سورة يونس

مسفر بن سعيد بن محمد الزهراني

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ اعتناء سورة يونس بأصول العقيدة الإسلامية 2/ بيان السورة لحال بعض الأمم السابقة وإهلاكهم بالعذاب لكفرهم 3/ بيان نجاة قوم يونس من العذاب لمــَّــا آمنوا 4/ تفسير لبعض آيات السورة الكريمة

اقتباس

إن السورة الكريمة تحدثت عن قصص بعض الأنبياء، فذكرت قصة نوح من قومه، وقصة موسى مع فرعون الجبار، وذكرت قصة يونس نبي الله الذي سميت السورة باسمه، وكل هذه القصص لبيان سنة الله الكونية في إهلاك الظالمين، ونصرة المؤمنين ..

 

 

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين أنزل آيات الكتاب الحكيم على عبده بشيراً ونذيراً للناس أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: أغلب سور القرآن الكريم جاءت لإثبات صدقه، وأنه منزل من عند الله العزيز الحكيم، ومن ذلك سورة يونس، السورة العاشرة في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها تسع ومائة آية، وهي من السور المكية التي تعنى بأصول العقيدة الإسلامية: الإيمان بالله، والإيمان بالكتب، والرسل، والبعث والجزاء.

وهي تتميز بطابع التوجيه إلى الإيمان بالرسالات السماوية، وبوجه أخص إلى القرآن العظيم خاتم الكتب المنزلة، والمعجزة الخالدة على مدى الدهور والعصور.

وتحدثت السورة الكريمة في البدء عن الرسالة والرسول، وبينت أن هذه سنة الله في الأولين والآخرين، فما من أمة إلا بعث الله إليها رسولا، فلا داعي للمشركين للعجب من بعثة خاتم المرسلين: (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ) [يونس:2].

أي: وبشر المؤمنين بأن لهم سابقة ومنزلة رفيعة عند ربهم بما قدموا من صالح الأعمال، ومع وضوح صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإعجاز القرآن، قال الكافرون: إن محمداً لساحر ظاهر السحر، مبطل فيما يدعيه.

ثم تحدثت الآيات عن بيان حقيقة الإلوهية والعبودية، وأساس الصلة بين الخالق والمخلوق، وعرفت الناس بربهم الذي ينبغي أن يعبدوه وأن يسلموا وجوههم إليه، فهو وحده الخالق، الرازق، المحيي، المميت، المدبر، الحكيم، وكل إله سواه باطل هباء.

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ * هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) [3-6].

فالله سبحانه جعل الشمس ساطعة مضيئة بالنهار، والقمر منيراً بالليل، وهذا من كمال رحمته بالعباد، كما أنه سبحانه قدر سير القمر منازل، وهي البروج، ولتعلموا -أيها الناس- حساب الأوقات، فبالشمس تُعرَف الأيام، وبسير القمر تعرف الشهور والأعوام، كما أن في تعاقب الليل والنهار وما أوجد الله في السماوات والأرض من المصنوعات لآيات عظيمة، وبراهين جليلة دالة على وجود الله، ووحدانيته، وكمال علمه وقدرته، لقوم يتقون الله ويخافون عذابه.

وتناولت السورة الكريمة موقف المشركين من الرسالة والقرآن، وذكرت أن القرآن هو المعجزة الخالدة الدالة على صدق النبي الأمي -صلى الله عليه وسلم-، وأنه يحمل برهانه في تفرده المعجز؛ حيث تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، مع أنهم أساطين الفصاحة، وأمراء البيان والبلاغة: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [38].

أي: بل يقول المشركون إن محمداً اختلق القرآن من قبل نفسه، فقل لهم يا محمد إن كان كما زعمتم فجيئوا بسورة مثل القرآن، وهو تعجيز لهم، وإقامة الحجة عليهم؛ وادعوا من دون الله من استطعتم من خلقه من الإنس والجن للاستعانة بهم إن كنتم صادقين في أن محمداً افتراه.

وقال تعالى رداً عليهم: (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) [39]، أي: بل كذب هؤلاء المشركون بالقرآن العظيم، وسارعوا إلى الطعن فيه قبل أن يفهموه ويتدبروا ما فيه، والناس دائماً أعداء لما جهلوا، والحال أنهم لم يأتهم بعد عاقبة ما فيه من الوعيد، ومثل تكذيب هؤلاء كذبت الأمم السابقة قبلهم، فانظر يا محمد كيف أخذهم الله بالعذاب والهلاك بسبب ظلمهم وبغيهم، فكما فعل بأولئك يفعل بهؤلاء الظالمين الطاغين.

ثم بين الله سبحانه أصناف من لا يؤمن بالقرآن أصلاً، فإما مكابرة ومعاندة، وإما لسخافة عقله واختلال تمييزه: (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ * وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ * إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [40-44].

وتمضي السورة الكريمة لتوضح أن القرآن الكريم شفاء لما في الصدور، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [57]، أي: هو موعظة لكم من خالقكم، ويشفي ما في صدوركم من الشك والجهل، وهداية من الضلال، ورحمة لأهل الإيمان.

(قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [58]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: فضل الله القرآن، ورحمته هو الإسلام. والمعنى: ليفرحوا بهذا الذي جاءهم من الله من القرآن والإسلام، فإنه أولى ما يفرحون به، وهو خير مما يجمعون من حطام الدنيا، وما فيها من الزهرة الفانية، والنعيم الزائل؛ فإن الدنيا بما فيها لا تساوي عند الله جناح بعوضة.

وفي السورة الكريمة تعريف للناس بصفات الإله الخالق، بذكر آثاره وقدراته الدالة على التدبير الحكيم، وما في هذا الكون المنظور من آثار القدرة الباهرة التي هي أوضح البراهين على عظمة الله وجلاله وسلطانه: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ) [31].

أي: فسيُقِرُّون بأن فاعل ذلك كله هو الله رب العالمين، إذ لا مجال للمكابرة والعناد لغاية واضحة، فقل لهم يا محمد: أفلا تخافون عقاب الله ونقمته بإشراككم وعبادة غير الله؟ (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) [32]؟ أي: هذا الذي يفعل هذه الأشياء الجليلة هو ربكم الحق، فمَن تخطى الحق الذي هو عبادة الله وحده وقع في الضلال، فكيف تُصرفون عن عبادة الله إلى عبادة ما لا يخلق ولا يرزق ولا يحي ولا يميت؟.

(كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) [33]، أي: واجب قضاء الله وحكمه السابق على الذين خرجوا عن طاعة الله وكفروا وكذبوا أنهم لا يصدقون بوحدانية الله -عز وجل-، ورسالة نبينه -صلى الله عليه وسلم-؛ فلذلك حقت عليهم كلمة العذاب لشقاوتهم وضلالتهم، وهذه هي القضية الكبرى التي يدور محور السورة عليها، وهو موضوع الإيمان بوحدانية الله -جل وعلا-، وقد عرضت السورة لها بشتى الأدلة السمعية والعقلية.

وفي بداية السورة تحدثت عن حال الأشقياء وحال السعداء، ومآل كل منهم: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [7-8].

أي: إن الذين لا يتوقعون لقاء الله أصلاً، ولا يخطر ببالهم، حيث أعمتهم الشهوات عن التصديق بما بعد الممات، ورضوا بالدنيا عوضاً من الآخرة، وآثروا الرخيص على النفيس، وفرحوا بها، وسكنوا إليها؛ والذين هم عن الأدلة المثبتة في صحائف الأكوان غافلون لا يعتبرون بها، ولا يتفكرون فيها، فمثواهم ومقامهم النار بسبب كفرهم وإجرامهم.

أما السعداء فقال فيهم: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ) [9]، أي: يهديهم ربهم بسبب إيمانهم (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [9]، أي: تجري من تحت قصورهم أو من تحت أَسِرَّتِهم الأنهار وهم مقيمون في جنات النعيم.

(دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ) أي: دعاؤهم في الجنة سبحانك اللهم، وفي الحديث: "يُلْهَمُون التسبيح والتحميد كما تُلْهَمُونَ النفَس"، أي كلامهم في الجنة تسبيح، (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ) أي: تحية بعضهم إلى بعض سلام عليكم كما تحييهم بذلك الملائكة (وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [10]، أي: وآخر دعائهم قولهم: الحمد لله رب العالمين الذي منَّ علينا بما نحن فيه من النعيم في جنات النعيم.

إخوة الإسلام: هذه بعض معاني سورة يونس، وللحديث بقية في الخطبة الثانية إن شاء الله، نفعنا الله وإياكم بها وبهدي كتابه الكريم، وسنة خاتم المرسلين، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان لا على الظالمين، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين.

عباد الله: استكمالا ً للحديث عن سورة يونس نقول -وبالله التوفيق-: إن السورة الكريمة تحدثت عن قصص بعض الأنبياء، فذكرت قصة نوح من قومه، وقصة موسى مع فرعون الجبار، وذكرت قصة يونس نبي الله الذي سميت السورة باسمه، وكل هذه القصص لبيان سنة الله الكونية في إهلاك الظالمين، ونصرة المؤمنين.

قال الله تعالى في قصة يونس (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) [98]، فذكرت قصته في السورة في آية واحدة فقط، إلا أنها أشارت إليها في سور أخرى بشيء من التفصيل، وذلك كما في سورة الأنبياء، والصافات.

ويونُسُ هو يونس ابن مَتَّى، نبي الله عليه السلام؛ والمعنى: أي: فهلا كانت قرية واحدة من القرى التي أهلكناها تابت عن الكفر وأخلصت الإيمان عند معاينه العذاب فنفعها إيمانها في ذلك الوقت؟ غير قوم يونس لما تابوا عن الكفر وآمنوا بالله رفعنا عنهم العذاب المخزي المهين في الحياة الدنيا، وأخرناهم إلى انتهاء آجالهم.

قال قتادة: روى أن يونس أنذرهم بالعذاب، ثم خرج من بين أظهرهم، فلما فقدوا نبيهم وظنوا أن العذاب قد دنا منهم قذف الله في قلوبهم التوبة، ولبسوا المسوح، فلما عرف الله الصدق من قلوبهم والتوبة والندم على ما مضى منهم، [وهو أعلم بذلك]، كشف الله عنهم العذاب.

ثم قال الله سبحانه: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [99]، أي: لو أراد الله لآمَن الناس جميعاً، ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك، لكونه مخالفاً للحكمة، فإنه يريد من عباده إيمان الاختيار لا إيمان الإكراه والاضطرار، أفأنت يا محمد مُكْرِهٌ الناس على الإيمان، وتضطرهم إلى الدخول في دينك؟ ليس ذلك إليك.

والآية تسلية له -صلى الله عليه وسلم-، وترويج لقلبه مما كان يحرص عليه من إيمانهم، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- حريصاً على إيمان جميع الناس، فأخبره الله تعالى أنه لا يؤمن إلا مَن سَبَقَتْ له السعادة في الذِّكْر الأوَّل، ولا يضل إلا من سبقت له الشقاوة في الذكر الأول.

ثم قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) [100]، أي: ما كان لأحد أن يؤمن إلا بإرادته تعالى وتوفيقه، ويجعل العذاب على الذين لا يتدبرون آيات الله، ولا يستعملون عقولهم فيما ينفع.

وختمت السورة الكريمة بأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن يقول للناس إنه قد جاءهم القرآن الحق من ربهم، المشتمل على محاسن الأحكام، ويأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالتمسك بشريعة الله والصبر على ما يلقى من الأذى في سبيل الله: (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) [109].

عباد الله: هذه بعض المعاني التي استطعنا أن نوضحها عن سورة يونس، وإلا فمعانيها أوسع مما قلنا بكثير، وأسأل الله أن نكون ممن يقرأ كتاب الله، ويفهم معانيه، ويعمل به ولَه، إنه سميع مجيب الدعاء.

وصلوا وسلموا عباد الله على خاتم رسل الله، نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

يونس

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات