شرح حديث الناس كالإبل المائة

ناصر بن محمد الأحمد

2015-01-26 - 1436/04/06
عناصر الخطبة
1/حديث: \"إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ\" معناه وشرحه 2/تطبيقات على حديث: \"إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ\" على واقع المسلمين 3/أهمية الاستقامة وفضلها وكيفيتها 4/الحث على التوبة والرجوع إلى الله

اقتباس

يصف النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث العظيم حال الناس في الفضل والكمال، والاتصاف بالصفات الحسنة، فيبينعليه الصلاة والسلام: أن أكثر الناس أهل نقص، أكثر الناس فيهم قصور، معظم الناس لا يحوزون الفضل والسبق فيما يتصفون به من صفات، وما يقومون به من أعمال، وأهل الفضل، فـ...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله...

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنه-مَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ، لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً"[ورواه أيضاً الترمذي وابن ماجة والإمام أحمد وغيرهم].

 

أيها المسلمون: لقد أعطى الله -تبارك وتعالى- رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- آيات دالات على صدق نبوته، ومن هذه الآيات: أنه عليه الصلاة والسلام قد أوتي جوامع الكلم كما صح عند مسلم وغيره: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أعطيت جوامع الكلم".

 

وهو أن يقول الكلمة أو الكلمات القليلات التي تحتوي معان عظيمة جليلة، وفوائد كثيرة متنوعة.

 

واليوم نقف مع هذا الحديث العظيم الذي هو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ، لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً".

 

يصف النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث العظيم حال الناس في الفضل والكمال، والاتصاف بالصفات الحسنة، فيبين عليه الصلاة والسلام: أن أكثر الناس أهل نقص، أكثر الناس فيهم قصور، معظم الناس لا يحوزون الفضل والسبق فيما يتصفون به من صفات، وما يقومون به من أعمال، وأهل الفضل فعددهم قليل جداً.

 

والرسول هنا في هذا الحديث يشبه الناس بمائة من الإبل، يبحث فيها صاحبها عن واحد ليتخذه للركوب، وهي الراحلة فيكاد أن لا يجد.

 

فَالْمَعْنَى: لَا تَجِدُ فِي مِائَةِ إِبِلٍ، رَاحِلَةً تَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَطِيئًا سَهْلَ الِانْقِيَادِ، وَكَذَا لَا تَجِدُ فِي مِائَةٍ مِنْ النَّاسِ رجلاً سهلاً وطيئاً ينفع الناس: "إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ، لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً".

 

فاسأل نفسك -يا عبد الله-: هل أنت هذه الراحلة من بين المائة من الناس؟

 

قَالَ اِبْن بَطَّال -رحمه الله-: "مَعْنَى الْحَدِيث: أَنَّ النَّاس كَثِيرٌ وَالْمَرْضِيَّ مِنْهُمْ قَلِيلٌ".

 

أيها المسلمون: ولهذا الحديث تطبيقات كثيرة في حياتنا اليومية يمكن تنـزيله على كثير من أحوالنا وتعاملاتنا، ليتضح لنا شيء من معنى هذا الحديث لنستفيد من عبره وفوائده:

 

خذ مثلاً حال كثير من المسلمين في استقامتهم على دينهم، والتزامهم بأمر الله وطاعة رسوله تجد أنهم كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة، فكم من المسلمين اليوم قام بحق لا إله إلا الله، هذه الكلمة التي يقولها المسلم في يومه وليلته عدة مرات، وكم من المسلمين اليوم الذين نقضوا هذه الكلمة بأفعال شركية تناقض أصل هذه الكلمة، وتنقضها من أصلها، فلا يبقى لها أثر إلا تمتمات وهمهمات تخرج من بين الشفاه لا تفيد صاحبها شيئاً، وقد اجتثت من أصلها بدعاء أموات لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، وطواف حول قبور أناس يزعمونهم من الأولياء، ولو كانوا كذلك أيضاً لم يجز الطواف حول قبورهم، وذبح القرابين لهم، ووضع النذور لهم وغير ذلك من مظاهر الشرك التي انتشرت في كثير من بلاد المسلمين، نسأل الله أن يصلح أحوالهم.

 

ولذلك ترى اليوم أن عدد الموحدين الذين سلموا من هذه الأفعال الشركية قليل بالنسبة إلى الكثرة الكاثرة التي قد خاضت مع الخائضين، لقد نطق رسولنا -صلى الله عليه وسلم- بالوحي عندما قال: "إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ، لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً".

 

فعدد الموحدين في العالم اليوم كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة.

 

وإذا تأملت بعد ذلك حال المسلمين اليوم في هذا الوصف النبوي من البعد عن البدع، وتطبيق السنة، والمحافظة عليها وجدتهم كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة.

 

تأمل -يا عبد الله- حال السنة اليوم كيف ذُبحت وهُجرت وحل محلها كثير من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، ولا حجة لأصحابها إلا أنهم وجدوا من قبلهم يفعلها، ففعلوا مثلهم وتلك حجة داحضة قد رد الله على المشركين مثلها عندما احتجوا على شركهم بما وجدوا عليه آباءهم، فقال لهم: (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ)[البقرة: 170].

 

فهذه إذاً حجة غير مقبولة عند الله، فلينظر المؤمن لنفسه حجة يلقى الله بها يوم القيامة على ما يقول ويعمل.

 

أيها المسلمون: إن الناس اليوم في تطبيق السنة كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة، أقوام قد ألفوا البدع وتربوا عليها، إذا أنكر عليهم منكر ونصحهم ناصح أبغضوه، وبأنواع التهم رموه، كل ذلك أنه خالفهم فيما ألفوه، يرون البدعة سنة، والسنة بدعة، قائدهم الهوى، ودليلهم على غير هدى، يحبون من وافقهم على ما هم فيه ولو كان فيه ما فيه، ويبغضون من خالفهم وأنكر عليهم ولو كان إماماً من الأئمة.

 

لقد نطق رسولنا -صلى الله عليه وسلم- بالوحي عندما قال: "إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ، لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً".

 

أيها المسلمون: ثم تأملوا حال كثير من المسلمين اليوم في أخوّتهم ومودّتهم وصداقتهم لبعضهم البعض، تجدهم في صدق الأخوة كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة، فكم من إنسان نزلت به نازلة وحلت به ضائقة فإذا فكر وفكر فيمن يُنْزِلُ به هذه الضائقة من إخوانه ليكون له عوناً وسنداً بعد الله ويعينه على فك ضائقته، لم يجد أحداً من إخوانه يفك له على كثرتهم وسعة ما بسط لهم في رزقهم.

 

أين الأخ الصديق الذي لا يبخل على أخيه بشيء، مثل هذا لا يكاد أن يكون موجوداً اليوم إلا ما رحم ربي، لقد أصبحنا اليوم نعيش وضعاً أشبه ما يكون بحال الناس يوم القيامة كل يقول: نفسي نفسي، أنانية مفرطة، وحب للذات، لا يهم الكثير منا إلا نفسه، يقدم مصلحته على كل أحد، وليس مستعداً أن يضحي بشيء من حطام الدنيا ولو من أجل أخيه الشقيق، فكيف بإنسان بعيد لا تربطه به إلا أخوة الإسلام.

 

ولذلك تأمل إنفاق كثير من المسلمين اليوم على حاجاتهم الخاصة وشهواتهم، وقارن ذلك بإنفاق من أنفق منهم في الصدقات على إخوانه المسلمين المنكوبين في مشارق الأرض ومغاربها، أو ممن هم حوله، ترى الفرق الكبير والبون الشاسع بين النفقتين -والله المستعان-.

 

قَالَ الإمام الْقُرْطُبِيّ -رحمه الله-: "الَّذِي يُنَاسِبُ التَّمْثِيلَ أَنَّ الرَّجُل الْجَوَادَ الَّذِي يَحْمِل أَثْقَال النَّاس عَنْهُمْ، وَيَكْشِف كُرَبَهُمْ، عَزِيزُ الْوُجُودِ كَالرَّاحِلَةِ فِي الْإِبِلِ الْكَثِيرَةِ".

 

"إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ، لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً".

 

أيها المسلمون: وتأملوا أيضاً حال المصلين اليوم على ضوء هذا الحديث، تجدهم كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة.

 

كم هم اليوم المحافظين على الصلوات الخمس في المساجد، كما أمر الله من بين هذا العدد الهائل الذين ينتسبون إلى الإسلام؟ ومن المحافظين كم عدد الذين يصلون صلاة شرعية على وفق ما أمرنا الشارع حيث قال : "صلوا كما رأيتموني أصلي

 

ثم كم عدد الذين يخشعون في صلاتهم من بين أولئك الذين يصلون الصلاة على صفة صلاة رسول الله؟.

 

تجد أنك في نهاية الأمر قد تخرج من المجموع الكلي للمسلمين بما قاله عليه الصلاة والسلام: "إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ، لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً".

 

وكذلك -معاشر المؤمنين- لو تأملنا حال الناس مع الخلق الإسلامي الرفيع الذي أمرنا به ديننا وحثنا عليه تحت ضوء هذا الحديث لوجدنا الناس حقاً كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة. فالصدق، والأمانة، والرحمة، والوفاء بالوعد، وحفظ العهد وغيرها من الأخلاق التي هي من صميم هذا الدين، تبحث عن هذه الصفات فيمن حولك من الناس فتكاد لا تجد راحلة.

 

ففي الحديث عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم"[رواه أبو داود].

 

فتأمل -رحمك الله- كيف أنك قد تدرك مرتبة عبد يصوم النهار ويقوم الليل دون أن تفعل كما فعل من الاجتهاد بأمر هين، وهو حسن الخلق؛ بل إن حسن الخلق له وزن عظيم عند الله؛ فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء"[رواه الترمذي].

 

ولكن المشكلة أن "كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ، لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً".

 

وتأمل كذلك في حال الناس مع صلة الرحم تجدهم كما أخبر كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة.

 

فيا لله كم تشتكي الرحم اليوم إلى ربها من القطيعة والهجر؟ وكم بكت أعين آباء وأمهات من عقوق أبنائهم، وقطعهم لبرهم لهم، وذلك بعد أن كبر الأبناء، واستغنوا عن رعاية والديهم، وكبر الآباء واحتاجوا إلى رعاية أبنائهم، أفيحسب هؤلاء أن الله غافل عما يعملون أو راض بما يفعلون؟

 

كلا -والله-، ولكنهم قوم لا يفقهون، فكن على ثقة أيها القاطع لرحمك العاق لوالديك بتعجيل العقوبة في الدنيا قبل الآخرة، والجزاء من جنس العمل، يقول صلى الله عليه وسلم: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله -تعالى- لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم"[رواه أبو داود والترمذي].

 

أين هم أبناء اليوم من هذه النصوص؟ فبر الوالدين من أعظم القربات، بر الوالدين من أجل الطاعات، ببر الوالدين تتنـزل الرحمات وتُكشف الكربات، بر الوالدين مفتاح كل خير ومغلاق كل شر، بر الوالدين من أعظم أسباب دخول الجنان، والنجاة من النيران، بر الوالدين سبب في بسط الرزق وطول العمر، بر الوالدين سبب في دفع المصائب، بر الوالدين سبب في إجابة الدعاء، فأين أنت من هذه النفحات -يا عبد الله-؟

 

لقد نطق رسولنا -صلى الله عليه وسلم- بالوحي عندما قال: "إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً".

أيها المسلمون: وإذا انتقلت إلى جانب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل للدين، وبذل الجهد لإنقاذ الأمة مما تعانيه اليوم، والتضحية بكل ما يملك الإنسان لإعزاز دين الله في الأرض، فيتضح لك فعلاً أن الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة.

 

ولهذا، فإن جميع المحاضن التربوية والأنشطة الدعوية والمؤسسات الخيرية تشتكي قلة الطاقات العاملة، مع أنك تشاهد الشباب الذين سيماهم الصلاح بالآلاف، فأين هم عن العمل للإسلام وخدمة الدين؟

 

إنهم -مع كل أسف- كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة.

 

ولو ذهبنا نتتبع حالنا مع هذا الحديث لطال بنا المقام، وفيما ذكر كفاية، والحر تكفيه الإشارة.

 

والله أسأل أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا ما ظهر منا وما بطن، وأن يجعلنا من عباده المخلصين.

 

اللهم إنا نعوذ بك من الغواية والضلالة، اللهم ثبتنا على دينك، اللهم خذ بنواصينا إلى ما تحب وترضى، وزينا برحمتك بالبر والتقوى، واجعلنا من عبادك المهتدين.

 

بارك الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه...

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: إن الحياة مهما طالت أيامها، وتتابعت سنينها وأعوامُها، فلابد للإنسان من أن يرتحل عنها، وأن يودع أصحابها وأهلها.

 

في ساعة هي آخر الساعات، ولحظة هي آخر اللحظات، ووقفة هي آخر الوقفات، يقف الإنسان عند آخر أعتاب هذه الدنيا، فينظر إلى الأصحاب والأحباب، ينظرُ إلى الأبناء والبنات، وإلى الإخوان والأخوات، وإلى الجيران والخلان، فكأن الحياة طيف من الخيال، وكأنها ضرب من الأحلام.

أيها المسلمون: من كان في هذه الحياة على استقامة، فإنه لا يرى عند موته خزيًا ولا ندامة: (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ)[إبراهيم: 27].

 

من كان في هذه الحياة على استقامة، أصلح الله أمره، وأحسن له عاقبته، وتنـزلت عليه الملائكة بالبشائر، فابتهج وسُر وظهر السرور على وجهه، تراه مشرق الوجه مسرورًا.

 

من كان في هذه الحياة على استقامة ثبت الله قلبه عند الموت فيرى بشائر ورحمات لم تخطر له على باب: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[البقرة: 223].

 

من كان على استقامة في هذه الدنيا فإن الله يختم له بخاتمة السعداء، فلا يزال لسانه رطبًا بذكر الله حتى تأتيه سكرة الموت، فيكون آخر كلامه لا إله إلا الله قال صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة".

 

فمن وطن نفسه على الصالحات، والباقيات الطيبات المباركات، أتاه الموت على خصلة من خصالها، فهذا يموت ساجدًا، وهذا يموت راكعًا، وهذا يموت بارًا بأمه، وهذا يموت في سفره يصل رحمه، فيختم له بخاتمة السعداء.

 

فمن علامة حسن الخاتمة: أن يموت العبد على عمل من الأعمال الصالحة، من ذكر الله جل جلاله أو غير ذلك من صلاة وصيام، وجهاد وعبادة وقيام.

 

إنها الاستقامة التي يبتدؤها المسلم في حياته، فتكون أول وقفة منك -أيها المسلم- أن تذكر بُعدك عن الله، وطول غربتك عن طاعة الله، فتريق دمعة على التفريط في جنب الله.

 

تبدأ الاستقامة بدمعة من دموع الندم، بدمعة من دموع الحزن والألم على ما كان من الذنوب والهنّات، وعلى ما كان من المعصية والسيئات تبدأ الاستقامة من هذه اللحظة حينما تعلن الإنابة والتوبة وتعزم على أن تسير إلى الله لعل الموت أن يأتيك على طاعة. فإلى متى الصدود عن الله؟ وإلى متى البعد عن الله؟.

 

تبدأ الاستقامة -عباد الله- حينما يخاف الإنسان مما بقي من عمره، فيسأل ربه العفو عما سلف وكان، ويسأله الإحسان فيما بقي من الأزمان، فإلى الله -عباد الله- فإنه لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه.

 

ليس هناك ساعة أفضل ولا أحب إلى الله -جل وعلا- من ساعة تطيع فيها ربك، وليس هناك ساعة أبرك ولا أهنأ للعبد من ساعة رضي الله عنه فيها.

 

يحتاج المؤمن إلى الهداية، لكي يصلح بها حاله مع الله جل جلاله، فما أحوج العبد إلى قربه من ربه ولو بكلمة ترضيه، والله غفور حليم، إن تقربت منه شبرًا تقرب منك ذراعًا، وإن تقربت منه ذراعًا تقرب منك باعًا، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة، وكم من عبد تاب إلى الله، وتذكر في ساعته كثرة الذنوب في جنب الله، فندم وأراق دموع الندم، فقام مغفور الذنب، إن الله غفور حليم، إن الله جواد كريم، وبمجرد أن يطلع إلى قلبك أنك تريد أن تصحح مسيرك إليه، وأن تصلح حالك بينك وبينه، فإن الله يوفقك ويسددك ويعينك، ويهيئ لك من أمرك رشدًا، ويهب لك من لدنه رحمة، إنه هو الوهاب.

 

فأصلحوا لله قلوبكم، واستشعروا الندم في جنب ربكم، لعل الله أن يرحمنا ويرحمكم.

 

اللهم رحمة اهد بها قلوبنا...

 

 

المرفقات

كالإبل المائة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات