شرف الزمان والمكان والعبادة

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2024-02-23 - 1445/08/13 2024-03-14 - 1445/09/04
التصنيفات: رمضان الصوم
عناصر الخطبة
1/شرف المكان في مكة والمدينة 2/فضائل شهر مضان 3/الحث على اغتنام شهر رمضان 4/رمضان بين المرحومين والمحرومين 5/أحكام زكاة الفطر وآدابها.

اقتباس

وما هي -يا عباد الله- إلا ساعاتٌ ما أسرعَ ما تنقضي، فيسعد السعداء بما أودعوا فيها، ويُحرم المحرومون بما فرَّطوا وسوَّفوا وأجَّلوا فيها، فكونوا من عباد الله السعداء، واحذروا أن تكونوا من عباده الأشقياء.

الخطبةُ الأولَى:

 

إن الحمد لله؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمْنْ يُضْلِل فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدُهُ لا شَرِيكَ لَهُ.

 

وَأَشْهَدُ أَنَّ نبينا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المُصطفى ونبيه المُجتبى، فالعبد لا يُعبد كما الرسول لا يُكذَّب، فاللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار على نهجهم وأقتفى أثرهم وأحبهم وذبَّ عنهم إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعُروةِ الوثقى فإن أجسادنا على النارِ لا تقوى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ ‌تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أيها المؤمنون! جمع الله لكم في هذا المكان بين الفضائِل الثلاث:

 بين شرف المكان: فأنتم في أفضل بقعةٍ على وجه هذه البسيطة في حرمِ الله في الأرض المُقدَّسة، وجمع الله لكم الزمان الفاضِل الشريف في هذه الأيام أيامِ رمضان وفي هذه الليالي المباركات ليالي العشر الأخيرِ من رمضان.

 

وجمع لكم ثالثًا: شرف العبادة فأنتم ما بين صِيامٍ وقيام وما بينَ دعاءٍ وابتهال، وما بينَ صدقةٍ وبر، وهذه أعمالٌ صالحة في زمانٍ فاضل في مكانٍ فاضل؛ فاحمدوا ربكم على هذه النِعم، وأروا الله -عَزَّ وَجَلَّ- من أنفسكم خيرًا.

 

(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيتَ ‌مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)[البقرة: 125]، جعل الله بيتهُ مثابةً للناس يأوون إليه مرةً بعد اُخرى فلا يُغادرونه إلا ونفوسهم متعلقةٌ به أن يرجعوا إليه.

 

وجعله أمنًا؛ أمنًا في دينهم وعقيدتهم فلا شرك ولا وثنية ولا كفرَ ولا إلحاد، وأمنٌ في أرواحهم وأبدانهم وأعراضِهم وأموالهم، (وَمَنْ ‌يُرِدْ ‌فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)[الحج: 25].

 

عباد الله: إن هذه النِعم في تهيؤكم في هذا المكان والذي كثيرون غيركم من جماهير المُسلمين تتقطَّع قلوبهم كمدًا وحُزنًا أنهم لم يبلغوا مبلغكم، فما أنتم صانعون في هذا؟ هل تُرون الله -عَزَّ وَجَلَّ- من أنفسكم في الخير مجالاً وتُسارعون إلى مرضاته ومغفرته؟

 

ولا تنسوا إخوانكم وآباءكم وأمواتكم من دعائِكم في هذا المكان الشريف وفي هذا الزمان الفاضِل الشريف وفي هذه العبادات الفاضلةِ في هذا المكان.

 

عباد الله: إن المؤمن إذا دعا إلى إخوانهِ في ظاهر الغيب؛ أمَّنَ على دعائِه ملك فقال: آمين ولك بمثل.

 

 نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، الحمد لله الذي أعاد مواسِم الخيرات على عباده، فلا ينقضي موسمٌ إلا ويعقبه آخرُ مرةً بعد أُخرى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، لا في ربوبيته، ولا في عبادته وألوهيته، ولا في أسمائِه وصِفاته، إقرارًا به وإيمانًا وتوحيدًا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الذي بعثه بين يدي الساعةِ بشيرًا ونذيرًا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد عباد الله: إنكم في أواخر شهركم وفي تحريكم لليلة القدر من ربكم، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، واجتهدوا فيها بالعبادةِ والصلاةِ والقنوتِ والدعاء، وقوموا مع أئمتكم في المساجد حتى ينصرفوا فإن من قامَ مع الإمام حتى ينصرف كُتِب له قيامُ ليلة.

 

وما هي -يا عباد الله- إلا ساعاتٌ ما أسرعَ ما تنقضي، فيسعد السعداء بما أودعوا فيها، ويُحرم المحرومون بما فرَّطوا وسوَّفوا وأجَّلوا فيها، فكونوا من عباد الله السعداء، واحذروا أن تكونوا من عباده الأشقياء.

 

 واعلموا -عباد الله- أن من تمام ذلك زكاةً تُخرجونها في تمام شهركم هي زكاةُ الفطر؛ شُكرًا لله -عَزَّ وَجَلَّ- على إتمامِ شهركم بالصِيام، فإن من غربت عليهِ شمس آخر أيامِ رمضان وجبت عليهِ زكاةُ الفطر وصدقتها، وهي كما فرضها النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "صاعًا من طعام، صاعًا من شعير، صاعًا من تمر، صاعًا من أقط، صاعًا من زبيب، على الصغيرِ والكبير، والذكر والأُنثى، والحر والعبدِ من المُسلمين".

 

 وأمر -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أن تُخرجَ قبل صلاةِ العيد، وكانوا في عهده -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وبعده من الصحابةِ يُخرجونها قبل العيدِ بيومٍ أو يومين، فأخرجوها طيبةً بها نفوسكم كما فرضها عليكم نبيكم -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وهي واجبةٌ على من يُنفق على نفسه ومن تحت يده من زوجاته وأولادهِ وبناته ووالديهِ إن كان يعولهم.

 

ثم اعلموا -عباد الله- أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وشر الأمورِ محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم عباد الله بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، ولا يأكل الذئب إلا من الغنم القاصية.

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آلِ محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللهم وارضَ عن الأربعةِ الخلفاء، وعن العشرةِ وأصحابِ الشجرة، وعن المُهاجرين والأنصار، وعن التابعِ لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 اللهم عزًا تُعز به أولياءك، وذلاً تذل به أعداءك، اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمرًا رشدًا يُعز به أهل طاعتك، وبُهدى بهِ أهل معصيتك، ويؤمر فيهِ بالمعروف، ويُنهى فيهِ عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم آمنا والمُسلمين في أوطاننا، اللهم أصلح أئمتنا وولاةَ أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا والمُسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم من ضرنا وضر المؤمنين فضره، ومن مكر بنا فامكر به، ومن كاد علينا فكِد عليهِ يا خير الماكرين، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم من أراد بلادنا أو أراد أمننا أو أراد ولاتنا وعلماءنا وأراد شعبنا بسوء اللهم فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيرهُ تدميرًا عليه، اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائِلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نُغتال وأنت ولينا، اللهم تقبَّل صيامنا وصلاتنا وركوعنا وسجودنا.

 

اللهم تقبَّل منا الصيام يا رب العالمين، اللهم كن للمُستضعفين من المُسلمين في كل مكان، كن لنا ولهم وليًا ونصيرًا وظهيرًا يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهم ارحم المُسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

 

اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم لقاك يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهم إنا نسألك الهدى والتُقى، والعفاف والغنى، ونسألك عزًا للإسلام وأهله وذلاً للكفر وأهلهِ يا ذا الجلال والإكرام.

 

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

المرفقات

شرف الزمان والمكان والعبادة.doc

شرف الزمان والمكان والعبادة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات