شيء من فقه شروط الصلاة

عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: الصلاة
عناصر الخطبة
1/أهمية الصلاة 2/توقف صحتها على شروطها 3/شروط الصلاة 4/أهمية تدارسها وتطبيقها

اقتباس

هذه هي شروط الصلاة، فاحفظوها، وتدارسوها فيما بينكم، وعلموها أبناءكم؛ فإنَّ على المرء إذا علم علما نافعا أن يطبقه، ويعلمه لغيره؛ لينتشر العلم.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي أمر عباده بالصلاة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ سيدنا وحبيبنا محمداً رسول رب العالمين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

 

أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، وتفقَّهوا في دينه؛ فإنَّه كلَّما فقه المسلم أمور دينه كلما كمل إيمانه, ذلك أنَّه يعبد الله على بصيرة, فحري بالمؤمن أن يتفقه ويعمل ويدعو إلى ما علمه.

عباد الله: إنَّ فضل الصلاة عظيم, فهي الركن الثاني من أركان الإسلام, وهي عمود الدين, وإذا قُبلت قُبل سائر العمل, وإذا لم تقبل لم يقبل سائر العمل, ولها شروط وواجبات وأركان ومستحبات، قال -تعالى-: (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنعام:72]، قال الطبري -رحمه الله-: وأمرَنا بإقامة الصلاة، وذلك أداؤها بحدودها التي فُرضت علينا. وقال السعدي -رحمه الله-: أي: وأمرنا أن نقيم الصلاة بأركانها وشروطها وسننها ومكملاتها.

 
عباد الله: إنَّ صحة الصلاة تتوقف على شروطها، وهي تسبق أداء الصلاة، وتستمر وجوباً إلى انقضائها، وهي تسعة شروط:

 
الشرط الأول: الإسلام فلا تصحُّ من كافر, ولا من مرتد, قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-: الكافر عمله مردود ولو عمل أي عمل، قال -تعالى-: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ) [التوبة:17].

الشرط الثاني: العقل: فلا تصحُّ من مجنون؛ لأنَّه لا يعقل ما يفعل, وليس من المكلفين، قال -صلى الله عليه وسلم-: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثة: عَنِ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ" رواه أحمد والأربعة والحاكم.

الشرط الثالث يا عباد الله: التمييز, وحدُّه سبع سنين، قال -صلى الله عليه وسلم-:"مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ" رواه أحمد وأبو داود والحاكم.

الشرط الرابع: النية: فيجب عقد نية الصلاة بعينها, والأفضل أن تكون عند تكبيرة الإحرام, ولا ينطق بها, فلا يقول: نويت أن أصلي العصر, فالنية محلها القلب لا اللفظ, إلا في حج أو عمرة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لامْرِئٍ مَا نَوَى" متفق عليه.

الشرط الخامس: الوقت، فلا تصح الصلاة قبل وقتها، ولا بعده من غير عذر، قال -تعالى-: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء:103]، قال ابن عاشور -رحمه الله-: الموقوت: (المحدود بأوقات)، فهي تصلى في أوقاتها المحددة لها كما هو مبين في القرآن والسنة، قال -تعالى-: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) [الإسراء: 78]. قال السمعاني: تناولت الآيَة جَمِيع الصَّلَوَات الْخمس، فَإِن قَوْله: (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) يتَنَاوَل الظّهْر وَالْعصر, وَقَوله: (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) يتَنَاوَل الْمغرب وَالْعشَاء, وغسق اللَّيْل: ظُهُور ظلمته، وَقيل: اجْتِمَاع سوَاده, وقوله: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) أَي: صَلاة الْفجْر. اهـ.

الشرط السادس: استقبال القبلة: قال -تعالى-: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) [البقرة:150]، قال السعدي -رحمه الله-عند هذه الآية: فيها اشتراط استقبال الكعبة، للصلوات كلها، فرضها، ونفلها، وأنه إن أمكن استقبال عينها، وإلا فيكفي شطرها وجهتها، وأن الالتفات بالبدن، مبطل للصلاة؛ لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده. انتهى ما قاله -رحمه الله-.

 

أما في صلاة النافلة فاستقبال القبلة على الاستحباب، عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ، فَإِذَا أَرَادَ الفَرِيضَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ" متفق عليه.

 

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- عن حكم الصلاة على الراحلة فأجاب بقوله: الصلاة في الراحلة إن كانت فريضة فإنها لا تصح لا في الحضر ولا في السفر إلا للضرورة, مثل أن تكون السماء تمطر, والأرض مبتلة, لا يمكنهم النزول عليها والسجود عليها, وأما النافلة فإنها تجوز في السفر خاصة على الراحلة, لأن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كان يصلي النافلة على راحلته حيثما توجهت به, وأما في الحضر فلا يجوز. اهـ.

الشرط السابع: رفع الحدث بالطهارة بالوضوء من الحدث الأصغر وبالغسل من الحدث الأكبر بماء طاهر، فإن عدم الماء فبالتيمم، بالصفة التي بيَّنها الله في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [المائدة:6]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ" متفق عليه.

الشرط الثامن من شروط الصلاة يا عباد الله: إزالة النجاسة من البدن والثوب والبقعة, فلا يصلي وعلى بدنه شيء من النجاسة؛ للأحاديث الواردة في الاستنجاء والاستجمار، عن أَنَس بن مَالِكٍ -رضي الله عنه- قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدْخُلُ الْخَلاءَ فَأَحْمِلُ أَنَا، وَغُلامٌ نَحْوِي، إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ، وَعَنَزَةً –أي حربةً صغيرة- فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ" أخرجه مسلم.

 

وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: مَرَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: "إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ" متفق عليه.

عباد الله: أما إزالة النجاسة من الثوب فالدليل على ذلك حديث أسماء -رضي الله عنها- قالت: جَاءَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ: "تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، وَتَنْضَحُهُ، وَتُصَلِّي فِيهِ" متفق عليه.

 

ودليل إزالة النجاسة من البقعة حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي المَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ" متفق عليه.

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا رسول رب العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

 

أما بعد: فاتقوا الله يا عباد الله، وتعلموا من الدين ما يكون زاداً لكم في عبادة ربكم.

أيها المسلمون: الشرط التاسع من شروط الصلاة: سَتر العورة, والعورة هي سوأة الإنسان, وهي للرجل من السرة إلى الركبة، وللمرأة كلها إلا وجهها ما لم يكن عندها أجنبي، فإن كان عندها أجنبي وجب عليها تغطية الوجه.

 

قال الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-: من شروط الصلاة ستر العورة، وهي ما يجب تغطيته، ويقبح ظهوره، ويستحيا منه، قال الله -تعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف:31]، أي: عند كل صلاة، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ حَائِضٍ -أي البالغة- إِلا بِخِمَارٍ" رواه أبو داود والترمذي وحسنه. قال ابن عبد البر: "أجمعوا على فساد صلاة من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به وصلى عريانا؛ فلا خلاف في وجوب ستر العورة في الصلاة وبحضرة الناس، وفي الخلوة على الصحيح، عن بَهْزِ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا، مَا نَأْتِي مِنْهَا، وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: "احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلا مِنْ زَوْجَتِكَ، أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قَالَ: "إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لا تُرِيَهَا أَحَدًا، فَلا تُرِيَنَّهَا"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟ قَالَ: "فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ" انتهى ما قاله حفظه الله.

عباد الله: هذه هي شروط الصلاة، فاحفظوها، وتدارسوها فيما بينكم، وعلموها أبناءكم؛ فإنَّ على المرء إذا علم علما نافعا أن يطبقه، ويعلمه لغيره؛ لينتشر العلم.

 

اللهم ارزقنا الفقه في دينك والعمل بسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-. اللهم...

 

 

المرفقات

من فقه شروط الصلاة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات