شبح الحرب

ناصر بن محمد الأحمد

2015-02-09 - 1436/04/20
عناصر الخطبة
1/شبح الحرب وبعض آثارها السلبية 2/المقصود بالحرب البيولوجية وبعض آثارها 3/حرب المعلومات 4/أنواع الحروب 5/اجتماع اليهود والنصارى على محاربة المسلمين 6/سلسلة الحرب على الإسلام 7/بعض أسباب النصر 8/بعض واجبات الأمة في الأزمات 9/بعض واجبات العلماء في الأزمات

اقتباس

أيها المسلمون: لقد تنوعت صور الحروب في هذا العصر، فبعد أن كانت أدوات الحروب الخيل والسيف، والقوس والرمح، أصبحت البشرية اليوم تعاني من أنواع من الحروب مخيفة مرعبة، تهلك الحرث والنسل، وتبيد الناس كالحشرات، وتبقى آثارها لعشرات من السنين وتظهر في أجيال لم تولد بعد، فظهر ما يسمىبـ...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

إن أكثر كلمة تخيف الشعوب والدول، هي كلمة: "الحرب".

 

هذا الشبح الذي يخيم على سامعه جواً يتخيل بسببه الدمار للبيوت، والدماء والأشلاء المتقطعة للبشر، فهذا بيت قد سقط برمته على ساكنيه، وتلك طفلة تبكي وقد مات أهلها، وهذا شيخ عجوز قد وضع أمتعته على ظهره، وهو يحاول النجاة والهرب والقنابل تتساقط بجواره، مصانع تدمر ومنشآت تحرق، ومناظر أخرى تدمي القلب، وتُحزن الفؤاد.

 

أيها المسلمون: لقد تنوعت صور الحروب في هذا العصر، فبعد أن كانت أدوات الحروب الخيل والسيف، والقوس والرمح، أصبحت البشرية اليوم تعاني من أنواع من الحروب مخيفة مرعبة، تهلك الحرث والنسل، وتبيد الناس كالحشرات، وتبقى آثارها لعشرات من السنين وتظهر في أجيال لم تولد بعد.

 

فظهر ما يسمى مثلاً ب"الحرب بالبيولوجية" وهو استخدام عسكري للكائنات الحية المجهرية مثل البكتيريا، أو الفطريات، أو الفيروسات، بقصد إحداث الأمراض الوبائية، أو الموت للإنسان، أو الحيوان، أو المحاصيل.

 

وتستخدم العناصر البيولوجية أيضاً لإصابة جنود العدو بالمرض لشل قدرتهم على القتال، أو إتلاف مخزون العدو من الأغذية.

 

وتعتمد القدرة التدميرية للميكروبات على قدرتها الهائلة على الانقسام، حيث تنقسم الجرثومة الواحدة إلى ملايين من مثيلاتها في اليوم الواحد.

 

ويوجد عدة أنواع من الجراثيم التي تصلح للاستخدام سلاحاً بيولوجياً منها الجراثيم المسببة لوباء الجدري والطاعون والكوليرا وشلل الأطفال والحمى الصفراء، وغيرها.

 

وعدد من الدول تستخدم هذا النوع من الحروب لنشر هذه الجراثيم في صفوف العدو عن طريق نشرها في الهواء على شكل ضباب، أو دخان عن طريق راجمات الصواريخ، أو طائرات الرش، أو قذائف المدفعية، أو تلويث المياه، أو الأغذية بهذه الجراثيم، كما يقومون بإسقاطها خلف صفوف العدو بين المدنيين على شكل لعب أطفال أو أغذية أو عملات معدنية وغيرها.

 

وهذا النوع من السلاح ليس جديداً، فالدول الغربية النصرانية لها السبق في هذا الإجرام، فقد نشر الأوروبيون وباء الجدري والحمى بقصد بين صفوف الهنود الحمر السكان الأصليين لأمريكا للقضاء عليهم في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلادي.

 

وفي القرن العشرين استخدم السلاح البيولوجي في عدد من الحروب، فاستخدمته ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، ونشرت اليابان وباء الطاعون خلال الحرب العالمية الثانية في عدد من المدن الصينية عن طريق إنزال كميات من الجرذان المصابة بالوباء بواسطة المظلات مما أدى إلى مقتل عدد كبير من الناس.

 

والولايات المتحدة قد استخدمت السلاح البيولوجي ضد كوريا الشمالية والصين خلال الحرب الكورية، وأيضاً في فيتنام، والاتحاد السوفييتي استخدم الأسلحة البيولوجية ضد أفغانستان، خلال احتلاله لها في عقد الثمانينيات من القرن الماضي.

 

ونُشر وقتها بأن النظام العراقي قد استخدم السلاح البيولوجي إلى جانب السلاح الكيميائي ضد الأكراد في حلبجة، عام 88م.

 

كما فجرت بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية قنبلة محشوة بجراثيم الجمرة الخبيثة في جزيرة اسكتلندية، على سبيل أنه من تجاربها على الأسلحة الجرثومية، مما أدى إلى مقتل كثير من الحيوانات والنباتات.

 

وبعدما أدركت معظم الدول خطورة هذه الأسلحة على البشرية، تم التوقيع في جنيف، عام 72م على اتفاقية دولية تحرم استخدام الأسلحة البيولوجية، وتمنع إنتاج أو امتلاكأو استخدام مثل هذه الأسلحة.

 

إلا أن الاتفاقية لم تتضمن إمكانية التفتيش على الدول الكبرى المصادقة عليها.

 

ويعتقد عدد من المحللين الغربيين أن عدداً من الدول الموقعة على اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية تمتلك هذا السلاح، بل وتستخدمه، تأتي في مقدمتها الولايات المتحدة التي تمتلك أكبر ترسانة من هذه الأسلحة، وإن كانت تزعم أنها مخصصة فقط للأغراض البحثية، والدفاع عن النفس.

 

ومثلها بريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وكوبا والعراق وإيران وليبيا وإسرائيل، ودول أخرى مشكوك في امتلاكها للسلاح البيولوجي، منها كوريا الشمالية ومصر وسوريا والهند وتايوان.

 

أيها المسلمون: إن مما يعزز المخاوف من خطر الحرب البيولوجية هو الدمار الشامل الذي يمكن أن تحدثه لشعب بأكمله قبل أن يكون لديه الوقت الكافي للدفاع عن نفسه، بخلاف الحرب التقليدية التي تستخدم فيها القنابل المتفجرة، ويكون دمارها فقط على الذين تقع فوق رؤوسهم، أو حتى الحرب الكيميائية التي تصيب منطقة معينة وتتحكم عوامل الطبيعة في مدى اتساع المنطقة التي تجتاحها.

 

ومن أخطر ما تتميز به الأسلحة الجرثومية مقارنة بغيرها من الأسلحة، هو استيطان هذه الجراثيم المنطقة الملوثة بها، ومكثها مدة طويلة تصل إلى عشرات السنين.

 

أيها المسلمون: وهناك أيضاً ما يسمى بحرب المعلومات.

 

إن العالم لم يعد يُدار بالأسلحة فقط، بل صار يدار بالأرقام والأصفار الصغيرة.

 

إن هناك حرباً تحدث الآن، إنها ليست لمن يملك أكثر رصاصاً، إنها حول من يسيطر على المعلومات، والبشرية اليوم قد غدت في طور جديد ومرحلة لها طابعها الخاص وخصائصها المميزة.

 

ويعتقد كثير من المحللين أننا دخلنا بهذه المواجهة نوعاً جديداً من حرب المعلومات.

 

فمن طائرة مزودة بأحدث ما وصلت إليه التقنية في مجال الاستطلاع والتجسس، بداخلها فريق عمل له القدرة على التقاط هذه المعلومات أو بصورة أدق البيانات ثم تحليلها وغربلتها لاستنتاج الخطوط العريضة وتفاصيل دفاعات الطرف الآخر.

 

ثم تندلع بعدها حرب الفيروسات واختراقات أنظمة المعلومات على الإنترنت بين الطرفين التي لا زالت تتوالى فصولها حتى اليوم.

 

وهناك أيضاً الحرب الاستخبارية، والحرب الإلكترونية، وحرب العمليات النفسية، وغيرها من الحروب التي نسأل الله -جل وتعالى- أن يكفي بلاد المسلمين شرها وخطرها.

 

أيها المسلمون: إن كل حرب في التاريخ لها هدف ظاهر أو خفي، حقاً كان أو باطلاً، وبهذا تجري سنة التدافع قدراً وشرعاً، حتى تضع الحرب أوزارها، قال الله -تعالى-: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ)[البقرة: 251].

 

وثمة فساد عريض في الأرض اليوم لا مناص من جريان سنن الله القدرية والشرعية لاستنقاذ الإنسانية منه، بدفع أهل الإيمان على أهل الطغيان، وإلاّ فسدت الأرض أكثر وأكثر.

 

ولا إفساد اليوم أكثر من إفساد كفار بني إسرائيل، من يهود ونصارى ذلك أن طوائف من النصارى قد لحقت حكماً باليهود في اعتقادهم وإفسادهم منذ زمان، بل كادوا يسبقون اليهود في العلو في الأرض فساداً، أولئك هم طوائف الإنجيليين الصهيونيين النصارى الذين صنعوا على أعينهم الصهيونية اليهودية في القرون المتأخرة.

 

إن هناك عدداً من الحقائق الماثلة اليوم تستحق النظر والتأملفيما يحدث من تواطؤ وتطابق بين الطائفتين المتزعمتين للفساد في الأرض عامة، وفي بلاد المسلمين خاصة، من ذلك: أن نصارى الغرب هم أسبق من اليهود في اعتناق المذهب الصهيوني في العصر الحديث، هؤلاء النصارى هم الذين أقنعوا اليهود وذكّروهم ونظَّروا لهم، لكي يتجمعوا في فلسطين، وهم الذين خططوا ونفذوا مشروع توطينهم فيها، وتكفلوا بحمايتهم ما بقيت دولتهم.

 

هؤلاء النصارى هم المسؤولون عن إبقاء الأمة الإسلامية في انشغال دائم بما يُدخلونه عليها من فتن وحروب ونزاعات، بسبب الحدود المصطنعة، والعناصر والزعامات العميلة، وذلك عبر سلسلة طويلة بدأت في العصر الحديث بإسقاط الكيان السياسي العالمي الأخير للمسلمين -الخلافة العثمانية- والحيلولة دون إقامتهم كياناً عالمياً آخر، باستخلافهم بعد الاستعمار لشرائح من المنافقين في أكثر ديار المسلمين لضمان عدم نهوض الأمة بالإسلام مرة أخرى.

 

إنها حرب سافرة تعلنها الدول الغربية على الإسلام اليوم، لا يحجبها هذا التلاعب بالألفاظ مثل استخدام هذه الكلمة التي أصبحت ممجوجة: "الإرهاب" كي لا يقال: إنهم يحاربون الإسلام.

 

إن المتابع لمؤتمر حلف الأطلسي الأخير الذي عقد من أجل قبول أعضاء جدد، يجد ملامح هذه الحرب ظاهرة عادية تتبارى دول هذا الحلف في التبشير بها والاحتفال بالإعلان عنها، بل وتتسابق الدول الأخرى التي تطمح إلى الانضمام إلى بوتقة هذا الحلف بإظهار النفاق والمزايدة، والهروب بمراحل إلى الأمام لإعلان الحرب على الإرهاب، أي الإسلام.

 

لقد أصبح الإرهاب والإسلام مترادفين، كما هو الواضح من تصرفات الدول الغربية وتصريحات ساستها، ولأمر ما تتهرب من الجلوس مع من يطالبها بتحديد مدلول هذا المصطلح اللزج، والاتفاق على تعريف جامع مانع له.

 

وهذا أمر مقصود للهروب من المسؤولية، أولاً، ولإطلاق العنان لقوى كثيرة غاشمة لتصفي حساباتها مع المسلمين وهي بمنجاة من المساءلة والاعتراض، ثانياً.

 

أيها المسلمون: إن الكوارث العظام التي تصيب البشرية إنما هي نتيجة الظلم والفساد في الأرض، قال الله -تعالى-: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ)[الأنعام: 65].

 

وعند نزول الكوارث العظام لابد من الرجوع إلى القرآن الكريم الذي يقول لنا: (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ)[آل عمران: 165].

 

وإذا رجعنا إلى التاريخ الحديث سيتبين لنا كيف هو من عند أنفسنا.

 

لقد وقعت الكارثة الأولى للمسلمين عندما استطاع أعداء الإسلام هدم الخلافة الإسلامية عام 1923م، وقد ساعد فريق من العرب الإنكليز في الحرب العالمية الأولى، ساعدوهم على ضرب الأتراك طمعاً في دولة عربية، فكانت العقوبة أن عاش العرب تحت حكم الإنكليز والفرنسيين عشرات السنين.

 

وجاءت الكارثة الثانية عام 48م بإنشاء دولة إسرائيل على أرض فلسطين، فقامت على إثر ذلك انقلابات وثلت عروش، ولكن الناس اتجهوا إلى القومية العربية والوطنية والاشتراكية، وما زالوا في هذا التخبط إلى أن جاءت الكارثة الثالثة عام 67م حين احتلت إسرائيل سيناء والضفة الغربية والجولان، في الساعات الأولى من الحرب، وكانت صدمة عنيفة للناس.

 

لماذا يخاف البعض من اليهود والنصارى، وقد أثبتت الأحداث القديمة والجديدة أنهم أضعف مما نتصور، ورغم امتلاكهم للأسلحة المتطورة، فإن عنصر الإنسان يبقى له دور مهم، وهؤلاء يعتمدون على التقنية؛ لأنهم لا يملكون الإنسان الجاد.

 

وهذا يؤكد لنا مرة أخرى: أن المشكلة ليست في صعوبة مواجهة الكيان الصهيوني، أو النصراني، بل في النية أصلاً لمواجهته.

 

أيها المسلمون: إن شبح الحرب في هذه الأيام مقلق للجميع، ولا أحد يدري ماذا في علم الغيب؟

 

لكن الله -جل وتعالى- أراد أن يكشف ما كان مستوراً، وهو التعصب النصراني والحقد الصليبي، وكره الإسلام والمسلمين الذي كان مغطى بقشرة رقيقة من الحرية والديمقراطية، فهل من مدّكر؟.

 

لقد أثبت التاريخ أن العرب إذا لم يهتدوا بهدي الإسلام، الذي يغيّر من تركيبتهم الداخلية ويصوغهم صياغة جديدة، فإنهم سيعيدون حرب البسوس وداحس والغبراء التي يفنى فيها المال والأهل والولد.

 

لقد قامت حرب البسوس بين ربيعة وبَكر لأسباب تافهة، من أجل ناقة جرباء ولم تنته إلا بعد أربعين عاماً.

 

وإن الذين يراهنون على المد القومي يثبتون أنهم أغبياء للمرة الثانية، فليس هناك إلا الله، أو الدمار.

 

إن الأمة الإسلامية تعيش هذه الأيام حالة من الاستنفار لم يسبق أن عاشتها في أزمنتها الأخيرة، كرد فعل على ما يمارس في حقها تحت شعارات تعددت أسماؤها، وتلونت راياتها، واتحدت أهدافها وغاياتها، فما كان مخبوءًاانكشف أمره، وما كان تورية انكشف عواره.

 

لقد تقطعت الحجب، وانقشعت السحب التي كانت تلف جميع تلك الشهب، ولم تعد الأمور تنطلي حتى على الغافلين والمغفلين من أبناء هذه الأمة الذين تصوروا ردحاً من الزمن أنه من الممكن أن يعيشوا وسط قرية عالمية، ملؤها المحبة والإخاء والمودة والعدل والمساواة، والكل سينهل من معين الديمقراطية، ويَغرف من زلال حقوق الإنسان، وينعم بخيرات حرية التجارة مهما تنوعت ثقافاتهم وتعددت أعراقهم وألوانـهم.

 

فكل هذه الفقاعات ذهبت، وبان كذب مدّعيها.

 

إن استخدام القوة والتعدي على دول المنطقة يعيد إلى الأذهان الحملات الصليبية، وحقبة الاستعمار، حينما كانت الجيوش المستعمرة تعيث بصلف في آسيا وأفريقيا، تستذل الشعوب وتستنـزف الخيرات.

 

وكما أن تلك العهود فتحت أبواباً من الجهاد والمقاومة العادلة، وانتهت بدحر قوى الشر الصليبية المعتدية المتجبرة، فكذلك كل بادرة عدوان على الأمة أو استخفاف بها سوف تفتح أبوابا من الجهاد والمقاومة الشرعية العادلة التي ستنتهي بدحر قوى الشر الغازية من صليبية وصهيونية -بإذن الله -عز وجل-، وما ذلك على الله بعزيز، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[محمد: 7].

 

بارك الله...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه...

 

أما بعد:

 

إن قدر المسلمين أن يكونوا أصحاب رسالة، تتعقبهم القوى الباغية وما أكثرها وتضع في طريقهم العراقيل، لتحد من طموحهم، وتعمل على تعويقهم وإضعافهم وإفقارهم وإشغالهم بأنفسهم، ومن عادتهم: أن يتقبلوا ذلك بما يناسبه من الجهد والتحدي والرضا بقضاء الله وقدره، وبمثل هذه العقيدة التي لا يفهمها أعداء الإسلام ولا يعرفون طعمها نشر المسلمون دينهم في الدنيا ولا يزالون، وصمدوا للروم والفرس فهزموهم، وتصدوا للصليبيين والتتار، فمنهم من اقتلعوه من أرضهم، ومنهم من استوعبوه، وواجهوا الاستعمار الغربي ونازلوه حتى حمل عصاه وارتحل، وصبروا للظلم الشيوعي الذي عجز عن إبادتهم وقد أراد، وأفشلوا العلمانية اللادينية، وأوصلوها إلى جدار مسدود ترفع يديها طالبة الغوث بكل ذلة وصفاقة من الدول الغربية، وهم يتصدون للصهيونية بما هو معروف ومشاهد في فلسطين هذه الأيام.

 

إن المسلمين أمة مجاهدة، وقد أثبتت تجارب التاريخ، البعيد منه والقريب أنـهم يهون عليهم كل شيء في سبيل أن يبقى لهم دينهم الذي هو روحهم وعنوان وجودهم، وأنه لا شيء يجمعهم ويحشد طاقاتـهم ويستنفر جهودهم مثل التعرض لهذا الحمى المنيع حمى الإسلام، فأين هؤلاء الذين تترنح نفوسهم بنشوة القوة، وحب الهيمنة عن هذه الحقيقة البسيطة؟.

 

إن الغرب اليوم يستهين بالمسلمين استهانة غير مسبوقة، وتستفز مشاعرهم على جميع المستويات الرسمية والشعبية، وتعلن عليهم حرباً سافرة بلا قناع، حيث تستخدم هذا القناع الشفاف الذي تتستر به، قناع: "الحرب على الإرهاب".

 

وقد جرّب غيرها كل أنواع الحروب، سافرة ومقنّعة ضد المسلمين، فلم يحققوا ما أرادوا لجهلهم بالعوامل التي يستمد منها المسلمون ثباتهم وصبرهم، وبالعناصر التي تؤلف سر قوة الإسلام واستعصائه على المقارنة بالمبادئ الأرضية الأخرى.

 

فلسنا كالنازية ولا الشيوعية، نحن عقيدة حية تسكن نفوساً لا يمكن القضاء عليها بالتهديد أو باستخدام العنف، ونحن أمة تجمع شعوباً كثيرة ذات أعراق ولغات مختلفة، ولكنها كلها تنطق بـ: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله، والله أكبر" أكبر من كل كبير، وأعظم من كل عظيم، وأكثر جبروتاً من كل جبار متغطرس.

 

إن المسلم العادي الذي يجد يديه مكبلتين عن الحركة، بينما يجد حواليه الظلم قد تجاوز كل حد، والعدوان قد انطلق لا يردعه شيء، يحز في نفسه أن يصبح هدفاً لكل قوى الشر في هذا العصر، لكنه يطمئن إلى أن الله معه، ولن يتخلى عنه، تحقيقاً لقولهعز وجل: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ)[الأنبياء: 11].

 

وقوله سبحانه: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)[القصص: 58].

 

أيها المسلمون: إن المنطقة مقبلة على أزمات وكوارث وربما حروب، لذا يتعين أن نذكر المسلمين أفراداً وعلماء بعدد من القضايا:

 

أما ما يجب على الجميع، فـ:

 

أولاً: العودة الصادقة إلى الله -تبارك وتعالى- ولزوم شرعه والتوبة النصوح إليه من جميع الذنوب والمعاصي الفردية والجماعية، عملا بقول الله -تعالى-: (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ)[الأنعام: 43].

 

ثانياً: اليقين بنصر الله لعباده المؤمنين، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)[الصافات: 170-173].

 

ثالثاً: وحدة الكلمة، ونبذ الشقاق، وتغليب مصالح الأمة، والحفاظ على وحدة البلاد التي بها تحفظ الحرمات، ويعم الأمن وتقام بها الشعائر، وتتحقق مصالح المسلمين، فإن الخير في الوحدة والائتلاف، والشر في الفرقة والاختلاف، كما قال تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[الأنفال: 46].

 

ومن المعلوم: أن تفرق الأمة إلى شيع وأحزاب متناحرة يتيح للعدو استغلال بعضها ضد بعض.

 

أما العلماء والدعاة والمفكرين، فهم الذين يوجهون الأمة في الأزمات، ويكشفون لها ما التبس عليها من الحق، وغيابهم عن الأحداث هو غياب للحق الذي معهم، وغياب للعقل والحكمة.

 

وإن من واجبهم الذي يُنتظر منهم في هذه مثل هذه الأيام:

 

أولاً: الاستمساك الذي لا تردد فيه بكلام الله -سبحانه- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأخذ الدين بقوة.

 

ثانياً: إشاعة الاعتدال في الأمة والتوسط والتسامح القائم على الفهم الصحيح لرسالة الإسلام، وإبراز ثوابت الأمة ومجالات الاختلاف والتنوع، حتى لا يبغي بعض الأمة على بعض.

 

ثالثاً: القيام بواجبهم الشرعي في تثبيت الأمة، وتبصيرها بدينها، وبما يحاك ضدها، والقيام بواجب النصيحة، والدفاع عن قضايا المسلمين.

 

رابعاً: الاجتهاد في تقديم الحلول الشرعية فيما ينزل بالأمة من مستجدات ونوازل، والمبادرة في ذلك.

 

أيها المسلمون: إننا نهيب بالمنصفين، ومحبي الحق والعدل، وأنصار السلام في العالم أجمع، من حكومات ومؤسسات وتجمعات، ومنظمات حقوقية وأفراد: أن يعبروا عن احتجاجهم على السياسة الغربية التي تقود العالم إلى صراعات تهدد الأمن والاستقرار، بكل وسائل التعبير الممكنة.

 

وأن يظهروا رفضهم لتلك السياسة التي تسعى إلى نشر الدمار في العالم.

 

كما أننا نهيب بشكل خاص بأنصار العدل، ومحبي السلام، ومعارضي الحرب مؤسسات وأفراداً: أن يقفوا ضد أجنحة العنف والإرهاب من اليمين المتطرف، وأنصار الإرهاب الصهيوني.

 

نسأل الله -تعالى- أن يتولى الأمة بحفظه، وينصرها على أعدائها، ويحفظ عليها دينها وأمنها، إنه سميع مجيب.

 

اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه...

 

 

 

المرفقات

الحرب

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات