شريحة المعاقين

عبد الكريم بن صنيتان العمري

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/اجتناب طرق حصول الإعاقة 2/اهتمام الشريعة بالمعاقين وإعطاؤهم حقوقهم 3/مراعاة الشريعة للمعاقين في التكليف

اقتباس

ينطلق حق المعاق في المجتمع أول ما ينطلق من أسرته التي ولد فيها، ونشأ في ظلالها، وتربى بين أفرادها؛ فإن الواجب على الأسرةِ قبل تكوينها من مؤسسيها الزوج والزوجة حسن الاختيار عند الرغبة في الزواج؛ لأن الوراثة من مسببات الإعاقة؛ فلا يكون من أسرةٍ عرفت بكثرة الإعاقة في أفرادها؛ فإن الطفل قد يرث الإعاقة...

الخطبة الأولى:

 

لقد اهتمت الشريعة الإسلامية بأفرادها، ووضعت لهم حقوقًا، ولم تميز بينهم، بل أمرت بالعدل، ووجهت إلى إعطاء كل ذي حق حقه؛ فالمجتمع المسلم كل فرد فيه جزء لا يتجزأ منه يتمتع بكامل حقوقه التي وضعها له الإسلام.

 

والمعاقون شريحة من شرائح المجتمع وفئة عزيزة من فئاته، لهم سائر الحقوق التي للفرد الصحيح، ولهم حقوق أخرى انفردوا بها مراعاة لأحوالهم وحاجاتهم.

 

وينطلق حق المعاق في المجتمع أول ما ينطلق من أسرته التي ولد فيها، ونشأ في ظلالها، وتربى بين أفرادها؛ فإن الواجب على الأسرةِ قبل تكوينها من مؤسسيها الزوج والزوجة حسن الاختيار عند الرغبة في الزواج؛ لأن الوراثة من مسببات الإعاقة؛ فلا يكون من أسرةٍ عرفت بكثرة الإعاقة في أفرادها؛ فإن الطفل قد يرث الإعاقة من وراثاته القريبة أو البعيدة عن والديه، ومن حقوقه على والديه مراعاة الصلاح والاستقامة والسلامة من العيوب، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه"(رواه الترمذي)، وقال: "تخيروا لنطفكم"(رواه ابن ماجه).

 

ثم تأتي أهمية العناية بالمولود منذ أن يكون جنينًا في بطن أمه، وتجنيبه أسباب الإعاقة، وحمايته منها بإذن الله -تعالى-، ويتمثل ذلك في أن الإسلام أباح للحامل أن تفطر حين تكون صائمة وتخاف على جنينها من الضرر، وهذا ما يؤكد عناية الشريعة الإسلامية بالفرد قبل قدومه إلى هذه الحياة.

 

ومن هنا فإن على الأم أن تحافظ على جنينها، وتبعد كلّ خطر عنه، وتبتعد عن كل ما يؤثر في نموه وتكوينه؛ فتعاطيها للتدخين والمخدرات من أكثر المخاطر التي قد تعرضه للإعاقة؛ كما أن تناولها لبعض الأدوية وهي حامل دون استشارة الطبيب وذوي الاختصاص قد يسبب للجنين أضرارًا ومؤثرات تؤدي إلى ولادته معاقًا أو مشوهًا؛ فينبغي للوالدين وخاصة الأم الحرص على حماية الجنين من أي مؤثر قد يكون سببًا في ولادة مولود غير سوي.

 

وإذا رُزق الوالدان الولد وكتب الله -تعالى- أن يكون معاقًا فإن الإسلام حثّ الوالدين على العناية به، وتربيته تربية صالحة، والاهتمام بكافة شؤونه، ومن ذلك الحرص على تعليمه وبذل كل ما يحتاجه في سبيل ذلك، وعلى المجتمع أن يهتم بشؤونه وييسر السبل ويذلل الصعاب للمعاقِ؛ كي يتعلم ويكون عضوًا فاعلاً فيه.

 

لقد عاتب الله -تعالى- رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- حين اشتغل بدعوة قريش عندما جاءه ابن أم مكتوم -كان أعمى- طمعًا منه -صلى الله عليه وسلم- في إسلامهم حتى يكونوا سببًا في دعوة قومهم إلى الإسلام، قال تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى)[عبس:1-10].

قال ابن كثير -رحمه الله-: "ومن هنا أمر الله -عز وجل- رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن لا يخص بالإنذار أحدًا، بل يساوي فيه بين الشريف والضعيف والغني والفقير والسادة والعبيد والرجال والنساء والكبار والصغار، ثم الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة" انتهى كلامه -رحمه الله-.

 

إن الدين الإسلامي لم يهمله لأنه أعمى، بل اهتم به، وقدمه على الأصحاء؛ لأن العلم حق من حقوق التربية الإسلامية، وأنزل في شأنه آياتٍ تُتلى إلى يوم القيامة. كما أن الشريعة الإسلامية لم تهمل حال المعَاق في التكاليف، بل رفعت المشقة والعسر عنه، قال تعالى: (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)[الفتح:17]؛ فأباح التخلف والقعود لأصحاب هذه الأعذار -ومنها المرض والعرج والعمى- عن الجهاد في سبيل الله. وهي من الآيات التي هي أصل في سقوط التكليف عن العاجز؛ فكل من عجز عن شيء سقط عنه، ولذلك فإن المعوق رُفع عنه الحرج وأعذره الله -تعالى-.

 

وأكدت السنة النبوية ذلك، وبينت أن الإعاقة تخفف عن المريض التكليف، ويكتب له الأجر كاملاً، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد أو سافر كُتِبَ له من العمل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم"(رواه البخاري)، ورفعُ الحرج عن المعاق في التكاليف الشرعية إذا كان لا يلحقه ضرر أمرٌ مشروع، ولذلك ذكر الفقهاء أن المريض إذا خشي من الإتيان بالمطلوبات الشرعية على وجهها؛ خوفًا من ألم شديد أو زيادة في المرض أو تأخر برءٍ أو فساد عضو أو حصول تشويه فيه فإنه يعدل إلى الأحكام المخففة.

 

والتطبيق التربوي لذلك ما ورد عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة، فقال: "صَلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنبك"، وفي زيادة: "فإن لم تستطع فمستلقيًا، لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها"(رواه البخاري والنسائي).

 

إذًا فالشرع المطهر راعى المعاق عند تكليفه، ولم يحمّله ما لا يطيق، أو ما لا يتناسب وقدراته وطاقته، مما يؤكد أنه وضعه في عين الاعتبار عند التشريعات، وهذا يجعل المعاق في موقف قوي له اعتباره، حيث رسم الإسلام له حقوقه الخاصة واعتبرها؛ كما وضع له حقوق الأسوياء الأصحاء تمامًا.

المرفقات

شريحة المعاقين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات