سورة النساء (2) أحكام النساء

الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل

2022-01-21 - 1443/06/18 2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/بعض خصائص ومميزات سورة النساء 2/بعض الأحكام المتعلقة بالنساء في سورة النساء 3/عناية الإسلام بالمرأة وصون حقوقها وكرامتها

اقتباس

وَفِيمَا ذُكِرَ مِنْ أَحْكَامِهِنَّ مَا يَدُلُّ عَلَى عِنَايَةِ اللَّه -تَعَالَى- بِالنِّسَاءِ، وَاخْتِصَاصِهِنَّ بِسُورَةٍ سُمِّيَتْ بِهِنَّ دُونَ الرِّجَالِ، وَهَذَا مِنْ تَكْرِيمِ اللَّهِ -تَعَالَى- لِلْمَرْأَةِ، وَتَظَلُّ كَرِيمَةً غَالِيَةً عَزِيزَةً مَا تَمَسَّكَتْ بِشَرْعِ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي كُلِّ شُئُونِهَا، وَتُهَانُ وَتَرْخُصُ وَتُذَلُّ بِقَدْرِ مَا تَتْرُكُ مِنْ شَرْعِهِ -سُبْحَانَهُ-، وَبِمَا تَتَّبِعُ مِنْ هَوَى نَفْسِهَا...

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ؛ خَلَقَ الْخَلْقَ فَأَبْدَعَ مَا خَلَقَ، وَشَرَعَ الشَّرَائِعَ فَأَحْكَمَ مَا شَرَعَ، نَحْمَدُهُ كَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْمَدَ، وَنَشْكُرُهُ فَقَدْ تَأَذَّنَ بِالزِّيَادَةِ لِمَنْ شَكَرَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ هِدَايَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، وَحُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِمَامُ الْمُرْسَلِينَ، وَقَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى-، وَاقْرَؤُوا الْقُرْآنَ وَتَدَبَّرُوهُ وَاعْمَلُوا بِهِ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، وَبِهِ يَرْتَقُونَ فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنَ الْجَنَّةِ، كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْتَقِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).

 

أَيُّهَا النَّاسُ: مِنْ أَعْجَبِ سُوَرِ الْقُرْآنِ فِي مَوْضُوعَاتِهَا سُورَةُ النِّسَاءِ، وَقَدْ زَخَرَتْ بِالْأَحْكَامِ وَالْمَوَاعِظِ، وَشُحِنَتْ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَكُرِّرَ فِيهَا ذِكْرُ الْمُنَافِقِينَ، وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَوْضُوعَاتِ رَوَابِطُ لَا تَخْفَى عَلَى الْمُتَدَبِّرِينَ؛ فَالْأَحْكَامُ ثَقِيلَةٌ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، وَالتَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ يَدْفَعُهُمْ إِلَى الْعَمَلِ بِهَا، وَالْمُنَافِقُونَ لَا يَعْمَلُونَ بِالْأَحْكَامِ، وَلَا يَتَأَثَّرُونَ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ؛ لِفَسَادِ قُلُوبِهِمْ بِالنِّفَاقِ، فَمَنِ الْتَزَمَ شَرِيعَةَ اللَّهِ -تَعَالَى- كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا كَانَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَمَنِ الْتَزَمَ بَعْضًا وَفَرَّطَ فِي بَعْضٍ كَانَ فِيهِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ، بِحَسْبِ الْتِزَامِهِ وَتَفْرِيطِهِ.

 

وَسُورَةُ النِّسَاءِ زَاخِرَةٌ بِأَحْكَامِ النِّسَاءِ وَحُقُوقِهِنَّ، وَفِي هَذَا تَكْرِيمٌ مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى- لَهُنَّ حِينَ خَصَّهُنَّ بِسُورَةٍ هِيَ أَطْوَلُ سُوَرِ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْبَقَرَةِ.

 

وَمِنْ أَحْكَامِ النِّسَاءِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: وُجُوبُ الْعَدْلِ عَلَى مُعَدِّدِي الزَّوْجَاتِ، وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الْعَدْلِ اكْتَفَى بِوَاحِدَةٍ، وَأَنَّ مُهُورَ النِّسَاءِ حَقٌّ لَهُنَّ وَلَيْسَ لِأَوْلِيَائِهِنَّ وَلَا لِأَزْوَاجِهِنَّ، كَمَا أَنَّ أَيَّ مَالٍ لِلْمَرْأَةِ بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عَمَلٍ فَهُوَ لَهَا، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْءٌ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهَا، وَجَاءَ بَيَانُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا * وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا)[النِّسَاءِ: 3-4].

 

وَمِنْ أَحْكَامِ النِّسَاءِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: فَرْضُ التَّوْرِيثِ لَهُنَّ، وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ لِضَعْفِهِمْ، وَيَأْكُلُ مَالَ الْمَيِّتِ الْأَقْوِيَاءُ مِنْ وَرَثَتِهِ أَوْ أَقَارِبِهِ، فَفَرَضَ اللَّهُ -تَعَالَى- الْإِرْثَ لِكُلِّ وَارِثٍ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ قُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ، أَوْ كِبَرِهِ وَصِغَرِهِ، وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ حَقَّ النِّسَاءِ فِي الْإِرْثِ بِقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا)[النِّسَاءِ: 7].

 

ثُمَّ بَيَّنَ -سُبْحَانَهُ- مَوَارِيثَ الْبِنْتِ وَالْأُمِّ بِإِزَاءِ بَيَانِ مَوَارِيثِ الِابْنِ وَالْأَبِ؛ لِئَلَّا تُؤْكَلَ حُقُوقُ النِّسَاءِ مِنَ الْإِرْثِ: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ)[النِّسَاءِ: 12]. ثُمَّ بَيَّنَ -سُبْحَانَهُ- مَوَارِيثَ الزَّوْجَةِ بِإِزَاءِ بَيَانِ مَوَارِيثِ الزَّوْجِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ)[النِّسَاءِ: 13]. وَقَالَ فِي مِيرَاثِ الزَّوْجَةِ: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ)[النِّسَاءِ: 13]. ثُمَّ بَيَّنَ -سُبْحَانَهُ- مَوَارِيثَ الْأُخْتِ لِأُمٍّ بِإِزَاءِ بَيَانِ مِيرَاثِ الْأَخِ لِأُمٍّ: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ)[النِّسَاءِ: 13]. وَفِي آخِرِ السُّورَةِ بَيَّنَ -سُبْحَانَهُ- مِيرَاثَ الْأُخْتِ بِإِزَاءِ بَيَانِ مِيرَاثِ الْأَخِ؛ لِئَلَّا تُؤْكَلَ حُقُوقُ الْأَخَوَاتِ لِضَعْفِهِنَّ، وَهِيَ الْآيَةُ الَّتِي خُتِمَتْ بِهَا السُّورَةُ: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)[النِّسَاءِ: 176].

 

وَمِنْ أَحْكَامِ النِّسَاءِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: أَنَّ اللَّهَ أَبْطَلَ عَضْلَ النِّسَاءِ بِكُلِّ صُوَرِهِ، وَمَنَعَ تَزْوِيجَهُنَّ بِلَا رِضَاهُنَّ، مِمَّا كَانَ مُنْتَشِرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَمَرَ بِحُسْنِ عِشْرَتِهِنَّ، وَعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِحُقُوقِهِنَّ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا * وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)[النِّسَاءِ: 19-21].

 

وَمِنْ أَحْكَامِ النِّسَاءِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: أَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- بَيَّنَ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ، وَابْتَدَأَهَا بِزَوْجَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَرِثُونَ مِنْ آبَائِهِمْ زَوْجَاتِهِمْ فَيَنْكِحُونَهُنَّ؛ (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ)[النِّسَاءِ: 22-24]. ثُمَّ بَعْدَ بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بَيَّنَ -سُبْحَانَهُ- حِلَّ جَمِيعَ النِّسَاءِ بِالزَّوَاجِ، وَدَفْعِ الْمَهْرِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- فَرِيضَةً لَهُنَّ: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ)[النِّسَاءِ: 24].

 

وَأَرْشَدَ -سُبْحَانَهُ- مَنْ عَجَزَ عَنْ مَئُونَةِ نِكَاحِ الْحُرَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً بِإِذْنِ سَيِّدِهَا، وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ حَدَّ الْأَمَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَدِّ الْحُرَّةِ إِذَا فَعَلَتْ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[النِّسَاءِ: 25].

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ؛ فَإِنَّهَا وَصِيَّةُ اللَّهِ لِلْخَلْقِ أَجْمَعِينَ؛ (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا)[الْبَقَرَةِ: 131].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَرْشَدَ اللَّهُ -تَعَالَى- النِّسَاءَ إِلَى الرِّضَا بِمَا قَسَمَ -سُبْحَانَهُ- لَهُنَّ مِنَ الْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)[النِّسَاءِ: 32]. فَلَا تَتَمَنَّى الْمَرْأَةُ خَصَائِصَ الرِّجَالِ وَحُقُوقَهُمْ وَوَاجِبَاتِهِمْ، وَلَا يَتَمَنَّى الرَّجُلُ خَصَائِصَ النِّسَاءِ وَحُقُوقَهُنَّ وَوَاجِبَاتِهِنَّ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حُقُوقُهُ، وَعَلَيْهِ وَاجِبَاتُهُ، فِي تَكَامُلٍ وَتَوَافُقٍ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ.

 

وَمِنْ أَحْكَامِ النِّسَاءِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: أَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- عَذَرَ النِّسَاءَ فِي عَدَمِ الْهِجْرَةِ؛ لِضَعْفِهِنَّ، كَمَا قَدْ وَضَعَ عَنْهُنَّ الْجِهَادَ، وَجَعَلَهُ مِنْ مُهِمَّاتِ الرِّجَالِ: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا)[97-99] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "كَانَتْ أُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ"؛ يَعْنِي فِي الْهِجْرَةِ.

 

وَثَمَّةَ أَحْكَامٌ أُخْرَى لِلنِّسَاءِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ ضَاقَ الْمَقَامُ عَنْ ذِكْرِهَا، وَفِيمَا ذُكِرَ مِنْ أَحْكَامِهِنَّ مَا يَدُلُّ عَلَى عِنَايَةِ اللَّه -تَعَالَى- بِالنِّسَاءِ، وَاخْتِصَاصِهِنَّ بِسُورَةٍ سُمِّيَتْ بِهِنَّ دُونَ الرِّجَالِ، وَهَذَا مِنْ تَكْرِيمِ اللَّهِ -تَعَالَى- لِلْمَرْأَةِ، وَتَظَلُّ كَرِيمَةً غَالِيَةً عَزِيزَةً مَا تَمَسَّكَتْ بِشَرْعِ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي كُلِّ شُئُونِهَا، وَتُهَانُ وَتَرْخُصُ وَتُذَلُّ بِقَدْرِ مَا تَتْرُكُ مِنْ شَرْعِهِ -سُبْحَانَهُ-، وَبِمَا تَتَّبِعُ مِنْ هَوَى نَفْسِهَا، وَطَاعَةِ شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ الَّذِينَ يُغْوُونَهَا وَيُورِدُونَهَا مَوَارِدَ الْهَلَاكِ وَالْعَذَابِ وَالْبَوَارِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)[النِّسَاءِ: 27].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...

 

 

المرفقات

سورة النساء (2) أحكام النساء.doc

مشكولة - سورة النساء (2) أحكام النساء.doc

مشكولة - سورة النساء (2) أحكام النساء.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات