عناصر الخطبة
1/نصيحة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لرجل ينام عن صلاة الفجر مع الجماعة بسبب قيامه لليل 2/منزلة صلاة الفجر مع الجماعة ومكانتها 3/التحذير من السهر وترك صلاة الفجر مع الجماعة 4/قصة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مع رجل أعمي تخلف عن صلا الجماعة لعدم وجود من يقوده إلى المسجداقتباس
ما أعظم هذه الصلاة! وما أجلَّ شأنها في قلوبهم! ولهذا عظُمت المحافظة عليها، واشتدت العناية بها مهما كانت الظروف، ومهما كانت الأحوال، حتى في ملاقاة الأعداء، وفي صفوف الجهاد. إن الخطب عظيم! والأمر جلَل! والشواغل في هذا الزمان كثُرت وتعددت، وقد عاتب عمر -رضي الله عنه- من تأخر عن صلاة الفجر؛ لأن عيناه غلبتاه بسبب قيامه للَّيل؛ فماذا يقال لأولئك الذين يتأخرون عن صلاة الفجر وهم في ....
الخطبة الأولى:
الحمد الله القوي المتين، العزيز الحكيم، العليم الخبير، وأشهد أن لا إلـه إلَّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه، الداعي إلى الله بإذنه والسراجُ المنير؛ صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعدُ: أيُّها المؤمنون: اتقوا الله -تعالى-، وراقبوه جلَّ في علاه مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه، وتقوى الله -جلَّ وعلا-: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.
أيُّها المؤمنون: روى الإمام مالك في موطَّـئِه عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَدَ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إِلَى السُّوقِ، وَمَسْكَنُ سُلَيْمَانَ بَيْنَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، فَمَرَّ عَلَى الشِّفَاءِ بنت عبد الله أُمِّ سُلَيْمَانَ فَقَالَ لَهَا: لَمْ أَرَ سُلَيْمَانَ فِي الصُّبْحِ؟ فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ" أي أنَّ تأخُّره عن صلاة الصبح كان بسبب قيامه لصلاة الليل فغلبته عيناه فنام؛ فلم يدرك صلاة الصبح "فَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: لَأَنْ أَشْهَدَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةً".
أيها المؤمنون: تأملوا -رعاكم الله- هذا النصح البالغ، والفقه العظيم.
أما النصح -عباد الله-: فبتفقُّده -رضي الله عنه- للناس في هذه الصلاة، وملاحظته لهم، وتتبعه لمن يتأخر عنها نصحاً وتحذيراً، وأسوته -رضي الله عنه- وأرضاه في ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ففي سنن أبي داود عن أبيِّ بن كعب -رضي الله عنه- قال: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا الصُّبْحَ فَقَالَ: "أَشَاهِدٌ فُلَانٌ؟" قَالُوا: لَا، قَالَ: "أَشَاهِدٌ فُلَانٌ؟" قَالُوا: لَا، قَالَ: "إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا (أي من الأجر) لَأَتَيْتُمُوهُمَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَبِ".
وأما الفقه العظيم -عباد الله-: ففي كلمة عمر -رضي الله عنه- تنبيهاً لمكانة هذه الفريضة العظيمة، ومنزلتها العليَّة، حيث قال: "لَأَنْ أَشْهَدَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةً"، وشاهد ذلك: ما رواه مسلم في صحيحه عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ".
أيها المؤمنون: هذه صلاة الفجر وهذا شأنها، بل قليل مما يدل على عظيم مكانتها ورفيع ثوابها وجزيل أجرها؛ فما شأننا مع هذه الصلاة؟ وما حظنا من هذه الفريضة؟ وكيف مواظبتنا عليها؟ وها هو عمر صاحب تلك الكلمة العظيمة، والمقولة الجليلة المتقدِّم ذكرها في لحظاته الأخيرة من هذه الحياة، معظِّماً لشأن هذه الصلاة، روى الإمام مالك في موطَّئه أن المسوَر بن مخرمة قال: "دخلتُ على عمر من الليلة التي طعن فيها أوقِظه لصلاة الصبح"، وتأمل -رعاك الله- "من الليلة التي طعن فيها أوقظه لصلاة الصبح" فقال: "نَعَمْ؛ وَلَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ"، وقام رضي الله عنه وأرضاه وصَلَّى الفجر وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا.
الله أكبر، ما أعظم هذه الصلاة، وما أجلَّ شأنها في قلوبهم، ولهذا عظُمت المحافظة عليها، واشتدت العناية بها مهما كانت الظروف، ومهما كانت الأحوال، حتى في ملاقاة الأعداء، وفي صفوف الجهاد.
عباد الله: صلاة الفجر اليوم ما حظنا معها؟ وكيف شأننا في أدائها؟
عباد الله: إن الواجب علينا أن نحاسب أنفسنا في هذه الفريضة؛ فإنَّ من ضيَّعها فهو لما سواها أضيع، ولا حظَّ في الإسلام لمن ضيَّع الصلاة كما قال ذلكم عمر -رضي الله عنه وأرضاه-.
عباد الله: إن الخطب عظيم، والأمر جلَل، والشواغل في هذا الزمان كثُرت وتعددت، عاتب -رضي الله عنه- من تأخر عن صلاة الفجر؛ لأن عيناه غلبتاه بسبب قيامه للَّيل؛ فماذا يقال لأولئك الذين يتأخرون عن صلاة الفجر وهم في الليل يسهرون على الحرام، ويسهرون على الآثام بل قُل يسهر بعضهم على المباح؟ إذا كان من يتأخر عن صلاة الفجر في سهرٍ في طاعةٍ وقيامٍ لليل وقراءةٍ للقرآن فهو آثمٌ في ذلك؛ فكيف بمن يسهر في مباح أو يسهر -عياذاً بالله- في حرام؟!
عباد الله: لنحاسب أنفسنا قبل أن يحاسبنا الله، ولنزن أعمالنا قبل أن توزن يوم القيامة.
أقول هـذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنَّه هو الغفور الرَّحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا ًكثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إلـه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد: عباد الله: اتَّقوا الله -تعالى-.
ومع خبرٍ آخر وقصةٍ عظيمة أخرى لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في شأن الصلاة، والمحافظة عليها في الجماعة، رواها الحاكم في مستدركه عن عبد الله بن جعفر أنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أتى إِلَى مَنْزِلِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ يعوده في فقْدِه لبصره -فقَد بصره فأتاه عمر في منزله يعوده- فقال له عمر: "لَا تَدَعِ الْجُمُعَةَ، وَلَا الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-"، فقَالَ الرجل: لَيْسَ لِي قَائِدٌ، قَالَ عمر: "نَحْنُ نَبْعَثُ إِلَيْكَ بِقَائِدٍ" فأرسل له بِغُلَامٍ مِنَ السَّبْيِ" انظر هذا الاهتمام! وكان سنُّ سعيد في ذلك الوقت قارب المائة، ثم عمر يقول له وهو في ذلك السن وقد فقَد بصره: "لا تترك الجمعة، ولا تترك الصلاة في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-".
إذا كان عمر -رضي الله عنه وأرضاه- قال ذلك لرجلٍ فقد بصره وسِنُّه قارب المائة فماذا يقال -أيها المؤمنون- لمعاشر الشباب الأصحاء الأقوياء المبصرين؟! ماذا يقال لهم في الصلاة والمحافظة عليها وقد عظُم التفريط واشتدت الإضاعة، وإلى الله وحده المشتكى.
عباد الله: لنتق الله -عز وجل-، ولنحاسب أنفسنا في هذه الصلاة، ولنأخذ الأمر مأخذ الجد والعزيمة والاستعانة بالله -تبارك وتعالى-، وترك التأخير والتسويف؛ فكم من شابِّ أخَّر وسوَّف ومات في تسويفه ولقي الله تاركاً لصلاته مضيِّعاً لهذه الفريضة.
إن الواجب علينا أن نتقي الله -عز وجل-، وأن نحاسب أنفسنا، والكيِّس من عباد الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمَّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وعلى آل محمَّد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمَّد وعلى آل محمَّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميد مجيد. وارضَ اللّهمَّ عن الخُلفاء الرَّاشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وارض اللّهمَّ عن الصَّحابة أجمعين، وعن التَّابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللّهمَّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللّهمَّ انصر من نصَر الدين، اللّهمَّ انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم انصرهم في أرض الشام وفي كل مكان، اللهم كن لهم ناصراً ومُعِينا وحافظاً ومؤيدا، اللهم آمن روعاتهم، واستر عوراتهم، اللهم واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم، اللهم واحقن دماءهم، اللهم احفظهم في أنفسهم وأهليهم وأموالهم وأعراضهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمَّتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتَّقاك واتَّبع رضاك يا ربَّ العَالمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لهُداك، وأعِنه على طاعتك، وسدده في أقواله وأعماله، وارزقه البِطانة الصَّالحة النَّاصحة يا ربَّ العالمين.
اللهم وفِّق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
اللّهمَّ آت نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خير من زكَّاها.
اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك.
اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، ونسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، ونسألك شكر نعمتك، وحُسن عبادتك، ونسألك قلباً سليما، ولساناً صادقا، ونسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفرك مما تعلم إنك أنت علام الغيوب.
اللهم إنا نسألك حبك وحبَّ من يحبك وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك.
اللهم زيِّنا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.
اللهم ربنا إنَّا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم