شهر صفر والاعتقادات الباطلة

أحمد حسين الفقيهي

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/ أهمية التوحيد وخطر التشاؤم عليه 2/ منكران عظيمان في شهر صفر عند العرب في الجاهلية 3/ من التشاؤمات في شهر صفر 4/ أحاديث موضوعة في التشاؤم بشهر صفر 5/ من مدافعة البدعة بالبدعة 6/ حرمة التشاؤم 7/ أحداث عظام وتواريخ جليلة في شهر صفر 8/ خطر الشرك والخرافات والبدع على الأمة

اقتباس

إن بعض الناس من باب مخالفة أهل الجاهلية في تشاؤمهم بشهر صفر يؤرخ فيقول: نحن في شهر صفر الخير، وهذا الفعل يدخل في باب مدافعة البدعة بالبدعة كما يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله؛ لأن هذا الشهر ليس شهر خير ولا شر، ولهذا أنكر بعض السلف على من إذا سمع البومة تنعق قال: خيراً إن شاء الله؛ فلا يقال خير ولا شر بل هي تنعق كبقية الطيو

 

 

 

 

عباد الله: إن أوجب الواجبات على العباد معرفة توحيد الله عز وجل ومعرفة ما يناقضه من الشرك والخرافات والبدع، لأن التوحيد هو القاعدة والأساس في دين الإسلام الذي لا يقبل الله عملاً إلا به، وهو أصل الأصول الذي خلقنا لأجله، والأعمال كلها متوقف قبولها واعتبارها على تحقيق هذا الأصل العظيم.

أيها المسلمون: لقد تنادت الأدلة المتكاثرة، والحجج المتظافرة، والبراهين المتوافرة على عظم أمر التوحيد وخطر ما يضاده، وشدة الخوف على الناس من الانحراف والزيغ، ولماذا لا يخاف عليهم؟ والشياطين ما فتئت تترصد لبني آدم تجتالهم وتغويهم.. جاء في الحديث القدسي: "إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنه أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا" أخرجه الإمام مسلم.

عباد الله: وإن مما يضاد التوحيد ما يعتقده بعض أهل الجاهلية وأتباعهم في هذا الزمان، من اعتقادات، وبدع في بعض الأيام، وبعض الشهور من العام؛ ومن ذلك ما يعتقده بعضهم في هذا الشهر من العام ألا وهو شهر صفر.

أيها المسلمون: إن شهر صفر هو أحد الشهور الهجرية، وقد سمي بهذا الاسم؛ لإصفار مكة أي خلوها من أهلها إذا سافروا، وقيل بل سمي بهذا الاسم لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوا صفراً من المتاع.

عباد الله: لقد كان للعرب في الجاهلية في شهر صفر منكران عظيمان:
الأول: التلاعب فيه تقديماً وتأخيراً حيث كانوا في الأشهر الحرم يقدمون ويؤخرون حسب أهوائهم فإذا أرادوا أن ينتهكوا حرمة شهر المحرم قدموا شهر صفر وجعلوه مكانه حتى لا تحول الأزمنة الفاضلة بينهم وبين ما يشتهون.

أما المنكر الثاني -الذي يرتكبه العرب في الجاهلية في هذا الشهر-: فهو التشاؤم حيث يعتقدون أن شهر صفر شهر حلول المكاره ونزول المصائب، فلا يتزوج من أراد الزواج في هذا الشهر لاعتقاده أن لا يوفق، ومن أراد تجارة فإنه لا يمضي صفقته في شهر صفر خشية ألا يربح.

أيها المسلمون: إذا كان أهل الجاهلية يعتقدون في بعض الشهور الاعتقادات الباطلة بسبب جهلهم وبعدهم عن الهدي النبوي؛ فما بال فئام من أمة محمد صلى الله عليه وسلم تأبى إلا التشبه بأهل الجاهلية والحذو حذوهم في بعض بدعهم واعتقاداتهم؛ فهناك من يتشاءم من زيارة المرضى في بعض أيام هذا الشهر، وطائفة تمنع إقامة حفلات النكاح في هذا الشهر تمسكاً بما عليه أهل الجاهلية من التشاؤم، وفئة ثالثة تجتمع في آخر أربعاء من شهر صفر بين العشاءين في المساجد، يتحلقون ويكتب لهم على أوراق آيات السلام السبعة على الأنبياء؛ كقوله تعالى: (سلام على نوح في العالمين..) الخ، ثم توضع تلك الأوراق في أواني فيشربون مائها ثم يتهادونها إلى البيوت لاعتقادهم أن هذا الفعل يذهب الشرور والمصائب التي تنزل في هذا الشهر، وهذا لا شك أنه اعتقاد فاسد، وتشاؤم مذموم، وابتداع قبيح يجب أن ينكره كل من يراه على فاعله.

عباد الله: وإن من البدع المنتشرة في هذا الشهر -وخاصة في بعض الأقطار الإسلامية- اعتقاد أن آخر يوم أربعاء من شهر صفر ينزل الله سبحانه فيه آلاف البليات والكوارث حتى يكون ذلك اليوم أصعب أيام السنة وأشدها، وعلى من أراد الخلاص من شرور ذلك اليوم أن يصلي لله تعالى أربع ركعات بصفة معينة ثم يختم صلاته بدعاء معين ومنه: "اللهم أكفني شر هذا اليوم وما ينزل فيه يا كافي المهمات، ويا دافع البليات"، ولقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن هذه الصلاة وتوابعها فأجابت: "إن هذه النافلة المذكورة في السؤال لا نعلم لها أصلاً لا من الكتاب ولا من السنة، ولم يثبت أن أحداً من سلف هذه الأمة وصالحي خلفها عمل بهذه النافلة، بل هي بدعة منكرة، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: "من احدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، ومن نسب هذه الصلاة وما ذكر معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى أحد من الصحابة رضي الله عنهم فقد أعظم الفرية، وعليه من الله ما يستحق من عقوبة الكذابين".

أيها المسلمون: لا يفتأ أهل الجاهلية وأتباعهم أن يوجدوا لمعتقداتهم ما يثبت صحتها ويشهد لها فابتدعوا أحاديث ونصوصاً نسبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو منها براء، كل ذلك لأجل البرهنة على أعمالهم والاستشهاد لها، ومن ذلك: ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من بشرني بخروج صفر بشرته بالجنة"، وكذلك حديث: "يكون صوت في صفر ثم تتنازع القبائل في شهر ربيع ثم العجب العجاب بين جمادي ورجب". فهذان الحديثان وغيرهما كثير من الأحاديث الموضوعة المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم فيجب الحذر منها ومن نشرها بين الناس.

عباد الله: إن بعض الناس من باب مخالفة أهل الجاهلية في تشاؤمهم بشهر صفر يؤرخ فيقول: نحن في شهر صفر الخير، وهذا الفعل يدخل في باب مدافعة البدعة بالبدعة كما يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله؛ لأن هذا الشهر ليس شهر خير ولا شر، ولهذا أنكر بعض السلف على من إذا سمع البومة تنعق قال: خيراً إن شاء الله؛ فلا يقال خير ولا شر بل هي تنعق كبقية الطيور.

عباد الله: إن التشاؤم بالأزمنة أو بالأشهر أو ببعض الأيام أمر يبطله الإسلام؛ لما فيه من الظن السيئ بالرب سبحانه، ولما فيه من الاعتقاد الباطل الذي لا ينبني على دليل أو برهان، وهذا التشاؤم في هذا الشهر أو غيره من جنس الطيرة التي نهى عنها صلى الله عليه وسلم فقال: "لا عدوى ولا طيرة.." وفي الحديث الآخر: "الطيرة شرك الطيرة شرك الطيرة شرك وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل". رواه أبو داود واللفظ له، وجعل آخره من كلام ابن مسعود رضي الله عنه.

أيها المسلمون: إن شهر صفر شهر من أشهر الله، وزمان من أزمنة الله، لا يحصل فيه إلا ما قضاه وقدره الله، ولم يختص -سبحانه- هذا الشهر بوقوع مكاره ولا بحصول مصائب؛ فالأزمنة لا دخل لها في التأثير ولا في ما يقدره الله سبحانه، ولقد وقعت في مثل هذا الشهر أحداثاً عظاماً وتواريخ جليلة؛ ففي مثل هذا الشهر كانت أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وهي غزوة الأبواء، وفي مثل هذا الشهر أيضاً كان فتح خيبر على يدي المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وفي مثل هذا الشهر كانت الوقعة التي قتل فيها خبيب بن عدي رضي الله تعالى عن الجميع.

فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن ما عند الله إنما يجلب بعبادته، وأن المكاره والحوادث تدفع بالدعاء، وبالطاعة، ومن يتوكل على الله فهو حسبه.. ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا.

طيرة الناس لا ترد قضاء * فاعذر الدهر لا تشبه بلوم
أي يوم تخصه بسعـود * المنايا ينزلن في كل يـوم
ليس يوم إلا وفيه سعود * ونحوس تجري لقوم وقـوم

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي كان غفار.

 

الخطبة الثانية:

 

عباد الله: إن أفضل أعمال أهل الجنة توحيد الله سبحانه، وأن أشنع أعمال أهل النار الإشراك مع الله غيره وإحداث في الدين ما لم يأذن به الله، قال صلى الله عليه وسلم: "من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقي الله يشرك به شيئاً دخل النار". رواه مسلم.

أيها المسلمون: إن الشرك والخرافات والبدع لا تقع في الأرض جملة واحدة بل تقع شيئاً فشيئاً حتى تستمرئ فتعم، وما حال قوم نوح عنا ببعيد، ولقد امُتدح حذيفة رضي الله عنه؛ لأنه كان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشر مخافة أن يقع فيه، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "يوشك أن ينقض الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية.."

عباد الله: إن كل زمان شغله المؤمن بطاعة الله تعالى فهو زمان مبارك عليه، وكل زمان شغله العبد بمعصية الله تعالى فهو شؤم عليه، لأن الشؤم في الحقيقة هو معصية الله تعالى كما قال ذلك ابن مسعود رضي الله عنه.

عباد الله: هذا شهر من عامكم الجديد قد مضى فاغتنموا العمر فيما بقي، وتداركوا ما سبق بالأوبة والتوبة والرجوع إلى مولاكم رب العزة.

كم ذا التمادي فها قد جاءنا صفر * شهر به الفوز والتوفيق والظفر
فابدأ بما شئت من فعل تسر به * يوم المعاد ففيه الخير ينتظر
توبوا إلى الله فيه من ذنوبكم * من قبل يبلغ فيكم حده العمر

ثم صلوا وسلموا رحمكم الله....

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

968

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات