عناصر الخطبة
1/ دلالات الأمر النبوي بملاحقة عير قريش 2/ أهداف النبي الكريم من قرار مواجهة قريش 3/ المواقف البطولية للصحابة في مجلس الاستشارة 4/ النصر الإلهي المبين للمسلمين في بدر 5/ انتصارات المسلمين في رمضان قديما وحديثاًاقتباس
إنّ شهر رمضان هو شهر الفتوحات والانتصارات قديماً وحديثاً، ففيه نَصَرَ الله المسلمين في بدر، وفُتحت مكة في رمضان، ووقعت معارك تاريخية خالدة في رمضان. وفي عصرنا الحاضر وقعت معركة الفلوجة الشهيرة في رمضان، وملحمة تورا بورا قبل عقد من الزمن وقعت أيضاً في رمضان. واليوم؛ لازالت الانتصارات بفضل الله تتوالى، والفتوحات تترا...
الخطبة الأولى:
هذا اليوم هو يوم الجمعة، يوم السابع عشر من رمضان، هذا اليوم هو يوم الفرقان.
في مثل هذا اليوم التقى الجمعان، ووقعت أول معركة في الإسلام، وحدثت أول غزوة بين المسلمين وبين الكفار.
في مثل هذا اليوم وقعت المعركة الكبرى، والغزوة العظمى، بين الحق والباطل، بين الشرك والتوحيد، بين الإسلام والجاهلية.
إن سبب الغزوة هو قافلة لقريش، قريش التي طردت المسلمين من مكة واضطرتهم إلى الهجرة إلى المدينة، قريش التي استحوذت على أموال المسلمين المهاجرين من مكة إلى المدينة، قريش التي استضعفت المسلمين وحاصرتهم.
تحركت قافلتها التي تضم ألف بعير محملة بالبضائع من الشام إلى مكة، إنها فرصة المسلمين لقهر قريش وإذلالها وتمريغ أنفها في التراب، وفرصة لهم لاسترجاع جزءٍ من أموالهم التي استولت عليها قريش واستحوذت عليها في مكة.
ولكن العجيب في الأمر، والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف عرف المسلمون تحركات القافلة؟! وما يدريهم بتفاصيلها؟!.
إن هذا يدلنا على أن القائد الأعلى للمسلمين -صلى الله عليه وسلم- كان يقظاً متابعاً عارفاً بتحركات المشركين، راصداً لأخبارهم، لديه استطلاعات قوية، واستخبارات عسكرية، وسرايا استكشافية، توصل له الأخبار، وترصد له تحركات العدو.
فصلّى الله عليك يا رسول الله، كنت المثل الأعلى في العبادة، والقائد الأعلى في الحرب، والرجل الأسمى في تسيير شؤون الدولة الإسلامية من كل نواحيها: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) [الفتح:29].
أراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذه الغزوة المباركة أن يُعلّم المسلمين درساً في الشجاعة والإقدام والبسالة، وترك الإحجام، وطرد الجبن والخوف من أعداء الإسلام.
أراد أن يحيي في الأمة العزة والإباء، والشموخ والكبرياء، والبطولة والفداء؛ ليعلمهم أن المسلمين بإسلامهم أقوياء، وأنهم بإيمانهم أعزاء، وبعقيدتهم أشداء.
أراد -صلى الله عليه وسلم- أن يعلّم المشركين أن عهد الذل قد مضى، ومرحلة الاستضعاف قد انتهت، وزمن الهوان قد ولى.
أراد -صلى الله عليه وسلم- ليضربهم في هذا الغزوة المباركة ضربة تقضي على غطرستهم، وتدمر قوتهم، وتقصم ظهورهم، وتدوخ قادتهم، وتضعف اقتصادهم، وتؤلم قلوبهم؛ ليعلموا أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
لقد كان ميزان القوة بين المسلمين وبين عدوهم في هذه الغزوة هائلاً، والاختلاف في العدة والعتاد كبيراً، والفرق بين القوتين واسعاً.
فجيش الكفار في هذه الغزوة يفوق جيش المسلمين بثلاثة أضعاف، والعتاد الحربي لا يقارن بين هؤلاء وهؤلاء، حيث كان لدى المسلمين في هذه المعركة فرس واحد أو فرسان، وسبعون بعيراً يتعاقبون عليها، فكان الرجلان والثلاثة يتعاقبون على البعير الواحد.
أما المشركون فقد كانوا ألفاً وثلاثمائة مقاتل، ومعهم مائة فرس، وستمائة درع، وجمال كثيرة لا يعلمها إلا الله.
فلما رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذه القوة الهائلة وهذا الجمع الكبير قال: "أقبَلوا بحدّهم وحديدهم يحاربون الله ويحاربون رسوله"، وقرأ: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) [القمر:45].
تحركات هائلة، وجيش عرمرم، وزحف كبير لم يستعد له المسلمون استعداداً كاملاً، ولم يتهيؤوا لمواجهته وحربه، وإنما خرجوا فقط للاستيلاء على القافلة وضربها ضربة مباغتة، ومن ثم الرجوع إلى المدينة؛ ولكن الله أراد أن يقضي أمراً كان مفعولاً!.
رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه لا بد من موقف بطولي يكسر هذه القوة، ويصد هذه الغطرسة حتى لا تزحف نحو المدينة، فلو تركهم يسيحون ويواصلون المسير فإن شرهم سيتعاظم، ونفوذهم سيقوى، وخطرهم سيصل إلى المدينة نفسها، وسيُجْهِزون على الدولة الإسلامية في مهدها.
قرر -صلى الله عليه وسلم- في نفسه الحرب، واتخذ هذا الرأي، ولكن لا بد من وضع الرأي للشورى وتداوله مع المسلمين؛ حتى يكون القرار جماعياً وموحداً.
ماذا تتوقعون من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ هل اعتذروا عن المشاركة؟ هل تعذروا باختلاف موازين القوى بينهم وبين عدوهم؟ هل قالوا: يا رسول الله نحن أقلة وقوتنا ضعيفة ولم نستعد للقتال؟!.
اسمعوا ماذا قالوا في مجلس الاستشارة: قام أبو بكر فتكلم فأحسن، ثم قام عمر فقال فأحسن.
ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله، امض لما أراك الله، فنحن معك، والله! لن نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون؛ ولكن نقول لك: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.
ثم قام سعد بن معاذ قائد الأنصار وحامل لوائهم فقال: يا رسول الله، قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، فامض بنا لما أردت، واظعن بنا حيث شئت، وصِلْ حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذت منا أحب إلينا مما تركت؛ فوالذي بعثك بالحق! لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك، ولو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك، وما أمرت فيه من أمر فنحن تبع لأمرك، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك؛ فسر بنا على بركة الله.
فسُرَّ -صلى الله عليه وسلم- من هذه المواقف البطولية الرائعة، وأعجب بهذه الكلمات القوية التي تفل الحديد، وتقصم ظهور أهل الشرك والكفر والتنديد.
إنهم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا يقولون لرسولهم إلا سمعنا وأطعنا، فالأمر أمرك والقول قولك، ونحن تبع لأمرك: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران:159].
قام الرسول -صلى الله عليه وسلم- يستجلب نصر الله، ويدعو الله، وينكسر بين يدي الله، رفع يديه إلى السماء يقول: اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني! اللهم أنجز لي ما وعدتني! اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبداً!.
وأخذ -صلى الله عليه وسلم- يدعو ربه حتى سقط رداؤه، فقال له أبو بكر: حسبك يا رسول الله؛ فقد ألححت على ربك!.
فجاءه نصر الله، وحدثت له المعجزات العظيمة، والنصر المبين، حيث ألقى الله على عدوهم النعاس والنوم والخذلان، وقذف في قلوبهم الرعب، وأخذ حفنة من الحصباء، فاستقبل بها قريشاً فرماهم بها في وجوههم وقال: شاهت الوجوه، فما من أحد من المشركين إلا أصابته تلك الحصباء! قال -تعالى-: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) [الأنفال:17].
وأنزل الله مع المسلمين ملائكته يقاتلون معهم، ويربطون على قلوبهم، ويثبّتون أقدامهم، حتى نصرهم الله على عدوهم.
وقتل في هذه الغزوة معظم رؤوس الشرك، وأغلب قادة الكفر: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) [الأنفال:12].
وولى شياطين والجن في ذلك اليوم هاربين مذعورين خائفين لا يألون على شيء، وانسحبوا مذعورين مهزومين صاغرين، فركب المسلمون ظهورهم يقتلون فيهم ويأسرون منهم.
وانتهت المعركة بنصر عظيم مبين للمسلمين، وهزيمة ساحقة للمشركين والكافرين: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:48].
الخطبة الثانية:
إنّ شهر رمضان هو شهر الفتوحات والانتصارات قديماً وحديثاً، ففيه نَصَرَ الله المسلمين في بدر، وفُتحت مكة في رمضان، ووقعت معارك تاريخية خالدة في رمضان.
وفي عصرنا الحاضر وقعت معركة الفلوجة الشهيرة في رمضان، وملحمة تورا بورا قبل عقد من الزمن وقعت أيضاً في رمضان.
واليوم؛ لازالت الانتصارات بفضل الله تتوالى، والفتوحات تترا، ففي الشام يتقدم المجاهدون بقوة الله وعزته تقدماً ملحوظاً، ويتكبد النظام الخسائر تلو الخسائر؛ فالعدو يجمع أكبر قوة ليستهدف بها أصغر قوة، والمجاهدون يجمعون أضعف قوة ليواجهوا بها أكبر قوة.
وقام المجاهدون -بفضل الله- بضرب أغلب الأفرع الأمنية للنظام، وحررت بعض المطارات، وحوصر بعضها، وشل جزء كبير من ترسانة العدو الجوية، وحوصرت داخل القواعد والمطارات، وحررت عدد من الألوية والثكنات، واستولى المجاهدون على أعداد كبيرة من مخازين الذخيرة والسلاح، واستهدفت أعداد هائلة من الحواجز العسكرية، وحررت العديد من المدن والأرياف، ولم يبق جزء يسيطر عليه النظام إلا وهو مهدد بالاقتحام من قبل المجاهدين، ولم تبق شخصية بارزة أمنية أو عسكرية إلا وهي ترتعد خوفاً منهم.
ولولا أن النظام يتلقى مساعدات هائلة من عدة دول لما استطاع البقاء إلى هذه اللحظة، فقد خسر العديد من مصادره الاقتصادية، كالسدود والمحطات الحرارية والمصانع الضخمة والمزارع الكبيرة التابعة له، وكذلك آبار النفط.
وأما العراق، بلاد الرافدين، فقد جاءت منها البشارات الرمضانية تتوالى، وكان من آخر هذه البشريات العظيمة ما حصل ليلة الاثنين الماضي من نصر كبير وفتح عظيم عندما قام أسود أهل السنة في العراق باقتحام أكبر السجون الرافضية التي يسام فيها أهل السنة سوء العذاب، وهما سجن أبي غريب، هذا السجن الشهير بالجرائم والتعذيب، وسجن الحوت، أو ما يسمى بسجن التاجي.
ومنّ الله -سبحانه وتعالى- على الأسود من أهل السنة أن تفتكّ من الأغلال والقيود، وكسرت قيود الأسر والذلة التي يذل بها أهل السنة في داخل هذه السجون والمعتقلات الصفوية.
وفي مصر تزف البشريات بعد أن قام أهل النفاق بالتنسيق مع إخوانهم من أهل الكتاب بالانقلاب على نظام حكم يسعى إلى إقامة الشرعية، فخاف الأعداء من هذه الكلمة وظنوها الشريعة!.
ومن شدة خوفهم من الشريعة قاموا بالانقلاب على هذا النظام، مع أنه يصرح لهم أنه سيطبق الشرعية وليس الشريعة، ولكن الغرب يتصدى بكل قوة لكل من يتوقع منه أن يطبق الشريعة، فقاموا بالانقلاب على النظام، فعلم الناس أن الغرب لا يخاف إلا من الإسلام، ولا يرهبه إلا تطبيق الشرع، فالتف الناس حول الشريعة، وعرفوا قيمة هذا الدين العظيم، وقاموا يطالبون بإقامته وتطبيقه.
وخاف اليهود في إسرائيل خوفاً شديداً من الانفلات الذي حصل بعد الانقلاب، وقاموا بتعزيز قواتهم العسكرية في سيناء وما حولها، خوفاً من الشرفاء من أهل مصر الأحرار.
أيها الصائمون: إن البشارات تتوالى من كل مكان على المسلمين، خاصة في هذا الشهر الفضيل، فأَبْشِروا وبشِّروا وأمِّلوا وأكْثِروا من التقرُّب إلى الله والالتجاء إليه وطلب النصر منه، خاصة ونحن مقبلون في هذه الأيام على أيام عظام، وليال هي خير الليالي عند الله.
إنها العشر الأواخر من رمضان؛ فأكْثِرُوا فيها من العبادة والتضرع، وأكثروا فيها من الدعاء واستنزال النصر؛ فإن رحمة الله وفرجه ونصره قريب من المحسنين: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر:51].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم