عناصر الخطبة
1/ فضائل نيل محبة الله ورضاه 2/ من هم الذين يحبهم الله تعالى؟ 3/ سمات المحبين وصفاتهم 4/ أسباب نيل محبة الله تعالى.اقتباس
لَيْسَ هُنَاكَ أَعْظَمُ، وَلَا أَجَلُّ مِنْ نَيْلِ مَـحَبَّةِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَاِبْتِغَاءِ رِضَاهُ، وَاِجْتِنَابِ سَخَطِهِ، فَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْعَى لِكَسْبِ مَـحَـبَّةِ رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، قَالَ تَعَالَى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فَلَيْسَتِ الْغَايَةُ فَقَطْ أَنْ تُـحِبَّ اللهَ، بَلِ الْغَايَةُ الْكُبْـرَى أَنْ يُـحِبَّكَ اللهُ؛ فَعَلَيْكَ أَنْ تَسْعَى لِاكْتِسَابِ الصِّفَاتِ الَّتِي يَـحِبُّهَا اللهُ، حَتَّى تَكُونَ مِنَ الَّذِينَ يُـحِبُّهُمُ، وَإِلَيْكَ بَعْضَ صِفَاتِـهِمْ...
الخطبة الأولى:
إنَّ الْـحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتِغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا، وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ وَخَلِيلُهُ صَلَّى اللهُ عليه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ... فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عِبَادَ اللهِ، لَيْسَ هُنَاكَ أَعْظَمُ، وَلَا أَجَلُّ مِنْ نَيْلِ مَـحَبَّةِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَاِبْتِغَاءِ رِضَاهُ، وَاِجْتِنَابِ سَخَطِهِ، فَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْعَى لِكَسْبِ مَـحَـبَّةِ رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، قَالَ تَعَالَى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 31]. فَلَيْسَتِ الْغَايَةُ فَقَطْ أَنْ تُـحِبَّ اللهَ، بَلِ الْغَايَةُ الْكُبْـرَى أَنْ يُـحِبَّكَ اللهُ؛ فَعَلَيْكَ أَنْ تَسْعَى لِاكْتِسَابِ الصِّفَاتِ الَّتِي يَـحِبُّهَا اللهُ، حَتَّى تَكُونَ مِنَ الَّذِينَ يُـحِبُّهُمُ، وَإِلَيْكَ بَعْضَ صِفَاتِـهِمْ:
أَوَّلًا: الْإِحْسَانُ: فَأَهْلُ الإِحْسَانِ يُـحِبُّهُمُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ فَيَرْضَى عَنْهُمْ وَيُرِضِيهِمْ، قَالَ تَعَالَى: (وأَحْسِنُوا إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِين) [البقرة: 197]، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وِإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَة" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).
فَالإِحْسَانُ يَشْمَلُ العِبَادَةَ وَالمُعَامَلَةَ؛ فَكُلُّ مَنْ أَطَاعَ اللهَ؛ فَهُوَ مُحْسِنٌ إِلَى نَفْسِهِ، فِـإِنْ كَانَ فِي طَاعَتِهِ نَفْعٌ لِغَيْرِهِ؛ فَهُوَ مُحْسِنٌ إِلَى نَفْسِهِ، وَإِلَى غَيْرِهِ؛ فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُـحْسِنَ إِلَى نَفْسِهِ بإِلزامِهَا بِطَاعَةِ اللهِ، وَإِلَى وَالِدَيْهِ بِبِـرِّهِـمَا، وَإِلَى زَوْجَتِهِ بِـحُسْنِ مُعَامَلَتِهَا، وَإِلَى أَوْلَادِهِ وَمَرْؤُوسِيهِ بِالرِّفْقِ بِـهِمْ، وَإِلَى جِيـرَانِهِ وَأَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ؛ بِـحُسْنِ التَّعَامُلِ مَعْهُمْ، وَيُـحْسِنَ إِلَى كُلِّ مَنْ يُقَابِلُهُ وَيُعَامِلُهُ؛ إِمَّا بِالْمَالِ، وَإِمَّا بِالْعَفْوِ، وَلَا أَقَلَّ مِنَ التَّبَسُّمِ، وَلِيـنِ الْكَلَامِ.
ثانيًا: وَمِنَ الذِينَ يُحِبُّهُمْ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: أَهْلُ الصَّبْرِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (واللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 146]، فَأَهْلُ الصَّبْـرِ يُحِبُّهُمْ اللهُ، لِتَوَفُّرِ هَذِهِ الصِّفَةِ الْعَظِيمَةِ بِـهمْ. وَالصَّبْـرُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
أَوَّلُـهَا: الصَّبْرُ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَذَلِكَ بِأَدَاءِ العِبَادَاتِ وَالوَاجِبَاتِ، فَالاِسْتِيقَاظُ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ يَـحْتَاجُ إِلَى صَبْـرٍ وَمُـجَاهَدَةٍ، وَالصَّوْمُ يَـحْتَاجُ إِلَى صَبْـرٍ، وَمُـجَاهَدَةُ النَّفْسِ بِأداءِ الْـحَجِّ وَالْعُمْرَةِ تَـحْتَاجُ إِلَى صَبْـرٍ، وَتَرْبِيَةُ الأَوْلَادِ وَمُجَاهَدَتُـهمْ وَإِيقَاظُهُمْ للصَّلَاةِ تَـحْتَاجُ إِلَى صَبْـرٍ، وَأَيِّـمَا صَبْـرٍ! فَهُنَاكَ مَنْ يَـمَلُّ فَيَتَوَقَّفُ عَنْ إِيقَاظِ أَوْلَادِهِ؛ فَهَذَا صَبْـرُهُ ضَعِيفٌ.
كَانَ أَحَدُ الْعُلَمَاءِ الْكِبَارِ فِي بِلَادِنَا يُتَابِعُ أَوْلَادَهُ فِي أَدَاءِ صَلَاةِ الْفَجْرِ- مَعَ كِبَـرِ سِنِّهمُ، وَاِنْفِرَادِهِمْ فِي بُيُوتِـهِمْ- اِمْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) [طه: 132] فَلَا تَكِلُّوا وَلَا تَـمَلُّوا، وَلَا تَضْعُفُوا، وَلَا تَعْجَزُوا عَنْ مُتَابَعَتِهِمْ وَإِيقَاظِهِمْ، وَلَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنْ إِسْـمَاعِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِتَحصِيلِهِ هَذِهِ الصِّفَةِ؛ صِفَةِ مُـجَاهَدَةِ الأَهْلِ فِي أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ وَحَثِّهِمْ عَلَيْهَا، قَالَ تَعَالَى: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) [مريم: 55]، فَلَا تَكِلُّوا، وَلَا تَـمَلُّوا، مِنْ هَذِهِ الْـمُجَاهَدَةِ الْعَظِيمَةِ، وَاِسْتَمِرُوا عَلَى هَذِهِ الْمُتَابَعَةِ؛ حَتَّـى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، قَالَ تَعَالَى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99]، فَسَوْفَ تَرَوْنَ الآثَارَ الْعَظِيمَة لِـهذَا الصَّبْرِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ أَنْوَاعِ الصَّبْـرِ: الصَّبْرُ عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ؛ فَاِجْتِنَابُ الشَّهَوَاتِ، وَكَبْحُ جِـمَاحِ النَّفْسِ عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ؛ كَغَضِّ الْبَصَرِ؛ يَـحْتَاجُ إِلَى صَبْـرٍ، وَالْاِمْتِنَاعُ عَنْ أَكْلِ الْـمَالِ الْـحَرَامِ؛ يَـحْتَاجُ إِلَى مُـجَاهَدَةٍ وَصَبْـرٍ، وَغَيْـرُهَا كُثْـرٌ.
وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ: الصَّبْرُ عَلَى أَقْدَارِ اللهِ، كَأَنْ يُبْتَلَى الإِنْسَانُ بِفَقْرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ فَقْدِ عَزِيزٍ، أَوْ غَيْـرِ ذَلِكَ؛ فَلْيَصْبِـرْ عَلَى أَقْدَارِ اللهِ؛ فَقَدْ جَاءَ التَّنْزِيلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 155] فَاِصْبِرُوا عَلَى أَقْدَارِ اللهِ، وَأَمِّلُوا خَيْـرًا، فَالْفَرَجُ قَرِيبٌ
وَإِذَا ابْتِلِيتَ بِشِدَّةٍ فَاصْبِرْ لَهَا *** صَبْرَ الكِرَامِ فَمَا يَدُوُمُ مُقَامُهَا
يَا صَاحِبَ الهَمِّ إِنَّ الهَمَّ مُنْفَرِجٌ *** أَبْشِرْ بِخَيْرٍ فَإِنَّ الفَارِجَ اللهُ
إِذَا بُلِيتَ فَثِقْ بِاللهِ وَأَرَضَ بِهِ *** إِنَّ الذِي يَكَشِفُ البَلْوَى هُوَ اللهُ
وَاللهِ مَا لَكَ غَيْرُ اللهِ مِنْ أَحَدٍ *** فَحَسْبُكَ اللهُ، فِي كُلٍّ لَكَ اللهُ
ثَالثًا: وَمِنَ الذِينَ يُحِبُّهْم اللهُ: الْـمُتَّقُونَ، فَأَهْلُ التَّقْوَى يُـحِبُّهُمُ اللهُ، قَاَل اللهُ تَعَالَى: (إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ) [آل عمران: 76]، فَقَدْ فَازَ أَهْلُ التَّقْوَى بِمَحَبَّةِ اللهِ، وَالتَّقْوَى كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (اتَّقُوْا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران: 102]: "أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَأَنْ يُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، وَأَنْ يُشْكَرَ فَلَا يُكْفرَ".
وَقَالَ أَبُو الدَرْدَاءِ، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "تَمَامُ التَّقْوَى أَنْ يَتَّقِيَ العَبْدُ اللهَ؛ حَتَّى يَتَّقِيَهُ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ، وَحَتَّى يَتْرُكَ بَعْضَ مَا يَرَى أَنَّهُ حَلَالٌ؛ خِشْيَةَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا"، حِجَابًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الحَرَامِ؛ فَالْـمُتَّقِي إِذَا قَالَ، فَقَوْلُهُ للهِ، وَإِذَا عَمِلَ، فَعَمَلُهُ لِلهِ، وَمَنْهَجُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162- 163].
رَابِعًا: وَمِنَ الذِينَ يُحِبُّهمْ اللهُ: أَهْلُ القِسْطِ، أَي أَهْلُ الْعَدْلِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَالْمُعَامَلَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وأقْسِطُوا إنَّ اللهَ يُحِبُّ المْقُسِطِينَ) [الحجرات: 9]، فَالقِسْطُ هُوَ العَدْلُ الذِي قَامَتْ بِهِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالقِسْطُ مَنْهَجُ الأنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ -عَلَيْهُمُ السَّلَامُ- قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَأنْزَلنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسَ بِالْقِسْطِ) [الحديد: 25]. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: "أَي بِالحَقِ وَالعَدْلِ. فَعَلَى الْـمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ عَادِلًا فِي قَوْلِهِ حَتَّى مَعَ خُصُومِهِ، قَالَ تَعَالَى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 2]، فَيَكُونُ عَادِلًا، وَيَقُولُ الْـحَقَّ؛ وَلَوْ كَانَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ وَالَدِهِ، أَوْ وَلَدِهِ.
خَامِسًا: وَمِنَ الذِينَ يُحِبُّهمْ اللهُ: أَهْلُ التَّوْبَةِ، قَالَ تَعَالَى: (إنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة: 222]، فَأَهْلُ التَّوْبَةِ الذِينَ يَرْجِعُونَ عَنِ الذُّنُوبِ إِذَا أَذْنَبُوا، يُـحِبُّهُمُ اللهُ، فَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُـحَصِّلَ هَذِهِ الصِّفَةَ الْعَظِيمَةَ، وَأَنْ يُبَادِرَ بِالاِسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ مِنَ الذُّنُوبِ فَوْرَ وُقُوعِهِ فِيهَا، وَقَدْ حَثَّ اللهُ عَلَى التَّوْبَةِ؛ فَقَالَ اللهُ تَعَالَى :(وَاسْتَغْفِرُوْا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوْبُوْا إلَيْهِ إنَّ رَبِّيِ رَحِيمٌ وَدُود) [هود: 90]. وَأَثْنَى اللهُ عَلَيهِمْ؛ فَقَالَ تَعَالَى: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحِونَ) [التوبة: 112]. وَالتَّوْبَةُ صِفَةُ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، فَهَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ-عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَقُولُ كَمَا قَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْهُ: (وَتُبْ عَلَيْنَا إنَّكَ أنْتَ التَوَّابُ الْرَّحِيمُ) [البقرة: 128]، وَهَا هُوَ مُوسَى-عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَقُولُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْهُ: (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إلِيْكَ وأنَا أوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) [الأعراف: 143].
سَادِسًا: وَمِنَ الذِينَ يُحِبُّهمْ اللهُ: أَهْلُ التَّطَهُّرِ، قال اللهُ تعالى: (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة: 222]، فَالذِينَ يُـحسنُونَ التَّطَهُّرَ، وَيُسبغُونَ الوُضُوءَ، وَيُـحسنُونَ الاِسْتِنْجَاءِ؛ فَيُزِيلُونَ الأَقْذَارَ الْـحِسِّـيَّةَ بِالْـحِجَارَةِ، أَو الْمَنَادِيلِ الْوَرَقِيَّةِ، ثُـمَّ يُتْبِعُونَـهَا بِالْمَاءِ، وَلَا يُبَاشِرُونَ النَّجَاسَاتِ بِأَيْدِيهِمْ؛ فَهَذِهِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ مَنْ يُـحْسِنُونَ التَّطَهُّرَ، الَّذِينَ يُـحِبُّهُمَ اللهُ، فَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْعَى لِتَحْصِيلِ هَذِهِ الصِّفَةِ الْعَظِيمَةِ، وَمَا أَيْسَرَهَا- وَرَبِّي- حَتَّـى يُـحِبَّهُمُ اللهُ.
سَابِعًا: وَمِنَ الذِينَ يُحِبُّهمْ اللهُ: أَهْلُ التَّوَكُّلِ، قال اللهُ تعالى: (إنَّ اللهَ يُحِبُّ المْتُوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159]، وَقَدْ كَثُرَ فِي الْقُرْآنِ الأَمْرُ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) [الشعراء: 217]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وتعالى: (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) [النساء: 81]، وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ فَضْلُهُ عَظِيمٌ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 4]؛ أَيْ: كَافِيهِ، فَالأَنْبِياءُ وَالرُّسُلُ، عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، عُودُوا مِنْ قِبَلِ أُنَاسٍ لَا طَاقَةَ لَـهُمْ بِهمْ، فَتَوَكَّلُوا عَلَى اللهِ؛ فَكَفَاهُـمُ اللهُ. فَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ كَفَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَى غَيْـرِهِ خَذَلَهُ، وَمِنْ فَضْلِ التَّوَكُّلِ أَنَّهُ يَكْفِي صَاحِبَهُ هَمَّ الرِّزْقِ؛ كَمَا عليه الصلاة والسلام: «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا» (رَوَاهُ أَحْـمَدُ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).
وَمِنْ فَضْلِ التَّوَكُّلِ أَنَّهُ يَعْصِمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا) [الإسراء: 65]، وَالتَّوَكُّلُ عِبَادَةٌ يَـجِبُ أَنْ يُفْرَدَ اللهُ بِـهَا، وَفَرْقٌ بَيْـنَ التَّوَكُّلِ وَالتَّوْكِيلِ؛ فَالتَّوَكُّلُ عِبَادَةٌ، وَالتَّوْكِيلُ مُعَامَلَةٌ؛ فَيَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: وَكَّلْتُ فُلَانا، وَلَا يَـجُوزُ أَنْ تَقُولَ: تَوَكَّلْتُ عَلَى فُلَانٍ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) [الفرقان: 58].
ثَامِنًا: وَمِنَ الذِينَ يُحِبُّهمْ اللهُ: أَهْلُ الجِهَادِ الـحَقِّ، الذِينَ يُـجَاهِدُونَ وِفْقَ الشُّرُوطِ الشَّرْعِيَةِ وَضَوَابِطِهَا، تَـحْتَ رَايَةِ الإِمَامِ، لَا يُـخَالِفُونَ آرَائِهِ، وَلَا يَـجْتَهِدُونَ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ. وَهَذِهِ الصِّفَةُ كَمَا وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ لَا تَتَوَفَّرُ إِلَّا فِي أَهْلِ الْـجِهَادِ الْـحَقِّ، قَالَ تَعَالَى: (إنَّ اللهَ يُحِبُّ الذَّيِنَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيِلِهِ صَفَّاً كَأنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصْ) [الصف: 4]، وَلِذَا قَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، مُبَيِّنًا فَضْلَ مَنْ يُـجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ: "عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" (رَوَاهُ التِّـرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ)؛ فَالْـجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ هُوَ ذُرْوَةُ سَنَامِ الإِسْلَامِ؛ فَأَهْلُ الْـِجهَادِ الْـحَقِّ يُـحِبُّهُمُ اللهُ.
تَاسِعًا: وَمِنَ الذِينَ يُحِبُّهمْ اللهُ: الْمُتَّبِعُونَ للنَّبِـيِّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ تَعَالَى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 31]، فَاِتِّبَاعُ النَّبِـيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، هُوَ مِفْتَاحُ كُلِّ خَيْـرِ، وَسَبَبُ الْـهِدَايَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)، وَنَـهَى اللهُ عَنْ مُشَاقَقَتِهِ– أَيْ مُـخَالَفَتِهِ- فَقَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء: 115]، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- كَمَا فِي الصَّحِيحِ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). فَاِتِّبَاعُ النَّبِـيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- هُوَ سَبَبُ الْفَلَاحِ، فَخَيْـرُ الْـهَدْيِ هَدْيُ مُـحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَلَّا يَبْحَثَ عَنْ هَادٍ غَيْـرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ بِقَوْلِ أَحَدٍ؛ فَمَتَـى حَصَّلَ الْمُؤْمِنُ صِفَةَ الاِتِّبَاعِ؛ أَحَبَّهُ اللهُ.
فَهَذِهِ الصِّفَاتُ التِّسْعُ لِـمَنْ يُـحِبُّهُمُ اللهُ، وَرَدَتْ فِي الْكِتَابِ الْعَظِيمِ. أَمَّا فِي السُّنَّةِ فَتَجَاوَزَتْ مِئَتِينِ وَخَـمْسِيـنَ صِفَةً.
رَزَقَنَا اللهُ اِتِّبَاعَ نَبِيِّهِ، وَالسَّيْـرَ عَلَى نـهْجِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أمَّا بَعْدُ.. فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
عِبَادَ اللهِ، من آثار مَحَبَّةِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- لِعَبْدِه، القُبُولَ فِي الأَرْضِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ" (رَوَاهُ الْـبُخَارِيُّ). وَالقُبُولُ هُنَا هُوَ: قُبُولُ القُلُوبِ الْمُؤْمِنَةِ لَهُ بِالمَحَبَّةِ وَالمَيْلِ إِلَيْهِ وَالرِّضَا عَنْهُ.
وَمَحَبَّةُ النَّاسِ دَلِيلٌ عَلَى مَحَبَّةِ اللهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ، وَقَدْ رَوَى مُسْلمٌ رَحِمَهُ اللهُ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ سُهَيْلَ بَنَ أَبِي صَالِحٍ قَالَ : كُنَّا بِعَرَفَةَ، فَمَرَّ عُمرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ وَهُوَ عَلَى المَوْسِمِ، فَقَامَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ! إِنِّي أَرَى اللهَ يُحبُّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيزِ. قَالَ: وَمَا ذَاكَ ؟ (يَعْنِي: مَا دَلِيلُكَ؟)- قُلْتُ: لِمَا لَهُ مِنَ الحُبِّ فِي قُلُوبِ النَّاسِ. فَقَالَ أبي: سَمِعْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، يُحَدِثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ الحَدِيثَ السَّابِقَ؛ فَالمَوَدَّةُ وَالمَحَبَّةُ بَيْنَ النَّاسِ مِنَ اللهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ القُرْآنُ، قَالَ تَعَالَى:(إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدَّا) [مريم: 96] أَي: يُحِبُّهمْ وَيُحَبِبُهمْ إِلَى النَّاسِ.
عِبَادَ اللهِ.. إِنَّ الوُصُولَ إِلَى مَحَبَّةِ اللهِ ليُحِبَّنا اللهُ، لَيْسَتْ بِالعَسِيرَةِ، بَلْ هِيَّ يَسِيرَةٌ لِمَنْ يَسْرَّهَا الله لَهُ، قَدْ ذَكَرَ الإِمَامُ ابْنُ القَيِّمِ – رَحِمَهُ اللهُ -: بَعْضًا مِنْهَا، وَمِنْ ذَلِكَ:
أَوْلاً : قِرَاءَةُ القُرْآنِ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَهمِ لِمَعَانِيهِ وَمَا أُرِيدَ بِه.
ثَانِياً: التَّقَرُّبُ إِلَى اللهِ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ الفَرَائِضِ.
ثَالِثاً: دَوَامُ ذِكْرِه تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ، بِالِّلسَانِ وَالقَلْبِ، وَالعَمَلِ وَالحَالِ.
رَابِعاً: إِيثَارُ مَـحَابِّهِ على مَـحَابِّكَ عِندَ غَلَبَاتِ الْـهَوَى.
خامساً: مَعْرِفَةُ أَسْـمَاءِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا وَصِفَاتِهِ، فمَنْ عَرَفَ اللهَ بِأَسمائِهِ وَصِفَاتِه وَأَفْعَالِهِ؛ أَحبَّهُ لَا مَحَالَةَ.
سَادساً: مُشَاهَدَةُ بِرِّهِ وَإِحَسَانهِ وَآلائِهِ، وَنِعَمهِ البَاطِنةِ وَالظَّاهِرةِ عَلَى عِبَادِهِ، فَإنِهَا دَاعِية ٌإلى مَحَبتهِ.
سَابِعاً: انْكِسارُ القَلبِ بِكُلِّـيَّـتِهِ بَيـنَ يَديِ اللهِ –تَعَالَى-.
ثامناً: الخَلَوةُ وَقْتَ النُّزُولِ الِإلَـهِيِّ، لِمُنَاجَاتهِ وَتِلاوةِ كَلَامِهِ، وَالوُقُوفِ بِالقَلْبِ وَالتَّأدُبِ بَأدبِ العُبُودِيةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثمَّ خَتَمَ ذَلِك بِالاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ.
تَاسِعاً: مُجَالَسَةُ الْـمُحِبِينَ الصَّادِقِينَ، وَالْتِقَاطُ أَطَايبِ ثَمَرَاتِ كَلَامِهِمْ، كَمَا تُنْتَقَى أَطَايِبَ الثَّمَرِ.
عَاشراً: مُبَاعَدَةُ كُلُّ سَبِبٍ يَحُولُ بَينَ القَلْبَ وَبَينَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.
فَمِنْ هَذِهِ الأَسْبَابِ العَشْرَةِ وَصَلَ الْـمُحِبُّونَ إِلَى مَنَازِل ِالْـمَحَبَّةِ. اللهمَّ ارْزُقْنَا حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِبُنَا إِلَى حُبِّكَ.
الَّلهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَلَا تَـجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا شَقِيًّا وَلَا مَـحْرُومًا، الَّلهُمَّ اِجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيينَ لَا ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ.
الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ الْـمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاِكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ مَعَنَا، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم