صور من واقعنا لأخلاق حسنة وأخلاق سيئة (1)

حسام بن عبد العزيز الجبرين

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/ عظيم منزلة حسن الخلق 2/ أحاديث تحث على حسن الخلق 3/ صور واقعية من حياتنا لأخلاق حسنة 4/ ثمرات التحلي بتلك الأخلاق 5/ صور من حياتنا لأخلاق سيئة 6/ آثار تلك الأخلاق

اقتباس

فتعالوا إلى بعض الصور من حياتنا اليومية والتي ينبغي لنا أن نتحلى فيها بحسن الخلق؛ لننال الأجر ورفيع الدرجات، ولينتشر الخير والوداد بين الناس، فينال المسلم أجورا عظيمة في صحيفته، وليقترب من نبيه -عليه الصلاة والسلام- في الآخرة، وليكون المسلم قدوة يتأسى به غيره، ويُدخِل الأنس والبِشْر على عباده، ولتدرأ المشاكل وما يترتب عليها.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) [سبأ:1].

 

"ربنا لك الحمدُ ملءَ السماواتِ والأرضِ وملءَ ما شِئتَ من شيءٍ بعدُ، أهلَ الثناءِ والمجدِ، أحقُّ ما قال العبدُ، وكلُّنا لك عبدٌ. اللهم لا مانعَ لما أعطيتَ، ولا معطيَ لما منعتَ، ولا ينفعُ ذا الجَدِّ منك الجَدُّ".

 

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، من اتبعه واقتدى به تطهر قلبه، وجمل لفظه، وسمت نفسه، فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله، والتزود من الأعمال الصالحة، (فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ) [الأنبياء:94].

 

إخوة الإيمان: عبادات متفرقة، وأفعال متنوعة، يجمعها اسم، صاحبها حبيب إلى الرحمن، وأجرها ثقيل في الميزان، أخبرنا -عليه الصلاة والسلام- بأنه خيرنا، وأنه يحبه، وأنه قريب من مجلسه يوم القيامة، كما ضمن له -عليه الصلاة والسلام- بيتا في أعلى الجنة، هذا الأمر من متطلبات تزويج الخاطب، نعم، إنه حسن الخلق.

معشر الكرام: إليكم أربعة أحاديث تبين عظمة منزلة هذه العبادة، فعند مسلمٍ: "إنَّ من خيارِكم أحاسنكم أخلاقًا"، وفي رواية للبخاري: "إن خيارَكم أحاسنُكم أخلاقًا"، وفي حديث ثالث: "إنَّ أفضلَ شيءٍ في الميزانِ يومَ القيامةِ الخُلُقُ الحَسَنُ"، قال الألباني: صحيح الإسناد، وفي رابع: "إن مِن أحبِّكم إليَّ أحسنَكم أخلاقًا" أخرجه البخاري.

 

وسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- ربه حسن الخلق، فعند مسلم: "واهدِني لأحسنِ الأخلاقِ؛ لا يهدي لأحسنِها إلا أنت، واصرِفْ عني سيِّئَها؛ لا يصرفُ عني سيِّئَها إلا أنت".

إخوة الإيمان: فهذه الأحاديث تحث على الأخلاق الطيبة عموما، فتعالوا إلى بعض الصور من حياتنا اليومية والتي ينبغي لنا أن نتحلى فيها بحسن الخلق؛ لننال الأجر ورفيع الدرجات، ولينتشر الخير والوداد بين الناس، فينال المسلم أجورا عظيمة في صحيفته، وليقترب من نبيه -عليه الصلاة والسلام- في الآخرة، وليكون المسلم قدوة يتأسى به غيره، ويُدخِل الأنس والبِشْر على عباده، ولتدرأ المشاكل وما يترتب عليها.

معشر الكرام: الأخلاق الحسنة تظهر في القيادة، فمن ذلك: إذا كان أمام المرء وهو يقود سيارته امرأة أو طفل أن يعطيهم المجال للعبور، ومما يتعلق بالقيادة تخفيف السرعة وإفساح المجال لمن أراد الدخول في الطريق المزدحم، فربما وقف أحدنا عند صرافة أو متجر ثم أراد الدخول وسلوك الطريق، فيجد أحيانا واديا يجري من السيارات، فيأتي من يتنازل ويخفف سرعته ليفسح لك المجال فيلهج لسانك بالدعاء له!.

 

ومما يتعلق بالقيادة: استخدام الإشارة المنبهة لمن أراد الانعطاف يمينا أو شمالا؛ وهي سبب للوقاية من الحوادث بإذن الله.

 

ومن محاسن الأخلاق المتعلقة بالقيادة إعطاء صاحب الحق حقه، فمثلا: عند الدوار، يكون بعدم الخروج على من في الدوار، وهو القادم من يسارك.

من الأخلاق الحسنة: كرم المشاعر؛ فحين يبادر أحد بفكرة طيبة ينبغي أن يشجع ويشكر ويدعى له، وكذا الموظف الذي يتفانى في عمله وخدمة غيره، وكذا المرن المتعاون من القرابة أو الزملاء أو غيرهم. وكرم المشاعر باب واسع.

ومن محاسن الأخلاق: احترام الصغار، والتفاعل معهم، والاهتمام باهتماماتهم: "يا أبا عمير، ما فعل النغير؟"، وكذا احترام العمال والخدم والخادمات.

 
من الأخلاق الحسنة: التفاعل مع الآخرين، فحين تقرأ أو تسمع أو تشاهد مادة مميزة فأشعر المرسل أو الكاتب أو المتكلم بإعجابك أو دعائك، أو نَشرك لذلك، فهذا مما يسره ويشجعه.

من الأخلاق الحسنة: إدخال السرور على الآخرين، فحين تتذوق الطعام الجيد والطهي الرائع أشكر من قدمه وادع وبرّك، وكم تتعب أمهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا بطهي أطعمة وربما مضت أسابيع لم يسمعوا كلمة تدخل السرور عليهم!.

 

وحين يبذل الأهل جهدا للتنظيف أو الترتيب فإنهم ينتظرون كلمة تخفف عناءهم وتسر خواطرهم، وأنت تكسب الأجر ولم تخسر شيئا، بل أثره الإيجابي يعود عليك وعلى بيتك.

 
ومن الخلق الكريم: غض البصر عن محارم الناس عند المدارس أو قصور الأفراح أو غيرها، بل من المروءة غضه عن أمتعة الناس ومشترياتهم في الأسواق.

 
ومن محاسن الخلق: الاهتمام بنظافة الجسم والثياب وطيب الرائحة، وفي العادة أن المرء يتعطر إذا أراد ملاقاة الناس! أليس من الجميل إذا أعجب الزوج مثلا عطر أهله أن يثني عليه؟ وإذا أعجب الضيف البخور أن يشيد به؟.

 
ومن الأخلاق الطيبة: الإنصات لمن يحدثك وعدم مقاطعته، يقول ابن عباس: "لجليسي عليّ ثلاث: أن أرميه بطرفي إذا أقبل، وأن أوسع له في المجلس، وأن أصغي إليه إذا تحدث".

 
أيها الأحبة: ولا شك أن أمهات الأخلاق جاء في الحث عليها نصوص كثيرة: كالبذل، والكرم، والصدق، والحلم، والتواضع، والبشاشة، ولين الجانب، والسلام، والعفو، والصبر، وغيرها. وكثيرا ما يأتي ذكرها في الآيات والأحاديث.

"اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنِها إلا أنت، واصرِفْ عنا سيِّئَها لا يصرفُ عنا سيِّئَها إلا أنت". واستغفروا الله؛ إنه عفو غفور.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله القائل عن رسوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]، وصلى الله وسلم على نبيه القائل: "إن مِن أحبِّكم إليَّ أحسنَكم أخلاقًا"، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فالمرء لا يتم له حسن الخلق إلا باجتناب سيئ الأخلاق، وسأعرض بعض الأمثلة من الواقع، ونسأل الله التوفيق.

 

فمنها: توسيخ المنتزهات، تأتي المكان البري الجميل فترى سفرة طعام على شجرة وعلب ماء مبعثرة وأكياس بلاستيك عالقة في الشجيرات، مشوهة جمال المكان، مضرة الماشية، وفي الحديث الصحيح: "كُفَّ شَرَّكَ عنِ الناسِ، فإِنَّها صدَقَةٌ منكَ على نفسِكَ".

ومن الظواهر السيئة: رمي العلب أو المناديل أو الأكياس من نافذة السيارة، وأسوأ منها رمي الزجاج.

ومما يتعلق بالقيادة من مساوئ الأخلاق: استخدام الأنوار العالية، وكذا استخدام المنبه بأكثر من الحاجة، ومن الظواهر السيئة إغلاق الطريق على من يريد الاتجاه يمينا عند الإشارة، ومن الظواهر السيئة عكس السير في الطرق، وربما كان طريقا عاما فيعرض نفسه وغيره للخطر، وربما سنّ سنة سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها.

ومما يتعلق بالقيادة من الظواهر السلبية: الإغلاق على الآخرين في الأماكن المزدحمة، بل ربما أغلق ونزل في المطعم ولم يرجع إلا بعد ربع ساعة أو نصف ساعة!.

 
ومن الظواهر السلبية مما يتعلق بالقيادة: الوقوف الخاطئ سواء، أكان وقوف السيارة مائلا قد استولى على موقفين، أو كان وقوفه بين خطوط موقفي سيارة؛ إذ بالتأكيد سيضيع موقف سيارة الناس في حاجة إليه، وبالذات في مثل المستشفى الكبير والمطار والجامع.

ومن الأخلاق السيئة: عدم المحافظة على الممتلكات العامة، بالكتابة على الجدران، أو بترك النفايات، أو بالتخريب. وإنك لتعجب أشد العجب ممن يتلف صنابير دورات المياه أو أنوارها! هل في إتلافها متعة؟ وهل في إتلافها فائدة؟ ألا يعلم أنه محاسب، ألا يخشى دعوة تصيبه؟!.

 
ومن الأخلاق السيئة: الفظاظة والغلظة، كيف وقد قيل للمؤيد بالوحي: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران:159].

وبعد: عباد الله، قد اجتهدت، فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمن نفسي والشيطان.

 

ثم صلوا وسلموا...

 

 

المرفقات

من واقعنا لأخلاق حسنة وسيئة (1)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات