عناصر الخطبة
1/كثرة فضل الله على خلقه 2/عجز الخلائق عن حصر نعم الله تعالى 3/التحذير من التفاخر بالمآكل والمشارب وتصويرها 4/من وسائل شكر النعم 5/ أساس اجتماع الكلمة ووحدة الصف 6/صفات المواطن الحق.اقتباس
شكر الله بنعمة المساكن والمدافئ.. أن تنهض لنداء الله عندما يُنَادَى "الصلاة خير من النوم".. شكر الله برغد العيش.. أن تتحسس البطون الجائعة والأكباد الظامئة. شكر الله على المراكب.. أن تحمل مَن لا ظهر له، وتصل بها الأرحام...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي لا يبلغُ مِدحَتَه القائلون، ولا يُحصِي نعماءَه العادُّون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب غيره ولا إله سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[الأحزاب:41-42].
فضائل ربنا علينا لا تُعدّ ولا تُحصَى، وجميله وإحسانه يُغدِق علينا بالغدو والآصال.
لو كنتُ أعرفُ فوق الشكرِ منزلةً *** أعلى من الشكرِ عند اللهِ في الثمنِ
إذاً منحتكها ربي مهذبة *** شكراً على صنعِ ما أوليتَ من حسن
أنعم الله علينا نعمًا لم تَشهد الدنيا لها مثيلاً، يعبد الإنسانُ ربهُ آمناً ظاهراً، ويختارُ من الطيباتِ ما لذَّ وطاب، ونستدفئ من صروف الأيام بما تعجز عن حمله الأجسام. هل نقصكم من نعمة لم تظهر آثارُها علينا؟، وهل في خاطركم فضلٌ وإحسانٌ لم يَمحنا به ربُّنَا؟
خَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: "مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟"، قَالَا: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللهِ،، قَالَ: "وَأَنَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا"، فَقَامُوا مَعَهُ، فَأَتَى رَجُلاً مِنَ الْأَنْصَارِ فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَصَاحِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ! مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي، قَالَ: فَانْطَلَقَ، فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، فَقَالَ: كُلُوا مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ، فَذَبَحَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ وَشَرِبُوا، فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ"(أخرجه مسلم).
أيُّ عذرٍ لنا عند ربِّنا إذا لم نشكره؟! وأيُّ بقاءٍ نستحقه إذا أنكرنا جميلهُ وآلائَهُ ونعمائَه تغشانا بالليلِ والنهار؟! (كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ)[الأعراف:58].
كُلْ من الطيبات ما شئتَ، واستمتعْ مما أحل الله لك، (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)[الأعراف:32]، ولكن من غير إسراف ولا مخيلة.
التفاخر بالمآكل والمشارب وتصويرها مرآةً للناس منهيٌّ عنه، قال -عليه الصلاة والسلام-: "كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا، في غير إسراف ولا مخيلة"، وقال ابن عباس –رضي الله عنهما-: "كُلْ ما شئتَ، والبسْ ما شئتَ، ما أخطأتك اثنتان: سرف، أو مخيلة"(أخرجهما البخاري).
لا يُزيل النعمَ، ولا يهلكُ الأممَ إلا البطرَ والأشر (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا)[القصص:58]،
والعمل بتقواه شكر لله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[آل عمران:123].
(اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا)[سبأ:13]؛ قال مسعر: "لم يأتِ عليهم ساعةَ من ليل ولا نهار إلا ومنهم مُصَلٍّ يصلي".
وهذا إشارةُ إلى أن شكرَ اللهِ على نعمه متى كان محور الحركاتِ والسكناتِ، أثمر لصاحبه في الدنيا والآخرة أطيب الثمرات.
شكر الله بنعمة المساكن والمدافئ.. أن تنهض لنداء الله عندما يُنَادَى "الصلاة خير من النوم"..
شكر الله برغد العيش.. أن تتحسس البطون الجائعة والأكباد الظامئة.
شكر الله على المراكب.. أن تحمل مَن لا ظهر له، وتصل بها الأرحام.
شكر الله على أجهزة التواصل.. تسخيرها لأن تكون منبرَ دعوةِ خير، ومنطلقَ توعيةِ وتوجيه، ووسيلةَ برٍّ وصلة، لا سلَّة تجميع ترهات التافهين، ولا مستودع لأفكار الساقطين، ولا محطة استقبال فراغات الآخرين.
كفرُ بهذه النعمة.. أن يهدم حصنُ الفضيلةِ من خلالها، ويُكسَر بابُ الحياء برسائلها، وتُنتَهك حرمات الله بمواقعها.
كفر بنعمتها أن تقتُلَ بها الأوقات، أو تستنزف من أجلها الأموال، أو يَضيعَ ببرامجها الأطفال، أو تكون مصدر أذيةٍ وابتزاز.
(وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)[سبأ:13].
أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين فاستغفروه؛ إن ربي رحيم ودود.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله وكفى، والصلاة والسلام على عبده المصطَفى، وعلى آله وصحبه ومَن اجتبى.
أما بعد: العمل بتقوى الله هي أساس اجتماع الكلمة ووحدة الصف (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
المواطن الحق.. يواجه عدوان المعتدين بالنصح لأئمة المسلمين وعامتهم، بالتعاون لصدّ كل فساد، ومواجهة كل إفساد يستهدف هدم جدار أمننا ويحطم أخلاقنا وعقيدتنا.
المواطن الحق.. يدرك أن سِرّ وحدتنا وتآلفنا وأمننا ورخاءنا هو هذا الدين بتشريعاته الخالدة، وأخلاقياته السامقة، ومبادئه الراسخة، وأن كل إخلال بهذه الثوابت وتقصير في هذه المبادئ ينشأ عنه خلل في الرخاء والأمن والنماء (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل:112].
المواطن الحق.. إيجابي في تعامله مع المنكر، فهو يأنف منه ولا يألفه، ويرغب عنه ولا يرغبه، ينكر المنكر ولو كان من المذنبين، وذلك بأضعف الإيمان.. بكراهية المنكر في قلبه وهجره ببدنه.
المواطن الحق.. ثابت في طريقه إلى الله يتقدّم ولا يتأخر.. لا يقبل أن يدنّس سمعه بالمعازف والألحان، أو يلج أماكن يذهب فيها حياء النساء وقوامة الرجال.
تربية الأسرة والمجتمع على الشكر حقٌّ للمُنعم، وركيزةُ أمانٍ لبقاء النعم؛ (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7].
اللهم زِدْنا من خيرك وبِرّك وإحسانك، واجعلنا لنعمك شاكرين ولأوامرك ونواهيك ممتثلين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم