صلاة الاستخارة

ناصر بن محمد الأحمد

2011-02-19 - 1432/03/16
عناصر الخطبة
1/ ضعف عقل الإنسان وإحاطة علم الله بكل شيء 2/ أساليب غير شرعية لمعرفة الغيب 3/ مشروعية الاستخارة عند التحير في أمر ما 4/ نماذج من استخارات السلف 5/ من فقه الاستخارة

اقتباس

الاستخارة دليل على تعلّق قلب المؤمن بالله في سائر أحواله، الاستخارة ترفع الروح المعنوية للمستخير، فتجعله واثقًا من نصر الله له، في الاستخارة تعظيم لله وثناء عليه، في الاستخارة مخرج من الحيرة والشك، وهي مدعاة للطمأنينة وراحة البال.. في الاستخارة امتثال للسنة النبوية وتطبيق لها.. في الاستخارة تحقيق التوحيد، ونبذ الشرك والخرافة ..

 

 

 

 

إن الحمد لله...

أما بعد:

أيها المسلمون: اعلموا -رحمني الله وإياكم- أن الإنسان مهما نضج عقله فإنه ضعيف الفكر، قاصر النظر، لا يعلم الغيب، بل الغيب من خصوصيات علم الله تعالى: (قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن في السَّمَـاوتِ ولأرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ) [النمل: 65].

والإنسان في هذه الحياة معرض للأخطاء والأضرار، لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، لذا فهو بحاجة إلى الله تعالى في كل أموره؛ ليوفقه ويعينه ويسدده، والعبد إن رأى بعضَ ما يحيط به وعرفه فإنه لا يعرف ما ينفعه ويضره في الحقيقة، وقد يرى الخير فتكون عاقبة أمره سوءًا وشرًّا، وربما كان العكس كذلك، رأى شرًّا فتكون عاقبته خيرًا: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون) [البقرة: 216].

وخذ مثلاً قصة موسى -عليه السلام- مع الخضر، كيف كان في خرقه السفينة نجاتُه وسلامتها، وكيف أنَّ قتل الولد كان فيه نجاته ونجاة والديه من النار، وتجارب كلِّ واحد منا خير شاهد على ما نقول، ولكن -مع الأسف الشديد-، فإن الناس لقصورهم عن معرفة الغيب وإدراك الخير من الشر، يلجؤون بجهل أو بعلم إلى أساليب يزعمون أنها تنبِّئهم بالغيب، وتوفقهم إلى الخير والصواب، فمنهم من يلجأ إلى العرّاف، وهو الذي يدّعي معرفة الغيب، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يومًا". رواه مسلم. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-". أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة.

ومنهم من يلجأ إلى المنجّمين الذين يدَّعون علم أحوال النجوم وطبقاتها وسيرها، قال -صلى الله عليه وسلم: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد".

ومن الناس من يلقي النرد أو يطلق الطير، فإن طارت يمينًا استبشروا خيرًا وفعلوا ذلك الأمر، وإذا طارت شمالاً تشاءموا وتركوه، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا عدوى ولا طيرة"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من ردّته الطيرة عن حاجته فقد أشرك"، قالوا: فما كفارة ذلك؟! قال: "أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك". رواه أحمد.

ومن الناس من يقرأ الكفّ، ومنهم من يقرأ الفنجان، وقد فتحت القنوات الفضائية هذه الأيام أبوابًا من هذه الأمور البدعية والشركية على الناس، زعزعت إيمانهم، وشككتهم في أصول دينهم، يخرج أحدهم على الشاشة ثم تنهال عليه الأسئلة، والرجل وأحيانًا المرأة تجيب وتخوض في أمور هي من خصائص علم الله -عز وجل-، والناس تسأل وتشاهد؛ والله المستعان.

أيها المسلمون: قد تتعارض لدى الإنسان في حياته بعض الأمور المباحة، فلا يدري هل الإقدام على هذا الأمر خير أم تركة خير، ومن ثم يقع في حيره، فلذلك شرعت الاستخارة حتى لا يضطرب عليه أمره، ولا تطول غُمّته؛ فالحمد لله الذي شرع لنا صلاة الاستخارة، ونزّه عقولنا عن كل هذه الترهات والسفاهات والشعوذات والشركيات، وربط قلوبَنا بربّ الأرض والسموات، العليم بمواطن الشر ومواطن الخيرات.

ومن شدة الاهتمام بالاستخارة وكمال الاعتناء بها جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- تعليمها لأصحابه مثل تعليمهم السورة من القرآن لعظم نفعها؛ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِي اللَّهم عَنْهمَا- قَال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، يَقُول: "إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُل: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِك، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِك، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيم، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِر، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَم، وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوب، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِه، فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيه، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْه، وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي، قَالَ: وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ". رواه البخاري.

قال الشوكاني -رحمه الله-: "هذا الحديث يدل على مشروعية صلاة الاستخارة والدعاء عقبها، ولا أعلم في ذلك خلافًا".

وقال ابن القيم -رحمه الله-: "عوّض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمته بهذا الدعاء عما كان عليه أهل الجاهلية من زجر الطير والاستقسام بالأزلام الذي نظيره هذه القرعة التي كان يفعلها إخوان المشركين، يطلبون بها علم ما قُسم لهم في الغيب، عوضهم بهذا الدعاء الذي هو توحيد وافتقار وعبودية وتوكل وسؤال لمن بيده الخير كله، الذي لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يصرف السيئات إلا هو، الذي إذا فتح لعبيده رحمةً لم يستطع أحد حبسها عنه، وإذا أمسكها لم يستطع أحد إرسالها إليه، من التطير والتنجيم واختيار الطالع ونحوه، فهذا الدعاء هو الطالع الميمون السعيد، طالع أهل السعادة والتوفيق، الذين سبقت لهم من الله الحسنى". انتهى كلام ابن القيم.

أيها المسلمون: الاستخارة هي طلب التوفيق من الله تعالى والاستعانة به، وتفويض الأمر إليه في جلب الخير ودفع الشر، فالاستخارة تكون في الأمور التي لا يدري الإنسان وجه الصواب فيها.

الاستخارة: مظهر من مظاهر الرجوع إلى الله تعالى، وربط قلب المسلم بالله تعالى في السر والعلانية، في الحال والمقال، كما أنها دليل على صدق التوكل على الله وتفويض الأمر إليه والرضا بحكمه وقدره.

لقد كان السلف الصالح يهتمون بالاستخارة قولاً وعملاً؛ كتب طاهر بن الحسين إلى ابنه عبد الله لما ولي الإمارة: "إذا ورد عليك أمر فاستعن عليه باستخارة الله وتقواه"، وقال له -أيضًا- في بعض وصاياه: "وأكثر من استخارة ربك في جميع أمورك".

قال شيخ الإسلام: "وما اشتبه أمره على العبد فعليه بالاستخارة المشروعة؛ فما ندم من استخار الله تعالى، وليكثر من ذلك ومن الدعاء؛ فإنه مفتاح كل خير، ولا يعجل فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي، وليتحرّ الأوقات الفاضلة كآخر الليل وأدبار الصلوات وعند الأذان ووقت نزول المطر ونحو ذلك".

وإليكم -أيها المسلمون- بعض استخارات السلف في بعض أمورهم؛ فهذه زينب بنت جحش -رضي الله عنها- تستخير الله في زواجها من الرسول -صلى الله عليه وسلم- حينما طلبها، عَنْ أَنَسٍ بن مالك -رضي الله عنه- قَال: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِزَيْدٍ: "اذْكُرْهَا عَلَيَّ". قَالَ زَيْدٌ: فَانْطَلَقْتُ فَقُلْتُ: يَا زَيْنَبُ: أَبْشِرِي، أَرْسَلَنِي إِلَيْكِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُكِ، فَقَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أَسْتَأْمِرَ رَبِّي، فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا وَنَزَلَ الْقُرْآنُ، وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلَ بِغَيْرِ أَمْر. قال تعالى: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا) [الأحزاب: 37]؛ قال النووي -رحمه الله-: ولعلها استخارت لخوفها من تقصيرها في حقه -صلى الله عليه وسلم- والله أعلم.

وهذا الإمام البخاري رحمه الله يستخير الله في أحاديث الصحيح؛ قال: صنفت كتابي الجامع وما أدخلت فيه حديثًا حتى استخرت الله تعالى وصليت ركعتين وتيقنت صحته.

وهذا الإمام المنذري -رحمه الله- قال في مقدمة كتابه الترغيب والترهيب: سألني بعض الطلبة أن أملي كتابًا جامعًا في الترغيب والترهيب، مجردًا من التطويل بذكر إسناد أو كثرة تعليل، فاستخرت الله وأسعفته لطلبته لما وقر عندي من صدق نيته وإخلاص طويته، وأمليت هذا الكتاب.

أيها المسلمون: ماذا يقرأ المستخير في الركعتين؟

قال بعض أهل العلم: "يقرأ بعد الفاتحة في الأولى بـ(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، وفي الثانية بـ(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)". وقال آخرون: "من المناسب أن يقرأ فيها مثل قوله تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَة) [القصص: 68]، وقوله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم) [الأحزاب: 36]".

قال الحافظ العراقي: "لم أجد في شيء من طرق أحاديث الاستخارة تعيين ما يقرأ فيهما. ومن ثم فليقرأ مريد الاستخارة ما ييسر الله له دون التزام بشيء معين".

ثم هل دعاء الاستخارة داخل الصلاة أم خارجها؟

قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ثم ليقل"، يفيد أن الدعاء يكون بعد الصلاة.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "يجوز الدعاء في صلاة الاستخارة وغيرها قبل السلام وبعده، والدعاء قبل السلام أفضل، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر دعائه كان قبل السلام، والمصلي قبل السلام لم ينصرف فهذا أحسن".

ولعل كلام شيخ الإسلام هذا محمول على مطلق الدعاء لا على دعاء الاستخارة بخصوصه؛ والله أعلم.

وماذا يفعل الإنسان بعد الاستخارة؟ أي بعد قراءة دعاء الاستخارة ماذا يفعل؟ هل يرسل الله إليه رسولاً؟ فإن الرسالات قد ختمت. هل يوحي إليه؟ الوحي قد انقطع، هل يرى رؤيا؟ لا دليل على ذلك؛ هل يفتح المصحف، فإن وقع على آية رحمة سعى في شأنه، وإن وقع على آية عذاب أعرض عن الأمر كما يزعم بعضهم؟! قال العزّ بن عبد السلام: "يفعل ما اتفق، فيمضي في الأمر، فإن تيسر له وسهل فهو مختار له، وإلا صُرف عنه إلى غيره"؛ والله أعلم.

بمعنى إذا وجد المستخير ميلاً وارتياحًا إلى جانب الفعل أو الترك وانشرح صدره بذلك عمل به، وإن لم يجد شيئًا من ذلك فليستخر مرة أخرى وأخرى؛ قال بعض أهل العلم: "إلى سبع مرات".

فإن لم يظهر له شيء من أمارات الانشراح والاطمئنان، فله أن يعمل بما يرى أنه أنفع وأصلح له، فإن فيه خيرة سهل الله أسبابه، وإن تعذرت الأسباب ولم يتفق تحصيله، فليعلم أن الله قد اختار تركه فلا يتألم لذلك، لكونه خالف توقعه مثلاً، لذلك يجب أن يرضى الإنسان بحكمه وقضائه فإن فيه الخير، قال الله تعالى: (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون) [البقرة: 216].

وينبغي للمستخير أن يفرغ قلبه من جميع الأهواء والخواطر قبل الاستخارة، بحيث لا يكون مائلاً إلى أمر من الأمور التي يهواها؛ قال الشوكاني -رحمه الله-: "فلا ينبغي أن يعتمد على انشراح كان له فيه هوى قبل الاستخارة، بل ينبغي للمستخير ترك اختياره رأسًا وإلا فلا يكون مستخيرًا لله، بل يكون مستخيرًا لهواه".

لذا ينبغي للمستخير أن يخلص في توجهه إلى الله ويصدق فيه، والله تعالى لا يخيب من رجاه ولا يرد من دعاه.

أيها المسلمون: كيف يعرف المستخير قراره بعد الاستخارة؟!

يرى بعض العوام من الناس أن المستخير يعرف نتيجة استخارته، لابد أن يرى ذلك في المنام أو يُرى له، أو يُكلّم في الخيال، وهذا غير صحيح؛ لأنه لم يرد شيء من ذلك وإن كان -ربما- يقع شيء من ذلك ولكنه ليس بشرط، وإنما إذا انشرح صدره لفعل المستخار لأجله؛ من زواج أو سفر أو وظيفة أو تجارة أو غير ذلك بحيث يجد ميلاً إليه، أو انشرح صدره لتركه بحيث يجد نفورًا عنه أو أشار عليه عارف بعمل هذا الشيء أو تركه، فإنه يكون كافيًا لاتخاذ القرار المناسب.

نسأل الله تعالى التوفيق لكل خير، وحسن التوكل عليه في كل أمر.

بارك الله...

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

أما بعد:

أيها المسلمون: من أحكام هذه الصلاة أن المرء يستخير في كل أمرٍ من أمور حياته المباحة دون الواجبة والمندوبة والمحرمة والمكروهة؛ يقول ابن أبي جمرة -رحمه الله-: "الاستخارة في الأمور المباحة، وفي المستحبات إذا تعارضا في البدء بأحدهما، أما الواجبات وأصل المستحبات والمحرمات والمكروهات كل ذلك لا يستخار فيه. اهـ".

والأمور المباحة كثيرة، مثل السفر والبناء واختيار الزوجة والتجارة ونحوها، وليس منها الأمور المعتادة كالأكل والنوم، فهذا عبث.

أيها المسلمون: لم يعين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لصلاة الاستخارة وقتًا معينًا؛ فذهب جمع من أهل العلم إلى جوازها في كل وقت، إلا أن الأكثرين على أنها لا تفعل في أوقات النهي. والأولى أن يكون دعاء الاستخارة بعد صلاة ركعتين خاصتين به، لكن لا مانع من أن تكون بعد أي نافلة إذا دخلها ناويًا لذلك؛ يقول النووي -رحمه الله-: "لو دعا الدعاء بعد راتبة الظهر مثلاً أو غيرها من النوافل الراتبة والمطلقة، سواء اقتصر على ركعتين أو أكثر جاز، لكن بشرط أن يدخل الصلاة وفي نيته أن يستخير بعدها".

أيها المسلمون: والحكمة في تقديم الصلاة على الدعاء في صلاة الاستخارة -والله أعلم- أن المراد بالاستخارة حصول الجمع بين خيري الدنيا والآخرة، فيحتاج إلى قرع باب الملك، ولا شيء لذلك أنجع ولا أنجح من الصلاة؛ لما فيها من تعظيم الله والثناء عليه والافتقار إليه مآلاً وحالاً.

أيها المسلمون: الاستخارة دليل على تعلّق قلب المؤمن بالله في سائر أحواله، الاستخارة ترفع الروح المعنوية للمستخير، فتجعله واثقًا من نصر الله له، في الاستخارة تعظيم لله وثناء عليه..

في الاستخارة مخرج من الحيرة والشك، وهي مدعاة للطمأنينة وراحة البال، في الاستخارة امتثال للسنة النبوية وتطبيق لها..

في الاستخارة تحقيق التوحيد، ونبذ الشرك والخرافة، وهي عبادة في نفسها، فهي صلاة ودعاء، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة".

في الاستخارة الإقرار بأسماء الله وصفاته ودعاؤه بها من علم وقدرة وفضل عظيم، والاستخارة سبيل التوكل وتفويض الأمر إلى الله، وفيها راحة النفس وحصول السعادة، وغيرها من الفوائد، ومن جرّب عرف.

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بعفوك وإحسانك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعزّ الإسلام وانصر المسلمين، وأذلّ الشرك واخذل المشركين، ودمّر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم اشرح بالإيمان صدورنا، وتولَّ أمرنا واختر لنا، ولا تكلنا إلى اختيارنا. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماض فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا.

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وسائر قراباتنا، اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين وعافِ المبتلين، واقضِ الدين عن المدينين، وفرج كرب المكروبين، اللهم اجعل لنا ولكل مسلم ومسلمة من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن كل بلاء عافية، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
 

 

 

 

 

المرفقات

الاستخارة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات