صناعة العقل

ناصر بن محمد الأحمد

2015-09-28 - 1436/12/15
عناصر الخطبة
1/ نعمة العقل في ميزان الشرع 2/ العقل هو مناط التكليف 3/ ستةُ وقفات مع نعمة العقل 4/ أبرز مظاهر تكريم الإسلام للعقل والاهتمامُ به 5/ مجالات العقل وحدوده 6/ منع الإسلام العقل من الخوض في أربعة أمور 7/ مجالات استخدامات العقول اليوم متنوعة متعددة 8/ هل استطاع اليهود تهويد العقل العربي؟ 9/ أبرز الجوانب التي خططت يهود لتهويد العقل العربي 10/ شدة حاجة الأمة إلى العقول المبدعة.

اقتباس

إن الأمة اليوم بحاجة إلى عقول مبدعة، لا نريد عقولاً تفكر فحسب، بل نحن بحاجة إلى إبداع في التفكير، حقاً إننا نعيش اليوم أزمة العقل المبدع، لقد سأم الناس من الروتين والتكرار، والتجديد والإبداع في الطرح ضمن دائرة الشريعة وداخل حدوده وضمن ضوابطه أمر مطلوب، لكن السؤال مرة أخرى أين هي العقول المبدعة؟! يُذكر أن شاحنة عالية دخلت تحت جسر فالتحم أعلاها بالجسر بحيث لا يمكن تحركها دون أن يتأثر الجسر، وفي أثناء حيرة رجال الإنقاذ في كيفية إخراجها تقدم طفل صغير ...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله..

 

أما بعد: أيها المسلمون: إن من جملة كبريات النعم التي أنعم الله بها على الإنسان بشكل عام، والمسلم بشكل خاص نعمة العقل، قال الله –تعالى-: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 78].

 

وليس ثمة دين يقوم على احترام العقل الإنساني والاعتزازُ به والمحافظة عليه كدين الإسلام. بل إنك لتعجب من كثرة ما يرد في كتاب الله من الآيات التي تتحدث عن العقل ودوره وأهميته: (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [النور: 61] (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21] (لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) [الأنعام: 98]، ومثل هذا كثير في القرآن.

 

اعلموا -رحمني الله وإياكم- بأن العقل هو مناط التكليف، ولا تكليف لمن لا عقل له لحديث: "رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق".

 

إن العقل البشري نعمة عظمى من الله -جل وعلا-، وله قدرات هائلة أكثر مما يُظن. ويمكن القول: بأن العقل أشبه بعملاق نائم! وقد دلّت الدراسات النفسية والتربوية وأبحاث الكيمياء والفيزياء والرياضيات أن ما تم استخدامه من إمكانات العقل إلى اليوم لا يزيد على 1% من إمكاناته الحقيقية.

 

أيها المسلمون: ولنا مع نعمة العقل ستةُ وقفات، كل وقفة تعالج جانباً أو قضية معينة لها علاقة بالعقل.

 

الوقفة الأولى: لقد أكرمت الشريعة الإسلامية هذا العقل أيما تكريم، وإليك أبرز مظاهر تكريم الإسلام للعقل والاهتمامُ به:

 

أولاً: قيام الدعوة إلى الإيمان على الإقناع العقلي. فلم يطلب الإسلام من الإنسان أن يطفئ مصباح عقله ويعتقد. بل دعاه إلى إعمال ذهنه وتشغيل طاقته العقلية في سبيل وصولها إلى أمور مقنعة في شؤون حياتها: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [ص: 29].

 

ثانياً: لم يجبر الإسلام العقل على الإيمان، وإنما ترك له الخيار بين الإيمان والكفر:  (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف: 29] وبعدها يتحمل المرء تبعات اختياره.

 

ثالثاً: ذم الإسلام ذلك العقل الذي يقلد دون أن يُعمل ذهنه، وحذّر من التقليد الأعمى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) [البقرة: 170].

 

رابعاً: أمر الإسلام العقل أن يتعلم وحثّه على ذلك، لأن نمو العقل بالعلم: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11].

 

خامساً: من مظاهر تكريم الإسلام للعقل والمحافظةُ عليه، أنه نهى عن كل ما يؤثر في سيره أو يغطيه فضلاً عما يزيله، لذلك حرّم الإسلام شرب الخمر، بل وحرم كل مسكر، بل وامتد التحريم إلى الكمية التي لا تسكر منها فقال عليه الصلاة والسلام: "ما أسكر كثيره فقليله حرام" كل هذا حفاظاً على العقل وعلى بقائه.

 

الوقفة الثانية: ومع تقدير الإسلام للعقل إلا أن الشرع قد حدد للعقل مجالاتُه التي يخوض فيها حتى لا يضل. وفي هذا تكريم له أيضاً، لأن العقل مهما بلغ فهو محدود الطاقات والملكات، لا يستطيع أن يدرك كل الحقائق مهما أوتي من قدرة. وسيظل بعيداً عن متناول كثير من الأشياء.

 

وإذا حاول الخوض فيها التبست عليه الأمور، وتخبط في الظلمات، وركب متن العديد من الأخطار، لذا منع الإسلام العقل من الخوض في أربعة أمور: التفكير في ذات الله، والتفكير في القدَر، والتشريع من دون الله، ومحاولة معرفة حقائق الغيب.

 

فهذه الأمور الأربعة ضلال العقل فيها متحتم لو دخلها، ولهذا جاء النهي عن الخوضُ فيها. وما ضلال وفساد ما يسمى بالمدرسة العقلية، إلا بتغليب جانب العقل والتضخيم من حجمه، وتقديم العقل على النقل، فحصل منهم التخبطات التي ليس هذا مجال التفصيل فيها.

 

لذا فأمَر الإسلام العقل بالاستسلام والامتثال للنقل والشرع والوحي، حتى ولو لم يدرك الحكمة والسبب. ولذا يخطئ كثير من الناس، بل وينحرف إذا صار لا يسير مع الشرع إلا بما اقتنع به عقله. وما غواية إبليس إلا من هذا الباب، وهو أنه لما أمره الله بالسجود لآدم لم يمتثل، واستبد برأيه ونظر للقضية من باب: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [الأعراف: 12]، فلم يمتثل للأمر طلباً للسبب الذي لأجله يسجد الفاضل للمفضول حسب عقله، فكانت اللعنة عليه إلى يوم الدين.

 

فبعض الناس قد يؤتيه الله عقلاً، وتكون عقليته نادرة، فيصاب بالغرور من هذا الباب فيخرج من الدين -والعياذ بالله- وهو لا يشعر لأنه لا يُسلم عقله للشرع والدين والعلم. ومن أجمل ما قيل في ذلك هذه المحاورة بين العقل والعلم:

علم العليم وعقل العاقل اختصما *** من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا

فالعلم قال: أنا أدركت غايته *** والعقل قال أنا الرحمن بي عُرفا

فأفصح العلم إفصاحاً وقال له: *** بأينا الله في قرآنه اتصفا؟

فبان للعقل أن العلم سيده *** فقبَّل العقلُ رأسَ العلم وانصرفا

 

الوقفة الثالثة: ما من جدال بين عاقلين، بأن أوضاع المجتمعات تتغير وتتبدل، ومن ذلك عقليات الناس ونمط تفكيرهم ومستوى عقولهم، وما يقبلون وما لا يقبلون، وما ينطلي عليهم وما لا ينطلي. فمثلاً ما كان يقال لبعض المجتمعات قبل سنوات وكان مقبولاً، أصبحت أبسط العقول تمجه اليوم، وما كان يمرر، أصبح من الصعب الآن إمراره إذا كان بنفس الطرح السابق.

 

ولهذا فهناك مؤسسات عالمية ضخمة يُنفق عليها بالملايين في دول كبرى، عملها هو تقديم دراسات عن نمط تفكير الناس وعقليات الشعوب، وذلك من أجل أن يقدمَ لها ما يناسبها. حتى مصانع السلع التجارية والاستهلاكية تَصرف الملايين من أجل دراسات حول عقليات المجتمعات وأذواقُهم وما يقبلون وما لا يقبلون.

 

خذ على سبيل المثال: الطرح الإعلامي، وقارن بين ما كان يقال قبل سنوات في قنوات العالم وما يقال الآن، تجد فرقاً هائلاً في الانفتاح والمصارحة والتوثيق، كل هذا يدل على نمطية عقول الناس اليوم، وأنها لا تقبل إلا الموثق الصريح، وأصبحت تعرف وتميز لهجة التمويه والتحايل والتكتم.

 

الوقفة الرابعة: إن استخدامات العقول اليوم متنوعة متعددة، أولئك الذين وهبهم الله عقولاً فذّة، وعبقرية متّقدة، يمكن أن نقسمهم إلى ثلاثة أقسام:

 

القسم الأول: العقول الربانية. وأصحاب هذه العقول هم الذين جعلوا همهم الآخرة، إذا قاموا فمن أجل الدين، وإذا قعدوا فمن أجله كذلك، وهذه العقول، هي عقول العلماء والدعاة وطلاب العلم ومصلحي الأمة والكتّاب والمفكرين، أولئك الذين استخدموا عقولهم وسخروها فيما يرضي الله -جل وتعالى-، وجعلوا كل تفكيرهم فيما ينفع الأمة ويصلح من أحوالها ويغيّر حالها.

 

هذه الفئة لا شك أنهم أفضل الناس للناس، إنهم لا يعيشون لأنفسهم، إنما يعيشون لغيرهم، وكم هي المنّة من الله والخير لهذا الإنسان الذي قد وهب عقله وسخرها لتعليم آية، أو بيان حكم، أو إزالة منكر، أو أمر لإصلاح وضع: (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) [ص: 46].

 

القسم الثاني من العقول: العقول الحيوانية: وأصحاب هذه العقول قد مُنحوا عقولاً وتفكيراً وذكاءً، لكن اهتماماتهم هي نفس اهتمامات الحيوان، الأكل والشرب والنكاح، كما قال سبحانه: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) [محمد: 12]، هذه العقول تعيش لنفسها، ولا تفكر إلا في ذاتها، تفاعلاتها سلبية مع أوضاع وأحداث الأمة، ونسبة هؤلاء مع كل أسف غير قليل في الأمة، فاحذر أخي المسلم أن تُصنّف مع هؤلاء.

 

القسم الثالث: العقول المجرمة. وأصحاب هذه العقول هم الذين سخّروا عقولهم وذكاءهم ونباهتهم في محاربة الدين، والصد عن سبيل الله، ووقفوا ضد تيار الإصلاح، وهؤلاء على درجات وأصناف: منهم العلماني الحاقد، ومنهم المسلم الخبيث، ومنهم المنافق اللئيم، يتظاهر بالصلاح والإصلاح وهو من أشد أعداء الإصلاح، وبين كل درجة ودرجة من هؤلاء أقسام وأقسام، كل بحسبه، الجامع بينهم، هو تحريك هذه العقول وتوظيفها في مقاومة ومحاربة الدعوة من الانتشار، ومنع الصحوة من التمدد، ولكن -ومع كل أسف- مع ما أعطوا من عقول، فإن عقولهم لم تكشف لهم بعد، بأن دين الله لا يُغالب، وأن مكرهم وكيدهم سينقلب عليهم: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30]، (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) [الطارق: 15- 17].

 

بارك الله..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله..

 

أما بعد: أيها المسلمون: الوقفة الخامسة: لقد تمكن اليهود من السيطرة على الغرب من خلال السيطرة على وسائل الإعلام لديهم، فمكّنهم ذلك من السيطرة على العقل الغربي، تغلغل اليهود في إعلام الدول الغربية، فأصبح يوجه العقل الغربي كما يريد حكومةً وشعباً، فأصبح الجميع يحرص على رضى اليهود والتقرب إليهم والركوع تحت أعتابهم، وهذا أمر لا يحتاج إلى دليل ولا برهان.

 

 وما هذا الدعم اللامحدود لدولة ما يسمى بإسرائيل من قبل الغرب بشكل عام ودولة عاد بشكل خاص إلاّ دليل على ذلك، فتوصل اليهود إلى تحقيق حلم كانوا يخططون له منذ أمد، وهو ما يطلق عليه البعض بـ "تهويد العقل الغربي" إن صح التعبير.

 

لكن السؤال! هل استطاع اليهود تهويد العقل العربي كما استطاعوا تهويد العقل الغربي، وهل تحقق لهم الحلم الثاني كما تحقق الأول؟

 

الجواب: نعم تحقق الحلم الثاني كالأول، وإليك أبرز الجوانب التي خططت يهود لتهويد العقل العربي:

 

أولاً: فرض سياسة التطبيع والترويج لثقافة السلام، وعرضُها بألوان براقة خادعة، وتبع ذلك حصار إعلامي محكم لكل الأقلام التي تخالف هذا التوجه، والسعي لتهميشها وعزلها، ومنع نشر كل ما يسيء لما يسمى بدولة إسرائيل.

 

وأصبح معارضو التطبيع في حس هؤلاء: من الخارجين عن الصف العربي، ومن المتحجرين الجامدين على الماضي الذين وقفوا على أطلاله، ولم يستطيعوا استيعاب المتغيرات الهائلة والمتسارعة التي تحدث في العالم.

 

ثانياً: الدعوة إلى مسح ذاكرة العقل العربي، وإهالة التراب على تاريخٍ دمويٍ طويلٍ حافلٍ بالوحشية والتسلط والطغيان. فالحروب العربية الإسرائيلية، وعشرات المذابح التي مرت، أحاديث عفا عليها الزمن قام بها مجموعة من المتطرفين اليهود الذين لفظتهم الأيام، ولم يبق إلا صوت الحمائم الوديعة التي تؤمن بالإخاء والتعايش السلمي الذي تمليه المصالح المشتركة - زعموا -.

 

ثالثاً: طمس معالم الصراع العسكري مع إسرائيل، والتهوين من شأن الترسانة النووية الهائلة التي يملكها اليهود، والتغاضي عن كافة الأسلحة الجرثومية والكيميائية الفتاكة المحرمة في زعمهم دوليّاً،  والترويج لاستبعاد إمكانية قيام أي حرب قادمة مع إسرائيل ما دمنا نتقدم في خطوات جادة نحو السلام المزعوم، ولا ندري بماذا نفسر الأحداث الجارية الآن على أرض فلسطين.

 

رابعاً: الدعوة إلى فتح الأسواق العربية لإسرائيل، وجعلها شريكاً استراتيجياً لتنمية الاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، والدعوة لإقامة سوق شرق أوسطية مشتركة يتبادل فيها العرب وإسرائيل المنافع الاقتصادية!.

 

خامساً: الاستجابة للدعوات اليهودية المطالبة بتغيير كل ما يتعلق باليهود من المناهج التعليمية، واستبدالها بنصوص أخرى تدعو إلى إحياء السلام والتعاون. فتاريخ صلاح الدين الأيوبي، ومعركة حطين، والحروب الصليبية، بل حتى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تتحدث عن اليهود، كل ذلك لا يتلاءم مع روح الانفتاح والوئام، ويجب علينا أن نبادر إلى تغييرها وإزالتها من العقلية العربية، ونحيي ثقافة السلام والتبادل الثقافي والحضاري.

 

وإذا كان لا بد من دراسة التاريخ فلْيُدرسْ من خلال التاريخ الفرعوني. وحضارات ما قبل الإسلام في نظر هؤلاء هي الأنموذج الأمثل الذي يمكن أن يربى عليها الشعب العربي.

 

هذه بعض الجوانب التي خطط لها يهود لتهويد العقل العربي، والمتأمل في الواقع اليوم يرى أن كثيراً مما ذكر قد تحقق والله المستعان.

 

الوقفة السادسة: إن الأمة اليوم بحاجة إلى عقول مبدعة، لا نريد عقولاً تفكر فحسب، بل نحن بحاجة إلى إبداع في التفكير، حقاً إننا نعيش اليوم أزمة العقل المبدع، لقد سأم الناس من الروتين والتكرار، والتجديد والإبداع في الطرح ضمن دائرة الشريعة وداخل حدوده وضمن ضوابطه أمر مطلوب، لكن السؤال مرة أخرى أين هي العقول المبدعة؟!

 

إن على المصلحين والمربيين أن يعتقدوا اعتقاداً جازماً أنه ما من ظرف أو حالة أو موضوع، إلا ويمكن إدخال شيء من الإصلاح عليه أكثر مما هو عليه، فقط يحتاج إلى إعمال العقل. إن إدخال مثل هذا الاعتقاد في مُرَكّبنا العقلي ضروري جداً لمقاومة سلسلة الإحباطات التي تواجه المسلم في حياته.

 

 ونحن تشتد حاجتنا إلى التفكير والإبداع، لأننا في مجتمع تعوّد الرتابة وتعود أن يتلقى الأشياء وأحياناً الأفكار معلبة وجاهزة.

 

ولا يشترط في الفكرة الإبداعية أن تكون مركبة ومعقدة بحيث لا يستطيع إبداعها إلا من كان صاحب تأهيل علمي في ذلك المجال، بل إن الأمر أسهل من ذلك بكثير، بحيث يتعجب بعض من يراها كيف لم يتفطن لها من قبل؟

 

يُذكر أن شاحنة عالية دخلت تحت جسر فالتحم أعلاها بالجسر بحيث لا يمكن تحركها دون أن يتأثر الجسر، وفي أثناء حيرة رجال الإنقاذ في كيفية إخراجها تقدم طفل صغير إلى أحد رجال الشرطة وهو يستفسر عن سبب الحيرة، وعندما أخبره، رد عليه الطفل بسرعة قائلاً: فرّغوا إطارات الشاحنة من الهواء وكان ذلك هو الحل الوحيد.

 

المشكلة هو أننا لم نتعود على تحريك هذا العقل، ونظن أن الفكرة الإبداعية لا بد أن تكون جديدة من أصلها، وهذا أمر خاطئ. ونظن بأن الإبداع إنما هو من نصيب الأذكياء والموهوبين، وهذا أيضاً أمر خاطئ، ونخاف من الإخفاق، ولن يكون مبدعاً من لم يكن شجاعاً في تفكيره، والانهزام المؤقت ليس إخفاقاً وقد قيل: لولا المشقة لساد الناسُ كلُهم.

 

ويذكر أن "إديسون" اخترع المصباح الكهربائي بعد أن أجرى أكثر من ألف تجربة غير ناجحة. وأن ابن سينا قال: قرأت كتاب "ما بعد الطبيعة" لأرسطو فما فهمته حتى قرأته أربعين مرة.

 

ويكاد المبدعون أن يجمعوا أنهم واجهوا في بداياتهم إحباطات وصعوبات وإخفاقات كادت أن تُقعدهم عن الاستمرار.

 

اللهم..

 

 

المرفقات

العقل

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات