شرح حديث قاتل المئة نفس

ناصر بن محمد الأحمد

2013-05-15 - 1434/07/05
التصنيفات: الأمم السابقة
عناصر الخطبة
1/ قاتل المائة قصة صحيحة ثابتة 2/ لقد كان في قصصهم عبرة 3/ أقسام المسلمين تجاه المعاصي 4/ أهم الدروس المستفادة من حديث قاتل المائة .

اقتباس

هذه القصة الصحيحة يجب أن يفرح بها من أكثر التوبة والاستغفار وصدق مع الله في ذلك ولم يصرَّ على معصيته، ويعلم أنها تغضب الله فيستمر في رجوعه إلى الله ويبحث عن مزيد من التوبة والانكسار، أما... أما القسم الثاني فهم الذين غفلوا من جانب الخوف من الله وتعلقوا بجانب الرجاء والرحمة وهم في الحقيقة لا يجهلون شديد عقاب الله ولا محرماته التي نهى عن انتهاكها ولا واجباته التي أمر بها، ولكنهم لا يحفظون إجابة أسرع من قولهم...

 

 

 

 

 

إن الحمد لله..

 

أما بعد: روى البخاري واللفظ لمسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُل على راهب، فأتاه، فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا فكمَّل به مئة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُل على رجل عالمٍ، فقال: إنه قتل مئة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها ناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوءٍ فانطلق، حتى إذا نصف الطريق، أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلاً بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط. فأتاهم مَلك في صورة آدمي فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى، فهو له. فقاسوه، فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة».

 

هذا حديث صحيح مخرج في الصحيحين اللذين هما أصح الكتب بعد كتاب الله، ونحن نذكر هذا حتى يفرق المسلم بين القصص الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم والقصص الباطلة التي ليس لها إسناد، فمثل هذه القصص الصحيحة يذكرها لنا النبي صلى الله عليه وسلم كي نأخذ منها العبرة والعظة والله تبارك وتعالى يقول: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [يوسف: 111].

 

أيها المسلمون: إن الله تبارك وتعالى قد خلقنا جميعًا مقصرين وإن أحدنا لا يمكنه أن ينفك من الذنوب والمعاصي، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون».

 

 والمسلمون تجاه معاصيهم ثلاثة أقسام: قسم غلب عليهم جانب اليأس والقنوط من رحمة الله فهم خائفون وجلون من عذاب الله وعقابه ولا يحفظون إلاّ آيات العذاب والحساب، ولا يلقون بالاً إلى سعة رحمة الله ولا سبق رحمته غضبه، وهؤلاء ليسو على الصراط المستقيم، وكلامهم كله تخويف ومصاحبتهم مدعاة إلى اليأس من رحمة الله، ولكن هذا القسم قليل وقليل جدًا.

 

 أما القسم الثاني فهم الذين غفلوا من جانب الخوف من الله وتعلقوا بجانب الرجاء والرحمة وهم في الحقيقة لا يجهلون شديد عقاب الله ولا محرماته التي نهى عن انتهاكها ولا واجباته التي أمر بها، ولكنهم لا يحفظون إجابة أسرع من قولهم: إن الله غفور رحيم، يجيبون كل من أمرهم بواجب قصروا فيه أو محرم وقعوا فيه؛ وذلك لأنهم غرقوا في المعاصي فصارت جزءً لا يتجزأ منهم، فرضوا بواقعهم المرير وصاروا يبحثون عن كل ما يمكنهم جعله مبررًا لانحرافهم، حتى إن بعضهم صار ينفر من الموعظة وذكر الموت لأنه سيكون عقبة أمام حصول ملذاته والاستغراق في شهواته.

 

وهذا القسم يشتمل كثيرًا من المسلمين الذين اغتروا بكثرتهم فتجد أحدهم لا يريد تغيير واقعه؛ لأن أكثر الناس يفعلون مثل فعله وصدق الله إذ يقول: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ) [الرعد: 1]، (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) [العنكبوت: 63]، وقال تعالى: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [الأنعام: 116].

 

وأما القسم الثالث فهم حزب الله وهم الذي يصدق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين»، ويصدق عليهم قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 135].

 

 فهم المؤمنون حقًّا الذين يرجون رحمة الله ولكنهم يخافون عذابه، فلا يصرّون على معصية، ويعلمون أن الله تبارك وتعالى ما خلقهم إلا لعبادته ولكي يوحدوه ولا يشركوا به شيئًا وإن قصة قاتل التسعة والتسعين نفسًا لمن القصص التي يجب علينا جميعًا معشر المسلمين أن نستفيد منها.

 

 وإن أهم الأمور التي نستفيدها من القصة أنه يجب على المرء لزوم الندم على ما كان منه رجاء مغفرة الله تعالى وتكفيره عن سيئاته.

 

 ومن الفوائد أيضًا أن القتل وهو من أعظم الجرائم والكبائر يرجى العفو عن مرتكبه إذا تاب وأناب إلى الله العفو الكريم، فانظر رحمك الله كيف أن هذا الرجل قد قتل مائة نفس وليست نفسًا واحدة ومع ذلك فقد قبل الله توبته، وقد جاء في الحديث القدسي قول الله تعالى: «يا ابن آدم لو لقيتني بقراب الأرض خطايا لقيتك بقرابها مغفرة».

 

ومن فوائد القصة أيضًا: أن بيئة المرء التي يعيش فيها لها أكبر الأثر على سلوكه وعلاقته بالله جل جلاله فالإنسان كالشجرة إذا نبتت في أرض سوء أخرجت ثمرًا خبيثًا، وإن نبتت في أرض طيبة آتت أكلها طيبًا بإذن الله.

 

وقد ذكر العلماء أن مفارقة التائب للمواضع التي أصاب فيها الذنوب من الأمور المستحبة والمعينة على ثبات التوبة وقوتها، وكذلك مقاطعة الحاثين له على المعصية واستبدالهم بصحبة من أهل الخير والصلاح المقتدى بهم، فمثلاً من كان يشرب الخمر وأقبل على الله ورغب في التوبة فإنه يشرع له بل يجب عليه أن يهجر أصحابه الذين يشربونها والمجالس التي تشرب فيها وأن يستبدل صحبته القديمة لهم ببعض الزيارات لهم أنفسهم فيذكرهم بخطر ما هم عليه وعظيم نعمة الله عليه بالتوبة والطاعة.

 

ومن فوائد القصة أيضًا: أن العالم له فضل على العابد؛ لأن الذي أفتاه أولاً بأن لا توبة له غلبت عليه العبادة، فاستعظم وقوع ذلك القتل الكثير، وأما الثاني وهو العالم فغلب عليه العلم فأفتاه بالصواب ودله على طريق النجاة، وفي هذا فضل العلم وطلبه خاصة في هذا الزمان الذي قل فيه طلاب العلم وكثر فيه الجهل والتنافس على الدنيا.

 

ومن الفوائد أيضًا: أن الله عز وجل يجازي عبده حسب نيته وعزمه وإن لم يعمل بشرط أن يكون صادقًا في نيته، وأن لا يترك العمل الصالح متعمدًا، فهذا الرجل رحمه الله قبل أن يصل إلى القرية الصالحة وقبل أن يعمل شيئًا من الصالحات.

 

 اللهم ارزقنا حسن النية وحسن العمل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله:

 

أما بعد: أيها المسلمون: ومن فوائد القصة الماضية أيضًا أن الذين يتولون قبض أرواح الناس يختلفون، فالصالح يتولى قبض روحه ملائكة الرحمة، ومن كان على خلاف ذلك تولى قبض روحه ملائكة العذاب، فهنيئًا لمن كان قبض روحه على يد ملائكة الرحمة.

 

ومن الفوائد أيضًا: أن على المسلم أن يتحرى أهل العلم الناصحين المخلصين عندما يريد السؤال وأن يبحث عمن يدله على الحق لا كما يفعل بعض المسلمين فإنهم يسألون في أمور الدين أناسًا لا خلاق لهم أما من الجهلة أو من المتعلمين الذي لا يعملون بعلمهم فإلى الله المشتكى.

 

أيها المسلمون: إن هذه القصة الصحيحة يجب أن يفرح بها من أكثر التوبة والاستغفار وصدق مع الله في ذلك ولم يصرَّ على معصيته، ويعلم أنها تغضب الله فيستمر في رجوعه إلى الله ويبحث عن مزيد من التوبة والانكسار، أما من أصر على المعاصي واستهان بمحارم الله ورضي بواقعه المنحرف عن الجادة فلا حظّ له في هذه القصة بل يخشى عليه أن تكون هذه القصة وأمثالها زيادة وبال عليه فيفتر بإمهال الله له فيتوغل في غيه. والله تعالى يقول: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [العنكبوت: 43] .

 

نسأل الله عز وجل أن يفقّهنا في دينه وأن يوفقنا وجميع المسلمين إلى التوبة النصوح وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

 

 

 

 

المرفقات

المئة نفس

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات