عناصر الخطبة
1/عودة التراص في الصلاة 2/بدء انحسار جائحة كورونا 3/فضائل تسوية الصفوف 4/تقارب القلوب والصفوف 5/نصيحة بسد الخلل في مختلف العلاقات.اقتباس
سُدُّوا الخَللَ وسووا صُفوفَكم؛ فإنَّ تَسويةَ الصُّفوفِ من تمامِ الصَّلاةِ، فأتِموا صلاتَكم، واعلموا أنَّها خيرُ أعمالِكم، هي عَمودُ الإسلامِ، وهي الحبلُ الذي بينَنا وبينَ اللهِ، من أضاعَها فهو لِما سِواها أضيعُ، هي أولُ ما يُحاسبُ عليهِ العبدُ، فإن صَلَحتْ، صَلَحَ سَائرُ العملِ، وإن فَسَدَتْ فَسَدَ سَائرُ العملِ....
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله الذي بيده مقاليد الأمور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ إنه عليم بذات الصدور، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث بالهدى والرحمة والنور، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم البعث والنشور وسلم تسليمًا.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون حيثما كنتم، وأتبعوا السيئة الحسنة تمحها، وخالقوا الناس بخُلُق حَسَن.
اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا. اللهم إنَّا نحمدك ونستعينك ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يهجرك.
اللهم لك الحمد كله ولك الشكر كله، وإليك يرجع الأمر كله علانيته وسره؛ فأهل أنت أن تُحْمَد وأهل أنت أن تُعْبَد، وأنت على كل شيء قدير، لك الحمد كالذي نقول وخيرًا مما نقول، ولك الحمد كالذي تقول، ولك الحمد على كل حال الحمد لله رب العالمين.
خلق اللوح والقلم، وخلق الخلق من عدم، ودبَّر الأرزاق والآجال بالمقادير وحكم، وجمل الليل بالنجوم في الظُلَم.
الحمد لله رب العالمين، الذي علا فقهر، ومَلَكَ فقدر، وعفا فغفر، وعلِمَ وستر، وهزَمَ ونصر، وخلق ونشر، فسبحانك يا رب الأرض والسماء.
الحمد لله رب العالمين، الذي سبَّحت له الشمس والنجوم الشهاب، وناجاه الشجر والوحش والدواب، والطير في أوكارها كلٌّ له أوَّاب، فسبحانك يا مَن إليه المرجع والمآب.
لا لوم إن فاض دمع العين وانسكبا *** فجذوة الشوق أورت في الحشا اللهبا
ولست أخشى من العذال منقصة *** كلا ، ولو أكثروا في حقي العتبا
فلم تكن رؤية الحسناء تأسُرني *** ولم يكن هجرها في دمعي السببا
لكن عيني لصوت الحق قد هملت *** والقلب قد مال كالنشوان واضطربا
لما سمعنا نداء: سووا صفوفكمُ *** من بعد عامين كان الصف مكتئبا
كان المصلون أجسادًا مفرقة *** فالآن آن بأن نُسرّ ونطربا
عَامَانِ كُنَّا نُصَلِّي مُتَبَاعِدِينَ، وَاليَوْمَ عَادَتْ صُفُوفُنَا كَمَا كَانَتْ؛ بِحَمْدِ اللهِ تَعَالَى.
فَالحَمْدُ للهِ الذِي هُوَ دَائِمٌ *** أَبَدًا وَلَيسَ لِمَا سِوَاهُ دَوَامُ
وَالحَمْدُ للهِ الذِي لجلاله *** وَلِحِلْمِهِ تَتَصَاغَرُ الأحلام
وَالحَمْدُ للهِ الذِي هُوَ لَم يَزَلْ *** لا تَسْتَقِلُّ بِعِلْمِهِ الأَفْهَامُ
سُبْحَانَهُ مَلِكٌ تَعَالَى جَدُّهُ *** وَلِوَجْهِهِ الإجلال وَالإِكْرَامُ
كَيْفَ لا نَفْرَحُ بِذَلِكَ وَهُوَ إِشَارَةٌ -بِإِذْنِ اللهِ- عَلَى اِنْحِسَارِ الجَائِحَةِ وَقُرْبِ زَوَالِهَا، كَيْفَ لا نَفْرَحُ وَنَحْنُ نَعُودُ لِتَرَاصِّ الصُّفُوفِ الذِي كَانَ يَحْرِصُ عَلَيْهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والخُلَفَاءُ الراشدون مِنْ بَعْدِهِ.
كيف لا نفرح، وقد عاد إلى صلاتنا تمامها وإلى مساجدنا جمالها. إن تسوية الصفوف وتراصها هو أمر نبوي، وإن تقارب الأبدان أمارة على تآلف القلوب وتوادها واِجْتِمَاعُ القُلُوبِ، وَتَآلُفُ الكَلِمَةِ مِنْ أَعْظَمِ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ، وَقَدْ سَدَّ الذَرِيعَةَ إِلَى مَا يُنَاقِضُهُ بِكُلِّ طَرِيقٍ، حَتَّى فِي تَسْوِيَةِ الصَفِّ فِي الصلاة؛ لئلا تَخْتَلِفَ القُلُوبُ، وَشَوَاهِدُ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَر.
"سووا صُفوفَكم، حَاذوا بينَ المناكبِ، سُدُّوا الخَللَ، لا تَذروا فُرُجاتٍ للشَّيطانِ، مَنْ وَصلَ صَفًَّا وَصلَهُ اللهُ، ومَنْ قَطعَ صَفًّا قَطَعَه اللهُ"؛ بهذهِ الكلماتِ كانَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- يَأمرُ أصحابَه قبلَ الصَّلاةِ.
وقَالَ لهم يومًا: "ألا تَصُفُّونَ كما تَصُفُّ الملائِكةُ عِندَ ربِّها؟"، فَقَالوا: وَكَيفَ تَصُفُّ الملائِكةُ عِندَ ربِّها؟، قَالَ: "يُتِمُّونَ الصُّفوفَ الأُوَلَ، ويَتراصُّونَ في الصَّفِّ"، وأقبلَ عليهم يومًا بوجهِه فَقَالَ: "أَقيموا صُفوفَكم، أَقيموا صُفوفَكم، أَقيموا صُفوفَكم، واللهِ لتُقِيمُنَّ صُفوفَكم أو ليُخَالفَنَّ اللهُ بينَ قُلُوبِكم".
لقد آنَ اليومَ بعدَ طُولِ التَّباعدِ أن نَسُدَّ الخَلَلَ، لقد آنَ للأجسادِ أن تَتَقاربَ وتَتَلاصقَ بَعدَ طولِ غِيابٍ، فإنَّ التَّباعدَ بينَ المُحبِّينَ عُقوبةٌ وعَذابٌ، (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ)[طه:97]، آنَ لنا اليومَ أن نرى البنيانَ المَرصوصَ في صُفوفِ المُسلمينَ، وَاقِفينَ كَصُفوفِ الملائكةِ عِندَ ربِّ العالمينَ.
وتَباعَدتْ أَجسادُنَا في فَرضِنا *** واليَومَ قالَ إمامُنا: سُدُّوا الخَلَلْ
واليَومَ نَرصُّ صُفوفَنا كمَلائكٍ *** صَفَّتْ جلالا للعَظيمِ عَلى وَجَلْ
بعد عامين من تباعد الأجساد أجبرنا عليه ابتلاء الله لنا بالوباء، تعود الحياة إلى طبيعتها، وتعود الصفوف في المساجد إلى تساويها فسووا صفوفكم وسدوا الخلل.
سُدُّوا الخَللَ وسووا صُفوفَكم؛ فإنَّ تَسويةَ الصُّفوفِ من تمامِ الصَّلاةِ، فأتِموا صلاتَكم، واعلموا أنَّها خيرُ أعمالِكم، هي عَمودُ الإسلامِ، وهي الحبلُ الذي بينَنا وبينَ اللهِ، من أضاعَها فهو لِما سِواها أضيعُ، هي أولُ ما يُحاسبُ عليهِ العبدُ، فإن صَلَحتْ، صَلَحَ سَائرُ العملِ، وإن فَسَدَتْ فَسَدَ سَائرُ العملِ، فاليومَ وقد تراصَّتْ الصُّفوفُ، وزَالَتْ الأعذارُ والخوفُ، فما هو عُذرُكَ يا من تخلَّفتَ عن صلاةِ الجَماعةِ؟
فَأَجِبْ نِدَاءَ اللهِ قَبْلَ مَنِيَّةٍ *** تَأْتِيكِ وَالقَدَرُ الأَكِيدُ يُوَافِي
سووا صفوفكم بِالتَّسَاوِي بَينَ المُصَلِّينَ في وُقُوفِهِم في الصَّفِّ، فَلا يَتَقَدَّمُ أَحَدٌ مِنهُم عَلَى أَحَدٍ وَلا يَتَأَخَّرُ عَنهُ، وَالمُعتَبَرُ في هَذَا هُوَ المَنَاكِبُ في أَعَلَى البَدَنِ، وَالأَكعُبُ في أَسفَلِهِ.
سووا صفوفكم بالتراص في الصفّ كما تصف الملائكة عند ربها، وذلك باعتدال وبغير مبالغة تؤذي بها أخاك، وتشق بها على نفسك.
سووا صفوفكم بإِكمَالهَا الأَوَّل فَالأَوَّل، فَلا يُشرَعُ في صَفٍّ حَتى يَكمُلَ الصّفّ الَّذِي أَمَامَهُ، وَقَد نَدَبَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- إِلى التَّقَدُّمِ وَالتَّبكِيرِ وَتَكمِيلِ الصَّفّ الأَوَّل؛ فَقَالَ : "لَو يَعلَمُ النَّاسُ مَا في النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لم يَجِدُوا إِلاَّ أَن يَستَهِمُوا عَلَيهِ لاستَهَمُوا".
سووا صفوفكم بالتَّقَارُبُ فِيمَا بَينَهَا، وَفِيمَا بَينَهَا وَبَينَ الإِمَامِ؛ فَكُلَّمَا قَرُبَتِ الصُّفُوفُ بَعضُهَا إِلى بَعضٍ وَقَرُبَت إِلى الإِمَامِ، كَانَ ذَلِكَ أَفضَلَ وَأَكمَلَ وَأَجمَلَ.
سووا صفوفكم وتراصوا في الصف، ولا تدعوا فُرُجات للشيطان، وتخلوا عن الوساوس والأوهام، وتطهّروا من الخوف الذي صنعه الوباء، فما دام قد ورد الإذن برفع التباعد والعودة إلى جمال الحياة؛ فهذا موجب للعودة إلى أمر الله وأمر رسوله، فدواعي الرخصة قد ارتفعت، ومبرر التباعد قد زال؛ فلله الحمد رب العزة والجلال.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
أما بعد: إن تربية الناس على تسوية الصفوف وسد الفرج فيها وتقارب الأبدان إنما هو لينشأ المسلمون على هذا الخُلُق في كل ميادينهم، وليسدوا الخلل في كل حياتهم.
سُدُّوا الخَللَ ولا تَختَلِفوا فَتَختلِفَ قلوبُكم، ولِتَختلطَ مَشاعرُ الحُبِّ والإخاءِ والحَنانِ، ولِيَمتَزجَ الوُدُّ بالصَّفاءِ بالرَّاحةِ بالأمانِ، ولِنُشيعَ السَّعادةَ والسُّرورَ والاطمئنانَ، فما يُغني أن تكونَ الأجسادُ مُتقاربةً، إذا كانتْ القلوبُ مُتنافرةً، واسألوا اللهَ -تعالى- أن يؤلفَ بينَ القلوبِ، فإنَّها واللهِ نِعمةٌ لا تُدركُ بكُنوزِ الأرضِ، وإنما هي فضلٌ من الغَفورِ الرَّحيمِ، (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[الأنفال:63].
سُدُّوا الخَللَ وتَراصُّوا في اجتنابِ المَعاصي والمُنكراتِ، فإنَّها سببُ الأوبئةِ والأمراضِ، "ولم تَظهرْ الفَاحشةُ في قَومٍ قَط، حَتى يُعلنوا بِها، إلا فَشَا فِيهم الطَّاعونُ والأَوجاعُ التي لم تَكنْ مَضتْ في أَسلافِهم الذين مضوا"، قَالَ كَعبُ الأَحبارِ لابنِ عَباسٍ -رَضيَ اللهُ عَنهُما-: "إذا رَأيتَ الوَباءَ قَد فَشَا، فاعلم أَنَّ الزِّنا قَد فَشَا".
سُدُّوا الخَللَ ولا تَذَروا فُرُجَاتٍ للشَّياطينِ، فإننا في زَمنٍ تَتَقلَّبُ فيهِ الموازينُ، وقد تركنَا رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- على المحجَّةِ البيضاءِ، ليلُها كنهارِها، لا يزيغُ عنها إلا هالكٌ، فالحلالُ بيِّنٌ، والحَرامُ بيِّنٌ، وبينَهما أمورٌ مُشتبهاتٌ، فاسألوا عنها أهلَ العلمِ الأثباتَ، ولا عُذرَ لأهلِ الهوى والشَّهواتِ.
سُدُّوا الخَللَ ولِينوا بأيدي إخوانِكم المُسلمينَ في كلِّ مكانٍ، وشَارِكوهم ما يُعانونَه من المَصائبِ والمآسي والأحزانِ.
سووا صفوفكم وسدوا الخلل في علاقتكم مع ربكم، ولا تدعوا فُرُجات للشيطان ينفذ منها فيشغلكم بشهوات وشبهات تُضْعِف سيركم إلى الله؛ فتكونوا ممن قالوا: (يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا)[الأحزاب:66].
سدوا الخلل في علاقتكم مع أهليكم وأقاربكم وجيرانكم، ولا تدعوا فرجات للشيطان فكم من كلمة جارحة أو مزحة ثقيلة أو وشاية كاذبة أحدثت فُرجة نفذ من خلالها شيطان فتفرقت القلوب وسادت الشحناء والبغضاء.
سدوا الخلل في علاقتكم مع زوجاتكم، ولا تدعوا فُرجات للشيطان توصلكم إلى الخلاف والشقاق، وتجعل مآل بيوتكم الافتراق والطلاق.
سدوا الخلل في عبادتكم، ولا تدعوا فُرجة للشيطان ينفذ من خلالها بالعجب والرياء فتكونوا ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
سووا صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم وقلوبكم، ولا يستخفنّكم من طالت أعمارهم وقصرت عقولهم، فغرّدوا بأمنيات ونداءات بأن يستمر التباعد ويسخرون -سخر الله منهم- من سنة المحاذاة بين المناكب والأكعب، فأولئك ما قدروا الله حق قدره وما عظّموا شعائره، وقست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون.
ومع قرب زوال الغمة وارتفاع الوباء؛ فلنحمد الله على فضله وكرمه، ولنشكر من سعى وبذل وعمل لحماية أرواح الناس، فشكر الله لدولتنا بكل مؤسساتها، ورحم الله من أرداه هذا الوباء.
ونسأل الله لكل مبتلى العافية والشفاء، ونسأله -جل وعلا- أن يديم علينا نعمة الأمن في الأوطان والصحة في الأبدان؛ إنه هو البر الرحيم.
اللهم صلِّ وسلم ...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم