صحتك تاجك

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2022-10-07 - 1444/03/11 2022-10-19 - 1444/03/23
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/نعمة العافية وقدرها 2/أيها الصحيح من يمنعك من المرض؟ أفلا تأملت في حال المرضى 3/نصيحة لكل مبتلى وسقيم 4/من فوائد البلاء وثماره الحسنة

اقتباس

المرضُ تصفيةٌ من كدَرِ السيئاتِ. قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلاَهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ، أَوْ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى"(رواهُ أبو داودَ وصححهُ ابنُ حبانَ والحاكمُ والألبانيُ).

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ لا مانِعَ لما وهَب، ولا واهبَ لما سلَبَ، وأشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، هوَ المرجوُّ لكشفِ الشدائدِ والكُرَبِ، وأشهدُ أنّ نبيَّنا محمَدًا عبدُ اللهِ ورسولُه الأسوَةُ في كمالِ الأدَبِ، فصلّى اللهُ وسلمَ عليهِ إلى يومِ المنقَلَبِ، أما بعدُ:

فيا أيُها المتقلبُ في نعمِ اللهِ: لو أصيبتْ رِجلُك بمرضٍ مزمنٍ -لا قدرَ اللهُ، وحفظكَ اللهُ- ثم قيلَ لك إن هناكَ علاجٌ في أقصى الدنيا، وقيمتُه أكثرُ ما تملكُ، فهل ستدفعُ؟!

بلى واللهٍ ستدفعُ؛ بل إن كثيرًا من أموالِك لا تساوي ليلةً واحدةً تقضيها متوجعًا أو مهمومًا. وكلُ الهمومِ مهما عظُمت تتساقطُ عند عَتَبةِ العافيةِ.

ألا إن نعمةَ الصحةِ والعافيةِ، تاجٌ على رؤوسِ الأصحاءِ، لا يعرفُه إلا أهلُ المرضِ والبلاءِ. وإن تاجَ الصحةِ هو ثالثُ ثلاثةٍ، تُمثلُ الحياةَ بحذافيرِها: الصحةُ والأمنُ والقوتُ.. فقد قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا"(رواهُ الترمذيُ وحسنَهُ).

 

يا أيُها الإنسانُ الذي خلقَه اللهُ ضعيفًا: مَن يمنعُكَ من المرضِ؟ من يمنعُ الميكروباتِ الصغيرةَ والفيروساتِ الدقيقةَ أن تتَسللَ إلى خلايا جسمِك؟ مَن يمنعُكَ مِن اللهِ أن يأخذَ حواسَك؟ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ).

 

شابٌ مشلولٌ يقولُ: أنا منذُ أربعةَ عشرَ عاماً لم أحُكَّ وجهيَ، أكليْ وشربيْ أمامي لا أستطيعُ أن أتناولَه، فسئلَ عما يتمناهُ في حياتهِ، فذكرَ ثلاثَ أمانيَ تُقطعُ القلبَ، قال: أتمنى أن أسجدَ للهِ ولو سجدةً واحدةً، وأتمنى أن أُقلّبَ ورقَ المصحفِ، وأتمنى أن أضمَ والدتي في يومِ عيدٍ أو فرحٍ.

 

فيا أيُها المتقلبونَ في نِعَمٍ لا تشعرونَ بها حتى تفقِدوها وعسى ألا تفقِدوها: لنتأملْ هؤلاءِ المرضى لسنواتٍ، فقد كانوا يومًا مثلَنا يَسهَرونَ ويَسمُرونَ، فحِيلَ بينهم وبين ما يشتهونَ!! جُمُعَتُهُمْ كَسَبْتِهِمْ، وفِطْرُ أعيادِهم فَطَرَ أكبادَهُمْ.

 

كم منا مِن صحيحٍ معافىَ، ولا يتحركُ عن فراشهِ لصلاةِ الفجرِ؟

 

كم ممنْ هو عاقٌ لوالديهِ وقد غرَّته عافيتُه وحِلمُ اللهِ عليهِ؟

 

وإلى كل مريضٍ يُقالُ: اصبرْ واحتسبْ، وكن بعدَ المرضِ أكثرَ إقبالاً على ربِكَ من حالِك قبلَ المرضِ. ولا تكنْ كالذي قالَ عنه سلمانُ الفارسيُ –رضيَ اللهُ عنه-: إِنَّ الْمُنَافِقَ إِذَا مَرِضَ ثُمَّ أُعْفِىَ كَانَ كَالْبَعِيرِ عَقَلَهُ أَهْلُهُ ثُمَّ أَرْسَلُوهُ، فَلَمْ يَدْرِ لِمَ عَقَلُوهُ وَلَمْ يَدْرِ لِمَ أَرْسَلُوهُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ هادِينا، وصلى اللهُ وسلمَ على داعِينا، أما بعدُ:

 

فهل تعلمُ أن المريضَ تُساقُ له خيراتٌ حِسانٌ يخُصُّه بها ربُه المنانُ، لا يُحصِلُها أصحاءُ الأبدانِ. قال ابنُ القيمِ -رحمهُ اللهُ- "فهذه الآلامُ والأمراضُ والمشاقُ من أعظمِ النعمِ.. وقد أَحصيتُ فوائدَ الأمراضِ فزادتْ على مئةِ فائدةٍ"([1]).

 

يا عجبًا! مرضٌ وله فوائدُ؟! نَعَم! وإليكمْ -عبادَ اللهِ- خمسَ فوائدَ فقطْ للمرضِ:

أولاً: المرضُ تصفيةٌ من كدَرِ السيئاتِ. قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلاَهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ، أَوْ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى"(رواهُ أبو داودَ وصححهُ ابنُ حبانَ والحاكمُ والألبانيُ).

 

ثانياً: من فوائدِ المرضِ أن نتيقنَ أن اللهَ أرحمُ بنا من أنفسِنا ومن أمهاتِنا، وأنه يومَ أصابَنا إنما أرادَ بنا خيراً؛ لقولهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْه"(رواهُ البخاريُ).

 

ثالثاً: أنّ المرضَ سببٌ للدعاءِ والالتجاءِ والانكسارِ بين يديِ اللهِ (..فَأَخَذْنَاهُمْ بِالبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ). قالَ ابنُ تيميةَ -رحمهُ اللهُ-: مصيبةٌ تُقبِلُ بها على اللهِ خيرٌ لكَ من نعمةٍ تُنسِيكَ ذِكرَ اللهِ([2]).

 

رابعاً: أن اللهَ يُخرجُ بالمرضِ من العبدِ الكبرَ والعُجبَ؛ فلو دامتْ للعبدِ أحوالُه لطغَى ونسيَ.

 

خامساً: من فوائدِ المرضِ أنه يجعلُكَ تتأملُ فيمن ابتلاهمُ اللهُ بأشدَ منكَ فتشكرُ اللهَ على ما أنت فيهِ، وتصبرُ وترضَى  بما قسمهُ اللهُ لك. لتكونَ داخلاً تحتَ قَولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ! إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ"(رواهُ مسلمٌ).

 

فاللهم مَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا.

اللهم اجعلنا ممن إذا أُعطِيَ شَكَرَ، وإذا أذنَبَ استَغْفَرَ، وإذا ابْتُلِيَ صَبَرَ.

اللهم اقْسِمْ لَنَا مِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا.

اللهم إِنّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.

اللهم احفظْ دينَنا وأمنَنا وحدودَنا وجنودنا. واحفَظْ ثرواتِنا وثمراتِنا، واقتصادَنا وعتادَنا.

اللهم وفقْ وسدِّدْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِه لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ. واجزِهما على التيسيرِ على المسلمينَ، وعلى خدمةِ الحرمينِ.

اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

 

([1])شفاء العليل  (1 -  250 )
([2])تسلية أهل المصائب    [1 -  224 ]

المرفقات

صحتك تاجك.pdf

صحتك تاجك.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات