صنائع المعروف

خالد بن سعد الخشلان

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ فضل بذل المعروف 2/ حث الشرع عليه 3/ من صوره 4/ تمثّل معانيه في هدي النبي الكريم 5/ من ثماره 6/ قيام المملكة بواجبها تجاه إخوانها المنكوبين

اقتباس

من صفات المسلم التي بها ينبل ويشرف ويرتفع قدره في الدنيا والآخرة، بذله للمعروف، وحرصه على نشر الخير وإغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم، وتفريج كرب المكروبين؛ هذه الصفات الجميلة، والأخلاق الكريمة، التي دعا إليها الإسلام ورغب فيها، وأمر المسلمين بها، ورغبهم وحثهم على فعلها، إنها الصفات التي تخلص النفوس من أمراض الشح والبخل والأثرة، وتطهرها من الحسد والحقد والغل والشحناء والكبر والتعالي، إنها الصفات التي متى حلت في مجتمع نشرت الرحمة والمواساة والحب بين أفراده.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، ومن تبعهم واكتفى، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

أما بعد: إن خير ما يكسب العبد الفوز بجنة الله والنجاة من ناره، ونيل الدرجات العلى في الآخرة، والظفر برؤية وجه الله الكريم، ويحقق للعبد في دنياه السعادة والطمأنينة وانشراح الصدر وهدوء النفس، تقوى الله -عز وجل-، تقوى الله في صغير الأمر وكبيره، ودقيقه وجليله، ألا فاتقوا الله -عباد الله- بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وأداء فرائضه، والابتعاد عن محارمه، والاستقامة على دينه؛ فإن ذلك أساس كل خير في الدنيا والآخرة.

 

(يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال:29].

 

رزقني الله وإياكم تقواه، وبلغنا محبته ورضاه، وجعلنا من أهل جنته ودار كرامته؛ إنه سميع مجيب.

 

عباد الله: من صفات المسلم التي بها ينبل ويشرف ويرتفع قدره في الدنيا والآخرة، بذله للمعروف، وحرصه على نشر الخير وإغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم، وتفريج كرب المكروبين؛ هذه الصفات الجميلة، والأخلاق الكريمة، التي دعا إليها الإسلام ورغب فيها، وأمر المسلمين بها، ورغبهم وحثهم على فعلها، إنها الصفات التي تخلص النفوس من أمراض الشح والبخل والأثرة، وتطهرها من الحسد والحقد والغل والشحناء والكبر والتعالي، إنها الصفات التي متى حلت في مجتمع نشرت الرحمة والمواساة والحب بين أفراده.

 

وإن المتأمل لنصوص الوحيين، الكتاب والسنة، يلحظ أنهما مليئان بالنصوص الحاثة على هذه الصفات الجميلة والأفعال الحميدة، يقول ربكم -عز وجل- في آية جامعة شاملة: (وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة:195]، ويقول -سبحانه-: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [البقرة:245]،

ويقول -سبحانه-: (إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ)، إلى غير ذلك من النصوص التي تحث على الإحسان، وبذل المعروف والصدقة.

 

وأما السنة فمنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه. ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة".

 

فانظر -يا عبد الله- إلى عظيم الأجر الذي رتب على هذه الخصال العظيمة، حيث يهنأ المتصف بها بتفريج الله لكرباته، وستره يوم العرض عليه يوم القيامة، وكونه يجد ربه معينا له في قضاء حوائجه، كما كان معينا لإخوانه المسلمين لقضاء حوائجهم، وتفريج كربهم.

 

وفي حديث آخر يؤكد النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذه المعاني العظيمة بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن نفّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".

 

وأي مسلم لا يبتغي أن يكون الله في عونه؟ "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"، ومن تحقق له عون الله توالت عليه الخيرات، وتيسر له ما عسر، وذلل له ما صعب.

 

وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "على كُل نفس في كل يوم طلعت فيه الشمس صدقة منه على نفسه"، قلت: يا رسول الله، مَن أين أتصدق وليس لنا أموال؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن من أبواب الصدقة التكبير، وسبحان الله، والحمد لله، وأستغفر الله، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتعزل الشوكة عن طريق الناس والعظم والحجر، وتهدي الأعمى، وتسمع الأصم والأبكم حتى يفقه، وتدل المستدل على حاجته قد علمت مكانها، وتسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث، وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف، كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك".

 

لقد كانت هذه المعاني العظيمة متمثلة في هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وسيرته، وفي قصة بدء الوحي لما أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- جبريل في الغار وأقرأه القرآن فرجع به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد أم المؤمنين -رضي الله عنها- فقال: "زملوني زملوني"، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: "لقد خشيت على نفسي"، فقالت خديجة: "كلا! أبشر! فوالله لا يخزيك الله أبدا! والله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".  هذه بعض صفاته -صلى الله عليه وسلم- قبل النبوة والرسالة؛ فكيف به -صلى الله عليه وسلم- وقد حاز شرف النبوة والرسالة؟.

 

لقد كان -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه، بل ومع الناس أجمعين، مضرب الأسوة والمثل في بذله للمعروف، وتيسيره ورحمته، وسعيه بالخير بين الناس أجمعين.

 

وعلى هذه المعاني العظيمة سار صحابته -رضوان الله عليهم-، والتابعون لهم، وخيار الأمة وصلحاؤها، وإلى زماننا هذا ونحن نسمع عن كثير ممن يتنافسون في بذل المعروف، وإغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم، والوقوف مع المحتاج.

 

ولقد كان -بحمد الله- لهذه البلاد، قيادة وشعبا، كان لها قصب السبق والريادة في هذه المعاني في الوقوف مع الشعوب المظلومة، ونصرة المظلومين، وإغاثة الملهوفين، وتفريج كرب اليتامى والأرامل والمساكين.

 

وما مركز الملك سلمان للأعمال الإنسانية إلا شاهد على ما تقدمه هذه البلاد للمسلمين في أنحاء العالم في اليمن وسوريا وغيرها من بلاد المسلمين، تقوم هذه البلاد المباركة بهذا الدور وهي تراه واجبا من واجباتها تجاه المسلمين وقضاياهم في العالم، دون مَنّ ولا أذى.

 

فرسالة المملكة العربية السعودية رسالة السلام والخير والحب والإعمار والتنمية، بخلاف الدولة الصفوية، التي ما تدخلت في بلد إلا ونشرت الخراب والدمار والقتل والتشريد، كما هو الحال في اليمن وسوريا ولبنان، وغيرها من بلدان المسلمين.

 

فنسأل الله -عز وجل- أن يزيد هذه البلاد خيرا وتوفيقا وتسديدا لمواصلة دورها للوقوف مع إخوانها المسلمين في كل مكان، وأن يجعل ذلك من أسباب قوتها ومنعتها وكف السوء عنها؛ إنه على كل شيء قدير.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. 

 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.

 

عباد الله: لو لم يحصل من بذل المعروف والإحسان، لو لم يحصل من تفريج كرب المكروبين والتيسير على المعسرين، لو لم يحصل من مواساة اليتامى والأرامل والمساكين، لو لم يحصل من ذلك كله إلا كسب رضا الله -عز وجل-؛ لكان ذلك أعظم باعث على فعل هذه الأمور، فكيف إذا كانت تلك الأفعال وتلك الصفات الحميدة من أعظم أسباب نشر المحبة والألفة بين المسلمين؟ وكيف إذا كان ذلك من أسباب تحقيق نصر الله ومعونته وحصول مدده وعونه؟.

 

بل إن الله -عز وجل- ييسر لعباده الباذلين المعروف والإحسان، ييسر لهم، بل يقف معهم إذا ضاقت الأمور، واشتدت عليهم الكروب، ييسر الله -سبحانه وتعالى- من عباده من يفرج كربهم، وينفس همومهم؛ لأن الجزاء من جنس العمل، وقد روي في الحديث: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء".

 

فمن أغاث الناس وأعانهم لا بد من أن يعينه ربه، بل من أعظم أسباب زيادة النعم واستمرارها القيام بواجب شكرها، بإغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم، وإعانة المحتاج، وفي الحديث: "إن لله عند أقوام نعماً أقرها عندهم ما كانوا في حوائج المسلمين، ما لم يملوهم، فإذا ملوهم نقلها إلى غيرهم".

 

فنسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من الشاكرين لنعمه، الملازمين لها في سبيل المعروف، وأن يعيننا على القيام بواجبنا تجاه إخواننا المستضعفين في كل مكان؛ إنه على كل شيء قدير.

 

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]. وقال -عليه الصلاة والسلام-: "من صلى عليّ صلاةً صلى الله عليه بها عشرة".

 

اللهم صل وسلم وبارك...

 

 

المرفقات

المعروف5

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات