صمود أهل فلسطين وبشرى النصر والتمكين

الشيخ محمد سليم محمد علي

2023-05-12 - 1444/10/22 2023-05-14 - 1444/10/24
عناصر الخطبة
1/معاناة الشعب الفلسطيني منذ النكبة والنكسة 2/ثبات الشعب الفلسطيني وتحمله المآسي والصعاب 3/التحذير من تسريب العقارات والتخاذل 4/بشرى النصر والتمكين من سيد المرسلين 5/الحق الإسلامي في المسجد الأقصى

اقتباس

رغمَ هذه السنواتِ الطويلةِ التي عاشَتْها قضيتُنا الفلسطينيةُ نكبةً ونكسةً، فإن شعبنا تفوَّق على العرب والمسلمين، وأخَذ المرتبةَ الأولى عليهم؛ فقد نجَح في الصمود، ونجَح في الثبات، ونجَح في التصدي لِمَا يُحاكُ له من مؤامَرات، لم يتنازل، ولم يتخاذل...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، أنبتَنا في القدس نباتًا، فنحن أول نباتها وآخره، فالقدس فينا آية وكتاب، والحب فيها الواحد الغلَّاب، والقدس مذ كانت حَصانٌ عِشقُها لمحمد ولدينه الأنساب، ونشهد ألَّا إلهَ إلا الله، وحدَه لا شريكَ له، أشرَب الكفارَ حبَّ الدنيا، وأشرَبَنا حبَّه، وحبَّ رسوله والمؤمنين، وحب الآخرة، وحب النعيم المقيم في الجنة، وجعل حبَّ المسجد الأقصى يسري في قلوبنا، فاللهُ أشرَبَنا هواه، وحُبُّه نهرٌ لنا متدفِّق وشراب، فأنتم -أيها المسلمون- تتقلَّبون في قدسكم وأقصاكم، من بركة إلى أخرى؛ فأرضُنا مقدَّسةٌ، وأقصانا مبارَكٌ، ومن عاش منكم مرابطًا حقًّا فهو من المبارَكين، هنا القدس وتاجها المسجد الأقصى، وهذا أقصانا شاهِدُنا ودليلنا على حقنا فيه وفي أكنافه، فاللهم اجعلنا على هذه الأرض ملوكا بالإسلام، نملك فيها أمرنا، ولا يغلبنا عليه غالب.

 

ونشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، فتح المسجد الأقصى في رحلته إلى القدس، في الإسراء والمعراج، ولم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا وهو يعلم على فتحه من جديد، فكان بَيْت المَقْدسِ الشغل الشاغل للنبي ولأصحابه، في حياته ومن بعده، فمن حرف البوصلة عن القدس والأقصى كان منافقًا خالصًا، فاللهمَّ ثبت قلوبنا على دينك، اللهم ثبت قلوبنا على شد الرحال إلى مسرى رسولك، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ على النبي المفدى محمد، وصل اللهم وبارك على أهله وأصحابه والتابعين، وعلى من سار على هديهم بإحسان إلى يوم القيامة.

 

أمَّا بعدُ، أيها المسلمون: خمسة وسبعون عامًا مرت على نكبتنا، عاش شعبنا خلالها المؤامَرات الدوليَّة والإقليميَّة، عليه وعلى قضيته، من أبعد الناس عنه، ومن أقربهم إليه، وألحَقُوا النكسةَ بالنكبة، وألحَقُوا المسجدَ الأقصى والقدسَ بما تم ضياعُه من فلسطين، ولم يكتفوا بذلك حتى حصروا قضيتنا في اتفاقيات موزورة، وحتى جعلوا قضية فلسطين قضية الشعب الفلسطيني وحده، كل ذلك تحت الشعار الزائف المضلل المُسمَّى بالشرعية الدوليَّة، وشعبنا لا يزال يتعرض للظلم والعدوان، طوال أربعة أجيال أو يزيد، وإلى الآن.

 

أيها المسلمون: ومنذ النكبة ومرورًا بالنكسة، وما تبعها ويتبعها من اعتداءات وانتهاكات أثبتُّم أنكم لقضيتكم جمل المحامل، حملتم عبر العهود الماضية النكبة بشهدائها وجرحاها، وتهجيرها ومجازرها، فاللهمَّ ارحم شهداءنا، وشاف جرحانا، وأطلق سراح أسرانا، وردنا إلى قرانا معززين مكرمين.

 

أيها المرابطون: وأنتم جمل المحامل حملتم النكسة بغثائها، ومؤامراتها عليكم، وأنتم جمل المحامل لم يضركم بكور الغزاة، وما نقض ظهوركم هجير التخاذل العربيّ الذي تمثله جامعة الدول العربيَّة، بالاستنكارات الجوفاء، والاجتماعات الفارغة.

 

يا مسلمون: وأنتم جَمَل المحامل، رؤوس إيمانكم بقضيتكم العادلة مرفوعة، وسنام حقكم في القدس والأقصى عالٍ، لا يمكن أن يعتليه ظالم مهما بغى، في صدوركم ماء الحياة على هذه الأرض المقدَّسة التي ورَّثَكم اللهُ إيَّاها؛ فتاريخُنا هنا قديمٌ، قِدَمَ المسجد الأقصى، وتاريخنا فيها باقٍ حتى يأذن الله بحشر الناس إليها، ويأذن بنشرهم منها، كما جاء في الحديث: أنَّها أرض المحشر والمنشر، فالقدس أرض المحشر للعباد، وأرض منشرهم إلى الجنة أو إلى النار، فعند قوله -تعالى-: (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)[الْحَدِيدِ: 13]، ذكر المفسرون أن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- وقف على سور بَيْت المَقْدسِ الشرقي فبكى وقال: "من ها هنا أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه رأى جهنم"، وعن الباب الذي ذكرته الآية الكريمة، قال كعب الأحبار: "هو الباب الذي ببيت المقدس، والمعروف بباب الرحمة؛ فباب الرحمة جزء من معالم الإسلام في بَيْت المَقْدسِ، حتى تقوم القيامة، وكل معلم في القدس وأكنافها دال على حقنا القديم الأزلي فيها، وعليه فحقنا في القدس وأكنافها، وفي الأقصى لا ينتطح فيه عَنزانِ.

 

أيها المؤمنون: لا قيمة ولا وزن للعرب بغير القدس، ولا قيمة ولا وزن للمسلمين بغير المسجد الأقصى، فجِدُّوا واستيقِظوا، واجتمِعوا وائتلفوا، ولا تفرقوا ولا تختلفوا، وأجمَعُوا أمركم على كلمة ترضي الله -تعالى-، أمام كل هذه النوازل التي تنزل بكم، جربتم القوميات لحل قضيتكم المظلومة، فزادت القوميات قضيتكم ظلمًا، وجربت الأمم لينصفوا قضيتكم العادلة، فزادوها بُعدًا وتيها، وليس أمامكم إلا قول الله -تعالى- لتعملوا به: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[آلِ عِمْرَانَ: 103]، فبه العزة والكرامة والخير كله.

 

أيها المؤمنون: نحن الذَّريَّة التي تغدو إلى المسجد الأقصى وتروح، وهو رزق رزقنا الله إيَّاه، وخصنا به دون سائر المسلمين، فاحذروا -يا عباد الله- أن تكفروا هذه النعمة ولا تؤدوا شكرها، فمن أعرض عن تعاليم الإسلام ولم يعمل بها كان كافرًا بنعمة الرباط، ولم يؤدِّ حقَّها، ومن سرَّب عقارًا أو أعطى للكافر ولاء، أو فرق جمعنا وأحدث فيه، فهو كافر بنعمة الرباط، ولم يؤد حقها، ومن قاتل أخاه المسلم ورفع السلاح في وجهه، ومن خرجت بزينتها تفتن الرجال، ومن أذن لزوجته أو ابنته أن تخرج متبرجة فكل هؤلاء كفروا بنعمة الرباط، ولم يؤدوا حقها، فالذرية الصالحة في بَيْت المَقْدسِ وأكنافه هي ركن الرباط فيه وأساسه، فافقهوا ما أقول لكم، والله -سبحانه- يقول للمسلمين عامَّة، ولكم وللمرابطين خاصَّة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119]، فاللهم اجعلنا من المتقين، واجعلنا من الصادقين، وانصرنا على القوم الكافرين.

 

أيها المسلمون، يا عبادَ اللهِ: اجتمعت لكم عبر تاريخكم الطويل على أرض فلسطين صفة الرباط، وهي صفة وصفكم بها الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- فافحصوا جيناتكم، افحصوا جيناتكم تجددونها جينات الممتنعين عن الذل، جينات المصلحين لأنفسهم، جينات من يجبرون غيرهم على ما يريدون، وعلى يجبرهم غيرهم على ما يكرهون، جينات الجلد والقدرة على مقارعة الظلم، افحصوا جيناتكم مرة أخرى تجدونها تختلف عن باقي جينات الأمم؛ إيمانًا ورجولة في ذكوركم، وعفة وثباتًا ويقينا في نسائكم، فحيا الله رجالكم وشبابكم، وحيا الله نساءكم وحيا الله كباركم وصغاركم.

 

أيها المؤمنون، يا عبادَ اللهِ: ورغمَ هذه السنوات الطويلة التي عاشتها قضيتنا الفلسطينية نكبةً ونكسةً، فإن شعبنا تفوَّق على العرب والمسلمين، وأخَذ المرتبةَ الأولى عليهم؛ فقد نجَح في الصمود، ونجَح في الثبات، ونجَح في التصدي لِمَا يُحاكُ له من مؤامَرات، لم يتنازل، ولم يتخاذل، يؤكد انتماءه لقضيته العادلة، وللقدس وأكنافها، وللأقصى وللمقدَّسات، فهنيئًا لمن صبَر وصابَر، ولمن رابَط واتقى، فهؤلاء لو كُشف لهم الحجاب لتعجبوا من ثقل موازينهم عند الله -تعالى-، فأبشروا يا مسلمون بالجنة، جعلني الله وإيَّاكم من أهلها، وأبشروا برضوان الله عليكم في الآخرة، بصبركم وبرباطكم، واعلموا أن المرابط من أدام مخالفة النفس عن شهواتها، وهو الذي ينتظر الفرج ولا ييأس، وفي الأثر: "انتظار الفرج بالصبر عبادة".

 

يا مسلمون: لو نظرنا إلى حالنا، وإلى أحوال الأمم من حولنا لتيقنا أن حالنا كما قال القائل:

فلم أرَ حيًّا صابَرُوا مثلَ صبرنا *** ولا كافَحُوا مثلَ الذي نكافح

 

فلا خورَ، ولا نكوصَ على الأعقاب، بل ثبات على دين الله، ثبات على قدر الله، وثبات على الحق أمامَ الباطل، مَهمَا عتَا وبغَى، حتى يأذن اللهُ بالفرج، وحتى يأتي الله بأمره ووعده لكم، كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يذكر له جموع الروم، وتخوفه منهم، فكتب إليه الفاروق عمر: "أمَّا بعدُ، فإنَّه ما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله بعدها فرجًا، وإنه لن يغلب عسر يسرين، وإن الله -تعالى- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 200]".

 

يا مسلمون: وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بَشِّرُوا هذه الأمةَ بالسَّناء والرفعة والنصر، والتمكين في الأرض"، فاللهم ارزقنا المصابَرة والتقوى، وارزقنا من العمل ما تحب وترضى، واكتبنا عندك من المفلحين المنصورين، على أعدائك أعداء الدين، اللهم وفرج عَنَّا ما نحن فيه يا أرحم الراحمين، ويا ذا القوة المتين.

 

عبادَ اللهِ: استغفروا الله وتوبوا إليه، وادعوه وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروه سواه، ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحده، لا شريك له، رضينا به ربًّا وإلهًا، -سبحانه-، هو ذو القوة المتين، والناصر لعباده المؤمنين، ونشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، أمرنا أن نستعين بالله، وبشرنا وقال: "واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العُسْر يسر"، فاللهمَّ فرج عن أبناء شعبنا، وارفع عنهم الظلم والعدوان، اللهم كن لهم حافظًا ومؤيدا، وكن لهم ناصرا ومُعينًا، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ على النبي محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة.

 

يا عبادَ اللهِ: وَرَثْنَا الشرائعَ السماويةَ السابقةَ كلَّها، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- وارث النبوات، وفي صلاته بالأنبياء في المسجد الأقصى تأكيد على أن المسجد الأقصى بإقرار النبيين لا حق لغير المسلمين فيه؛ وعليه نرفض كل اعتداء على المسجد الأقصى وعلى حرمته، ونرفض المساس بقداسته وطهارته، ونحن على هذه الأرض المقدَّسة التاريخ الحقيقيّ لها وفيها بالعقيدة الحقة الصادقة، التي تؤكد انتماءنا له، فهي آيات في كتاب ربنا، وهي أحاديث صحيحة في سنة رسولنا، وهي السيرة العَمليَّة لنبينا -صلى الله عليه وسلم- ولأصحابه والتابعين لهم بإحسان، ونحن على هذه الأرض المقدَّسة الماضي والحاضر والمستقبل، والله -تعالى- أَورَثَنا إيَّاها، ونحن أهل لهذا الميراث، وللمحافَظة عليه، نرفض أيَّ اعتداء على حقنا في مقدساتنا، نرفض أي اعتداء على أبناء شعبنا، نرفض أي اعتداء على أطفالنا ونسائنا وعلى ممتلكاتنا، فاللهم ارفع الحصار عن المحاصرين، وارفع عنهم الحرب والدمار، وارحمهم برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم نكس رايات الكافرين، اللهم نكس رايات المنافقين، اللهم نكس رايات الناكصين على أعقابهم، اللهم ارفع راية الإسلام خفاقة في العالمين، وحقق غاياتنا، بحكم إسلامي رشيد على منهاج النبوة، اللهم حرر أقصانا وأسرانا، وعاف مبتلانا، وشاف جرحانا، وانصرنا على مَنْ عادانا، اللهم من كانت له حاجة عندك ممن حضر صلاتنا هذه فارزقه قضاء حاجته، عاجلًا غير آجل، إن كان مريضًا فاشفه، وإن كان فقيرًا فأغنه، وإن كان عازبا أو عازبة فزوجهما الصالح من المؤمنين والمؤمنات.

 

اللهم أصلح بين المسلمين في السودان وفي كل مكان، اللهم وحد صفوفنا، واجمع على دينك وشريعتك كلمتنا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم رُدَّنا إليكَ ردًّا غير مخز ولا فاضح، وارزقنا الخاتمة الحسنة، وقنا عذاب النار.

 

أيها المسلمون: سنُصلِّي صلاةَ الغائب على شهداء المسلمين.

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه يزدكم، واسألوه يعطكم، وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

 

المرفقات

صمود أهل فلسطين وبشرى النصر والتمكين.doc

صمود أهل فلسطين وبشرى النصر والتمكين.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات