عناصر الخطبة
1/البكاء والضحك من آيات الله في الإنسان 2/ نعمة البكاء 3/ ضروب البكاء وأصناف البكائين 4/ فضل البكاء من خشية الله 5/ السلف والبكاء من خشية الله 6/ البكاء بين الغلو والجفاء .اهداف الخطبة
الحث على البكاء من خشية الله وبيان منزلته .عنوان فرعي أول
وعين بكت من خشية اللهعنوان فرعي ثاني
أي الباكين أنت ؟عنوان فرعي ثالث
لا تغلو ولا تجفو .اقتباس
أيها المسلمون، أيها المسلم، أيتها المسلمة، إن الله ـ عز وجل ـ أنعم عليكم بنعمة البكاء لتشكروه عليها، إذ كيف يعيش من لا يبكي؟ كيف تتفاعل نفسه مع الأحداث والمواقف؟ بماذا يترجم عن الحزن والأسى؟ بماذا يعبر عن الخشية والخوف من الله ـ جل وعلا ـ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن نفس لا تشبع ومن عين لا تدمع ومن دعوة لا يستجاب لها)).
أما بعد:
فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله ـ عز وجل ـ، وكثرة حمده على آلائه إليكم، ونعمائه عليكم، وبلائه لديكم، فكم خصكم بنعمة، وأزال عنكم نقمة، وتدارككم برحمة، أعورتم له فستركم، وتعرضتم لأخذه فأمهلكم، (وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـالَكُم) [محمد:38].
أيها الناس، قال الله ـ عز وجل ـ في محكم التنزيل (وَفِى الأَرْضِ ءايَـاتٌ لّلْمُوقِنِينَ وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ) [الذاريات:20-21]. وقال تعالى: (سَنُرِيهِمْ ءايَـاتِنَا فِى الأَفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) [فصلت:53].
والآية جد آية، والعظمة جد عظمة، ما أودعه الله ـ عز وجل ـ في بني البشر من النعمتين العظيمتين، ألا وهما نعمة الضحك والبكاء، ضحك وبكاء أودعهما الله النفس الإنسانية، والأمة البشرية (وَأَنَّ إِلَى رَبّكَ الْمُنتَهَى وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ) [النجم:42-43]. ضحك أودعه الله النفس البشرية، لتعبر به عن فرحها المرغوب، ورضاها به، وأنسها بما يسر، وبكاء أُودِعَتْه النفس، لتعبر به عن الخشية والفَرَق، والخوف والوجل، ولربما هجم السرور على النفس، فكان من فرط ما قد سرها أبكاها، فهي تبكي في الأفراح والأحزان.
إن الله ـ عز وجل ـ أنشأ للإنسان دواعي الضحك، ودواعي البكاء، وجعلها وفق أسرار أودعها فيه، يضحك لهذا، ويبكي لذاك، وقد يضحك غدا مما أبكاه اليوم، ويبكي اليوم مما أضحكه بالأمس، في غير جنون ولا ذهول، إنما هي حالات جبلية، خلقها الله فيه (وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ) [الذاريات:21].
أيها المسلمون، أيها المسلم، أيتها المسلمة، إن الله ـ عز وجل ـ أنعم عليكم بنعمة البكاء لتشكروه عليها، إذ كيف يعيش من لا يبكي؟ كيف تتفاعل نفسه مع الأحداث والمواقف؟ بماذا يترجم عن الحزن والأسى؟ بماذا يعبر عن الخشية والخوف من الله ـ جل وعلا ـ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن نفس لا تشبع ومن عين لا تدمع ومن دعوة لا يستجاب لها" .
أيها الأحبة، البكاء قافلة ضخمة، حطت ركائبها في سوق رحبة، ما ابتاع الناس منها فعلى ثلاثة أضرب:
فضرب من الناس اشتروا بكاء العشاق والمشغوفين، أصحاب الهوى والتيم، أهل الصبابة والغرام، الذين هربوا من الرق الذي خلقوا له، وبلوا أنفسهم برق الهوى والشيطان، فاشترى هؤلاء القوم هذا الضرب من البكاء شراء مفتقرا لشروط الصحة، فابتاعوا بيعا فاسدا، ثم زادوا السقم علة، والطين بِلَّة، حين أوقفوا هذه الدموع، واحتبسوها، في غير وجه شرعي، فبطل الوقف، وخسر الواقف، وهام الموقوف عليه، فما أعظمها شِقْوَةً! وما أوعرها هُوَّة!
فما في الأرض أشقى من محب*** وإن وجد الهوى حلو المذاق
تـراه باكيـا فـي كــل حـين *** مخافـة فرقـة أو لاشـتياق
فتسخـن عينـه عنـد التلاقـي *** وتسـخن عينـه عند الفراق
ويبكـي إن نـأوا شوقـا إليهـم *** ويبكي إن دنوا خوف الفـراق
أعاذنا الله وإياكم من هذه الحال، ومن حال أهل النار.
وضرب من الناس، ابتاعوا بكاء أهل الحزن على مصائبهم ورزاياهم، وعلى هذا الضرب جل الناس، فاقتصروا على سلعة، وافقت جبلتهم التي جبلهم الله عليها، فأصبحوا لا لهم ولا عليهم.
وضرب ثالث اشتروا بكاء الخشية من الله ـ عز وجل ـ، تلكم البضاعة التي زهد فيها معظم القوم إلا من رحم الله.
آيات تتلى، وأحاديث تروى، ومواعظ تلقى، ولكن تدخل من اليمنى وتخرج من اليسرى، لا يخشع لها قلب ولا تهتز لها نفس، ولا يسيل على أثرها دمع " اللهم إنا نعوذ بك من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع" .
عباد الله، لقد أثنى الله ـ جل وعلا ـ في كتابه على البكائين من خشية الله، وفي طاعة الله. الأتقياء الأنقياء، ذوي الحساسية المرهفة، الذين لا تسعفهم الكلمات للتعبير عما يخالج مشاعرهم، من حب لله، وتعظيم له، وخشية وإجلال، فتفيض عيونهم بالدموع، قربة إلى الله وزلفى لديه.
(إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) [الإسراء:107-109]. وقال ـ تعالى ـ: (أُولَـئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مّنَ النَّبِيّيْنَ مِن ذُرّيَّةِ ءادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْراءيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءايَـاتُ الرَّحْمَـنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً) [مريم :58].
وقال ـ تعالى ـ: (وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَق) [المائدة:83].
وقال ـ تعالى ـ: (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ وَأَنتُمْ سَـامِدُونَ فَاسْجُدُواْ لِلَّهِ وَاعْبُدُواْ) [النجم:59-62].
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر الناس أن ينبعثوا غازين معه، فجاءه عصابة من أصحابه، فقالوا يا رسول الله: احملنا، فقال لهم: " والله لا أجد ما أحملكم عليه" فتولوا وهم يبكون، وعز عليهم أن يجلسوا عن الجهاد، ولا يجدون نفقة ولا محملا، فأنزل الله ـ عز وجل ـ: (لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ) [التوبة:91-92].
عباد الله، البكاء من خشية الله وصف شريف، ومسعى حميد، به وصف الله أنبياءه، والذين أوتوا العلم من عباده، وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " رجلا ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" متفق عليه. ويمتاز البكاء في الخلوة، لأن الخلوة مدعاة إلى قسوة القلب، والجرأة على المعصية، فإذا ما جاهد الإنسان نفسه فيها، واستشعر عظمة الله فاضت عيناه، فاستحق أن يكون تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عينان لا تمسهما النار؛ عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله" رواه الترمذي. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلقد قال ذلك ـ بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه ـ، قال ذلك وهو أتقى الناس لله، وأخشى الناس لله، وأكثر الناس بكاء من خشية الله.
ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " اقرأ علي القرآن" فقال: أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟ قال: " إني أحب أن أسمعه من غيري" فقرأ من سورة النساء حتى بلغ قول الله: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً) [النساء:41]. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حسبك" فإذا عيناه تذرفان.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا صلى سمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء، أي كصوت القدر إذا اشتد غليانه. رواه أبو داود وأحمد والنسائي.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه بكى على ابنه إبراهيم، حينما رآه يجود بنفسه، فجعلت عيناه تذرفان الدموع ثم قال: " إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون" رواه البخاري ومسلم.
إن هذه الدموع الزكية التي سالت من عينه صلى الله عليه وسلم تمثل إحساسا نبيلا، ومشاركة أسيفة للمحزونين والمكروبين، وهي لا تتعارض أبدا مع كونه صلى الله عليه وسلم مثلا للشجاعة ورباطة الجأش، والرضى بقضاء الله وقدره، ولكنه بكاء المصطفى الكريم في مواطن الرحمة والإشفاق، ومن لا يرحم لا يُرحم (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ) [الفتح:29].
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: ما النجاة؟ ما النجاة؟ قال: " أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك " رواه أحمد والنسائي.
أيها المسلمون، هذه حال النبي صلى الله عليه وسلم في بكائه من خشية الله، أخذها الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ. فقد روى الحاكم والبزار بسند حسن عن زيد بن أرقم قال: "كنا مع أبي بكر رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فاستسقى، فقدم له قدح من عسل مشوب بماء، فلما قربه إلى فيه بكى وبكى، حتى أبكى من حوله، فما استطاعوا أن يسألوه عن سبب بكائه، فسكتوا وما سكت، ثم رفع القدح إلى فيه مرة أخرى، فلما قربه من فيه بكى، وبكى، حتى أبكى من حوله، ثم سكتوا فسكت بعد ذلك، وبدأ يمسح الدموع من عينيه رضي الله عنه، فقالوا: ما أبكاك يا خليفة رسول الله؟ قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكان ليس معنا فيه أحد، وهو يقول: "إليك عني إليك عني" فقلت يا رسول الله: من تخاطب وليس هاهنا أحد؟ قال صلى الله عليه وسلم: "هذه الدنيا تمثلت لي فقلت لها: إليك عني، فقالت: إن نجوت مني فلن ينجو مني من بعدك" فخشيت من هذا.
أيها الأحبة، قام محمد بن المنكدر ذات ليلة فبكى، ثم اجتمع عليه أهله ليستعلموا عن سبب بكائه، فاستعجم لسانه، فدعوا أبا حازم، فلما دخل أبو حازم هدأ محمد بن المنكدر بعض الشيء، فسأله عن سبب بكائه فقال: تلوت قول الله ـ جل وعلا ـ: (وَبَدَا لَهُمْ مّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ) [الزمر:47]. فبكى أبو حازم، وعاد محمد بن المنكدر إلى البكاء، فقالوا: أتينا بك لتخفف عنه فزدته بكاء (وَبَدَا لَهُمْ مّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ) [الزمر:47].
كان الربيع بن خثيم يبكي بكاء شديدا، فلما رأت أمه ما يلقاه ولدها من البكاء والسهر، نادته فقالت: يا بني لعلك قتلت قتيلا؟ فقال: نعم يا والدتي، قتلت قتيلا، فقالت: ومن هذا القتيل يا بني، نتحمل إلى أهله فيعفونك، والله لو علموا ما تلقى من البكاء والسهر لقد رحموك، فقال الربيع: يا والدتي هي نفسي، يا والدتي هي نفسي.
عباد الله، هذا بكاء السلف، وهذه دموع البكائين تسيل، ولسان حالهم يقول:
نزف البكاء دموع عينك فاستعر عينا لغيرك دمعها مدرار
من ذا يعيرك عينه تبكـي بهـا أرأيت عينـا للدموع تعار
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنه لا بد من القلق والبكاء، إما في زاوية التعبد والطاعة، أو في هاوية الطرد والإبعاد، فإما أن تحرق قلبك بنار الدمع على التقصير، والشوق إلى لقاء العلي القدير، وإلا فاعلم أن نار جهنم أشد حرا (فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) [التوبة :82].
فانظر يا عبد الله إلى البكائين الخاشعين تراهم على شواطئ أنهار الدموع نزولاً، فلو سرت عن هواك خطوات، لاحت لك الخيام.
اللهم إنا نعوذ بك من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد.
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن هذا الدين وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، ولا يفهم من الحث على البكاء والتباكي خشية لله، لا يفهم منه الدعوة إلى الكدر، ولا إلى الرهبنة، ولا إلى ما يقوله أحدهم: ما ضحكت منذ أربعين سنة فرسول الله صلى الله عليه وسلم إمام الأمة وقائد الملة كان يضحك، ولكنه لا يستجمع ضاحكا، ولا يفرط في الضحك، فقد ثبت عنه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: " لا تكثروا الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب" رواه ابن ماجه والبخاري في الأدب المفرد بسند جيد.
ولا يضحك ويقهقه، ويرفس الأرض برجله، ويستلقي على قفاه، إلا الذي قسا قلبه، وغفل عن الموت ونسي ما بعده .
وقد يغرق البعض في الضحك، حتى إنه لا يلين قلبه ولا تبكي عينه، ولا يتأثر بشيء ولو وعظه لقمان، أو تليت عليه آيات القرآن، يطرب لأصوات المظلومين، وأنات المنكوبين، قد نزع الله من قلبه الرحمة، وجرده من الخوف والرجاء، جفت مآقيه عن الدموع، فاعتاض عنها شرارا يقذفه من عينيه، يضحك للمصيبة تنال أخاه، يقهقه سخرية من كل صاحب سنة، إذا مر بذي صلاح غمز، وإن ذكر عنده ذو علم لمز: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ ءامَنُواْ يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُواْ إِنَّ هَـؤُلاَء لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَـافِظِينَ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ هَلْ ثُوّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُون) [المطففين:29-36]. فهؤلاء ضحكوا هنا فبكوا هناك وهؤلاء بكوا هنا وسيضحكون هناك (هَلْ جَزَاء الإِحْسَـانِ إِلاَّ الإِحْسَـانُ) [الرحمن:60].
هذا وصلوا ـ رحمكم الله ـ على خير البرية وأفضل البشرية فقد قال صلى الله عليه وسلم: " من صلى عليّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا" .
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم