عناصر الخطبة
.1/سؤال المخلوقين وعلاقته بالإيمان 2/حكم سؤال الناس أموالهم 3/النهي عن التسول 4/مفاسد التسول 5/وجوب تحري المستحقين للزكاة والصدقات.اقتباس
وكلما قوي طمعك في فضل الله ورحمته ورجائه لقضاء حاجتك ودفع ضرورتك؛ قَوِيَت عبوديّتك لله. وكل مَن علّق قلبه بالناس أن ينصروه أو يرزقوه، خضَع قلبُه لهم، وصار فيه من العبودية لهم بقدر ذلك، وإن كان في الظاهر أميرًا لهم، ومدبرًا لأمورهم، ومتصرفًا بهم....
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلَّا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، الموصوفُ بصفات الجلال، المنعوتُ بنعوت الكمال، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأميْنُه على وحْيه، وخِيرتُه من خلقه، وحُجّته على عباده، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أنّ الإنسان لا بُدّ له مِن رِزْق، وهو محتاج إلى ذلك، فإذا طلب رزقه من الله صار عبدًا لله، فقيرًا إليه، محبوبًا عنده، وإذا طلبه من مخلوق صار عبدًا لذلك المخلوق، فقيرًا إليه.
ولهذا كانت مسألةُ المخلوق محرمةً في الأصل، وإنما أُبيحت للضرورة، وفي النهي عنها أحاديثُ كثيرة، كقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللهَ، وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ"(رواه مسلم).
وقال: "من سأل الناسَ وله ما يُغْنِيه جاءت مسألتُه خُدوشًا أو خُموشًا أو كُدوحًا في وجهه يوم القيامة".
وقال في الحديث الصحيح: "مَن يستغنِ يُغْنه الله، ومَن يستعفّ يُعِفّه الله، ومَن يتصبَّر يُصبِّره الله، وما أُعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر".
وأوصى خواصّ أصحابه ألَّا يسألوا الناس شيئًا؛ فعن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ومن يتكفل لي بواحدة أتكفّل له بالجنة؟"، قلت: أنا، قال: "لا تسأل الناس شيئاً".
قال عبد الرحمن بن يزيد -الراوي عن ثوبان-: "فكان ثوبانُ يقع سوطُه وهو راكب، فلا يقول لأحدٍ ناوِلْنِيه، حتى ينزلَ فيأخذَه.
وفي الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفاً بغير حساب"، وقال: "هم الذين لا يَسترْقُون ولا يكتوون ولا يتطيَّرون وعلى ربهم يتوكلون"، فمدح هؤلاء بأنهم لا يسترقون، أي لا يطلبون من أحد أن يرقيهم.
فلا تسأل رزقك إلا مِن الله، ولا تشتكِ إلا إليه، كما قال يعقوب -عليه السلام-: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ)[يوسف: ٨٦].
وكلما قوي طمعك في فضل الله ورحمته ورجائه لقضاء حاجتك ودفع ضرورتك؛ قَوِيَت عبوديّتك لله.
وكل مَن علّق قلبه بالناس أن ينصروه أو يرزقوه، خضَع قلبُه لهم، وصار فيه من العبودية لهم بقدر ذلك، وإن كان في الظاهر أميرًا لهم، ومدبرًا لأمورهم، ومتصرفًا بهم.
وسؤال الناس مع القدرة على الكسب حرام بلا خلاف، لكنه أُبيح للضرورة، وتركه توكلاً على الله أفضل، قال -تعالى-: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)[الضحى: 7- 8]؛ أي: ارغب إلى الله -تعالى- لا إلى غيره.
حتى قال بعض العلماء: لو وجد ميتةً عند الضرورة ويُمكِنه السؤال: جاز له أكلُ الميتةِ.
وفي سؤال الناس أربعُ مفاسدَ:
المفسدةُ الأول: الذّلّ لهم، حيث يذلّ ويخضع لهم، ويكون كالعبد ينتظر عطايا سيّده وشفقته ورحمته.
المفسدةُ الثانية: الشرك بهم، لأنه خضع لهم، وعلّق رجاءه وطمعه بهم.
المفسدةُ الثالثة: إيذاؤهم، فإنّ الناس يتأذون ممن يسألهم، وإيذاءُ الناس حرام.
المفسدةُ الرابعة: إهدارُ طاقةِ السائل، التي لو استثمرها في العمل لانتفع الناس به، واستفاد العباد والبلاد منه ومن طاقاته.
فالمتسوّل لا ينفعُ أمّته ولا بلده، بل هو عالةٌ على العباد والبلاد، والعمل ولو كانت أجرتُه قليلةً فهو خير من سؤال الناس، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لأَنْ يَغْدُوَ أحَدُكُمْ، فَيَحْطِبَ علَى ظَهْرِهِ، فَيَتَصَدَّقَ به ويَسْتَغْنِيَ به مِنَ النَّاسِ؛ خَيْرٌ له مِن أنْ يَسْأَلَ رَجُلا، أعْطاهُ، أوْ مَنَعَهُ ذلكَ، فإنَّ اليَدَ العُلْيا أفْضَلُ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وابْدَأْ بمَن تَعُولُ".
نسأل الله -تعالى- أن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه، إنه سميع قريب مجيب.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: إخوة الإيمان، إنّ سؤال الناس عيبٌ ونقصٌ في الرجل، وذِلَّةٌ تنافي المروءة، إلا في العلم، فإنه عينُ كماله ومروءته وعزِّه، كما قال بعض أهل العلم: "خيرُ خصال الرجل السؤالُ عن العلم"، وقد أمر الله بسؤال أهل العلم فقال: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[النحل: ٤٣].
والواجب علينا أن نقف ضدّ ظاهرة التسوّل، وألا نتعاطف مع المتسوّلين، فكثير منهم يستغل هذه المهنة للتجارة أو لمآربَ سيّئة.
والواجب على المسلم ألا يدفع زكاته إلا لمن تحلّ له الزكاة، وينبغي له أن يبذل غاية الجهد في تحرّي المحتاجين للزكاة والصدقة، الذين يمنعهم الحياء والعفَّة من سؤال الناس، كما قال -تعالى- في وصفهم: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا)[البقرة: 273].
اللهم إنا نسألك من واسع فضلك، وأن بعفوك وإحسانك، إنك أكرم مسؤول، وخيرُ مأمول.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى، وإمام الورى؛ فقد أمركم بذلك -جل وعلا- فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات، اللهم فرِّج همومهمـ واقضِ ديونهم، وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: (إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون)؛ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم