عناصر الخطبة
1/اتحاد الكفار لحرب غزة 2/ وجوب الاهتمام بأمر المسلمين 3 / مظاهر من المآسي 4 / دور الأمة في رفع الحصار 5/موقف المسلمين 6/ واجبهم نحو هذه الأزمة 7/ دعاء محكم لغزةاقتباس
الشعب الفلسطيني يتصدي اليوم ببطولة للحصار والتجويع، ويواجه الموت بعزيمة قوية، وإيمان صلب بعقيدته وهويته الإسلامية، رغم كل هذا العقوق من قبل المسلمين. صمود هذا الشعب هو الذي يربك الإسرائيليين، ويفضح صورتهم الهمجية أمام العالم بأسره، ويكشف مدي دمويتهم وتعطشهم لقتل الأبرياء.
أيها المسلمون: يشهد العالم هذه الأيام إرهاباً عالمياً، هو من أبشع صور الإرهاب في العالم، إرهاب صهيوني يهودي، بدعم أمريكي نصراني، موجَّهٌ لأهل غزة في فلسطين، الهدف منه هو الإسلام الذي يقاوم اليهود؛ فقد اتفق العالم الغربي كله مع منافقي هذه الأمة، وأجمعوا على سحق هذا الشعب المسكين، لأنه الشعب الوحيد الذي يقف في وجه ما يسمى بإسرائيل.
أيها المسلمون: الوضع المأسويّ يتفاقم في غزة، ولكم أن تتصوّروا حجم المعاناة التي يعيشها إخواننا في القطاع، حين يحاصرون من الخارج والداخل، وحين يشمت بهم الصديق مع العدو، ولا يسلمون من أذى بعض الجيران، فضلاً عن الأبعدين.
إنّها محن وبلايا ليست جديدة في تاريخنا، فطالما تعاقد الكفّار مع المنافقين على حرب المسلمين، ولئن حاصرت قريش المسلمين في مكّة في حصار الشِّعب المعروف، حيث تقاسموا على الكفر، فقد حاول المنافقون حصار المسلمين اقتصادياً، فقال قائلهم: (لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا) [المنافقون:7]؛ ولئن مثّل اليهود والنصارى والمشركون أطراف الحرب الخارجيّة ضدّ المسلمين، فقد كان المنافقون يقومون بدورهم في الحرب في الداخل إرجافاً وتخذيلاً، وتعويقاً وسخريّةً وإضرارا، (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِه) [الصف:8].
كان قطاع غزة، حتى الأمس القريب، سجناً كبيراً مساحته مائة وخمسون ميلاً مربعاً، يضم مليون ونصف المليون معتقَلاً، نصفهم من الأطفال دون سن السادسة عشرة؛ والآن، وبعد أن أغلق اليهود كل المعابر، وأُوقف دخول الوقود، والغاز، والدواء، والطعام، وبشكل محكم، تحول القطاع إلى فرن غاز كبير أشدّ فتكاً من أفران النازية.
في مثل هذه الأيام الباردة الشاتية، تخيّل نفسك مع أمك وأبيك، وزوجتك وأولادك، في ليلة مطيرة، وأنتم جميعاً في منزل تهدّمت أبوابه، وتكسّرت نوافذه، وانقطع عنكم الماء والكهرباء، أطفالك يصرخون من الجوع والبرد، وزوجتك الحُبلى يُقطّعها الألم، ولا تستطيع شراء الدواء لها، ووالداك شيخان كبيران، قد شحبت وجوههما، ورق عظمهما، وزاد مرضهما وعناؤهما؛ تخيّل نفسك في هذه الحال، ولا مال لديك لشراء الغذاء والدواء!.
وإذا ضاقت بك الحيلة لطلب العلاج خرجت بوالديك وأطفالك مشياً على الأقدام في هذا البرد القارص، فمشيت إلى المستشفى فإذا به خواء، ليس فيه إلا الأنين والصراخ، فعشرات المرضى قد سبقوك بأطفالهم ونسائهم وشيوخهم وهم ينتظرون، ولكن لا دواء ولا أجهزة، لأن الكهرباء مقطوعة.
أيها المسلمون: إن هذه المأساة ليست من نسج الخيال، إنما هي حقيقة يعانيها إخواننا المحاصرون في غزة الآن، إن عرض هذه المأساة ليست تقريراً إخبارياً، ولكنّه تذكير بالواجب الذي تقتضيه الأخوة الإسلامية من النُصرة، يقول الله عز وجل: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض) [التوبة:71]، ويقول جل شأنه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة) [الحجرات:10]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر". و "من لا يهتم بأمر المسلمين، فليس منهم".
إن عرض هذه المأساة تذكير لنا بنعمة الأمن التي نعيشها، إن عرض هذه المأساة تذكير لنا بأن الغفلة وللامبالاة بما يحل بالمسلمين من نكبات قد تؤدي لحلول العقوبة بالغافلين اللاهين الذين لا تتمعّر وجوههم، ولا تتألم نفوسهم لِمَا يحُل بإخوانهم.
أيها المسلمون: بلغ عدد الموتى بسبب هذا الحصار المئات، جُلهم من المرضى والأطفال. إن دولة اليهود تتحكّم ب 80 % من كهرباء غزة، و100 % من المياه، و70% من الوقود. إن الذي يجري في غزة ليس حصاراً، إنما هو حرب إبادة لشعب اختار العيش بكرامة، إنه عقاب جماعي لشعب اختار الإسلام حلاً وحاكماً. إن في غزة أكثر من مليون وخمسمائة ألف مسلم يواجهون الإبادة الجماعية.
معاشر المسلمين: إن إخوانكم في غزة يعيشون مأساة حقيقية، تأملوا كيف يصيب الناس الخوف، كيف يتأففون عندما تتأثّر وتتكدّر معايشهم وأرزاقهم؟! فكيف بمن حياته كلها كدر، دخوله كدر، وخروجه كدر، ونومه كدر، وقيامه كدر، يرى البؤس والشقاء في أعين أطفاله، وفي عظام أبيه وأمه.
هل لك أن تتخيل انقطاع الكهرباء؟ هل حاولت الوضوء فجراً في هذا الشتاء بالماء البارد؟! هل حاولت الجلوس دون مدفأة؟! هل لك أن تتخيل الأطفال في الحاضنات بالمستشفيات وقد انقطعت الكهرباء؟! هل تخيلت أحوال مرضى الكلى والقلب؟! هل شاهدت الأم وهي تقوم بالتنفس الاصطناعي لابنها بيدها ويتناوب أهل البيت على إجراء التنفس الاصطناعي له؟! هل تخيلت شعور الأب أو الأم وهو يقف عاجزاً عن إنقاذ فلذة كبده؟! هل تخيلت أباً يبعث بابنه لشراء الخبز فلا يجده؟! هل تخيلت صبرهم وثباتهم رغم كل هذه المأساة؟! بل هل شاهدت الطائرات الصهيونية وهي تقصف المدنيين، فيجتمع الناس لإنقاذ الجرحى ويمسكون بالأشلاء هاتفين: لا تبكوا على الشهيد، عند الله مولود جديد.
أحبتي في الله: إن إغلاق أربعة آلاف مصنع، وثلاثة آلاف متجر عن العمل، قد أصاب الحياة بالشلل، فلم يعد هناك نشاط يسمى تجارياً إلا بالمبادلة اليدوية، تُعطيه زيتوناً ويعطيك زيتاً، تعطيه دقيقاً ويعطيك بيضاً، لقد عادت الحياة إلى نمط بدائي بحت.
المياه في قطاع غزة تنذر بكارثة بيئية، أكثر من 70 % من الأسر يعيشون تحت خط الفقر. أين منظمات حقوق الإنسان التي تجوب مجاهل إفريقيا وتتكلم عن الفقر والمجاعة؟ البؤس والمجاعه اليوم موجودان في فلسطين. أكثر من 65 ألف شاب سُرحوا وأبعدوا عن وظائفهم، وأكثر من 100 ألف عامل بدون عمل. أكثر من 80 % من المحصول الزراعي يُعرّض للتلف بسبب الحصار، فالمزارع السكين يزرع ويحرث ويسقي ويشقى من الصباح إلى الغروب، وإذا حصد محصوله قيل له إنك لن تستطيع أن تبيع أكثر من 20 % منه! والباقي يُرمى. (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [البروج:8].
إن إغلاق المعابر وإغلاق الطرق يجعلهم يخسرون كل يوم الملايين من الدولارات، ويتوقَّع المراقبون أن القطاع مقبل على كارثة بيئية واقتصادية وإنسانية خطيرة؛ بسبب نقص الأدوية، وقلة المخزون الغذائي، وارتفاع الأسعار، وزيادة مستوى التضخم. لقد أخذ الدواء يتناقص في القطاع، ومات بسبب ذلك المئات من المرضى، فضلاً عن منعهم من السفر بسبب الحصار.
أما يكفي هذا الحصار؟ أما يكفي التجويع؟ أما يكفي المرض؟ أما يكفي الإذلال؟ ومع هذا كله القنابل والنار والدمار.
اللهم! رحماك يارب بأهل غزة! رحماك بهؤلاء الأطفال الرضّع، والشيوخ الركّع!
هكذا يُحارَب أهل فلسطين، يحاربون في لقمة العيش، يحاربون في نسمة الهواء، يحاربون في الدواء، يحاربون في عقيدتهم وحريتهم، في حين يُفتح المجال للمنظمات اليهودية والنصرانية في جمع التبرعات والأموال دون حسيب ولا رقيب! هل تعلم أن هناك أكثر من 37000 موقعاً على الإنترنت لمنظمات يهودية تطوعية خيرية في أمريكا فقط!.
اتصل أحد الأشخاص بقريب له في القطاع للاطمئنان عن صحته والتعرف على الأوضاع على حقيقتها، فقال له بالحرف الواحد: إن الموت أرحم لنا، لأن العذاب الذي نعيشه لا يطاق. ليس هناك أصعب من الموت أن تشاهد طفلك الجريح يذوي أمامك، ويغرق في غيبوبة الموت، دون أن تستطيع أن تفعل له أي شيء! فلا كهرباء ولا دواء ولا غرف عمليات، لا شيء على الإطلاق غير الموت.
هناك أكثر من أربعمائة جريح فلسطيني نصفهم من الأطفال يرقدون في العراء، وسط برد قارس، ودون أي أمل في إنقاذهم؛ حتى ثلاجات الموتى والشهداء توقفت عن العمل، فكيف ستعمل بدون كهرباء؟ ولقد سقط خمسون شهيداً في القصف الإسرائيلي الأخير المتواصل على القطاع المنكوب في أقل من ثلاثة أيام، ويخرج علينا "أولمرت" صديق الرئيس "بوش" الحميم، ليقول لنا بابتسامة الواثق: إن الغارات ستستمر، وكذلك الحصار.
هذا العالم الغربي المنافق يقوم ولا يقعد بسبب دارفور، ويغزو ويحتل العراق، ويقتل مليوناً من أبنائه تحت شعار تحرير العراقيين وحماية أرواحهم من دكتاتورية النظام السابق، ويقيم دولة لأهل تيمور الشرقية، ولكنه لا يحرك ساكناً عندما تمارس إسرائيل مجازرها في حق أبناء الشعب الفلسطيني، فإسرائيل فوق كل القوانين، تستطيع أن تفعل ما تشاء، تقتل، وتدمِّر، وتُجوّع، وتحاصر، دون أي حساب.
أيها المسلمون: يجب أن نلوم أنفسنا كمسلمين قبل أن نلوم العالم الغربي، فالمسلمون يعيشون في صمت عجيب، لماذا لا تفتح مصر معبر "رفح" أمام الجرحي وقوافل الإغاثة، لمواطنين هي مسؤولة عنهم مسؤولية قانونية، قبل أن تكون أخلاقية أو إنسانية؟ نذكر جميعاً عندما جرى احتلال قطاع غزة، كان يتبع للإدارة المصرية مباشرة، وأبناؤه يدرسون المناهج المصرية وتاريخ الفراعنة.
إن جميع الدول الأوروبية وقفت إلى جانب بلغاريا في قضية خمس ممرضات اعتُقلن في ليبيا بتهمة حقن أطفال بفيروس الإيدز، ولم يُرفع الحصار عنها إلا بعد الإفراج عن هؤلاء الممرضات، رغم أنهنّ كنّ يعشن في "فيلا" مكيفة ومجهزة بأحدث وسائل الراحة.
وجميع الدول الأفريقية وقفت إلى جانب "نيلسون مانديلا" في حربه ضد النظام العنصري، وقدمت آلاف الضحايا، وفتحت أراضيها لحركة المقاومة، وأمَدَّته بالمال والسلاح والرجال، حتى أطاحت بالنظام العنصري، ولم نسمع بأن دولة إفريقية منَّت على "مانديلا" بالوقوف إلى جانبه وما ترتب على ذلك من خسائر اقتصادية أو بشرية لشعبها.
أيها المسلمون: الشعب الفلسطيني يتصدي اليوم ببطولة للحصار والتجويع، ويواجه الموت بعزيمة قوية، وإيمان صلب بعقيدته وهويته الإسلامية، رغم كل هذا العقوق من قِبَل المسلمين. صمود هذا الشعب هو الذي يربك الإسرائيليين، ويفضح صورتهم الهمجية أمام العالم بأسره، ويكشف مدي دمويتهم وتعطُّشِهم لقتل الأبرياء، وإبادة شعب صغير، وممارسة أبشع أنواع العقوبات الجماعية في حقه، وما يفعله "أولمرت" ووزير دفاعه في قطاع غزة حالياً هو دليل يأس وليس مؤشر قوة، وتعبير عن هزيمة داخلية.
أيها المسلمون: إن ما يجري في فلسطين المحتلة من تقتيل وتجويع وحصار هو امتحان شديد للأمة جمعاء، هذه الأمة التي كانت، وما زالت، على مر التاريخ، أمة شجاعة مِعطاءة، لهذا فهي تعيش على مفترق طرق، يراد منها أن تتنازل عن ثوابتها، وأن تركع لعدوها؛ إن فلسطين أحد الميادين التي يقاتل فيه العدو أمة الإسلام كلها، فصبراً يا أهل فلسطين! فإن أمم الكفر، ولو وقفوا ضدّكم بمكرهم وكيدهم، فإن معكم الفئة التي لا تُغلب، والمُعِين الذي لا يَخذُل، ومعكم الملِك الذي لا تنفد خزائنه.
صبراً يا أهل غزة! فإنْ منعوا عنكم الدواء والغذاء والماء، فإنهم لا يستطيعون أبداً أن يمنعوا عنكم مدد السماء. قولوا لهم: (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّاب * أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَاب* جُندٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنْ الأَحْزَاب) [ص:9-11].
صبرا يا أهل الرباط! وأبشِروا ببشرى النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: "يا طوبى للشام! يا طوبى للشام! يا طوبى للشام! قالوا: يا رسول الله، وبم ذلك؟ قال: "تلك ملائكة الله باسطو أجنحتها على الشام". وعن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ستجدون أجناداً: جنداً بالشام، وجنداً بالعراق، وجنداً باليمن" قال عبد الله: فقمت فقلت: خِرْ لي يا رسول الله! فقال: "عليكم بالشام؛ فإن الله عز وجل تكفل لي بالشام وأهله". قال ربيعة: فسمعت أبا إدريس يحدث بهذا الحديث ويقول: ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فنظرت فإذا هو نور ساطع عُمد به إلى الشام، أَلَا إن الإيمان، إذا وقعت الفتن، بالشام".
نسَج العدوُّ بمَكْرِهِ وحِصاره أكفانَ غَزَّه
والقدْسُ يصرُخ خلف جُدرانِ اليهودِ المسْتَفِزَّه
وتواكَبَ الشهداء في ثوب الفِدا غُرَراً أعِزَّه
في الشِّعب كان نبيُّنا، واليوم إخوانٌ بغزه
يا ليتَ شعري! مَن يُحَرِّك في ضمير القَوم هزَّه
يا ربّ فابْعَثْ في نُفُوس المسلمين مزيدَ عِزَّه
أيها المسلمون: لقد تجاوز الاستكبار اليهودي حدودَه، وبلغ طغيانُه المدى، فولغ بالدماء الطاهرة البريئة، وسفحها دون اعتبارٍ لأي قيمة إنسانية أو ضمير، أقام المذابحَ في المدن والمخيَّمات، مارس كل الممارسات العنصرية من تمثيلٍ بالجثث، وترويعٍ للآمنين، ظنًّا منه أنه قد يكسر إرادةَ الشعب المسلم، وعزمَه؛ ولكن، هيهات هيهات! لقد ضرب هذا الشعب الفلسطيني المسلم -ولا يزال- أروعَ الأمثلة والبطولات، فمع مئات الشهداء، وأضعاف ذلك من الجرحى، وآلاف المعتقلين الأسرى؛ ومع الحصار الشامل، يؤكِّد الشعبُ الفلسطيني المسلم أنه لا استسلامَ، ولا ذلَّ، ولا هوان؛ وأن الجهاد ماضٍ حتى النصر ، قال الله تعالى: (لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِى صُدُورِهِمْ مّنَ اللَّه) [الحشر:13].
ما نسمعه وما نراه اليومَ فصلٌ من جهادٍ عظيم، وصبر طويل لهذا الشعب المرابط، لقد جاهد هذا العشب وصبر وصابر ورابط، وتقلَّب به البلاء، فما هدأ وما استكان، ولا أعطى الدنيةَ يوماً.
يواصل هذا الشعبُ المقاومة دون استسلام، مقدِّماً شهيداً تلوَ شهيد، ضارباً أنبلَ أمثلة الصبر؛ علَّم المرابطون على أرض الإسراء والمعراج الأمةَ كيف تعيش عزيزةً كريمة، وتموت عظيمة شهيدة؛ والأمة التي تحسن صناعةَ الموت، وتعرف كيف تموت الميتة الشريفة، يهبُ الله لها الحياةَ العزيزة في الدنيا، والنعيمَ الخالد في الآخرة.
في مثل هذه الأحداث تنجب الأمة أبطالاً مجاهدين، وعلماء عاملين، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "مثَل أمتي مثل المطر، لا يُدرَى أولُه خير أم آخره"، وقال –صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً، يستعملهم في طاعته". وقال –صلى الله عليه وسلم: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوِي لي منها" أخرجه مسلم.
يا أمةَ الحقِ من ينصرْ قضيتَنا؟ *** من يا تُراهُ يُعيدُ المجدَ والظَّفَرا
إسلامنا هانهُ أحفادُ "نقفورٍ" *** واستأسدَ الكلبُ لما صابنا الخوَرُ
أين العروبةُ؟ أين الدينُ والقيمُ؟ *** أين الشهامةُ أين العزُ والغِيَرُ؟
أين الليوثُ إذا غارتْ مزمجرةً؟ *** هل نامتِ الأسدُ أم أودى بها الضجرُ؟
أبناؤنا في سجون الكفر مرقدهم *** لا يعلمون أصام الناسُ أم فطروا
دماؤهم من سياطِ الغدرِ قد سُكبت *** دُموعهمْ من عذابِ القهرِ تنهمرُ
أعراضهم بين أنذالٍ ممزقةٌ *** قلوبهم من لظى للعار تنفطرُ
يا رُبَ معتصمٍ! لو كان يسمعهم *** آذاننا صمّ أم في سمعنا وقرُ؟
أين الملايين من أبناء أمتنا؟ *** أين الصناديدُ لا تُبقي ولا تَذرُ؟
يُسائِلُ الطفلُ أين الخبزُ واللبنُ؟ *** أين الدواءُ؟ وهذا الجرحُ مُنفجرُ
أطفال غزة يا فخرٌ لأمتنا *** إنا بكم -يا أباة الحق- نفتخرُ
جهادكم في سبيل الله مفخرة *** وعزمكمْ أرهب الكفارَ فانبهروا
صبرٌ جميلٌ فإن النصر موعدكم *** وعدٌ يقينٌ من الرحمن فانتظروا
أمجادُنا في ذرى حطينَ غائبةٌ *** وفي العراق تركنا العلجَ ينتصرُ
مليارنا ضائعٌ في الفنِ منهمكٌ *** وفي الرياضةِ مثلُ الثورِ والبقرِ
ساد المرابون في أموال أمتنا *** قاد الخنازير في الأخلاق والفِكَرِ
إعلامُنا تابعٌ للغربِ منهزمٌ *** ذيلٌ فكيفَ يكونُ الذيلُ منتصرا؟
جيوشنا في وجوه الشعبِ صامدةٌ *** وفي المعاركِ فالإذلالُ والخورُ
خانوا الأمانة خانوا الدينَ ويحهمُ *** وبالعمالة جيشُ الكفرِ ينتصرُ
يا أمةً قادها الفاروقُ منتصراً *** دكَ الجحافلَ ذلَّ الرومُ والغجرُ
إسلامنا قادهُ فرسان رايتُهم *** الله أكبرُ في الساحاتِ تنتشرُ
أحفادُ مصعب والقعقاع خيلهمُ *** داسوا بها هامة الكفَّار وانتصروا
يا رب عفوك لم ننصر قضيتنا *** بل همنا سوقنا بالمال منسعرُ
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون: إنّ من حق إخواننا علينا في غزة النصرة المشروعة، فقد قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما"، وهم اليوم أحوج ما يكونون للنصرة؛ والنصرة مادية ومعنويّة، ننصرهم بالمال ليطعَم الجوعى، ونوفّر الدواء للمرضى والجرحى، ونوفّر السكن لمن هدمت مساكنهم، ونعوّض من جرفت الجرّافات الإسرائيليّة مزارعهم، وننصرهم بالدعاء لتفريج كربتهم، وإبطال كيد أعدائهم، وجمع كلمتهم، وتثبيت مواقفهم.
من حق إخواننا في فلسطين أن نتحرّك لقضيتهم في ملتقياتنا الخاصّة والعامّة، وأن تكون واحدة من همومنا، فشعبٌ يحاصر ويذل عبر عدة عصور، ومن جملة من الأعداء، لا يسوغ لنا شرعاً أن ننساهم، فالمقدّسات تتعرض كلّ يوم للعبث والإفساد، ومحاولات التغيير لا ينبغي أن يُتخلّى عنها فندع العابثين يعيثون فساداً في جنباتها.
أيها المسلمون: إنّ من العيب أن تحاصر أو تباد الشعوب المسلمة وإخوانهم يتفرجون، أو يكتفون بالحوقلة والتحسر لا أكثر، ومن يتق الله يجعل له مخرجا، والشيطان يعدكم الفقر، والله يعدكم مغفرة منه وفضلا، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة.
كم هو جميل أن تتبنى أسرة بيتية، أو أسرة مدرسية، أو زملاء في العمل، أو جيران، جمع تبرع لدعم ومناصرة إخوانهم في فلسطين! والقليل يبارِك الله فيه؛ لا شك أنهم مستحقون للزكاة، فهم فقراء ومساكين وجائعون وغارمون وأبناء سبيل، مشردون عن أرضهم؛ وهم مجاهدون في سبيل الله، ومساعدتهم ليست تفضّلاً منّا عليهم، بل هم أصحاب فضل بجهادهم، ليس عن أرضهم، بل عن أرض الإسلام، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيم) [التوبة:60].
فانصروا إخوانكم في فلسطين لأنهم مستضعفون، والله تعالى يحثكم على هذا الأمر قائلاً لكم (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَان) [النساء:75].
انصروا إخوانكم في فلسطين، ليعلم الناس جميعاً أنه عند ما يجتمع الكفر كله لنصرة اليهود، فإنه سوف يجتمع الإيمان كله لنصرة المسلمين والمرابطين في فلسطين، ولكل واحد دور يمكنه أن يقدم به شيئاً.
وأنتم يا أهل غزة، يا حماة الأقصى، اصبروا وصابروا ورابطوا، فإن نصر الله قريب، فكلما اشتدَّ الظلام قرُب بزوغُ الفجر، (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَلضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيب) [البقرة:214].
لا تهنوا يا أهل فلسطين، لأن الله القدير يؤيِّدكم وينصرُكم، ويوهن كيدَ أعدائكم، (ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَفِرِين) [الأنفال:18]، قال الله تعالى: (وَلاَ تَهِنُواْ فِى ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيما) [النساء:104].
إن النصر -يا رجال التضحية والبطولة- بيد الله وحده، والقلةُ مع تأييد الله لها لا بد أن تَغلبَ الكثرةَ مهما بلغت من القوة، (كَم مّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَللَّهُ مَعَ الصَّبِرِين) [البقرة:249]، (إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صَبِرُونَ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مّنكُمْ مّاْئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون) [الأنفال:65].
إن وراءَ الحق قويا ينصر الحق، وهو وحده يملك جنودَ السموات والأرض، أما العدو فقد أخبر الله عنه: (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُون) [آل عمران:111].
لا إله إلا الله الحليم العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، سبحانك ربنا! عز جارك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك؛ سبحانك وبحمدك، لا يهزم جندك، ولا يُخلف وعدك، لا إله إلا أنت، لا إله إلا أنت، نصَر عبده، وأعَزَّ جنده، وهزم الأحزاب وحده؛ اللهم منك الفرج، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بك.
اللهم إنك تعلم ما حل بإخواننا في غزة، اللهم إنك ترى مكانهم، وتسمع كلامهم، وتعلم حالهم، ولا يخفى عليك شيء من أمورهم؛ اللهم إنا نشكو إليك أنفساً أزهقت، ودماءً أريقت، ومساجد هدمت، وبيوتاً دمرت، ونساء أُيِّمت، وأطفالا يُتمت.
اللهم إنهم حفاة فاحملهم، عراة فاكسهم، جياع فأطعمهم، مظلومون فانصرهم، مظلومون فانصرهم، مظلومون فانصرهم.
اللهم عليك باليهود، اللهم عليك باليهود، اللهم عليك باليهود، اللهم وعليك برأس الكفر أمريكا، فإنهم لا يعجزونك؛ اللهم اجعل عليهم سنينا كسني يوسف، اللهم أهلكم بالسنين، وأخرجهم من المسجد الأقصى، ومن العراق، وكل مكان دنسوه، اللهم أخرجهم أذلة صاغرين.
اللهم لا ترفع لهم في الأرض راية، واجعلهم لغيرهم عبرة وآية، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم أسقط طائراتهم، ودمر دباباتهم، اللهم اقذف الرعب في قلوبهم، وشتت شملهم، وسلط عليهم ما نزل من السماء وما خرج من الأرض، وزلزل الأرض من تحت أقدامهم.
اللهم نصراّ من عندك، اللهم اشفِ صدور قوم مؤمنين يارب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم