عناصر الخطبة
1/كثرة استغفار النبي صلى الله عليه وسلم 2/الأمر بالاستغفار من الأشياء التي اتفقت عليها شرائع الأنبياء 3/ثمرات التوبة والاستغفار 4/شؤم الذنوب في الدنيا والآخرة.اقتباس
إن للذنوب شؤمًا عظيمًا في الدنيا والآخرة. فمن شؤم الذنوب في الدنيا: أنها سبب لقسوة القلب والران؛ قال -تعالى-: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، وربما تسبّب الختم والطبع على القلب -والعياذ بالله- قال -سبحانه-: (أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ)...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الواحدِ القهار، العزيزِ الغفار، وأشهد ألا إله إلا الله الحليمُ الجبار، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صادق أمين بليغ العبارة، أُرسل بالبشارة والنذارة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ما أظلم ليل وأضاء نهاره.
أما بعد: فأوصيكم عباد الرحمن ونفسي بتقوى الله؛ (وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)[البقرة:281].
إخوة الإيمان: أخرج مسلم في صحيحه عن الأغر المزني -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إلى اللهِ، فإنِّي أَتُوبُ، في اليَومِ إلَيْهِ مِئَةَ، مَرَّةٍ"، ويخبرنا الأغر المزني أيضًا بحديث آخر قريب منه قال -عليه الصلاة والسلام-: "إنَّه لَيُغَانُ علَى قَلْبِي، وإنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، في اليَومِ مِئَةَ مَرَّةٍ"(رواه مسلم).
قال النووي نقلاً عن القاضي في معنى الغَيْن: "قيل المراد الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه، فإذا فتر عنه أو غفل عَدَّ ذلك ذنباً واستغفر منه" اهـ كلامه.
فإذا كان هذا هو حال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإننا للاستغفار والتوبة أحوج. كيف ونحن المذنبون المقصرون؟
إخوة الإسلام: والأمر بالاستغفار من الأشياء التي اتفقت عليها شرائع الأنبياء؛ قال شعيب -عليه السلام-: (وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ)[هود:90]، وقال هود -عليه السلام-: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ)[هود:52]، وقال صالح -عليه السلام-: (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ)[هود:61]، وقال نوح -عليه السلام-: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً. يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً)[نوح:10-12]، وقال محمد -عليه الصلاة والسلام-: (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ . وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)[هود:2،3].
عباد الرحمن: التوبة والاستغفار نمحو بها ذنوبنا، والتوبة والاستغفار ننقذ بها أنفسنا من غضب الله وعقابه؛ أوليس قد قال الحق -سبحانه-: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)[الشورى:30]؟ أوليس قال -سبحانه-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)[الروم:41]، أوليس قال -سبحانه-: (وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ)[النساء:79]، ويقول -تعالى-: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ)[الحجر:49 -50].
عباد الرحمن: إن للذنوب شؤمًا عظيمًا في الدنيا والآخرة. فمن شؤم الذنوب في الدنيا: أنها سبب لقسوة القلب والران؛ قال -تعالى-: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[المطففين:14]، وربما تسبّب الختم والطبع على القلب -والعياذ بالله- قال -سبحانه-: (أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ)[الأعراف:100].
ومن شؤمها: الخذلان والانصراف عن الحق؛ قال -سبحانه-: (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ)[المائدة49].
ومن شؤم المعاصي: الجوع وزوال الأمن؛ (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ)[النحل:112].
ومن شؤمها: العقوبات المهلكة؛ (فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[العنكبوت:40]، وقال سبحانه: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ)[النحل:45]، وقد تكون مباغتة؛ (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)[الزمر:55].
ومن آثار الذنوب وشؤمها: تسليط الظالمين بعضهم على بعض؛ (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)[الأنعام:129].
ومن شؤمها: الفساد البيئي؛ قال -سبحانه-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم:41].
ومن آثار الذنوب وشؤمها: قلة البركة وضيق الأرزاق قال -سبحانه-: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً)[الجن:16]، وقال -عز شأنه-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ)[الأعراف:96].
أما شؤم الذنوب في الآخرة فيكفي أنها سبب لعذاب القبر وعذاب النار -أجارنا الله منهما-؛ (فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ. وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ. فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ. نَارٌ حَامِيَةٌ)[ القارعة:6-11].
وبعدُ؛ فإني أتمثل هنا قول الشاعر:
إذا لم يعظ في الناس من هو مذنب *** فمن يعظ العاصين بعد محمد
غفر الله لي ولكم وتاب عليَّ وعليكم وسترني وإياكم إنه هو الغفور التواب الستير الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله القائل: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى)[طه:82]، وصلى الله وسلم على رسولنا المستغفر التواب وعلى الآل والأصحاب.
أما بعد: فإن من مداخل الشيطان أن يجرئنا على المعاصي بحجة أن الله غفور رحيم، والحق –سبحانه- يقول: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ)[الرعد:6].
عبد الله: إذا قالت لك النفس: إن الله غفور رحيم لن يعاقبك إذا عصيت. فقل: وهل أُنزِل الأبوان من الجنة دار اللذات والنعيم إلا بأكلهما من شجرة واحدة؟!
وقل يا نفس: ألم تعلمي أن يونس -عليه السلام- لما خرج وترك قومه قبل أن يأذن الله له ضُيِّق عليه حتى التقمه الحوت، ثم تاب فتاب الله عليه.
وإن قالت لك النفس: لا تضيق على نفسك، ألا ترى أهل الكبائر والكفار في سعة وصحة. فقل: ألم تسمعي قول الله: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً)[فاطر:45]، أجهلت قول الله: (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)[آل عمران:196-197].
ورُوي أن عمر -رضي الله عنه- كتب لسعد بن أبي وقاص ومن معه من الجند: "ولا تقولوا: إن عدوّنا شر منا فلن يُسلّط علينا، وإن أسأنا؛ فرُبَّ قومٍ سُلّط عليهم شر منهم، كما سُلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفّار المجوس، فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا..".
وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "ما أهون الخَلق على الله إذا هم ترَكوا أمره".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التحريم:8].
ثم صلوا وسلموا...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم