سورة العنكبوت

مسفر بن سعيد بن محمد الزهراني

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ تعريف بسورة العنكبوت 2/ إشارة لموضوعها الرئيس وهو قضايا العقيدة الكبرى 3/ بيان محورها وهو سنة ابتلاء المؤمنين 4/ تسميتها بالعنكبوت 5/ الاعتبار بمِحَن الأنبياء 6/ توجيهات للنبي الكريم 7/ كيفية مجادلة أهل الكتاب 8/ القرآن الكريم وخصائصه 9/ تفسير الآيات الأخيرة من السورة

اقتباس

وهي سورة مكية، وموضوعها العقيدة في أصولها الكبرى: الوحدانية والرسالة والبعث والجزاء؛ ومحور السورة الكريمة يدور حول الإيمان، وسنة الابتلاء في هذه الحياة؛ لأن المسلمين كانوا في مكة في أقصى أنواع المحنة والشدة، ولهذا جاء الحديث عن موضوع الفتنة والابتلاء في هذه السورة مطولاً ومفصلاً، وبوجه خاص عند ذكر قصص الأنبياء ..

 

 

 

 

 

الحمد لله مُنزل القرآن على خير الأنام، أحمده سبحانه وأشكره واستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله: لنا وقفة في هذا اليوم مع سورة العنكبوت، السورة التاسعة والعشرون في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها تسع وستون آية.

وهي سورة مكية، وموضوعها العقيدة في أصولها الكبرى: الوحدانية والرسالة والبعث والجزاء؛ ومحور السورة الكريمة يدور حول الإيمان، وسنة الابتلاء في هذه الحياة؛ لأن المسلمين كانوا في مكة في أقصى أنواع المحنة والشدة، ولهذا جاء الحديث عن موضوع الفتنة والابتلاء في هذه السورة مطولاً ومفصلاً، وبوجه خاص عند ذكر قصص الأنبياء.

وسميت بسورة العنكبوت لأن الله ضرب بالعنكبوت فيها مثلاً للأصنام المنحوتة والآلهة المزعومة، قال تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا) [العنكبوت:41]، أي: مثَل الذين اتخذوا من دون الله أصناماً يعبدونها في اعتمادهم عليها ورجائهم نفعاً منها كمثل العنكبوت في اتخاذها بيتاً لا يغني عنها في حَرٍّ ولا برد ولا مطر ولا أذى.

(وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [41]، أي: وإن أضعف البيوت لَبيت العنكبوت، لتفاهته وحقارته؛ لو كانوا يعلمون أن هذا مثلهم ما عبدوها.

وتبتدئ السورة بهذا البدء الصريح (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) [1-2]، أي: أيظن الناس أن يُتركوا من غير افتتان لمجرد قولهم باللسان آمنا؟ لا! ليس الأمر كما ظنوا، بل لابد من امتحانهم ليتميز الصادق من المنافق.

(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)، أي: ولقد اختبرنا وامتحنَّا مَن سبقهم بأنواع التكاليف والمصائب والمحن، (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [3]، أي: فَلَيُمَيِّزَنَّ اللهُ بين الصادق في دعوى الإيمان وبين الكاذب فيه.

وتمضي السورة تتحدث عن فريق من الناس، يحسبون الإيمان كلمة تقال باللسان، فإذا نزلت بهم المحنة والشدة انتكسوا إلى جحيم الضلال، وارتدوا عن الإسلام؛ تخلصاً من عذاب الدنيا، كأن عذاب الآخرة أهون من عذاب الدنيا. (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ) [10].

كما بينت السورة أن الله أمَر ببِرِّ الولد لوالديه، والإحسان إليهما غاية الإحسان؛ لأنهما سبب وجوده، ولهما عليه غاية الفضل والإحسان، الوالد بالإنفاق، والوالدة بالإشفاق، قال الصاوي: إنما أمر الله الأولاد ببر الوالدين دون العكس لأن الأولاد جُبِلوا على القسوة وعدم طاعة الوالدين، فكلفهم الله بما يخالف طبعهم، والآباء مجبولون على الرحمة والشفقة بالأولاد، فكلفهم بما جُبلوا عليه، وعلى الولد البر بوالديه حتى لو حرصا على أن يكفر بالله ويشرك به، ولكن لا يطيعهما في معصية الله؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وتمضي السورة تتحدث عن محنة الأنبياء، وما لاقوه من شدائد وأهوال في سبيل تبليغ رسالة الله، بدءاً بقصة نوح ثم إبراهيم ثم لوط ثم شعيب، وتتحدث عن بعض الأمم وبعض الطغاة المتجبرين، كعاد وثمود وقارون وهامان وغيرهم.

وتذكر ما حل بهم من الهلاك والدمار، (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ)، أي: فكلا من هؤلاء المجرمين أهلكناه بسبب ذنبه، وعاقبناه بجنايته، (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا)، أي: ريحاً عاصفة مدمرة فيها حصباء، حجارة، كقوم لوط، (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ)، أي: ومنهم من أخذته صيحة العذاب مع الرجفة كثمود، (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ)، أي: خسفنا به وبأملاكه الأرض حتى غاب فيها، كقارون وأصحابه، (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا)، أي: أهلكنا بالغرق، كقوم نوح وفرعون وجنده، (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [40]، أي: ما كان الله ليعذبهم من غير ذنب فيكون لهم ظالماً ولكن ظلموا أنفسهم فاستحقوا العذاب والهلاك والدمار.

وفي قصص الأنبياء دروس من المحن والابتلاء في ضخامة الجهد، وضآلة الحصيلة، فهذا نوح -عليه السلام- مكث في قومه تسعمائة وخمسين سنة يدعوهم إلى الإيمان فما آمن معه إلا قليل! (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) [14].

وهذا أبو الأنبياء إبراهيم الخليل -عليه السلام- يحاول هداية قومه بكل وسيلة، ويجادلهم بالحجة والبرهان، فما تكون النتيجة إلا العلو والطغيان، (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [24].

وفي قصة لوط يظهر التبجح بالرذيلة دون خجل أو حياء، (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ) [28]، وهي الفعلة الشنيعة القبيحة، اللواط، وذلك منتهى القذارة والخسة قال المفسرون؛ لم يقدم أحد قبلهم عليها اشمئزازاً منها في طباعهم لإفراط قبحها حتى قدوم قوم لوط، فعاقبهم الله أسوأ العقاب كما أسلفنا.

وتمضي السورة ويأتي فيها أمر الله -عز وجل- لرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- بتلاوة القرآن وترداده؛ لأن فيه محاسن الآداب، ومكارم الأخلاق، وأن يداوم على إقامة الصلاة بأركانها وشروطها وخشوعها؛ فإنها عماد الدين، فالصلاة الجامعة لشروطها وآدابها، المستوفية لخشوعها وأحكامها، إذا أرداها المصلي كما ينبغي، وكان خاشعاً في صلاته، متذكراً عظمة ربه، متدبراً لما يتلو، نهَته عن الفواحش والمنكرات.

ولَذِكْرُ الله أكبر من كل شيء في الدنيا، وهو أن تتذكر عظمته وجلاله، وتتذكره في صلاتك، وفي بيعك وشرائك، وفي أمور حياتك كلها، ولا تغفل عنه في جميع شؤونك، فالله يعلم جميع أعمالكم وأفعالكم، فيجازيكم عليها أحسن المجازاة.

قال أبو العالية: إن الصلاة فيها ثلاث خصال: الإخلاص، والخشية، وذكر الله؛ فالإخلاص يأمره بالمعروف، والخشية تنهاه عن المنكر، وذكر الله (القرآن) يأمره وينهاه؛ فكل صلاة لا يكون فيها شيء من هذه الخلال فليست بصلاة، قال تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [45].

وتتحدث السورة عن كيفية مجادلة أهل الكتاب: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [46]، أي لا تدعوا أهل الكتاب إلى الإسلام وتناقشوهم في أمر الدين إلا بالطريقة الحسنى، كالدعاء إلى الله بآياته، والتنبيه إلى حججه وبيِّناته، (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ)، إلا مَن كان ظالماً محارباً لكم، مجتهدا في عداوتكم، فجادلوهم بالغلظة والشدة، (وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) [46]، أي: وقولوا لهم: آمنا بالقرآن الذي أنزل إلينا، وبالتوراة والإنجيل التي أنزلت إليكم.

قال أبو هريرة: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذِّبوهم، وقولوا آمنَّا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم"، (وَإلهُنَا وَإِلهُكُمْ وَاحِدٌ)، أي: وربنا وربكم واحد لا شريك له في الإلوهية، (وَنحنُ لهُ مُسْلِمُونَ) [46]، أي: ونحن له مطيعون مستسلمون لحكمه وأمره.

(وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ) [47]، أي: وكما أنزلنا الكتاب على مَن قبلك يا محمد أنزلناه عليك، (فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ)، أي: فالذين أعطيناهم الكتاب كعبد الله بن سلام وأمثاله ممن أسلم من اليهود والنصارى يؤمنون بالقرآن، (وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ)، أي: ومن أهل مكة من يؤمن بالقرآن كذلك، (وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ) [47]، أي: وما يكذب بآياتنا وينكرها مع ظهورها وقيام الحجة عليها، إلا المتوغلون في الكفر، المصرون على العناد.

(وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ)، أي: وما كنت يا محمد تعرف القراءة ولا الكتابة قبل نزول هذا القرآن؛ لأنك أمِّي، (إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) [48]، أي: ولو كنت تقرأ أو تكتب إذاً لشك الكفار في القرآن، وقالوا: لعله التقطه من كتب الأوائل، ونسَبَه إلى الله، (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)، أي: بل هو آيات واضحات الإعجاز، محفوظات في صدور العلماء.

قال المفسرون: من خصائص القرآن العظيم أن الله حفِظه من التبديل والتغيير بطريقتين:
الأولى: الحفظ في السطور.
والثانية: الحفظ في الصدور بخلاف غيره من الكتب فإنها مسطرة لديهم غير محفوظة في صدورهم ولهذا دخلها التحريف (وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ) [49]، أي: وما يُكَذِّبُ بآياتنا إلا المتجاوِزُونَ الحدَّ في الكفر والعناد.

عباد الله: هذا بعض ما استطعنا أن نوضحه من معاني بعض آيات سورة العنكبوت، وللحديث بقية إن شاء الله في الخطبة الثانية، وأسأل الله أن ينفعنا بها وبهدي كتابه الكريم، وسنة خاتم المرسلين، وبما نقول ونسمع، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هديه إلى يوم الدين.

عباد الله: استكمالاً للحديث عن سورة العنكبوت سنتحدث عن الآيات الأخيرة من السورة، قال تعالى: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) [64]، أي: وما الحياة في هذه الدنيا إلا غرور ينقضي سريعاً ويزول، كما يلعب الصبيان ساعة ثم يتفرقون، (وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ)، أي: وإن الآخرة لهي دار الحياة الحقيقية التي لا موت فيها ولا تنغيص، (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [64]، أي: لو كان عندهم علم لم يؤثروا دار الفناء على دار البقاء؛ لأن الدنيا حقيرة، وكما جاء في الحديث الشريف: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً جرعة ماء".

ولقد أحسن من قال:
تأمَّلْ في الوُجُودِ بعَيْنِ فِكْرٍ *** تَرى الدُّنْيَا الدَّنِيَّةَ كَالْخَيَالِ
وَمَنْ فيها جَمِيعَاً سَوفَ يَفْنَى *** وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلَالِ

ثم تتحدث السورة الكريمة عن حال المشركين في دعائهم لله عند الشدائد، ثم يشركون به في حال الرخاء، قال تعالى: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) [65]، والمعنى: إذا ركبوا في السفن وخافوا الغرق دعوا الله مخلصين له الدعاء؛ لعلمهم أنه لا يكشف الشدائد عنهم إلا الله، فلمَّا خلَّصَهُم من أهوال البحر ونجَّاهُم إلى جانب البر، إذا هم يعودون إلى كفرهم وإشراكهم، ناسين ربهم الذي أنقذهم من الشدائد والأهوال.

(لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [66]، أي: فليكفروا بما أعطيناهم من نعمة الإنجاء من البحر، وليتمتعوا في هذه الحياة الدنيا بباقي أعمارهم، فسوف يعلمون عاقبة أمرهم.

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [67]، أي: أولم ير هؤلاء الكفار رؤية تفكر واعتبار أنا جعلنا بلدهم (مكة) حرماً مصوناً عن السلب والنهب، آمناً أهله من القتل والسبي، والناس حولهم يُسبَون ويقتلون؟! (أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ)؟ [67]، أي: أفبَعد هذه النعم الجليلة يؤمنون بالأوثان ويكفرون بالرحمن؟.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ)؟ [68]، أي: لا أحد أظلم ممَّن عبَد غير الله وكذب بالقرآن حين جاءه، أليس في جهنم مأوىً وموضع إقامة للكافرين بآيات الله جزاء افترائهم وكفرهم؟.

ثم تختتم السورة الكريمة بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)، أي: والذين جاهدوا النفسَ والشيطانَ والهوى والكفَرةَ أعداءَ الدين ابتغاء مرضاة الله لَنَهْدِيَنَّهُم طريق السير إلينا، (وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [69]، أي: مع المؤمنين بالنصر والعون.

عباد الله: هذا ما تيسَّر لنا جمعه من معاني سورة العنكبوت، وأسأل الله أن ينفعنا بما نقول ونسمع، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.

وصَلُّوا وسلِّمُوا -عباد الله- على خاتم رسل الله، نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

 

 

 

 

 

المرفقات

العنكبوت

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات