عناصر الخطبة
1/نعمة الأمن تنال بالإيمانِ والعملِ الصالحِ 2/بالأمن تستقيم حياة الأفراد والمجتمعات والدول 3/شكر الله على نعمة الأمن ووجوب وحدة الصفاقتباس
أيها المؤمنون: في ظلالِ الأمنِ تستقيمُ حياةُ الناسِ، وتطمئنُّ قلوبُهم، وتُحفَظُ أعراضُهم وأموالُهم، وتُؤمَّن سبلُهم، وتُعمَرُ مساجدُهم، فيقومُون بحقِّ خالقِهم، وتُطَبَّقُ شريعةُ اللهِ بينَهم، فينتشَرُ الخيرُ، ويعمُّ الرخاءُ، وتسيرُ عجلةُ التنميةِ، ويزدهرُ الإنتاجُ، ولو...
الخطبة الأولى:
إنّ الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفسِنَا ومِنْ سَيّئَاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِهِ اللهُ فلَا مُضِلّ لَهُ، ومنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعدُ: فاتّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المؤمنونَ-، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون)[آل عمران: 102].
عبادَ اللهِ: الأمنُ نعمةٌ ومنحةٌ من ربِّ العالمين امتنَّ بها على عبادِه كي يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وهو مطلبٌ وغايةٌ من أهمِّ الغاياتِ التي يَسعى إليها جميعُ النَّاسِ، وهو شرطٌ لاستقرارِ البلادِ والعبادِ، وعمارةِ الأرضِ، واستمرارِ الحياةِ، وحيثُما وُجدَ الأمنُ في بلدٍ كانَ الإنسانُ فيه آمنًا على نفسِه، ودينِه، ومالِه، وعرضِه.
ولا تُنالُ تلك النعمةُ إلا بالإيمانِ بالله -جلَّ وعلا- والعملِ الصالحِ، والبعدِ عن الذنوبِ والمعاصي، قال جلَّ وعلا: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون)[النور: 55].
أيها المؤمنون: في ظلالِ الأمنِ تستقيمُ حياةُ الناسِ، وتطمئنُّ قلوبُهم، وتُحفَظُ أعراضُهم وأموالُهم، وتُؤمَّن سبلُهم، وتُعمَرُ مساجدُهم، فيقومُون بحقِّ خالقِهم، وتُطَبَّقُ شريعةُ اللهِ بينَهم، فينتشَرُ الخيرُ، ويعمُّ الرخاءُ، وتسيرُ عجلةُ التنميةِ، ويزدهرُ الإنتاجُ، ولو انفرطَ عقدُ الأمنِ ساعةً لرأيتَ كيفَ تعمُّ الفوضى، ويكثرُ الهرجُ، ويحلُّ الخوفُ والفزعُ في قلوبِ الناسِ وتتعطَّلُ مصالحهُم ويتَسلَّطُ الظالمونَ على المستضعفينَ، قال جلَّ وعلا: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحج: 40].
أيُّها المؤمنونَ: ونحنُ في بلادِنا في ظلِّ قيادةِ خادمِ الحرمينِ الشريفينِ وسموِّ وليِّ عهدِه نعيشُ بأمنٍ وأمانٍ ورغدِ عيشٍ ووحدةِ صفٍّ، وهذه من أعظمِ النعمِ ولله الحمدُ والمنّةُ، ومن فضلِ اللهِ على بلادِنا أَنْ جَعَلَها آمنةً مستقرةً، يفدُ إليها الناسُ من كلِّ حدبٍ وصوبٍ ويرغبونَ العملَ فيها، ويبذلونَ الغاليَ والنفيسَ لسُكْناهَا والبقاءِ على أرضِها.
وأيُّ بلادٍ تفقدُ أمنَها، وتضطربُ أحوالُها؛ يفرُّ الناسُ منها، ويفارقُونَها إلى غيرِها، مُخلِّفينَ وراءَهم كلَّ شيءٍ لهم، يَنشدونَ الأمنَ والاستقرارَ، حتَّى لو شُرِّدوا وطُورِدوا، وعاشُوا مغتربينَ عن بلدانِهم، مُعدَمينَ بقيةِ أعمارِهم، فالدنيا بأسرِها لا تساوي شيئاً بلا أمنٍ ولا استقرارٍ، ولا قيمةَ لكلِّ ما يملكُه الناسُ من القصورِ والدورِ والأموالِ إذا فقدوا هذه النعمةَ.
عباد الله: ومن نَظرَ إلى ما حولَنا من البلادِ المضطربةِ يرى ذلكَ بعينهِ في وسائلِ الإعلامِ، وأغلبُ مَنْ عجزَ عن الرحيلِ من تلكَ الدولِ المضطربةِ ينتظرُ الموتَ والهلاكَ في كلِّ لحظةٍ، وكان بقاؤُهم فيها جحيمًا عليهم؛ لما يلاقونَه من الخوفِ والنقصِ والجوعِ، وأنتم تُشاهدونَ أعدادَ اللاجئينَ والمشرَّدينَ في الأرضِ قَدْ بلغتْ مئاتِ الآلافِ، بل الملايين.
عبادَ اللهِ: إنَّ الأمنَ مَطْلَبُ كلِّ أمةٍ، وغايةُ كلِّ دولةٍ، وهو مِنَّةٌ إلهيَّةٌ امتنَّ بها جلَّ وعلا على عبادِه، وذَكَرَهَا سبحانَه في مواضعَ كثيرةٍ من كتابه؛ كما في قولِه: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)[قريش: 3ـ-4]، وقولِه جلَّ وعلا: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ)[العنكبوت: 67]، ولقد كانتْ أوَّلُ دعوةٍ لأبينا إبراهيمَ -عليه الصلاةُ والسلامُ- وهو في مكَّةَ: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ)[البقرة: 126]، فقدَّمَ عليه الصلاةُ والسلامُ نعمةَ الأمنِ على نعمةِ الرزقِ؛ لأنَّه لا يَهنأُ عيشٌ بلا أمانٍ.
وروى الترمذيُّ وابنُ ماجةَ أنَّ النبيَّ -ﷺ- قالَ: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِه عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا"(رواه الترمذي، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي) قال المناويُّ -رحمه اللهُ-: "يعنيْ: مَنْ جَمَعَ اللهُ لهُ بينَ عافيةِ بدنهِ وأمنِ قلبهِ حيثُ توجَّه وكفافِ عيشهِ بقوتِ يومِه، وسلامةِ أهلِه، فَقَدْ جَمَعَ اللهُ لهُ جميعَ النِّعمِ التي مَنْ ملَكَ الدُّنيَا لم يَحصُلْ على غيرهِا.." ا. هـ.
وإذا تخلَّى الناسُ عن دينهِم وكَفَروا نعمةَ ربِّهم، أَحاطتْ بهمْ المخاوفُ، وانتشرتْ بينَهم الجرائمُ، وانْهدمَ جدارُ الأمنِ وادلهمَّ ظلامُ الخوفِ والقلقِ، وهذه هيَ سنَّةُ اللهِ التي لا تتخلَّفُ في خلقِه.
وصدق الله العظيمِ: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل: 112].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.
أما بعدُ: فاتَّقوا اللهَ -أيُّها المؤمنونَ-، واعلموا أنَّ رسولَنا -ﷺ- أوَّلُ ما دَخَلَ مكَّة عامَ الفتحِ، مَنَحَ أهلهَا أعظمَ ما تتُوقُ إليه نفوسُهم، وهو نعمةُ الأمنِ والأمانِ، فقال ﷺ: "مَنْ دَخَلَ دَارَ أبي سُفيانَ فَهو آمِنٌ، ومَنْ ألقَى السلاحَ فهو آمِنٌ، ومَنْ دخَلَ المسجدَ فهو آمِن"(رواه مسلم).
فلا يليقُ بنَا وقدْ أَكْرمَنَا اللهُ -تعالى- بنعمةِ الأمنِ ونعمةُ اجتماعِ الكلمةِ ووحدةِ الصفِّ أَنْ نُفرِّطَ فيها أو نُضيِّعهَا؛ ويجبُ علينَا أَنْ نَتمسَّكَ بطاعةِ اللهِ تعالى وأَنْ نَستقيمَ على شرعِه وأَنْ نَبتعدَ عن معصيتِه، وأَنْ نتلاحَم مع ولاةِ أمرنَا وعلمائِنا، وأَنْ نَعتنيَ بالعلمِ الشرعيِّ وننشرَهِ بينَ النَّاسِ؛ وأَنْ نتجنَّبَ الفتنَ ما ظهرَ منها وما بطنَ، وأن نحذرَ من مساربِها، فَقدْ قال ﷺ: "إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنِ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنُ.."(رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود).
ولَقَدْ أَدَركَ سلفُنَا الصالحُ معنى وحدةِ الصفِّ، فكانوا كالجسدِ الواحدِ تحطَّمتْ على وحدتِهم ورابطتِهم كلُّ مؤامرةٍ تريدُ زعزعةَ الأمنِ وخلخلةَ الصفِّ، فنالوا أعظمَ النِّعمِ من ربِّهم وعلى رأسِها نعمةُ الأمنِ.
أسألُ اللهَ -تعالى- أَنْ يحفظَ علينا نعمةَ الأمنِ والإيمانِ، وأَنْ يديمَ علينَا نعمةُ اجتماعِ الكلمةِ ووحدةِ الصفِّ، وأَنْ يَصرفَ عن بلادِنا كلَّ سوءٍ ومكروهٍ وشرٍّ.
هذا، وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ، فقالَ جلَّ وعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم