث، وهو أن هذه الحرب السافرة هي حرب دينية ، لها وجهان لعملة واحدة: وجه الصهيونية اليهودية التي ترفع لواءها إسرائيل، ووجه النصرانية الإنجيلية البروتستانتية، التي تمسك بمقودها أمريكا ..

 

 

 

 

أما بعد:

إخوتي في الله: يعيش إخواننا اليوم في فلسطين ولبنان ، زمنًا عصيبًا وجرحًا مميتًا وألمًا فظيعًا.. جثث متقطعة ، وبيوت مهدمة ، وأسر مشرّدة ، وأطفال يتامى ، ونساء ثكلى، وقد لا تسعفك الكلمات في القواميس عن وصف حالهم التي لا تُسرّ صديقًا ولا تجعل العدو حاسدًا.

إن أهم ما ينبغي التأكيد عليه هذه الأيام في خضم هذه الأحداث الرهيبة التي تحيط بأمتنا هو مسألة أسلَمة الصراع، والنظَر من زاوية واحدة لمجرَيات الأحداث، وهو أن هذه الحرب السافرة هي حرب دينية ، لها وجهان لعملة واحدة: وجه الصهيونية اليهودية التي ترفع لواءها إسرائيل، ووجه النصرانية الإنجيلية البروتستانتية، التي تمسك بمقودها أمريكا.
وصدق الله العليم الخبير:( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ) ...[البقرة:217]، (إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِلسُّوء وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ) ....[الممتحنة:2]، (وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَـانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ).... [البقرة:109]، (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَـارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ).... [البقرة:120]؟!

(وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـاتِلُونَكُمْ ) يبين النص بأنها مقاتلة مستمرة وأنها حرب شاملة، يقول عليه الصلاة والسلام: "تقوم الساعة والروم أكثر الناس" رواه أحمد ومسلم عن المستورد رضي الله عنه.

وعن جبير بن نفير أنه سأل ذا مخبر رضي الله عنه عن الهدنة، فقال: سمعت رسول الله يقول: "سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا فَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ فَتُنْصَرُونَ وَتَغْنَمُونَ وَتَسْلَمُونَ ، ثُمَّ تَرْجِعُونَ حَتَّى تَنْزِلُوا بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ ، فَيَرْفَعُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ الصَّلِيبَ ، فَيَقُولُ غَلَبَ الصَّلِيبُ ، فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَدُقُّهُ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ وَتَجْمَعُ لِلْمَلْحَمَةِ" رواه أبو داود وصححه الألباني.

لقد كانت أول مواجهة قتالية مع الصليبية في مؤتة في زمن النبي ، ثم عزم رسول على مواجهتهم في تبوك، ولم يُقدِّر الله تعالى قتالاً، ثم جاءت بعد ذلك الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الأمويين والعباسيين، فكانت المعارك الكبرى، كاليرموك ، وفتح بيت المقدس ، واستمرت الفتوحات الإسلامية حتى بلغت الأندلس، وأزال المسلمون حكم النصارى عنها، وبلغوا وسط فرنسا وحاصروا روما.

ومن جانب آخر كانت الحروب الصليبية الوحشية التي شهدت المذابح العظيمة ، وتخريب بلاد المسلمين ، وأخيراً كانت الهجمة الصليبية الاستعمارية التي احتلت بلاد المسلمين وقسمتها إلى دويلات.

وهاهو التاريخ اليوم يعيد نفسه؟! ويبقى الإسلام هو العدو الأول للغرب ، كما يقول "إيجيت روستو" مستشار الرئيس الأمريكي السابق جونسون عام 1967م: "الشيوعيون إخواننا، والأوربيون حلفاؤنا، واليهود أحبابنا، ونحن عدونا الإسلام"؟!.

ويقول "نكسون" يقول: "إننا لا نخشى الضربة النووية، ولكننا نخشى الإسلام والحرب العقائدية".

وفي 9/1/1994م صرّح المستشار الألماني "هيلموت كول بقوله: "لا يسعني إلا أن أنصح الصربيين والأوروبيين بأن يستيقظوا من سباتهم، هناك خطر حدوث مواجهة مع 800 مليون مسلم في العالم".

ويأتي الرئيس الأمريكي اليوم ليصف الحرب التي يخوضها في أفغانستان والعراق وكثير من الدول الإسلامية بدعوى محاربة الإرهاب بأنها حرب صليبية.. حتى وزير الدفاع "رامسفيلد" كان سبب اختياره لهذا المنصب هو أطروحة قدمها لوزارة الدفاع الأمريكية، رسم فيها سيناريو الحرب بين قوى الخير والشر، والتي ستؤدي إلى معركة هرمجدون.

ولهذا ليس غريباً على هذه الإدارة المتطرفة أن تقف اليوم مع المعتدي اليهودي ، وتبرر جرائمه ، وتستخدم حق الفيتو في إفشال أي قرار دولي يدين إسرائيل.

عباد الله.. الحرب بين الإسلام والصليبية على اختلاف أقنعتها وأنظمتها وأسمائها ستستمر إلى نزول عيسى عليه السلام، لأنها حرب عقدية. وهذا لا يعني التكاسل والتباطؤ؛ فلا ينبغي أن ننخدع بحوار الأديان ودعاوى السلام ونشر ثقافة المحبة؛ إذ الغرض من كل ذلك تخدير المسلمين.

واجب المسلمين اليوم ، المدافعة ومقاومة الكفر والبغي؛ لأن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، وهذا يُلزمنا بإعداد القوة ، كلِّ القوة؛ وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ.. وأعظم القوة ، القوة الإيمانية، يقول تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ).

نعم.. لينصرن الله مَن ينصر دينه، ويؤيد شريعته، ويعمل بكتابه، ويتّبع سنة رسوله.. وفي المقابل فإن الخزي والعار والذل والهوان لِمَن يترك دين الله ويهمل شريعته. سنة الله التي قد خلت في عباده ، ولن تجد لسنة الله تبديلاً ، والحمد لله رب العالمين.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ولي الصالحين.. ولا عدوان...

عباد الله..أمام هذه الأحداث والأزمات ، يتساءل كثير من المسلمين اليوم: ماذا نفعل؟ ومن المنقذ؟ وما سبيل النجاة؟

إنه لا خلاص للأمة من هذه الأزمات إلا بانقيادها لكتاب ربها واتباع سنة نبيها محمد ، فلقد كُتب لهذه الأمة حين تحيد عن الشرع أن تتقلب في الإهانات والمذلاّت، وأن تنتقل من هزيمة إلى هزيمة، كما كُتب لهذه الأمة حين تعتصم بحبل الله المتين أن ترتفع رايات نصرها وتعلو أبراج سؤددها. هذه حقيقة لا ينبغي أن تغيب عن الأذهان، ولا أن تُمنع عن سماعها الآذان، ولا أن تحجَب عن رؤيتها العينان.

فلنرفع الغطاء عن أنفسنا، ولنكشف الغشاوة عن أبصارنا، ولنفتح بالوعي أذهاننا، ولتكن حياتنا ملؤها التواصي بالحق ، والتعاون على البر والتقوى، كفانا نكباتٍ تجرح مشاعرنا، كفانا كوارثَ تهزّ كياننا، كفانا نكسات تسوّد وجوهنا.

أما يئسنا من تلمّس النصر عند البشر من دون الله؟! ألم نتّعظ من استجداء النصر من مجلس الأمن؟!

يا مسلمون.. ما الذل الذي أنتم فيه إلا بسبب أعمالكم، فهو زرع قدمتموه ، وهذا حصاده.

قولوا بالله عليكم: ما نتيجة الشركيات والبدع التي تنخر في جسد الأمة؟ ما نتيجة التهاون في الصلوات وإهمال الزكوات؟! ما نتيجة شرب المسكرات وتعاطي المخدرات؟! ما نتيجة سماع الأغاني الماجنات والترويجِ للغانيات الفاسقات؟! ما نتيجة إطلاق العنان لإرواء الملذات والجري وراء الشهوات؟! ما نتيجة الركون إلى الذين فسقوا ومداهنة الذين كفروا وموالاة الذين ظلموا؟! وماذا تنتظر الأمة بعد هذا؟!

إن ما تمر به الأمة اليوم ما هو إلا حصاد زرعٍ سابق ونتيجة سلوك ماضٍ، والنتيجة يراها الناس بأم أعينهم.

أمراض وعلل، وأوبئة أوصلت إلى الشلل؛ تعصف بجسد الأمة فتضعفه، وتنخر في إيمانه فتذيبه وتمحقه، وتنال من شموخ الأمة لتلّها. وفي المنطق السليم والعقل الرصين والفكر الرشيد أن المريض يبحث عن الدواء، وأن المعلول يفتش عن الاستشفاء.

ووالله، لا دواء للأمة إلا بشرع ربها، ولا شفاء إلا بكتاب بارئها، والرجوع إلى دينها.. نسأل الله أن يكون قريباً.

ألا وإن من حق إخواننا المنكوبين في فلسطين ولبنان أن نواسيهم في محنتهم وأن نمد لهم يد العون والمؤازرة ، وأن لا نبخل عليهم بدعوة صادقة أن ينصرهم ، ويكبت عدوهم.
اللهم صل على محمد...
 

 

 

 

 

المرفقات

لبنان

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات