شهر الله المحرم

ناصر بن محمد الأحمد

2015-02-09 - 1436/04/20
عناصر الخطبة
1/فضل شهر الله المحرم 2/فضل صيام يوم عاشوراء 3/وقفات متفرقة حول شهر الله المحرم ويوم عاشوراء 4/بعض بدع ومخالفات الناس في يوم عاشوراء 5/بعض الدروس والعبر المستفادة من قصة موسى -عليه السلام-

اقتباس

إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن الله يعظّم من أمره ما يشاء، فإن الله اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلاً، ومن الناس رسلاً، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

نعيش هذه الأيام أياماً جميلة، إنها أيام شهر الله المحرم، أول شهور السنّة الهجرية، وأحد الأشهر الحُرُم، التي قال الله فيها: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ)[التوبة: 36].

 

وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ، ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ"[رواه البخاري].

 

هذه الأشهر الحُرُم الذنب فيهن أعظم من غيرها من الشهور، والعمل الصالح والأجر أيضاً أعظم.

 

أيها المسلمون: في شهر محرم صيام يوم عاشوراء، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".

 

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: "مَا هَذَا؟" قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: "فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ"[رواه البخاري].

 

فها هنا عدة وقفات:

 

الوقفة الأولى: إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن الله يعظّم من أمره ما يشاء، فإن الله اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلاً، ومن الناس رسلاً، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظموا -رحمني الله وإياكم- ما عظم الله، فإن تعظيم ما عظّم الله من صفات أهل الإيمان.

 

الوقفة الثانية: أن نعرف فضل الله -تعالى- علينا في أن جعل لنا مواسم نتوب فيها، ونرجع إلى الله، فيكفر عنا الخطايا، ولكن مع ذلك لا بد أن نعلم أن الخطايا التي تكفر إنما هي الصغائر، فليحذر الكثير من الناس الذين يرتكبون الموبقات، ويتركون الفرائض، وينتهكون الحرمات، ويظنون أن ذلك يكفر بصيام هذا اليوم، وينسون أن أمر الكبائر يحتاج إلى توبة وعزم على عدم الرجوع.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وتكفير الطّهارة، والصّلاة، وصيام رمضان وعرفة وعاشوراء للصّغائر فقط".

 

وقال ابن القيم -رحمه الله-: "لم يدرِ هذا المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجل من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء، وهي إنما تكفّر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر، فرمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة لا يقويان على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها، فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصغائر".

 

الوقفة الثالثة: نأخذ من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نحن أحق بموسى منكم" أن هذه الأمة المباركة هي امتداد للأنبياء والصالحين، وأن كل نبيٍ وكل صالحٍ من الأمم السابقة فإنما هو تابع لهذه الأمة.

 

ونحن أحقّ بكل نبي من قومه الذين كذبوه وعصوه وأن الأنبياء -عليهم السلام- امتداد لتاريخنا، وقد قال الله -تعالى- بعد أن ذكر قصص الأنبياء: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء: 92].

 

هذه أمتكم -أمة الأنبياء- أمة واحدة، تدين بعقيدةٍ واحدة، وتتجه اتجاهاً واحداً، هو الاتجاه إلى الله وحده دون سواه.

 

وللأسف -أيها الإخوة-: فإن أعداء الإسلام من اليهود والنصارى قد علموا هذه الحقيقة، وعرفوا كيف أن المسلمين يحترمون الأنبياء السابقين، فأرادوا بمكر منهم وخبث ودهاء أن يستغلوا هذه الحقيقة لتمييع المسلمين، وكسر تميزهم، ومحاولة تحطيم اعتزازهم بهذا الدين.

 

وهذا الأمر هو الحدث المهم الذي يجري الآن على الساحة دون أن يتفطن له كثير من المسلمين، فالمنظّرين في الغرب يعملون الآن بجد بالتعاون مع اليهود لهدم التميز الإسلامي من خلال عقد المؤتمرات لبحث وحدة الأديان.

 

والمحاولات الجادة لتقريب وجهات النظر بين أصحاب الأديان الثلاثة، وإغراء عدد من علماء السوء، وكثير ممن يسمونهم بالمفكرين الإسلاميين بتقديم تنازلات في العقيدة لدمج الأديان الثلاثة، حتى ظهرت الدعوة الجديدة التي تدعو إلى العودة إلى دين إبراهيم.

 

وأصبحت هناك منتديات مشتركة يحترم كل واحد فيها عقيدة الآخر، ويقر فيها المسلم بعقائد الشرك، وطقوس الوثنية.

 

والأدهى من ذلك أن يؤخذ طلبة المدارس الإسلامية لزيارة الكنائس والمعابد والمشاركة في الصلوات الشركية، وهذا الأمر، أمر خطير جدا ينبغي على كل مسلم الحذر من مكائد ما يبثه أولئك الماكرين والكافرين، ولنحذر من الكافرين مرة، ولنحذر من المنافقين ألف مرة.

 

الوقفة الرابعة: نأخذ من أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بمخالفة اليهود والأحاديث التي جاءت في النهي عن التشبه بالكفار في كل شيء كثيرة جداً، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في عاشوراء: "لئن عشتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسع".

 

يقول هذا عليه الصلاة والسلام مع أن صيام اليهود كان صياماً صحيحاً على شرع موسى -عليه السلام-، ولكنه التأكيد على المخالفة التي طالما أظهر تأكيدها النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى قال اليهود: "مَا يُرِيدُ هذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئاً إِلاَّ خَالَفَنَا فِيه".

 

لقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يريد لنا الرفعة عن مشابهة الكفار، ويريد لنا العزة، ويريد لنا التميز، فلماذا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ نحن أمة مرفوعة فلم نكون خاضعين؟ نحن أمة متبوعة فلم نكون تابعين؟ نحن أمة الجهاد فلم نخاف الأذلة الصاغرين الذين غضب الله عليهم وضرب عليهم الذلة والمسكنة؟يا من دانت لكم الدنيا وأنتم جياع، كيف استعبدكم هؤلاء وأنتم شباع؟ قد حزتم أموال الدنيا وتربعتم على أسباب الحياة! يا من قصمتم القياصرة، وكسرتم الأكاسرة، وحطمتم الجبابرة، كيف جبنتم عن ملاقاة ثلة ضائعة حائرة من أحفاد القردة والخنازير؟!

 

عجباً -أيها المسلمون-: أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ كيف رضيتم بالدنيا وتركتم الجهاد؟ وقد سمى الله ترك الجهاد وموالاة اليهود والنصارى ردة، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[المائدة: 54].

 

نعوذ بالله أن نكون ممن قال الله فيهم: (رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ)[التوبة: 87].

 

فإذا لم تتيسر أسباب الجهاد، فليس هناك أقل من أن تبغض الكفار، وتتجنب طريقهم، وتحذر مكائدهم، ونحذر منهم أهلينا، ومن لنا ولاية عليه، مع العلم بأن الجهاد يكون بالسنان وباللسان، ويكون بالنفس وبالمال، ويكون بكل وسيلةٍ مشروعة، ويكون للكفار والمنافقين، والله -تعالى- يحرض نبيه -صلى الله عليه وسلم- فيقول: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)[التوبة: 73].

 

الوقفة الخامسة: يجب علينا: أن نحمد الله -سبحانه- بأن جعلنا من أتباع السنة المطهرة، وأن نجانا من اتباع طريق أهل البدع الذين اتخذوا ضرب أنفسهم وتسويد وجوههم دينا يدينون الله -تعالى- به، وجعلوا اللعن، وسب أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قربةً يتقربون بها إلى الله، وهي في الحقيقة تقربهم إلى جهنم وبئس المصير.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بعد أن ذكر مقتل الحسين -رضي الله عنه- وماذا فعل الناس بسبب ذلك؟ فقال: "فصارت طائفة جاهلة ظالمة: إما ملحدة منافقة وإما ضالة غاوية، تظهر موالاته وموالاة أهل بيته، تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، وتظهر فيه شعار الجاهليّة من لطم الخدود، وشق الجيوب، والتَّعزي بعزاء الجاهلية، وإنشاد قصائد الحزن، ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، والصّدق فيها ليس فيه إلاّ تجديد الحزن والتعصب، وإثارة الشحناء والحرب، وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام، والتّوسل بذلك إلى سبِّ السَّابقين الأولين، وشرُّ هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يحصيه الرّجل الفصيح في الكلام"انتهى.

 

أهل السنة لا يفرحون بمقتل الحسين، ولا بمقتل أي رجلٍ من المسلمين، ولكن ذلك لا يخرجهم إلى حد الغلو والابتداع في الدين، ولو جاز لهم فعل شيء من ذلك لكانت وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعظم مصيبةٍ من قتل الحسين -رضي الله عنه-، ولو أن هؤلاء المبتدعة يحبون الحسين حقاً لاتبعوه واهتدوا بهديه في هذا اليوم، ولكانوا صياماً كما كان صائماً رضي الله عنه.

 

بارك الله ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه...

 

أما بعد:

 

وفي شهر محرم حصلت الملحمة العظيمة التي وقعت في اليوم العاشر من هذا الشهر، وهو نهاية فرعون ونجاة موسى وقومه، فنجَّى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى -عليه السلام-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فأنا أحقُّ بموسى منكم".

 

فصامه وأمر بصيامه.

 

أيها المسلمون: ومن بداية قصة موسى، منذ ولد حتى يوم الملحمة عدد من الدروس والعبر المهمة:

 

أولاً: أن نور الله مهما حاول المجرمون طمس معالمه، وأن الطغاة وإن أثروا في عقول الدهماء فترةً من الزمن واستمالوهم بالمنح والعطايا، فإن القلوب بيد الله يصرفها كيف يشاء، وتأملوا في حال فرعون وسحرته! وكم وعدوا لقاء مواجهتهم موسى، ومع ذلك انقلبوا فجأةً عليه، واستهانوا بما وعد به حين أبصروا دلائل الإيمان، ولاذوا بحمى الملك الديان، فكانوا أول النهار سحرة، وآخره شهداء بررة: (وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالُواْ يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ)[الأعراف: 113-122].

 

إنه موقف من المواقف الحاسمة في تاريخ البشرية هذا الموقف بين فرعون وملئه، والمؤمنين من السحرة السابقين.

 

وإنه موقف حاسم ينتهي بانتصار العقيدة على الحياة وانتصار العزيمة على الألم وانتصار الإنسان على الشيطان.

 

وليس هذا أول خرق في سفينة فرعون، فقد كان في بيته مؤمنون، ومع ضعف النساء، فقد تحدت آسية امرأة فرعون زوجها، وشمخت بإيمانها، ولم تفتنها الدنيا ومباهجها، وضرب الله بها مثلاً للمؤمنين، وقالت: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[التحريم: 11].

 

ووجد في آل فرعون مؤمنون ناصحون رغم العنت والأذى: (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ)[غافر: 28].

 

ثانياً: عاش المسلمون في أيام فرعون ظروفاً عصيبة ملؤها الخوف والأذى ووصل بهم الأمر أن يسروا بصلاتهم، ويتخذوا المساجد في بيوتهم، قال الله -تعالى-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[يونس: 87].

 

وفي ظل هذه الظروف العصيبة أُمر المسلمون بالصبر عليها والاستعانة بالله على تجاوزها بالوسائل التالية:

 

بالصبر: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ)[الأعراف: 128].

 

وبالإيمان بالله والتوكل عليه: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ)[يونس: 84].

 

وبالدعاء وصدق اللجوء إليه: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ)[يونس: 88].

 

وهكذا كلما مرت ظروف صعبة بأمة، فإن وسائل تجاوزها يكون بالصبر والتوكل والدعاء.

 

ثالثاً: إن الصراع مهما امتد أجله والفتنة مهما استحكمت حلقاتها، فإن العاقبة للمتقين لكن ذلك يحتاج إلى صبر ومصابرة واستعانة بالله صادقة: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[الأعراف: 128].

 

أجل فلا ينبغي أن يخالج قلوب المؤمنين أدنى شك بوعد الله، ولا ينبغي أن يساورهم القلق، وهم يصبرون على الضراء، ولا ينبغي أن يخدعهم، أو يغرهم تقلب الذين كفروا في البلاد، فيظنوه إلى الأبد، وما هو إلا متاع قليل، ثم يكون الفرج والنصر المبين للمؤمنين.

 

نأخذ من يوم عاشوراء عبرة عظيمة، حيث نصر الله -تعالى- فيه موسى على الطاغية فرعون، فإن الله -تعالى- يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، والمسلم يعلم أن النصر قادم، وأنه ليس عليه إلا أن يستعين بالله، ويفعل ما أمر به، ثم يصبر لحكم الله -تعالى-: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)[الأعراف: 128-129].

 

إنها رؤية النبي لحقيقة الألوهية، وإشراقها في قلبه.

 

رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- لحقيقة الواقع الكوني والقوى التي تعمل فيه، ولحقيقة السنة الإلهية، وما يرجوه منها الصابرون.

 

إنه ليس لأصحاب الدعوة إلى رب العالمين إلا ملاذ واحد، وهو الملاذ الحصين الأمين، وليس لهم إلا ولي واحد وهو الولي القوي المتين، وعليهم أن يصبروا حتى يأذن الولي بالنصرة في الوقت الذي يقدره بحكمته وعلمه، وأن لا يعجلوا فهم لا يطلعون الغيب، ولا يعلمون الخير وإن الأرض لله وما الفراعنة وطواغيت الأرض إلا نزلاء فيها والله يورثها من يشاء من عباده، وفق سنته وحكمته، فلا ينظر الدعاة إلى شيء من ظواهر الأمور التي تخيل للناظرين أن الطاغوت مكين في الأرض غير مزحزح عنها، فصاحب الأرض ومالكها، هو الذي يقرر متى يطردهم منها!.

 

ويحس المسلمون برباط العقيدة مهما كانت فواصل الزمن، وكما تجاوز المؤمنين من قوم موسى -عليه السلام- المحنة كذلك ينبغي أن يتجاوزها المسلمون في كل عصر وملة، وكما صام موسى يوم عاشوراء من شهر الله المحرم شكراً لله على النصر للمؤمنين صامه محمد -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون ولا يزال المسلمون يتواصون بسنة محمد -صلى الله عليه وسلم- بصيام هذا اليوم، ويرجون بره وفضله، وقد قال عليه السلام بشأنه: "وصوم عاشوراء يكفر السنة الماضية".

 

وفي لفظ: "وصيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".

 

فقدروا لهذا اليوم قدره، وسارعوا فيه إلى الطاعة، واطلبوا المغفرة وخالفوا اليهود، وصوموا تطوعاً لله يوماً قبله أو يوماً بعده.

 

اللهم...

 

 

المرفقات

الله المحرم1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات