شهادة الزور

الشيخ محمد بن صالح الشاوي

2025-12-05 - 1447/06/14 2025-12-22 - 1447/07/02
التصنيفات: المنهيات
عناصر الخطبة
1/تحريم الشريعة للظلم بأنواعه 2/من الظلم شهادة الزور 3/معنى شهادة الزور وأضرارها 4/في شهادة الزور ثلاثة آثام

اقتباس

شهادة الزور: هو أن يشهد الإنسان بما لا يتحققه، أو يشهد بخلاف الواقع والحقيقة، فيبيح بشهادته ما حرّمته الشريعة، من الأعراض، والأموال، والنفوس، ويغرِّر بالحكام والقضاة وولاة الأمور، وَيُلَبِّسُ عليهم، ويجعل الحق باطلًا، والباطل حقًّا...

الخُطْبَةُ الأُولَى:      

 

الحمد لله الذي دعا إلى الصدق والعدل، وحرّم الظلم على نفسه، وجعله بيننا محرّمًا، وأشهد أن لا إله إلا الله الحَكَمُ العدل، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: فعن أبي بكرة -رضي الله عنه-، قال: "كنّا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور"، وكان متكئًا فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت"(متفق عليه).

 

أيها المسلمون: جاءت الشريعة الإسلامية بتحريم النفوس والأموال والأعراض، ففي الحديث: "كلُّ المسلم على المسلم حرام: دمُه، ومالُه، وعرضُه"(رواه مسلم)، ودعت الشريعة المطهرة إلى العدل والإنصاف، وحرَّمت الظلم بشتى الطرق والأساليب.

 

وإن من الظلم والإثم العظيم شهادة الزور، التي جمع الله بينها وبين أعظم ذنب عُصي الله به، وهو الشرك به، فقرن الله -تعالى- بينهما، وأمر باجتنابهما جميعًا، حيث يقول: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)[الحج: 30]، فقرن بين عبادة الأوثان وبين شهادة الزور لعظمها.

 

وقد أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنها من أكبر الكبائـر، وكرر ذلك مرارًا، وجلس بعد أن كان متكئًا؛ اهتمامًا بالنهي عنها.

 

ومعنى شهادة الزور: هو أن يشهد الإنسان بما لا يتحققه، أو يشهد بخلاف الواقع والحقيقة، فيبيح بشهادته ما حرّمته الشريعة، من الأعراض، والأموال، والنفوس، ويغرِّر بالحكام والقضاة وولاة الأمور، وَيُلَبِّسُ عليهم، ويجعل الحق باطلًا، والباطل حقًّا، وقد يأخذ على شهادته مالًا محرّمًا عليه.

 

فكم جلبت شهادة الزور من الشرور، وأوقعت في المصائب، وكم سُلبت بها الأموال، وضاعت بسببها حقوق!.

 

وإن في شهادة الزور ثلاثة آثام: الإثم الأول: كونها معصية، وإثمًا من أكبر الآثام والكبائر؛ فبها يظلم الإنسان نفسَه لكذبه وافترائه.

 

الإثم الثاني: إعانة الظالم على ظلمه؛ حيث يشهد له ويساعده على أكل أموال الناس بالباطل، وإباحة ما حُرِّمَ عليه من حقوقهم.

 

الإثم الثالث: خذلان المظلوم؛ حيث يؤخذ بهذه الشهادة مالُه، ويُنتهك عرضه، ويُسفك دمه، فيبني القاضي عليه حكمه، وفي الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إنما أنا بشرٌ مثلكم، فلعلَّ بعضَكم أن يكون ألحن بحجته -يعني: أفطنَ لها وأجدَلَ بها- من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له في مال أخيه بغير حقٍّ فلا يأخذه؛ فإنما أقطع له قطعة من النار"(متفق عليه).

 

وقد جاءت النصوص المشتملة على توعد شاهد الزور بالنار، ففي الحديث: "لا تزول قدما شاهد الزور يوم القيامة حتى تجب له النار"(أخرجه ابن ماجه)، وأثنى الله على مجتنبها بقوله: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)[الفرقان: 72].

 

اللهم اجعلنا ممن يستمعون القولَ فيتبعون أحسنَه، وتب علينا وارحمنا، إنك أنت التواب الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا هو، وأن محمدًا عبده ورسوله، أمرنا بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وارض اللهم عن جميع الصحابة والتابعين، ومن تبعهم وتمسك بهديهم إلى يوم الدين، أما بعد:

 

أيها الناس: اتقوا ربكم واعبدوه، وأخلصوا في العمل، واغتنموا صحتَكم قبل مرضكم، وشبابَكم قبل هَرَمِكم، وقدرتكم قبل عجزكم، وحياتكم قبل موتكم، واعملوا لآخرتكم ودنياكم.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)[القصص: 77].

 

فاتقوا الله -أيها المسلمون- واجتنبوا قول الزور، ولا يتقدم أحد منكم بشهادة إلا عن علم ويقين، ولا تكتموا الشهادة الصحيحة، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه.

 

واعلموا أن أحسن الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، فتمسكوا بهما.

 

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، اللهم أعز الأمة وانصر المسلمين، اللهم ولِّ علينا خيارنا، اللهم وأصلح ولاة أمور المسلمين، اللهم وارزقهم البطانة الصالحة، التي تدلهم على الحق، وتعينهم عليه يا أرحم الراحمين.

 

عباد الله: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)[النحل: 91].

 

فاذكروا الله العظيم القوي يذكركم، واشكروه على كرمه ونعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

شهادة الزور.doc

شهادة الزور.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات