اقتباس
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ: «فإن قيل في الحديث: إن أفضل الصوم بعد رمضان صوم المحرم، فكيف أكثر الصيام في شعبان دون المحرم؟ فالجواب: لعله لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر الحياة قبل التمكن من صومه، أو لعله كان يعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه، كسفر ومرض وغيرهما» ا.هـ(9).
مقدمة:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (33/70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فإن من حكمة الله تعالى في خلقه أن فضل الأزمان والشهور بعضها على بعض، قال تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ) [القصص:68]، ومن حكمته تعالى أن اختص بعضها بمزيد حرمة وعناية فجعل بعضها أشد حرمة من غيره، فمن ذلك الأشهر الحرم فقد حذر الله عباده وجعل تعظيم شعائره تعالى من تقوى القلوب فقال: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32]، كما جعل تعظيم حرمات الله خيرًا للعباد عند ربهم. كما قال سبحانه: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) [الحج:30].
وإن من توفيق الله للعبد أن ييسر للهداية وتسهل عليه طاعة الله ورسوله كما قال سبحانه وتعالى: (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) [النور:54].
فمن النجاة الاستمساك بكتابه سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال سبحانه: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) [طه:123-126].
فعلينا أن نغتنم هذه المواسم والنفحات من الرحيم الرحمن جل جلاله، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا له لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدًا»(1).
وفي هذه الرسالة المسماة بـ(شهر الله المحرم فضائل وأحكام) عرض موجز لبعض الفضائل والأحكام المتعلقة بهذا الشهر المعظم شهر الله المحرم وفضل صيام عاشوراء مع أكمل المراتب لصيامه.
ولا يسعني في الختام إلا أن أشكر الله -عز وجل- الذي هداني لهذا العمل وما كنت لأهتدي لولا أن منَّ الله -عز وجل- عليَّ بذلك، ثم أشكر كلَّ من قام بمراجعة هذه الرسالة أو أرشد إلى تعديل أو إضافة، سائلًا الله -عز وجل- أن يجعله خالصًا صوابًا، وأن يجعله مما ينتفع به في الحياة وبعد الممات، وما كان فيه من حقٍ وصوابٍ فمن الله -عز وجل وحده-، وما كان من خطأٍ أو سهوٍ فمن نفسي والشيطان، والله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- منه بريئان.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
حرمة شهر الله المحرم:
شهر الله المحرم هو أحد الأشهر الحرم التي قال الله -عز وجل- فيها: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [التوبة:36].
قال الإمام القرطبي ـ رحمه الله ـ في تفسيره: «خص الله تعالى الأشهر الحرم بالذكر ونهى عن الظلم فيها تشريفًا لها، وإن كان منهيًا عنه في كل الزمان، وعلى هذا أكثر أهل التأويل، أي: لا تظلموا في الأربعة أشهر الحرم أنفسكم، وروي عن ابن عباس -رضي الله عنه - قال: (فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) في الاثني عشر» ا.هـ(2).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ في تفسيره:
«(فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) يحتمل أن الضمير يعود إلى الإثنى عشر شهرًا، وأن الله تعالى بين أنه جعلها مقادير للعباد، وأن تُعمر بطاعته، ويُشكر الله تعالى على مِنتِه بها وتقييضها لصالح العباد، فلتحذروا من ظلم أنفسكم فيها. ويحتمل أن الضمير يعود إلى الأربعة الحُرم، وأن هذا نهي لهم عن الظلم فيها، خصوصًا مع النهي عن الظلم كل وقت، لزيادة تحريمها، وكون الظلم فيها أشد من غيرها» ا.هـ(3)
ويتبين فضل هذا الشهر أيضًا بإضافته إلى الله -عز وجل- فيقال: (شهر الله المحرم) وهذه إضافة تشريف وتفضيل، كمثل: بيت الله وناقة الله.
وفي الصحيحين(4) من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب في حجته فقال: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا منها أربعة حُرُم، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مُضر الذي بين جمادى وشعبان».
قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره: «فإنما أضافه إلى مُضر ليُبين صحة قولهم في رجب إنه الشهر الذي بين جمادى وشعبان، لا كما تظنه ربيعة من أن رجب المحرم هو الشهر الذي بين شعبان وشوال وهو رمضان اليوم، فبيَّن صلى الله عليه وسلم أنه رجب مضر لا رجب ربيعة، وإنما كانت الأشهر المحرمة أربعة ثلاثة سرد وواحد فرد، لأجل أداء مناسك الحج والعمرة فحُرِّم قبل أشهر الحج شهرًا وهو ذو القعدة لأنهم يقعدون فيه عن القتال، وحُرِّم شهر ذو الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون بأداء المناسك، وحُرِّم بعده شهرًا آخر وهو المحرم ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين، وحُرِّم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتماد به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب فيزوره ثم يعود إلى وطنه فيه آمنًا» ا.هـ(5).
فضل شهر الله المحرم:
شهر الله المحرم له فضل عظيم، حتى عدَّه بعض السلف أفضل الأشهر الحرم.
قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ: «وقد اختلف العلماء في أي الأشهر الحرم أفضل؟ فقال الحسن وغيره: أفضلها شهر الله المحرم، ورجحه طائفة من المتأخرين، وروى وهب بن جرير عن قرة بن خالد عن الحسن، قال: إن الله افتتح السنة بشهر حرام وختمها بشهر حرام، فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم، وكان يسمى شهر الله الأصم من شدة تحريمه.
خَرّجَ النسائي من حديث أبي ذر -رضي الله عنه - قال: سألت النبي غ: أي الليل خير وأي الأشهر أفضل؟ فقال: «خير الليلِ جوفُهُ، وأفضلُ الأشهرِ شهرُ الله الذي تدعونهُ المحرَّم»(6)، وإطلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أفضل الأشهر، محمول على ما بعد رمضان» ا.هـ(7).
فضل صيام شهر الله المحرم:
مما يدل على فضله، أن صيامه أفضل الصيام بعد رمضان.
فقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل»(8). وهذا الحديث فيه دلالة واضحة على فضل صيام شهر الله المحرم.
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ: «فإن قيل في الحديث: إن أفضل الصوم بعد رمضان صوم المحرم، فكيف أكثر الصيام في شعبان دون المحرم؟ فالجواب: لعله لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر الحياة قبل التمكن من صومه، أو لعله كان يعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه، كسفر ومرض وغيرهما» ا.هـ(9).
قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ: «وقد سمى النبي -صلى الله عليه وسلم- المحرم شهر الله(10)، وإضافته إلى الله -عز وجل- تدل على شرفه وفضله، فإن الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته، كما نسب محمدًا وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم من الأنبياء إلى عبوديته، ونسب إليه بيته وناقته(11).
ولما كان هذا الشهر مختصًا بإضافته إلى الله تعالى، وكان الصيام من بين الأعمال مضافًا إلى الله تعالى، فإنه له سبحانه من بين الأعمال؛ ناسب أن يختص هذا الشهر المضاف إلى الله، بالعمل المضاف إليه المختص به وهو الصيام، وقد قيل في معنى إضافة هذا الشهر إلى الله ?، إنه إشارة إلى أن تحريمه إلى الله -عز وجل- ليس لأحد تبديله كما كانت الجاهلية يحلونه ويحرمون مكانه صفرًا، فأشار إلى أنه شهر الله الذي حرمه، فليس لأحد من خلقه تبديل ذلك وتغييره.
شهرُ الحرام مباركٌ ميمونُ *** والصوم فيه مضاعفٌ مسنون
وثوابُ صائمهِ لوجه إلههِ *** في الخُلدِ عند مليكهِ مخزُونُ
انتهى كلامه رحمه الله(12).
ومن فضل هذا الشهر أن فيه يوم عاشوراء الذي حصل فيه نصر مبين لأهل الإيمان وأظهر الله فيه الحق على الباطل؛ حيث نجّى فيه موسى عليه السلام وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فهو يوم له فضيلة عظيمة.
جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس -رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا اليوم الذي تصومونه؟» فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وغَرَّقَ فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فنحن أحق وأولى بموسى منكم» فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، متفق عليه(13).
قال ابن عباس رضي الله عنه: «ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان»(14).
تاريخ يوم عاشوراء:
جاء في الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنه - قالت: «كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فُرِضَ رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه»(15).
فالحديث دليل على أن أهل الجاهلية كانوا يعرفون يوم عاشوراء، وأنه يوم مشهور عندهم، وأنهم كانوا يصومونه، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصومه ـ أيضًا ـ، واستمر على صيامه قبل الهجرة، ولم يأمر الناس بصيامه، وهذا يدل على قدسية هذا اليوم وعظيم منزلته عند العرب في الجاهلية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا كانوا يسترون فيه الكعبة، كما في حديث عائشة ـ أيضًا ـ ل، قالت: «كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، وكان يومًا تُسترُ فيه الكعبة... الحديث» أخرجه البخاري(16).
قال الإمام القرطبي ـ رحمه الله ـ: «حديث عائشة ل يدل على أن صوم هذا اليوم كان عندهم معلوم المشروعية والقدر، ولعلهم كانوا يستندون في صومه إلى أنه من شريعة إبراهيم وإسماعيل ـ صلوات الله وسلامه عليهما ـ فإنهم كانوا ينتسبون إليهما، ويستندون في كثير من أحكام الحج وغيره إليهما...»(17).
حكم صوم يوم عاشوراء:
صوم عاشوراء كان واجبًا في أول الأمر بعد هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة على الصحيح من قولي أهل العلم(18)، لثبوت الأمر بصومه، كما في حديث سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه - قال: «أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلًا من أسلم أن أذن في الناس: أن من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء». متفق عليه(19).
ولما فرض رمضان في السنة الثانية من الهجرة نُسخ وجوبُ صومه، وبقي على الاستحباب، ولم يقع الأمر بصوم عاشوراء إلا في سنة واحدة، وهي السنة الثانية من الهجرة حيث فرض عاشوراء في أولها، ثم فرض رمضان بعد منتصفها، ثم عزم النبي -صلى الله عليه وسلم- في آخر عمره ـ في السنة العاشرة ـ على ألا يصومه مفردًا، بل يصوم قبله اليوم التاسع، كما سيأتي ـ إن شاء الله ـ وهي صورة من صور مخالفة أهل الكتاب في صفة صيامهم.
فضل صوم يوم عاشوراء:
1-أنه يكفر السنة الماضية.
ففي صحيح مسلم من حديث أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صوم يوم عرفة فقال: «يكفر السنة الماضية والباقية»، وسئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: «يُكفر السنة الماضية»(20).
لكن ما المراد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «صوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية»؟
ذكر الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في المجموع (6/431) أحاديث تفيد هذا المعنى ومنها حديث عثمان -رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت له كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله»(21).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصلوات الـخمس والـجمعة إلى الـجمعة كفارة لـما بينهن ما لـم تُغش الكبائر»(22).
ثم قال الإمام النووي: وهو الأصح المختار أنه يكفر كل ذنوب الصغائر وتقديره يغفر ذنوبه كلها إلا الكبائر، قال القاضي عياض ـ رحمه الله ـ: «هذا المذكور في الأحاديث من غفران الصغائر دون الكبائر هو مذهب أهل السنة، وأن الكبائر إنما تكفرها التوبة أو رحمة الله تعالى» ا.هـ(23).
2-أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يطلب فضله على الأيام.
فعن ابن عباس -رضي الله عنه - ـ وسئل عن يوم عاشوراء ـ فقال: «ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يومًا يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم، ولا شهرًا إلا هذا الشهر (يعني رمضان)»(24).
3-أنه اقتداء بنبي الله وكليمه موسى عليه السلام وشكر لنعمة الله -عز وجل- بنجاة موسى ومن معه من المؤمنين.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة رأى اليهود تصوم عاشوراء، قال: «ما هذا؟»، قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى. قال صلى الله عليه وسلم: «فأنا أحق بموسى منكم» فصامه وأمر بصيامه(25).
4-أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يُصَوِّمون فيه صبيانهم.
ففي الصحيحين عن الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة «من كان أصبح صائمًا فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه» فكنا بعد ذلك نصومه ونصوِّم صبياننا الصغار، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه حتى يكون عند الإفطار. متفق عليه(26).
الحكمة من صيام يوم عاشوراء:
ثبت في الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: «ما هذا؟» قالوا: هذا يومٌ صالحٌ، هذا يومٌ نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: «فأنا أحق بموسى منكم»، فصامه وأمر بصيامه(27). وفي رواية مسلم: «فقالوا: هذا يومٌ عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، فصامه موسى شكرًا...» الحديث(28).
والحكمة من صيام يوم عاشوراء شكر الله -عز وجل- أن نصر عبده ورسوله موسى عليه الصلاة والسلام على فرعون وقومه، وتأسيًا بنبينا صلى الله عليه وسلم في صيامه لهذا اليوم، والله أعلم.
استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء:
يستحب للمرء أن يصوم اليوم التاسع (تاسوعاء) مع العاشر (عاشوراء) لما ثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الله ابن عباس -رضي الله عنه - قال: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبلُ إن شاء الله صُمنا اليوم التاسع». قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم(29).
قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون: يستحب صوم التاسع والعاشر جميعًا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صام العاشر، ونوى صيام التاسع.
وفي صحيح مسلم أيضًا عن ابن عباس -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»(30).
الحكمة من استحباب صيام تاسوعاء:
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ: «ذكر العلماء من أصحابنا وغيرهم في حكمة استحباب صوم تاسوعاء أوجُهًا:
أحدها: أن المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر(31).
الثاني: أن المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم، كما نهى أن يصام يوم الجمعة وحده، ذكرهما الخطابي وآخرون.
الثالث: الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال ووقوع غلطٍ، فيكون التاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر» ا.هـ(32).
وأقوى هذه الأوجه هو مخالفة أهل الكتاب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: نهى صلى الله عليه وسلم عن التشبه بأهل الكتاب في أحاديث كثيرة مثل قوله في عاشوراء: «لئن عِشتُ إلى قابل لأصُومنَّ التاسع»(33).
وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في تعليقه على حديث: «لئن بقيتُ إلى قابل لأصُومنَّ التاسع»(34): ما همَّ به من صوم التاسع يحتمل معناه ألا يقتصر عليه، بل يضيفه إلى اليوم العاشر؛ إما احتياطًا له، وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح ـ والله أعلم ـ(35).
مراتب صيام عاشوراء وأفضلها:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: مراتب الصوم ثلاثة: أكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم(36).
وعلى هذا فالمراتب كالآتي:
المرتبة الأولى: صيام التاسع والعاشر والحادي عشر:
وهذه المرتبة أفضل المراتب وأكملها لأمور منها:
1- أنه قد ورد في بعض الروايات «صوموا يومًا قبله ويومًا بعده»(37).
2- من يصوم الأيام الثلاثة يكون قد صام عدة أيام من شهر الله المحرم، والصيام فيه من أفضل الصيام بعد شهر رمضان.
3- في صيام الأيام الثلاثة اطمئنان للنفس وتأكد من إدراك يوم عاشوراء؛ لأنه قد يحصل الاختلاف في ظهور هلال شهر محرم لعدم التحري الكامل لبداية هذا الشهر.
المرتبة الثانية: صيام التاسع مع العاشر.
وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»(38)، أي مع العاشر، لمخالفة اليهود في صيامهم، وكان ابن عباس -رضي الله عنه - يفعل ذلك ويقول: «صوموا التاسع والعاشر، خالفوا اليهود»(39). وكذلك للاحتياط وعدم فوات هذا اليوم.
المرتبة الثالثة: وهي إفراد اليوم العاشر بالصيام.
لعموم الأحاديث الواردة في فضله وفعل رسول الله، حيث صامه وأمر بصيامه، ولكن كره بعض أهل العلم إفراد اليوم العاشر لموافقة اليهود في صومهم ومخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مخالفتهم.
بدع عاشوراء:
من الملاحظ انتشار بعض العادات والبدع التقليدية الموروثة والتي لا أصل لها في شرعنا الحنيف في يوم عاشوراء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «وأما سائر الأمور مثل اتخاذ طعام خارج عن العادة، إما حبوب وإما غير حبوب أو تجديد لباس أو توسيع نفقة أو اشتراء حوائج العام ذلك اليوم أو فعل عبادة مختصة كصلاة مختصة به أو قصد الذبح أو ادخار لحوم الأضاحي ليطبخ بها الحبوب أو الاكتحال أو الاختضاب أو الاغتسال أو التصافح أو التزاور أو زيارة المساجد والمشاهد ونحو ذلك، فهذا من البدع المنكرة التي لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين لا مالك ولا الثوري ولا الليث بن سعد ولا أبو حنيفة ولا الأوزاعي ولا الشافعي ولا أحمد بن حنبل ولا إسحاق بن راهوية ولا أمثال هؤلاء من أئمة المسلمين وعلماء المسلمين» ا.هـ(40).
وقال ـ رحمه الله ـ: «فكان ما زينهُ الشيطان لأهل الضلال والغي من اتخاذ يوم عاشوراء مأتمًا وما يضعون فيه من الندب والنياحة وإنشاد قصائد الحزن ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، والصدق فيها ليس فيه إلا تجديد الحزن والتعصب وإثارة الشحناء والحرب وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام والتوسل بذلك إلى سب السابقين الأولين وكثرة الكذب والفتن في الدنيا ولم تعرف طوائف الإسلام أكثر كذبًا وفتنًا ومعاونة للكفار على أهل الإسلام من هذه الطائفة الضالة الغاوية، فإنهم شر من الخوارج المارقين، وأولئك قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان»(41) وهؤلاء يعاونون اليهود والنصارى والمشركين على أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم» ا.هـ(42).
وقال أيضًا ـ رحمه الله ـ: «وصار الشيطان بسبب قتل الحسين -رضي الله عنه - يحدث للناس بدعتين، بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ والبكاء والعطش وإنشاد المراثي وما يفضي إليه ذلك من سب السلف ولعنهم وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب حتى يسب السابقون الأولون وتقرأ أخبار مصرعه التي كثير منها كذب وكان قصد من سن ذلك فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة، فإن هذا ليس واجبًا ولا مستحبًا باتفاق المسلمين، بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة من أعظم ما حرمه الله ورسوله» ا.هـ(43).
مسائل في صيام عاشوراء:
المسألة الأولى: حكم إفراد عاشوراء بالصوم:
يجوز إفراده بالصوم، والأفضل أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده، لما جاء في سنن الترمذي بسند صحيح أن ابن عباس -رضي الله عنه - قال: «صوموا التاسع والعاشر، خالفوا اليهود»(44).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «ولما كان آخر عمره صلى الله عليه وسلم بلغه أن اليهود يتخذونه عيدًا، قال: «لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع» ليخالف اليهود، ولا يشابههم في اتخاذه عيدًا، وكان من الصحابة والعلماء من لا يصومه ولا يستحب صومه بل يكره إفراده بالصوم، كما نقل ذلك عن طائفة من الكوفيين، ومن العلماء من يستحب صومه، والصحيح أنه يستحب لمن صامه أن يصوم معه التاسع؛ لأن هذا آخر أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- لقوله: «لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع مع العاشر» كما جاء ذلك مفسرًا في بعض طرق الحديث، فهذا الذي سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم » ا.هـ(45).
وقال أيضًا: «وصيام يوم عاشوراء كفارة سنةٍ، ولا يكره إفراده بالصوم، ومقتضى كلام أحمد أنه يكره وهو قول ابن عباس وأبي حنيفة، ووجب صومه ونسخ وهو قول ابن عباس -رضي الله عنه - ورواية عن أحمد»(46).
قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(47):
«يجوز صيام عاشوراء يومًا واحدًا فقط، لكن الأفضل صيام يوم قبله أو يوم بعده، وهي السنة الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»(48)، قال ابن عباس رضي الله عنه: «يعني مع العاشر».ا.هـ.
المسألة الثانية: حكم من لم يُبيِّت النية من أجل صيام عاشوراء:
النية لا بد منها وهي شرط في الأعمال العبادية سواء كانت فرضًا أم نفلًا، كصيام رمضان مثلًا، لا بد أن تكون نية الصيام فيه مبيتة سواءً من أول ليلة للشهر كاملًا، أو كل ليلة بنية على خلاف بين أهل العلم في ذلك، فإذا نوى الصيام الواجب في النهار فلا يصح صومه وعليه قضاؤه.
أما صيام النفل سواءً كان يوم عرفة أو عاشوراء أو يومي الإثنين والخميس أو الأيام البيض الثلاثة أو غيرها، فلا بد فيه من النية، فإن صام تطوعًا وأنشأ النية من النهار وقبل زوال الشمس جاز ذلك كما هو مذهب جمهور العلماء حكاه النووي(49) في شرح مسلم، دليل ذلك ما روته أم المؤمنين عائشة ل قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: «يا عائشة هل عندكم شيء؟»، قالت: فقلت: يا رسول الله! ما عندنا شيء، قال: «فإني صائم» ـ وفي رواية: «فإني إذًا صائم» ـ قالت: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُهديت لنا هدية ـ أو جاءنا زَوْرٌ ـ قالت: فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله! أُهديت لنا هديةٌ ـ أو جاءنا زَوْرٌ ـ وقد خبأتُ لك شيئًا، قال: «ما هو؟»، قلت: حَيْسٌ(50)، قال: «هاتيه»، فجئتُ به فأكل، ثم قال: «قد كنتُ أصبحتُ صائمًا» قال طلحة ـ أحد الرواة ـ فحدثت مُجاهدًا بهذا الحديث فقال: ذاك بمنزلة الرجل يخرج الصدقة من ماله، فإن شاء أمضاها وإن شاء أمسكها(51).
قال الشيخ العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في تعليقه على لفظ «إذًا» في الحديث السابق: «إذًا» ظرف للزمان الحاضر فأنشأ النية من النهار، فدل ذلك على جواز إنشاء النية في النفل في أثناء النهار(52).
المسألة الثالثة: هل يجوز أن يصام يوم أو يومان تطوعًا وعليه قضاء من شهر رمضان؟ وهل إذا صام يوم عاشوراء بنية القضاء من شهر رمضان جاز ذلك؟
أجابت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على هذا السؤال بما يلي:
أولًا: لا يصوم تطوعًا وعليه قضاء صيام يوم من رمضان، بل يبدأ بقضاء صيام ما عليه من رمضان ثم يصوم تطوعًا.
ثانيًا: إذا صام اليوم العاشر والحادي عشر من شهر محرم بنية قضاء ما عليه من الأيام التي أفطرها من شهر رمضان جاز ذلك، وكان قضاء عن يومين مما عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»(53). ا.هـ(54)
دروس وعبر مأخوذة من هذا اليوم:
إن المتأمل في حِكم الله في خلقه وتصرفه في كونه، ليدرك عظم السنن الربانية في وقوع الأحداث في الأماكن والأزمان، وتميزها عن غيرها، وما ذلك إلا لحكمة اللطيف الخبير القوي العزيز.
ومن الدروس والعبر المستفادة مما وقع في هذا الشهر على مرور الأزمان على سبيل الإجمال:
1- أهمية الشكر في حدوث السراء بعد الضراء كما في قوله عليه السلام: «فصامه موسى شكرًا لله».
2- الفرح بنصر الله للمؤمنين حيث نجَّى الله فيه موسى عليه السلام وقومه من فرعون وقومه.
3- عظم عبادة الصوم، وما لها من منزلة عظيمة عند الله كما في قوله تعالى في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به».
4- أيام الظالمين وإن طالت، فإن العاقبة والنصر للمؤمنين، ولكن لا بدَّ من التمحيص والابتلاء.
5- قوة الإيمان وعمقه والحرص على ترسيخه وتنشئة الأجيال عليه في مجتمع الصحابة ي، ظهر ذلك في تعويد أبنائهم على الصيام من صغرهم، وإلهائهم باللعب حتى يتموا يومهم.
6- الحرص على ترسيخ المبدأ الشرعي في مخالفة أهل الكتاب، وذلك حينما همَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بصيام التاسع بقوله: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع».
7- حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على نفع أمته حيث شرع لهم أعمالًا يسيرة بأجور مضاعفة عظيمة، فصيام يوم يكفر الله به سنة كاملة.
8- سرعة استجابة الصحابة ي لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصيام لمن لم يأكل، والإمساك عن الأكل لمن أكل في يوم عاشوراء.
9- فضل الله ومنته لا تعد ولا تحصى، فمن فرَّط طوال العام وسوَّف وظلم نفسه، فلا يحرم نفسه اغتنام هذه الفرصة والمنحة الربانية.
10- أُمِرنا بالاقتداء بخيار الخلق وهم الأنبياء عليهم السلام الذين هداهم الله، أُمِرنا بالاقتداء بهم كما قال سبحانه: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام:90]. وأن ما حازوه من الفضل إنما هو بسبب الصدق مع الله والصبر على طاعته ومقدوراته وأن من يقتدي بهم لا بد له من المصابرة والمجاهدة.
الخاتمة:
وختامًا؛ علينا أن نغتنم هذه الأيام ونعمرها بما يرضي الله -عز وجل- لننال رحمته سبحانه وتعالى.
وهذا يحتاج إلى همة عالية، ونية صادقة، فإذا رأى الله -عز وجل- من عبده صدق النية، ووصل إليه من العبد عمل صالح، أخذ بيده إليه واعتنى به أشد من عناية الأب الشفيق بولده، فدبر له الأمور، وأصلح له الأحوال، قال الله سبحانه وتعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) [الإسراء:19].
نسأل الله -عز وجل- أن يعيننا على إصلاح أنفسنا ومجاهدتها لنحصل على الهداية التامة، كما جاء في وعده تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69].
وأن يرزقنا الصدق والإخلاص في القول والعمل، إنه على كل شيء قدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
_________
(1) الطبراني (19/233)، برقم (519)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1890).
(2) الجامع لأحكام القرآن (8/135).
(3) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (3/228، 229).
(4) متفق عليه، البخاري (4662)، ومسلم (1679).
(5) تفسير القرآن العظيم (4/148).
(6) رواه النسائي في السنن الكبرى (4612).
(7) لطائف المعارف (ص:87-88).
(8) رواه مسلم كتاب الصيام، باب فضل صوم المحرم برقم (747).
(9) صحيح مسلم بشرح النووي، (7-8/296).
(10) كما في حديث: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم».
(11) في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ) [ص:45]، وقوله: (أَسْرَى بِعَبْدِهِ) [الإسراء:1]، وقوله: (أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ) [البقرة:125]، وقوله: (نَاقَةُ اللّهِ) [الشمس:13].
(12) لطائف المعارف (ص:90-91).
(13) رواه البخاري (3727)، ومسلم (2714) واللفظ له.
(14) رواه البخاري (1902).
(15) رواه البخاري (2002)، ومسلم (1125).
(16) أخرجه البخاري (1952).
(17) المفهم شرح صحيح مسلم (3/190).
(18) مجموع الفتاوى (25/311).
(19) رواه البخاري (2007)، ومسلم (1135).
(20) رواه مسلم باب صوم يوم عاشوراء، برقم (2804).
(21) رواه مسلم (565)، باب فضل الوضوء والصلاة عقبه.
(22) رواه مسلم (572) باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر.
(23) المجموع شرح المهذب (6/431).
(24) رواه مسلم (2718)، باب صوم يوم عاشوراء.
(25) رواه البخاري (2004)، ومسلم بنحوه (2714).
(26) رواه البخاري (1859)، ومسلم (2725) واللفظ له.
(27) رواه البخاري (1900)، ومسلم بنحوه (2714).
(28) رواه مسلم (2714).
(29) رواه مسلم (2722).
(30) رواه مسلم (2723).
(31) يستدل على هذا بما جاء في سنن الترمذي بسند صحيح عن ابن عباس -رضي الله عنه - أنه قال: «صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود».
(32) صحيح مسلم بشرح النووي (7-8/254).
(33) الفتاوى الكبرى الجزء السادس (سد الذرائع المفضية إلى محرم).
(34) مسلم (2723).
(35) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (4/308).
(36) زاد المعاد في هدي خير العباد (2/76).
(37) عن ابن عباس -رضي الله عنه - ولا يصح مرفوعًا والصحيح عنه قوله بلفظ: أو، انظر: السلسلة الضعيفة للألباني برقم (4297).
(38) رواه مسلم (2723).
(39) رواه الترمذي (755)، وقال الشيخ الألباني: صحيح.
(40) مجموع الفتاوى (13/167).
(41) رواه البخاري في كتاب الأنبياء (3344)، وفي التوحيد (7432)، ومسلم في الزكاة (1064/143) كلاهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(42) مجموع الفتاوى (13/165-166).
(43) منهاج السنة النبوية (2/322).
(44) رواه الترمذي (755)، قال الشيخ الألباني: صحيح.
(45) مجموع الفتاوى (13/167).
(46) الاختيارات الفقهية، ط. دار الفكر (110) تحقيق محمد حامد الفقي.
(47) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/401).
(48) رواه مسلم (1134).
(49) شرح صحيح مسلم للنووي، ط.دار المعرفة ـ بيروت (8/276).
(50) الحيسُ: هو التمر مع السمن والأقط.
(51) رواه مسلم (1154).
(52) الشرح الممتع على زاد المستقنع (6/359)، ط. دار ابن الجوزي.
(53) رواه البخاري (1)، مسلم (1907).
(54) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/402).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم