عناصر الخطبة
1/جرائم الاحتلال متواصلة في حق الشعب الفلسطيني 2/اعتداء المستوطنين اليهود على الفلسطينيين وممتلكاتهم 3/صمود الشعب الفلسطيني رغم كل ما يعانيه 4/تحية إعزاز وإكبار للأسرى ونساء فلسطين الحرائر الصامدات 5/المسجد الأقصى للمسلمين وحدهماقتباس
إنَّه كلما ازدادت أزمة المستوطنين على أبناء شعبنا، وكلما حاول الاحتلال أن يزيد في معاناة هذا الشعب؛ لإجباره على الاستسلام يكون الجواب ردًّا واضحًا من كل شعبنا: لا زلنا على العهد من الله -تعالى-، ومع رسوله الأكرم، ومع مَنْ ضحَّوْا في سبيل الله، في هذه الديار المباركة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، وعَد المؤمنينَ بنصره، وتوعَّد الظالمينَ والكافرينَ بقهره، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، صدَق وعدَه ونصَر عبدَه وأعزَّ جندَه، وهزَم الأحزابَ وحدَه، لا شيء قبلَه ولا شيءَ بعدَه، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وقدوتنا وقائدنا، محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرينَ، وصحابته الغُرِّ الميامينَ، ومَنْ سار على نهجهم، واقتفى أثرهم، واتَّبَع سُنَّتَهم إلى يوم الدين، والصلاة والسلام على الشهداء والمكلومينَ، وعلى الأسرى والمعتقلينَ، وعلى الصابرينَ المرابطينَ، والمصلينَ في المسجد الأقصى المبارك، وعلى كل ساجد وراكع، في بيت من بيوت الله في ديار المسلمين.
وبعدُ أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس: أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته، وأحذركم وإيَّاي من عصيانه ومخالفة أمره.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: تشهد هذه الحرب المسعورة التي تشنُّها على أبناء شعبنا سلطاتُ الاحتلال الإسرائيلي، بكل أذرعها العاملة، في هذه الحكومة الإسرائيلية المحتلة؛ ففي الآونة الأخيرة أصدَر قادة جيش الاحتلال تعليمات تُشجِّع الجنودَ على إطلاق النار على أبناء شعبنا، وفي هذا جريمة تمنعها كلُّ الشرائع السماوية، وترفضها، وتُجرِّمُها كلُّ الأعراف والقوانين والأنظمة الدولية، فلا يجوز بحال من الأحوال في العرف الدولي، والقانون الدولي، والقانون الإنساني، أن تُطلق النار مِنْ قِبَل جنود على أبناء الشعب المدني؛ لأنها هذا يحصل في هذه الديار المحتلة، ففي الأمس القريب شيَّع أبناء شعبنا الشهداء، الذين ارتقوا إلى العلا والمعالي، برصاص جنود الاحتلال، ظلمًا وعدوانًا.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: لم يكتفِ الاحتلالُ بهذه الأوامر الظالمة، وبهذا القتل والإعدام بدم بارد، وبإصرار على جريمة تعتبر في جميع القوانين جريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية، لم يكتفوا بذلك، فراح قطعان المستوطنينَ، المنتشرينَ في أرضنا الفلسطينية يشنُّون اعتداءاتهم من شمال البلاد إلى جنوبها، على مدن فلسطينية والقرى والأرياف والمخلفات والأدوار، ظانين أنهم بأعمالهم هذه يرهبون هذا الشعب، وما دروا أن شعبنا المرابط الصابر لا يرهبه إرهاب المستوطنين، ولا يخيفه إرهاب الدولة المنظَّم؛ فهو صاحب الحق في هذه الديار، وهو سادن المقدَّسات في هذه الديار، وهو وارث التاريخ والحضارة، والأمين على الدين في هذه الديار، فما خطَر في باله ونفسه في سابق الأيام ولا في حاضره، وبالتأكيد في مستقبلها أن يغادر هذه الديار، فهذه أمانة الله -سبحانه وتعالى-، وأمانة رسوله الأعظم، -صلى الله عليه وسلم- وأمانة الصابرين والمجاهدين، من الصحابة الكرام، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: إنَّه كلما ازدادت أزمة المستوطنين على أبناء شعبنا، وكلما حاول الاحتلال أن يزيد في معاناة هذا الشعب؛ لإجباره على الاستسلام يكون الجواب ردًّا واضحًا من كل شعبنا: لا زلنا على العهد من الله -تعالى-، ومع رسوله الأكرم، ومع مَنْ ضحَّوْا في سبيل الله، في هذه الديار المباركة، إصرارًا على قدسيتها وإسلاميتها، وتاريخها وعروبتها، نعم أيها الشعب الكريم المرابط، هكذا هو عهدكم، فقد خاب العدو في امتحاناته جميعها، وفي ابتلاءاته ومِحَنِه جميعها، وهو يختبر صمودكم، وما درى أن كنانة الإسلام كنتم دائمًا أشد أعوادها عودًا.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: ولم يكتفِ الاحتلالُ وقطعانُ مستوطنيه، بهذه الهجمة الشرسة على أبناء شعبنا، في محاولات لترويع الآمنين، وقَتْل الأطفال، وتشريد العائلات، بل شنَّ عدوانَه كذلك على أسرانا البواسل، الذين يصابرون ويصبرون على كيد الأعداء، فلم ينل هذا العدوُّ من عزيمتهم، ومن إصرارهم على الحرية وعلى كرامتهم وكرامة وطنهم وأبناء شعبهم، فما زال أسرانا البواسل طليعة الخير، ورائد العزة والكرامة والحرية والتحرير، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.
ومن علياء هذا المنبر الشريف، نوجه التحية لكل أسرانا البواسل، ولحرائر فلسطين الأبيَّة على صبرهنَّ، وإصرارهنَّ وثباتهنَّ، نعم نوجه التحية لأولئك الذين يمسكون عن الطعام والشراب؛ لنَيْل الحرية والعزة والكرامة، وكذلك لأولئك المرضى الذين حرَمَهم الاحتلالُ وسجَّانُه الظالمُ من أن يتداوَوْا، ويضمن هذا الحق لهم، كما يُضمَن لكل أسير في هذا الحال.
نوجه لهم التحية، وندعو الله -سبحانه وتعالى- أن يقوي عزمهم وعزيمتهم، وأن يشد على أيديهم، وأن يجعل الطمأنينة والعزة في قلوبهم إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: حينما يُعتدى على بيوت المواطنين في أرضنا الفلسطينية، وحينما تُقتلع أشجارُهم وتُجرَّف أرضُهم، نسمعهم يرددون ويقولون: إن هذه الأرض هي أرضنا، لن نرحل منها، ولن نتحول عنها، فإذا قُلعت الأشجار، غرسنا أشجارًا عِوضًا عنها، وإذا هُدِّمت البيوتُ أقمنا خيامًا مكانَها، فهذه الأرض أرضنا، وهذه البلاد بلادنا، وهذا الوطن وطننا، ولن نغادره تحت ضغط جائر، أو تآمُر متآمِر، بل سنبقى على الوعد مع الله -تعالى-، إلى أن يأذن الله بنصره؛ (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)[آلِ عِمْرَانَ: 126].
جاء في الحديث الشريف: "أن كل ميت يُختَم على عمله إلا المرابط، فيُنمَّى له عملُه إلى قيام الساعة"، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فيا فوزَ المستغفرين استغفِروا اللهَ، وادعوا اللهَ وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ، لا نبيَّ بعدَه، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، أحبَّ لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم، حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه.
اللهم صلِّ على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اهتدى واقتدى بهداه إلى يوم الدين.
وبعد أيها المسلمون: يقول الله -سبحانه-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[الْبَقَرَةِ: 155-156].
يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: وهذا المسجد الأقصى المبارَك، الذي تشدُّون إليه رحالَكم في جميع الأيام والأوقات، تعمرونه بالعبادة والإيمان والذكر والتلاوة، تعمرونه أمامَ هجمة المستوطنين كذلك عليه؛ لينالوا من قدسيته، وما دَرَوْا أنَّ كلَّ ما يقومون به، هو عدوان في حق جميع العالم، وهو بنفس الوقت لا يُغيِّر من حقيقة المسجد الأقصى شيئًا؛ فالمسجد الأقصى هو لكم، للمسلمين وحدهم، حيثما حلوا ونزلوا، وكل ما يتم من اعتداءات واقتحامات للمسجد الأقصى المبارك، هو عدوان على هذا المسجد المقدَّس، ترفضه الشرائعُ، كما يرفضه أبناء شعبنا الصابر المرابط، ويرفضه كل حر يؤمن بحرية العقيدة وحرية الوصول إلى أماكن العبادة لأتباع كل دين.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: ومن المحاولات الظالمة التي يمارسها الاحتلالُ في المسجد الأقصى المبارك، ومحاولات التدخل في شؤون هذا المسجد العمرانية أو الوظيفية، ففي الآونة الأخيرة منَع هذا الاحتلالُ بعضَ حرَّاس المسجد الأقصى من مزاولة أعمالهم، واعتقل بعضهم، وأتعب بعضهم خارج المسجد الأقصى، كما يفعل مع المرابطين والمصلين بإبعادهم عن المسجد ومنعهم من الصلاة فيه، لفترات متعددة.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار أرض الإسراء والمعراج: وكلما ضاقت حلقات الظلم اتسعت، واتسع صدرُ المؤمنين، وكلما زاد صبرهم، وكلما زاد إصرارهم على أن الحق قادم، وأن النصر قادم، وأن الفرج مع الصبر، وأن مع العسر يسرًا، ولن يَغلِب عسرٌ يُسيرينِ.
جعلنا الله وإياكم من المرابطين في المسجد الأقصى إلى يوم الدين، ومن المعمِّرين للمسجد الأقصى، ورزَقَنا الذريةَ التي بشَّرَنا بها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-؛ "فلعل اللهَ يرزقُكَ ذريةً يغدونَ إلى ذلك المسجد ويروحون".
فبارَك الله فيكم، أنتم ذريةُ المسلمينَ، التي تغدو وتروح إلى المسجد الأقصى المبارك، وسيبقى هذا الشعارُ مرفوعًا إلى يوم الدين؛ لأنه شعار العزة، وشعار الإيمان، وشعار الثقة بالله، -سبحانه وتعالى-؛ (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)[غَافِرٍ: 51].
اللهم رُدَّنا إليكَ ردًّا جميلًا، وهيِّئ لنا وللمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يوحِّد صفَّنا، ويجمَع شملَنا، وينتصر لنا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، واختم أعمالَنا بالصالحات، وأنتَ يا مقيمَ الصلاة أقمِ الصلاةَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم