صراع مع الحياة

إبراهيم بوبشيت

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: الحياة الدنيا
عناصر الخطبة
1/كدر الحياة وتعبها 2/أصناف الناس في التعامل مع الحياة 3/وسائل النجاح في الحياة 4/أهمة المثابرة والمصابرة 5/زرع الأمل وعدم اليأس 6/قصة مؤثرة في النظرة السلبية للحياة 7/تعب الأجيال السابقة في الحياة

اقتباس

اسمع هذا النداء! يا من خاطبت نفسك يوما بالفشل، وخاطبت نفسك يوما باليأس، وطلقت الحياة، وأظلمت عليك حياتك، قتلك دين، وسرقك مرض، وانتابك حزن، فقدت حبيبا، أو طلقت حبيبا، أو أظلمت حياتك، أي كان لونها، أظلمت عليك دراستك، أو أظلم عليك عملك، أو كنت تطمح في عمل معين، فما وفقت فيه!. دعونا اليوم ننطلق انطلاقة...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده سبحانه ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله -جل وعلا- من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

تَنَامُ وَقَدْ أَعَدَّ لَكَ السّهَادُ *** وَتُوقِنُ بِالرَّحِيلِ وَلَيْسَ زَادُ

وَتُصْبِحُ مِثْلِ مِا تُمْسِي مُضَيِّعًا  *** كَأَنَّكَ لَسْتَ تَدْرِي مَا الْمُرَادُ

أَتَطْمَعُ أَنْ تَفُوزَ غَدًا هَنِيًا  *** وَلَمْ يَكُ مِنْكَ فِي الدُّنْيَا اجْتِهَادُ

إِذَا فَرَّطْتَ فِي تَقْدِيمِ زَرْعٍ  *** فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ عَدَمٍ حَصَادُ

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه مصابيح الدجى، وزينة السماء، معالم الهدى، ومن سار على النهج واقتفى، وبطريقهم اهتدى.

 

أما بعد:

 

أيها الأحبة: فاتقوا الله حق التقوى، وتمسكوا بالعروة الوثقى، وعليكم بكتاب ربكم تسعدوا وتفلحوا.

 

فَشَمِّرْ وَلُذْ بِاللهِ وَأحْفَظْ كِتَابَهُ *** فَفِيهِ الْهُدَى حَقًّا وَلِلْخَيْرِ جَامِعُ

هُوَ الذُّخْرُ لِلْمَلْهُوفِ وَالْكِنْزُ وَالرَّجَا *** وَمِنْهُ بِلا شَكٍّ تُنَالَ الْمَنَافِعُ

وَبِهِ يَهْتَدِي مَنْ تَاهَ مُهِمَّهِ الْهَوى *** بِهِ يَتَسَلَّى مَنْ دَهَتْهُ الْفَجَائِعُ

 

عليكم بسنة حبيبكم -عليه الصلاة والسلام- فقد قال الله -تعالى- عنه: (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)[النور: 54].

 

وقد قال الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وسنتي".

 

أيها المسلمون: عنونت لحديثي اليوم بعنوان: "صراع مع الحياة".

 

نعم، إنها هي الحياة التي نحن نعيشها اليوم بصفوها وكدرها، وحلوها ومرها، وخيرها وشرها.

 

طالما صدعت الحياة، طالما حل بها الكدر، وخيم عليها الهم، كيف نصارعها –أحبتي-؟

 

كيف يمكن أن ننطلق من حديث اليوم بنفس متفائلة، وبروح زكية؟

 

كيف يمكن -أيها الأحبة في الله-: أن ننطلق اليوم بحديث إلى نفوس المتشائمين، فنغرس فيها الفأل والأمل في الحياة، إلى نفوس البائسين؛ فنزرع فيها من ماء الحياة الصافي، إلى الوجوه المشرئبة التي تطالع الحياة بنظرة غير جادة؟!.

 

اسمع هذا النداء: يا من خاطبت نفسك يوما بالفشل، وخاطبت نفسك يوما باليأس، وطلقت الحياة، وأظلمت عليك حياتك، قتلك دين، وسرقك مرض، وانتابك حزن، فقدت حبيبا، أو طلقت حبيبا، أو أظلمت حياتك، أي كان لونها، أظلمت عليك دراستك، أو أظلم عليك عملك، أو كنت تطمح في عمل معين، فما وفقت فيه!.

 

دعونا اليوم ننطلق انطلاقة: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ)[الانشقاق: 6].

 

قال ابن عطية في تفسيره: "الكادح: هو العامل بشدة، وسرعة، واجتهاد مؤثر".

 

أربع قواعد أراها أنها محور حديثي وإياكم؛ لمن أراد أن يكون صاحب طموح في الحياة: أن يكون عاملا بشدة.

 

لقد جسد الله -جل وعلا- لنا أصناف الناس في التعامل مع شؤون الحياة، فقال في سورة تبارك: (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ)[الملك: 22].

 

لا يطالع أمل الحياة! إنما يطالع مواطن الحفر! هنا رسبت! هنا فشلت! هنا خسرت! هنا تمشكلت! (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ)[الملك: 22].

 

إن القرآن يجسد لنا التربية للنفس: (مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[الملك: 22].

 

إنه لا ينظر للرسوب، ولا ينظر للحفر، فإن يوسف خرج من السجن، وإن أيوب خرج من المرض، وإن نوحا صارع ولده وزوجته، وأنبياء الله قاطبة، مرت بهم من المصائب ما لم تمر بي، أو تمر بك، فلا بد أن تكون عاملا في الحياة.

 

ثم قال: "بشدة" يوم أن تكون هزيلا مع وقتك، مضيعا لحياتك، وترى عالم التقنية اليوم الذي ينطبق فيها حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قيل وقال، وكثرة السؤال".

 

وفي رواية: "وإضاعة المال".

 

"وسرعة" يوم أن تتخطى عمرك، فيكون عمرك عشرين أو أربعين أو خمسين، وإذا بإنجازات الحياة تكون أعلى من سنوات عمرك.

 

ثم قال: "واجتهاد"

 

أخي لن تنال العلم إلا بستة *** سأنبيك عن تفصيلها ببيان

ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة *** وصحبة أستاذ وطول زمان

 

معاشر أحبتي: كم نرى اليوم مهزوما غشيه اكتئاب، ضاقت به الدنيا، ظن أنه لا بد أن يحمل شهادة بكالوريوس، أو ماجستير، أو دكتوراه.

 

يقول أحد الكتاب: شاب في نيويورك جاء ليقدم طلب وظيفة، فلما قام بتعبئة الاستمارة، كان من ضمن بنودها: البريد الكتروني! فقال: أنا لا أعرف هذه التقنية، وليس عندي بريد الكتروني، قالوا: إذاً كيف نراسلك؟ وكيف نرسل لك بالموافقة على العمل؟!

 

فترك الوظيفة، فخرج منها، فرأى بائعا يبيع طماطم، فتبع بائع الطماطم يسأله: كم مدة دوامك؟ قال: ساعتان، قال: كيف ساعتان؟ قال: أذهب السوق وأشتري عددا من الصناديق بالمال الذي عندي؛ عشرين، أو أربعين، ثم أبيعها خلال ساعتين، أمر على عدد من المطاعم؛ فأبيعها عليهم ثم أعود إلى بيتي!.

 

يقول: فذهبت مباشرة، واشتريت الطماطم، فبعتها بأربعين دولارا.

 

وفي اليوم الثاني اشتريت بالأربعين، فبعتها بثمانين.

 

وفي اليوم الثالث اشتريت بثمانين ثم بعتها بمائة وستين!.

 

وهكذا .. يقول خلال أيام قليلة اشتريت لي عربة، ثم سيارة، ثم بعد ذلك شاحنة نقل، ثم بعد مدة من الزمن أصبح عندي أسطول من السيارات.

 

يقول ثم بعد أن فتحت مؤسسة ترشحت مؤسستي لئن تكون مقاولة لأحد المشاريع الحكومية؛ لأنني أصبحت السيد فلان!.

 

فلما قدمت على هذا المشروع رسبت المعاملة، واستبق أن بعض خانات الورقة مفقودة، قابلت المسئول، قال: عرض السعر مقبول والنشاط مقبول والشركة عندها إمكانيات وخبرة، لكن بعض البنود مفقودة مثل: البريد الالكتروني.

 

قال صاحبنا هذا: "وهل تريد أن تعيدني إلى قصة صاحب البريد الالكتروني لا أريد مشروعك".

 

أيها المسلمون: لا أقصد بهذا أنك لا تكون صاحب تقنية، لكن يوم أن يكون جوالك قيمته أغلى منك! فأنت خاسر!.

 

يوم أن تكون تعرف كل ما يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي ك " واتس أب وتويتر وفيس بك"؛ ولكنك تجهل كيف تطور حياتك!.

 

يوم أن يكون جوالك 24ساعة في يدك تلعب به، ثم ترى تاجرا عملاقا، يملك من الدنيا الشيء الكثير، ولا يعرف من هذه التقنية شيئا! فنجح هو ورسبت أنت!.

 

أيها المسلمون: كم نرى من مهزوم يحتاج أن نزرع فيه الأمل، نزرع فيه التألق، نزرع فيه التطور لمعالم الحياة.

 

لقد أعجبتني قصة؛ ففي يوم من الأيام، وأنا أقرأ أحد الكتب الأدبية؛ وفيه أن أبا من الآباء دخل على بنته، فرآها حزينة! كئيبة! فقال لها: ما بك يا بنتي؟ فقالت: الحياة صعبة! وأنا لا أعرف كيف أتعامل مع الحياة، فإذا كانت الحياة بوجدك يا أبي بهذه الطريقة؛ كيف سوف أتعامل مع الحياة إذا فقدتك يا أبي؟!!.

 

نظر الأب إلى بنته، ثم أدخلها معه إلى المطبخ، ثم أخرج ثلاثة قدور، ثم وضع في القدر الأول جزرة، وفي القدر الثاني -تخيلوا معي ماذا وضع في ذلك القدر- وضع فيه البن –القهوة-.

 

ثم وضع في القدر الثالث بيضة.

 

ثم جعلها هذه القدور تغلي في وقت واحد، ثم أطفأ عن الثلاث.

 

ثم قال لبنته: أخرجي الثلاث، فأخرجت الجزرة، وأخرجت البن، وأخرجت البيضة.

 

فقال: المسي الجزرة، فرأت أن الجزرة نضجت في الظاهر وفي الباطن لينة.

 

ثم قال: المسي البيضة!.

 

قالت: يا أبي البيضة سميكة، قال: اكسريها، فلما كسرتها وجدتها ناضجة الباطن، ولكنها في الظاهر سميكة.

 

قال: يا بنتي اشربي القهوة، قالت: إن القهوة غيرت الماء، وغيرت الطعم.

 

قال: ذوقيها، فذاقتها البنت.

 

فقدم لها درسا بعنوان: "يا بنتي الحياة في تعامل الناس معها هكذا! من الناس من إذا أتتهم المصائب غيرتهم وأهمتهم، وجعلت حياتهم كئيبة، فإنهم لا يستطيعون الصبر مع الحياة؛ مثل الجزرة.

 

وإن من الناس من هم كالبيضة في ظاهرهم أقوياء، وأصحاب جلد، وأصحاب صبر، وإن كانت المصائب أثرت فيهم في الباطن، وأثرت في داخلهم، لكنهم لم يزالوا صابرين.

 

وأما الثالثة -وهي الشاهد-: يا بنتي إن من الناس من إذا أتتهم المصائب غلتهم، فهم مثل القهوة يغيرونها، ويغيرون طعمها، ويغيرون رائحتها، ويكونون هم أشد غليانا من غليان المصائب.

 

فتأملوا هذا المثل فإنه -والله- يزرع فينا الأمل، ويعلمنا كيف نتعامل مع الحياة؛ ولذلك فقد قال الأب لبنته: "يا بنتي لقد تعامل كلا من الجزرة والبيضة والبن؛ مع الخصم، وهو الماء الذي يغلي بشكل مختلف، ومغاير عن الآخر.

 

إن الأمور إذا سدت مطالبها *** فالصبر يفتق منها كلما ارتجا

لا تيأسن وإن طالت مطالبةٌ *** إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته *** ومدمن القرع للأبواب أن يلجا

 

قال صلى الله عليه وسلم لصحابته: "واعلم أن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا".

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، والصلاة والسلام على محمد وآله.

 

أما بعد:

 

أيها الأحبة في الله: يوم أن يهمل الإنسان منا نفسه، ويرى أنه وحده لا يؤثر، اسمع إلى هذه الحادثة، لا تقل أنا شخص واحد، لا تقل أنا مضيع لوقتي، ولا تقل: إن هذه الحياة لن آتي لها بالسلبية أنا فقط!.

 

أصيبت إحدى البلاد بقحط ومجاعة، فما كان من الحاكم والوالي على الناس إلا أن قال لهم: سوف نضع قدرا كبيرا، والمطلوب من كل إنسان أن يأتي بكوب من اللبن؛ بحيث لا يراه الآخرين.

 

فتهافت الناس على طاعة الملك، فتفاجأ الناس بعدما انتهت المدة المحددة؛ إلى أن القدر الكبير في وسط البلد أغلبه ماءً ليس لبنا، فقالوا: لماذا؟

 

والناس يتهامسون، يقول أحدهم: توقعت أنني الوحيد الذي صببت الماء!.

 

ويقول الثاني: توقعت أنني الوحيد الذي صببت الماء!.

 

ويقول الثالث: توقعت أنني الوحيد الذي صببت الماء!.

 

فاتضح أن الناس كلهم خانوا بعضهم بعضا.

 

إننا يوم أن نخون بعضنا بعضا، في عجلة التطور والارتقاء، فسوف تكون لنا نفس النتيجة، حياة بلا صراع لا تدوم.

 

إنكم إذا تأملتم في حياة كثير من كبار السن الذين صارعوا حياتهم، وصارعوا أمورهم، تعبوا في أعمالهم، وتعبوا في دراستهم وتنقلوا، وربما كانت وظائفهم في أماكن بعيدة، أتعبت حياتهم، يوم أن ترى الشاب اليوم كل شيء في يديه، أما يتقي الله -تعالى-؟!!.

 

إن المواقف هي التي تصنع الابتكار، ففي عام 1950 ما كان من فرانك إلا أن ذهب إلى المطعم، وإذا به نسي النقود، فما كان من هذا العالم إلا أن رجع، وقال: "لماذا لا أصنع بطاقة ائتمانية ينتقل المال فيها مع الإنسان!.

 

إنه موقف، وتأملوا معي هذا المثال: زجاجة المياه كم تساوي من الجرام عندما تحملها؟

 

لكن مثل زجاجة المياه هذه مثلا، يقول أهل العلم: "لو حملتها مدة يوم واحد، ربما أسقط مغشيا علي، ثم أحمل إلى الإسعاف".

 

هكذا هي أمور الحياة في بدايتها قليلة، لا تساوي شيئا، هي جرامات، لكن تعامل معها بإنجاز، تعالجها مباشرة، ولذلك الحياة هكذا، فكن صاحب طموح، وزراعة فيها، والله -جل وعلا- يقول لنا: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آل عمران:133].

 

فأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المتقين المسرعين...

 

 

 

 

المرفقات

مع الحياة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات