عناصر الخطبة
1/صفات عباد الرحمن 2/نهار الصالحين وليلهم 3/وصف معيشة الصالحين وإنفاقهم 4/الحرص على الإخلاص وسلامة العقيدة 5/الحث على التزود للآخرة.اقتباس
مخلصون في توحيدهم ودعائهم لله، فلا يدعون مع الله إلهاً آخر، بل يدعونه وحده في الشدائد وفي الرخاء، ويسألونه العون والغوث والمدد، ولا يرجون غيره، ولا يعتمدون إلا عليه، ويترفعون عن الفساد والرذائل، فلا يقتلون النفس التي حرَّم الله إلا بالحق...
الخطبةُ الأولَى:
الحمد الله مُكْرِم أوليائه المتقين بالعزِّ والغفران، والأمن والإيمان والاطمئنان، والسكنى في الجنان، ومجازي أعداءه بالذل والخذلان، والفضيحة والخسران، والسجن في النيران، فسبحانه من إله عظيم، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الحكم العدل، فلا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها، ويؤتِ من لدنه أجراً عظيماً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خيرِ آلٍ وصحب، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى-، وسيروا على نهج عباده المؤمنين؛ فقد أرشد -تعالى- إلى ذلك بقوله: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)[سورة الفرقان:63]؛ فهم يمشون بسكينة ووقار، فلا جبروت عندهم ولا استكبار، يتجاوزون عن زلات الجاهلين وطيشهم، ويقابلون القول السيئ بالقول الحسن.
يقتدون برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في خُلقه؛ فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تزيده شدة الجاهل عليه إلا حلماً، فهم كما قال الله عنهم: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)[القصص: ٥٥]، فلا يخالطون أهل اللغو، ولا يعاشرونهم.
وروى ابن كثير -رحمه الله-، عن الحسن البصري في صفة عباد الرحمن أنه قال: "إن المؤمنين قوم ذلَّت منهم -والله- الأسماع والأبصار والجوارح، حتى يحسبهم الجاهل مرضى، وما بالقوم من مرض، وإنهم والله لأَصِحَّاء، ولكن دخَلهم مِن الخوف ما لم يدخل غيرهم، منَعهم من الدنيا عِلْمهم بالآخرة، فقالوا: الحمد لله الذي أذهَب عنا الحزن، أما والله ما أحزنهم ما أحزن الناس، ولا تعاظم في نفوسهم شيء طلبوا به الجنة، ولكن أبكاهم الخوف من النار، إنَّه مَن لم يَتعزّ بعزاء الله تقطَّعتْ نفسه على الدنيا حسرات، ومَن لم ير لله نعمة إلا في مطعم أو مشرب، فقد قلَّ عِلْمه وحضر عذابه".
أيها المسلمون: هذا بعض وصف المؤمنين في نهارهم ومحبتهم للناس، أما وصف ليلهم؛ فهم في عبادة لربهم، لا يهجعون منه إلا القليل، قال -تعالى-: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الذاريات: ١٧ – ١٨]، فهم يبيتون لربهم سجداً وقياماً، الباعث عندهم الرجاء لرحمته -تعالى-، والخوف من عذابه، يدعونه متضرعين قائلين -كما أخبر ربنا-: (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا)[الفرقان: ٦٥ – ٦٦].
أما وصف معيشتهم وإنفاقهم على أنفسهم وأهليهم: فلم يكونوا مبذرين ولا مقترين وإنما معتدلين، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)[الفرقان: ٦٧]، فلم يظهروا بمظاهر الترف والبذخ، ولم يبخلوا بالواجب ويشحوا بالمعروف، بل كانوا معتدلين في مأكلهم ومشربهم وملبسهم وسائر إنفاقهم، لا أشر عندهم ولا بطر.
وهم مع ذلك مخلصون في توحيدهم ودعائهم لله، فلا يدعون مع الله إلهاً آخر، بل يدعونه وحده في الشدائد وفي الرخاء، ويسألونه العون والغوث والمدد، ولا يرجون غيره، ولا يعتمدون إلا عليه، ويترفعون عن الفساد والرذائل، فلا يقتلون النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، ولا يزنون؛ وذلك ليقينهم بما توعد الله به مَن يفعل ذلك من مضاعفة العذاب والخلود فيه، قال -تعالى-: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا)[الفرقان: ٦٨ – ٦٩].
فاتقوا الله -عباد الله- وكونوا على أثر عباد الله المؤمنين المخلَصين باتباع منهجهم القويم؛ فقد وضح لنا السبيل، واسألوا الله الهداية والتوفيق، واستمدوا منه العون، فهو مولانا فنعم المولى ونعم النصير.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزمر: ١٧ – ١٨].
بارك الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله مُعِزّ مَن أطاعه، ومُذِلّ مَن عصاه، فسبحانه من إله عظيم، يجازي كلاً بما استحقه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أعظم موجود، وأغلى محبوب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي متابعته من علامة محبة ربه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- وتوبوا وأنيبوا إليه، تأملوا في ثواب الأعمال الصالحة، وعقوبات الأعمال السيئة، تذكروا الفناء العاجل لهذه الدنيا، والخلود الأبدي في الآخرة.
اجعلوا زادكم في الدنيا بقدر ما شرع لكم فيها، وتزودوا للأخرى، لتنالوا وعد الله بدخول الجنة، والخلود فيها، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا)[سورة النساء:57].
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "غدوة في سبيل الله أو روحة خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم أو موضع قيده يعني سوطه من الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً، ولأضاءت ما بينهما، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها".
اللهم حَبِّب إلينا الإيمان وزَيِّنه في قلوبنا، وكَرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان.
اللهم وَفِّقنا للأعمال الصالحة، وأعنا على القيام بها.
هذا وصلوا على نبينا محمد؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم