شباب حفظ التاريخ أسماءهم

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-03-18 - 1443/08/15 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ الذكر الحسن للعبد ميلاد جديد وعُمْر مديد 2/نبذة مختصرة عن (مؤمن آل فرعون، فتية أهل الكهف، أصحاب الأخدود، شاب في مواجهة الدجال) 3/وقفات ودروس من قصص (مؤمن آل فرعون وفتية أهل الكهف شاب في مواجهة الدجال) 4/رسالة قصيرة لشباب الأمة (خاتمة).

اقتباس

هَؤُلَاءِ هُمُ الشَّبَابُ الَّذِينَ نُرِيدُ، وَالَّذِينَ تَحْتَاجُهُمُ الْأُمَّةُ، فَأَحْسِنُوا تَرْبِيَةَ أَبْنَائِكُمْ، وَأَعِدُّوهُمْ لِيَكُونُوا كَمَثَلِ أُولَئِكَ الشَّبَابِ الَّذِينَ سَطَّرَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ ذِكْرَهُمْ وَأَعْلَى شَأْنَهُمْ فِي الْعَالَمِينَ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ فِي الْقَصَصِ الْقُرْآنِيِّ وَالنَّبَوِيِّ عِبْرَةً وَعِظَةً وَدُرُوسًا لَا تَنْقَطِعُ، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَصُ لِشَبَابٍ فَإِنَّكَ حَتْمًا سَتَجِدُ فِيهَا الْقُوَّةَ وَالتَّحَدِّيَ وَالْمُثَابَرَةَ وَالصَّدْعَ بِالْحَقِّ وَالتَّفَانِيَ فِي سَبِيلِهِ، وَنَعِيشُ الْيَوْمَ فِي حَضْرَةِ ثُلَّةٍ مِنَ الشَّبَابِ الْغَضِّ الطَّاهِرِ الَّذِينَ رَفَعَ الْقُرْآنُ ذِكْرَهُمْ، وَعَطَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِيرَتَهُمْ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الذِّكْرَ الْحَسَنَ هُوَ أُمْنِيَةُ كُلِّ عَاقِلٍ، فَهَذَا إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- "يَسْأَلُ" رَبَّهُ قَائِلًا: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ)[الشُّعَرَاءِ: 84]، قَالَ الْخَازِنُ: "أَيْ: ثَنَاءً حَسَنًا وَذِكْرًا جَمِيلًا وَقَبُولًا عَامًّا فِي الْأُمَمِ الَّتِي تَجِيءُ بَعْدِي".

 

وَامْتَنَّ اللَّهُ -تَعَالَى- عَلَى نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ رَفَعَ لَهُ ذِكْرَهُ قَائِلًا: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)[الشَّرْحِ: 4]، يَقُولُ مُجَاهِدٌ مُفَسِّرًا: "لَا أُذْكَرُ إِلَّا ذُكِرْتَ؛ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ".

وَضَمَّ الْإِلَهُ اسْمَ النَّبِيِّ إِلَى اسْمِهِ *** إِذَا قَالَ فِي الْخَمْسِ الْمُؤَذِّنُ: أَشْهَدُ

وَشَقَّ لَهُ مِنَ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ *** فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ

 

بَلْ لَقَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذِّكْرَ الْحَسَنَ لِلْإِنْسَانِ عَلَامَةَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَقَالَ: "أَهْلُ الْجَنَّةِ: مَنْ مَلَأَ اللَّهُ أُذُنَيْهِ مِنْ ثَنَاءِ النَّاسِ خَيْرًا، وَهُوَ يَسْمَعُ"(حَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، فَكَيْفَ إِذَنْ لَا يَحْرِصُ الْإِنْسَانُ عَلَى الذِّكْرِ الْحَسَنِ!

قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَمَا مَاتَتْ مَكَارِمُهُمْ *** وَعَاشَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أَمْوَاتُ

 

وَهَا هُمْ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الشَّبَابِ مَاتُوا وَمَا مَاتَتْ فَضَائِلُهُمْ، فَعَاشُوا أَعْمَارًا أُخْرَى غَيْر أَعْمَارِهِمْ:

دَقَّاتُ قَلْبِ الْمَرْءِ قَائِلَةٌ لَهُ *** إِنَّ الْحَيَاةَ دَقَائِقٌ وَثَوَانِي

فَارْفَعْ لِنَفْسِكَ بَعْدَ مَوْتِكَ ذِكْرَهَا *** فَالذِّكْرُ لِلْإِنْسَانِ عُمْرٌ ثَانِي

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَمِنْ هَؤُلَاءِ الشَّبَابِ؛ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ، الَّذِي قَصَّ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ نَفْرَتَهُ لِنُصْرَةِ نَبِيِّ اللَّهِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمَّا أَرَادَ فِرْعَوْنُ قَتْلَهُ: (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ)[غَافِرٍ: 28].

 

وَمَا أَنْ أَعْلَنَ إِيمَانَهُ بَعْدَ كِتْمَانِهِ إِلَّا وَرَاحَ يَعِظُهُمْ وَيُخَوِّفُهُمْ: (يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ)[غَافِرٍ: 38-39]، يَا قَوْمِ.. يَا قَوْمِ.. ثُمَّ اخْتَتَمَ مُجَابَهَتَهُ لَهُمْ بِقَوْلِ: (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ)[غَافِرٍ: 44]، فَتَرَى مَا كَانَتْ عَاقِبَتُهُ وَعَاقِبَتُهُمْ؟ (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ)[غَافِرٍ: 45].

 

وَهَؤُلَاءِ ثُلَّةٌ أُخْرَى مِنَ الشَّبَابِ الْوَاعِي، إِنَّهُمُ الْفِتْيَةُ أَصْحَابُ الْكَهْفِ، إِنَّهُمْ شَبَابٌ هَدَى اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- قُلُوبَهُمْ لِلْإِيمَانِ وَثَبَّتَهُمْ عَلَيْهِ؛ (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا)[الْكَهْفِ: 14]، فَخَالَفُوا مُجْتَمَعَهُمْ كُلَّهُ، وَخَرَجُوا مِنْ طَاعَةِ مَلِكِهِمِ الْكَافِرِ، وَفَرُّوا بِدِينِهِمْ خَوْفًا مِنْ بَطْشِ قَوْمِهِمْ، فَأَلْهَمَهُمُ اللَّهُ اللُّجُوءَ إِلَى أَحَدِ الْكُهُوفِ: (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ)[الْكَهْفِ: 16]، وَعِنْدَهَا أَنْزَلَ اللَّهُ -بِرَحْمَتِهِ- عَلَيْهِمُ النَّوْمَ الْعَمِيقَ؛ (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا)[الْكَهْفِ: 25].

 

وَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ -تَعَالَى- بِبَعْثِهِمْ مِنْ نَوْمِهِمْ تَسَاءَلُوا؛ (كَمْ لَبِثْتُمْ)؟ فَأَجَابَ بَعْضُهُمْ: (لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ)، فَلَمَّا لَمْ يَسْتَطِيعُوا حَسْمَ الْأَمْرِ فَوَّضُوا أَمْرَهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ: (قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ)، ثُمَّ انْتَبَهُوا إِلَى الْجُوعِ الَّذِي عَضَّهُمْ؛ (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا)[الْكَهْفِ: 19]، وَعِنْدَهَا انْكَشَفَ أَمْرُهُمْ؛ فَنُقُودُهُمْ قَدِيمَةٌ، وَمَلَابِسُهُمْ عَتِيقَةٌ، وَكَلِمَاتُهُمْ، وَأَخْبَارُهُمْ قَدْ أَصْبَحَتْ مِنَ التَّارِيخِ! (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ)[الْكَهْفِ: 21].

 

وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي عَدَدِهِمْ، فَبَيَّنَ الْقُرْآنُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَهُمُّ: (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ)[الْكَهْفِ:22]؛ فَالْمُهِمُّ هُوَ الْعِبْرَةُ وَالْعِظَةُ مِنْ تِلْكَ الْقِصَّةِ الْعَجِيبَةِ.

 

وَهَذَا شَابٌّ آخَرُ أَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ سَاحِرًا لِيُعِينَ الْمَلِكَ الظَّالِمَ عَلَى فُجُورِهِ، لَكِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- هَدَاهُ إِلَى رَاهِبٍ دَلَّهُ عَلَى رَبِّهِ وَعَلَّمَهُ الدِّينَ الْحَقَّ، وَلَمَّا ظَهَرَ أَمْرُ هَذَا الشَّابِّ أَرَادَ الْمَلِكُ قَتْلَهُ، وَحَاوَلَ مِرَارًا لَكِنَّهُ لَمْ يَنْجَحْ، فَضَحَّى الشَّابُّ بِرُوحِهِ لِيَنْصُرَ دِينَ رَبِّهِ قَائِلًا لِلْمَلِكِ: "إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ... تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَمَا أَنْ مَاتَ الْفَتَى إِلَّا وَانْطَلَقَ النَّاسُ يُرَدِّدُونَ: "آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ"، فَحُفِرَتْ لَهُمُ الْأَخَادِيدُ، وَأُضْرِمَتْ نَارٌ وَأُلْقُوا فِيهَا أَحْيَاءً؛ (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ)[الْبُرُوجِ: 4-7].

 

وَهَذَا شَابٌّ قَوِيٌّ فَتِيٌّ يُوَاجِهُ أَعْظَمَ فِتْنَةٍ أَرَادَهَا اللَّهُ -تَعَالَى-؛ إِنَّهُ يُوَاجِهُ الدَّجَّالَ الَّذِي يَنْخَدِعُ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْخَلْقِ، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَأْتِي الدَّجَّالُ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ، فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ، وَهُوَ خَيْرُ النَّاسِ -أَوْ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ- فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثَهُ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا، ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ، هَلْ تَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ، فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

فَهَؤُلَاءِ شَبَابٌ رَبَّاهُمُ الْإِيمَانُ، وَلَوْ كَانَ شَبَابُ أَمَتِّنَا كَهَؤُلَاءِ لَسَادُوا الْأَرْضَ كُلَّهَا:

شَبَابٌ ذَلَّلُوا سُبُلَ الْمَعَالِي *** وَمَا عَرَفُوا سِوَى الْإِسْلَامِ دِينَا

تَعَهَّدَهُمْ فَأَنْبَتَهُمْ نَبَاتًا *** كَرِيمًا طَابَ فِي الدُّنْيَا غُصُونَا

إِذَا شَهِدُوا الْوَغَى كَانُوا كُمَاةً *** يَدُكُّونَ الْمَعَاقِلَ وَالْحُصُونَا

وَإِنْ جَنَّ الْمَسَاءُ فَلَا تَرَاهُمْ *** مِنَ الْإِشْفَاقِ إِلَّا سَاجِدِينَا

 

عِبَادَ اللَّهِ: دَعُونَا نَتَوَقَّفْ مَعَ قِصَصِ هَؤُلَاءِ الشَّبَابِ وَقَفَاتٍ نَسْتَلْهِمُ فِيهَا الدُّرُوسَ وَالْعِبَرَ؛ فَأَوَّلُ تِلْكَ الدُّرُوسِ:

أَنَّ إِنْكَارَ الْمُنْكَرِ تَابِعٌ لِلِاسْتِطَاعَةِ؛ فَقَدْ رَأَيْنَا مُؤْمِنَ آلِ فِرْعَوْنَ كَيْفَ جَابَهَ الْبَاطِلَ وَوَاجَهَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ -بَعْدَ اللَّهِ- رُكْنًا شَدِيدًا؛ ذَاكَ أَنَّهُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ، يَقُولُ السُّدِّيُّ: "كَانَ ابْنَ عَمِّ فِرْعَوْنَ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ الَّذِي نَجَا مَعَ مُوسَى".

 

أَمَّا أَصْحَابُ الْكَهْفِ فَكَانُوا فِتْيَةً فِي مُقْتَبَلِ الْعُمْرِ، وَالْجَمِيعُ يُعَادِيهِمْ حَتَّى أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِمْ؛ لِذَا فَقَدْ فَرُّوا إِلَى الْكَهْفِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْمُوَاجَهَةَ مَعَ ضَعْفِهِمْ وَحَدَاثَةِ سِنِّهِمْ وَقِلَّةِ عِلْمِهِمْ وَانْعِدَامِ النَّاصِرِ لَهُمْ مِنَ الْبَشَرِ.

 

أَمَّا الشَّابَّانِ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ فَهَذَانِ لَا يُقَارَنَانِ بِأَحَدٍ، فَأَوَّلُهُمَا سَعَى إِلَى الْقَتْلِ بِرِجْلَيْهِ مِرَارًا، وَالثَّانِي "أَعْظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، فَقَدْ وَجَدَا فِي نَفْسَيْهِمَا الْقُدْرَةَ عَلَى تَقْدِيمِ الرُّوحِ لِلَّهِ -تَعَالَى-.

 

الدَّرْسُ الثَّانِي: أَنَّ الدَّعَوَاتِ تَقُومُ بِالتَّضْحِيَاتِ؛ فَمَعَ أَنَّ الشَّابَّ الْأَوَّلَ كَانَ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِلَّا أَنَّهُ فَقَدَ مَكَانَتَهُ وَحُظْوَتَهُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاتِهِ فَقَدْ ضَحَّى بِوَطَنِهِ، وَبَيْتِهِ، وَأَهْلِهِ، وَمَالِهِ.

 

أَمَّا أَصْحَابُ الْكَهْفِ فَقَدْ ضَحَّوْا بِزَهْرَةِ شَبَابِهِمْ وَآثَرُوا مَا عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَأَمَّا الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ فَقَدِ اسْتَرْخَصَا رُوحَيْهِمَا فِي سَبِيلِ الدِّينِ الْحَقِّ، لِسَانُ حَالِهِمْ جَمِيعًا:

أَنَا الْمُؤْمِنُ لَا أَخْشَى وَلَا أَرْجُو سِوَى رَبِّي *** عَزِيزُ النَّفْسِ لَا أَحْنِي لِغَيْرِ اللَّهِ مِنْ صُلْبِي

 

الدَّرْسُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْمُحَرِّكُ لِلْقُلُوبِ؛ فَقَدْ وَصَفَ الْقُرْآنُ ابْنَ عَمِّ فِرْعَوْنَ بِأَنَّهُ "مُؤْمِنٌ": (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ)[غَافِرٍ: 28]، وَكَذَا وَصَفَ بِهِ أَصْحَابَ الْكَهْفِ: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا)[الْكَهْفِ: 13]، أَمَّا الشَّابُّ الثَّالِثُ فَكُلُّ أَفْعَالِهِ تَنْبِضُ إِيمَانًا، وَالرَّابِعُ قَدْ سَمِعْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ عَنْهُ: "يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فَيَتَوَجَّهُ قَبْلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"، وَهَذَا شَأْنُ الْإِيمَانِ إِذَا خَالَطَتْ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ، يَدْفَعُ صَاحِبَهُ إِلَى الْعَزَائِمِ مِنَ الْأُمُورِ.

 

الدَّرْسُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ؛ فَمُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ نَجَّاهُ اللَّهُ -عَلَى قَوْلِ السُّدِّيّ وَغَيْرِهِ-، وَحَتَّى لَوْ قُتِلَ فَقَدْ فَازَ وَسَعِدَ كَمُؤْمِنِ آلِ "يس": (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)[يس: 26-27]، وَأَمَّا فِتْيَةُ الْكَهْفِ فَلَمْ يُصِبْهُمْ مِنَ الْمَلِكِ الظَّالِمِ أَذًى، وَعَافَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْفِتَنِ كُلِّهَا، وَرَفَعَ ذِكْرَهُمْ فِي كِتَابِهِ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ، وَصَارُوا قُدْوَةً وَآيَةً لِلْعَالَمِينَ، وَأَمَّا الشَّابُّ الثَّالِثُ فَنَالَ الشَّهَادَةَ وَنَجَتْ بِهِ أُمَّةٌ مِنَ النَّاسِ هُمْ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَمَّا الرَّابِعُ الَّذِي تَحَدَّى الدَّجَّالَ فَقَدْ نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ قَتْلَهُ، وَكَفَاهُ أَنْ نَالَ وِسَامَ: "أَعْظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً".

 

عِبَادَ اللَّهِ: هَؤُلَاءِ هُمُ الشَّبَابُ الَّذِينَ نُرِيدُ، وَالَّذِينَ تَحْتَاجُهُمُ الْأُمَّةُ، فَأَحْسِنُوا تَرْبِيَةَ أَبْنَائِكُمْ، وَأَعِدُّوهُمْ لِيَكُونُوا كَمَثَلِ أُولَئِكَ الشَّبَابِ الَّذِينَ سَطَّرَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ ذِكْرَهُمْ وَأَعْلَى شَأْنَهُمْ فِي الْعَالَمِينَ.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الشَّبَابُ: أَيْنَ أَنْتُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ؟! أَمَا لَكُمْ فِيهِمْ قُدْوَةٌ وَمِثَالٌ يُحْتَذَى! فَتَطَلَّعُوا إِلَى الْمَعَالِي، وَدَعَوُا التَّوَافِهَ وَالْمُحَقَّرَاتِ: "إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ لِغَيْرِهِ).

 

أَيُّهَا الشَّبَابُ: إِنَّ فِي تَارِيخِنَا أَبْطَالًا عِظَامًا انْقَادَتْ لَهُمُ الدُّنْيَا لَمَّا انْقَادُوا لِرَبِّهِمْ، كَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَالْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ... فَكُونُوا لَهُمْ مُتَّبَعِينَ وَلِخُطُوَاتِهِمْ مُقْتَفِينَ، وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ لَاعِبَةٌ وَمُغَنِّيَةٌ وَرَاقِصَةٌ وَغَانِيَةٌ: (أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ)[الْبَقَرَةِ: 221].

 

أَيُّهَا الشَّبَابُ: بِوُسْعِكُمْ أَنْ تُدْرِكُوا مَنْ سَبَقَكُمْ، وَأَنْ تُبْهِرُوا مَنْ بَعْدَكُمْ؛ إِذَا عُدْتُمْ إِلَى كِتَابِ رَبِّكُمْ وَسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

فَهَلُمُّوا -مَعْشَرَ الشَّبَابِ- إِلَى مَجْدِكُمْ وَعِزِّكُمْ وَرِفْعَتِكُمْ وَهُدَاكُمْ وَنَصْرِكُمْ وَنَهْضَتِكُمْ: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ)[الْأَنْبِيَاءِ: 10].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

شباب حفظ التاريخ أسماءهم.pdf

شباب حفظ التاريخ أسماءهم.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات