عناصر الخطبة
1/كثرة صيام النبي في شعبان 2/استحباب إحياء أوقات الغفلة بالطاعات 3/الحكمة من إكثار الطاعة في شعباناقتباس
قالَ العلماءُ -رحمهم الله-: "في هذا الحديثِ دليلٌ على استحبابِ عمارةِ أوقاتِ غفلةِ النَّاسِ بالطّاعة، وأنَّ ذلك محبوبٌ للهِ -عزّ وجل-", ففي حينِ يَنشغلُ أكثرُ الناسِ في هذا الشهرِ باللهوِ والمطاعمِ والمكاسب، يَنشغلُ الموفّقونَ بكثرةِ الصّيامِ وتلاوةِ القرآن...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا, من يهده اللهُ فلا مضلَّ له, ومن يضللْ فلا هاديَ له, وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له, وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه, صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ:
عبادَ الله: مِن نعمةِ اللهِ على المسلمِ أنْ تَمتدَّ به الحياةُ، حتّى يُدركَ مواسمَ الطّاعاتِ، وهو مُستقيمٌ على أمرِ الله؛ فيتزوَّدُ فيها من التّقوى ويَستكثرُ فيها من الحسنات, وها نحن في مَطْلَعِ شهرِ شعبان، الذي يَجيءُ بينَ شهرٍ حرام، وبينَ شهرِ الصّيام, وفيه تَفوحُ نسائمُ الإيمان مُبشِّرةً بقربِ شهرِ رمضانَ، نسألُ اللهَ أنْ يُبلّغَنا إيّاه، ويُوفِّقَنا فيهِ لتقواه.
ولقد كانَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم-، يُعظِّمُ شهرَ شعبانَ بكثرةِ الصّيام، قالَ ابنُ حجرٍ -رحمه الله-: "كانَ صيامُه -عليه الصّلاةُ والسّلامُ- في شعبانَ تطوّعًا أكثرَ من صيامِه فيما سواه، وكانَ يصومُ معظمَ شعبان", فعن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رضيَ اللهُ عنه- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ!, قَالَ: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ".
قالَ العلماءُ -رحمهم الله-: "في هذا الحديثِ دليلٌ على استحبابِ عمارةِ أوقاتِ غفلةِ النَّاسِ بالطّاعة، وأنَّ ذلك محبوبٌ للهِ -عزّ وجل-", ففي حينِ يَنشغلُ أكثرُ الناسِ في هذا الشهرِ باللهوِ والمطاعمِ والمكاسب، يَنشغلُ الموفّقونَ بكثرةِ الصّيامِ وتلاوةِ القرآن؛ لتهيئةِ نفوسِهم لاستغلالِ شهرِ رمضان، قالَ أنسٌ -رضيَ اللهُ عنه-: "كانَ المسلمونَ إذا دخلَ شعبانُ أكبّوا على المصاحفِ فقرؤوها، وأخرجوا زكاةَ أموالِهم؛ تقويةً لضعيفِهم على الصّوم", وكانَ يُقالُ: "شهرُ شعبانَ شهرُ القرآنِ وشهرُ القُرّاء"؛ ولذا قالَ بعضُ السّلف: "شهرُ رجبَ شهرُ الزّرع، وشهرُ شعبانَ شهرُ سَقْيِ الزّرع، وشهرُ رمضانَ شهرُ حصادِ الزّرع"، ولا يَحْصِدُ الإنسانُ إلا ما سقى وزَرَع.
فاتّقوا اللهَ -رحمكم الله-، واجتهدوا في طاعةِ ربِّكم، مُتّبعينَ غيرَ مبتدعين، مع التّذكيرِ لمنْ بَقِيَ عليه قضاءٌ من رمضان، بأنْ يُبادرَ للصّيامِ فَدَيْنُ اللهِ أحقُّ بالقضاء؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[المنافقون: 9].
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه؛ إنّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين, أمّا بعدُ:
عبادَ الله: اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي؛ فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم, فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ.
إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ؛ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.
اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدعاء, اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ, واقضِ الدّينَ عن المدينينَ, واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين
عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، ويقولُ -عليه الصلاةُ والسلام-: "من صلّى عليّ صلاةً؛ صلى اللهُ عليه بها عشْرًا", اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم