سورة الروم

مسفر بن سعيد بن محمد الزهراني

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ تعريف بسورة الروم 2/ إشارة لأهدافها في معالجة أصول العقيدة 3/ تسميتها وقصة تنبؤ القرآن الكريم بانتصار الروم بعد بضع سنين 4/ استعراض لمحتواها 5/ تفسير لبعض آياتها

اقتباس

سورة الروم هي السورة الثلاثون في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها ستون آية، وهي مكية، وأهدافها نفس أهداف السور المكية التي تعالج قضايا العقدية الإسلامية في إطارها العام، وميدانها الفسيح: الإيمان بالوحدانية، وبالرسالة، وبالبعث والجزاء ..

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين والعاقبة، للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين. 

أما بعد: فيا عباد الله: سورة الروم هي السورة الثلاثون في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها ستون آية، وهي مكية، وأهدافها نفس أهداف السور المكية التي تعالج قضايا العقدية الإسلامية في إطارها العام، وميدانها الفسيح: الإيمان بالوحدانية، وبالرسالة، وبالبعث والجزاء.

وسميت سورة الروم لذكر تلك المعجزة الباهرة التي تدل على صدق أنباء القرآن العظيم: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الروم:1-7].

حيث تنبأت السورة، عن حدث غيبي مهم أخبر عنه القرآن الكريم قبل حدوثه، ألا وهو انتصار الروم على الفرس في الحرب التي ستقع قريباً بينهما، وقد حدث كما أخبر عنه القرآن الكريم؛ وبذلك تحققت النبوة، وذلك من أظهر الدلائل على صدق محمد -صلى الله عليه وسلم- فيما جاء به من الوحي، ومن أعظم معجزات القرآن.

قال المفسرون: كان بين فارس والروم حرب، فغلبت فارس الروم، فبلَّغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه فشق ذلك عليهم، وفرح المشركون بذلك؛ لأن أهل فارس كانوا مجوساً ولم يكن لهم كتاب، والروم أصحاب كتاب، فقال المشركون لأصحاب رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: إنكم أهل كتاب ونحن أمّيون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم، فلنظهرن عليكم!.

قال أبو بكر: لا يقر الله أعينكم. فأنزل الله تعالى (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) [3]، وقد التقى الجيشان في السنة السابعة من الحرب وغلبت الروم فارس وهزمتهم، وفرح المسلمون بذلك، ووقع كما أخبر القرآن، ولله عز وجل الأمر أولاً وآخراً، من قَبل الغلبة ومن بعدها، وفرح فعلاً المسلمون بنصر الروم على فارس؛ لأن أهل الكتاب أقرب إلى المؤمنين من المجوس.

وقد صادف ذلك اليوم يوم غزوة بدر، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان يوم بدر هزيمة عبدة الأوثان وعبدة النيران، والله سبحانه ينصر من يشاء من عباده، وذلك وعد مؤكد من الله، فلا يمكن أن يتخلف، ولكن أكثر الناس لا يعلمون؛ لجهلهم وعدم تفكرهم، يعلمون أمور الدنيا وما يحتاجون إليه فيها من أمور الحياة كالزراعة والتجارة والبناء ونحو ذلك، وهم عُمْيٌ عن أمر الآخرة، ساهون غافلون عن التفكر فيها، والعمل لها.

ثم تحدثت السورة عن حقيقة المعركة بين حزب الرحمن وحزب الشيطان، وأنها معكرة قديمة قدم هذه الحياة، فالحرب لا تهدأ ما دام هناك حق وباطل، وخير وشر، وما دام الشيطان يمد أعوانه وأنصاره لإطفاء نور الله، ومحاربة دعوة الرسل الكرام، وقد ساقت الآيات دلائل وشواهد على انتصار الحق على الباطل في شتى العصور والدهور، وتلك هي سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلا.

ومن ذلك قوله تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) [14]، أي: يوم تقوم القيامة يومئذ يتفرق المؤمنون والكافرون ويصبحون فريقين، فريق في الجنة وفريق في السعير، (فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) [15]، أي: فهم في رياض الجنة يُسَرُّونَ وينعمون، (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ) [16]، أي: فأولئك في عذاب جهنم مقيمون على الدوام.

(فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) [17]، أي: سبِّحوا الله ونزهوه عما لا يليق به من صفات النقص، حين تدخلون في المساء وحين تدخلون في الصباح، (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) [18]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: يحمده أهل السماوات وأهل الأرض ويصلّون له، والعشي من صلاة المغرب إلى العتمة، (تُظْهِرُونَ): تدخلون وقت الظهر.

(يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ)[19]، أي: يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، والنبات من الحَب والحب من النبات، والحيوان من النطفة والنطفة من الحيوان، (وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)[19]، أي: ويحيي الأرض بالنبات عندما ينزل المطر بعد يبسها وجدبها، (وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ)[19]، أي: كذلك يخرجكم الله من قبوركم للبعث يوم القيامة.

ثم تحدثت السورة عن خَلق البشر، فقال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ)[20]، أي: ومن آياته الباهرة الدالة على عظمته وكمال قدرته أنه خلق أصلكم (آدم) من تراب، ثم أنتم تتطورون من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى بشر عقلاء تتصرفون فيما هو قوام معاشكم.

(وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) [21]، أي: خلَق لكم من صنفكم وجنسكم نساء آدميات مثلكم، ولم يجعلهن من جنس آخر، (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)، أي: لتميلوا إليهن وتألفوهن، (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)، أي: جعل بين الأزواج والزوجات محبة وشفقة، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [21]، أي: إن في ذكر هذه الآيات لعبرة عظيمة لقوم يتفكرون في قدرة الله وعظمته فيدركون حكمته البالغة.

(وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ) في ارتفاعها واتساعها، (وَالْأَرْضِ) في تمهيدها وانخفاضها، (وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ)، أي: واختلاف اللغات من عربية وعجمية وتركية ورومية، واختلاف الألوان من أبيض وأسود وأحمر حيث لا يشبه شخص بشخص آخر، ولا إنسان بإنسان، مع أنهم جميعاً من ذرية آدم (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) [22]، أي: لمن كان من ذوي العلم والفهم والبصيرة.

(وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)[23]، أي: نومكم في ظلمة الليل ووقت الظهيرة راحة لأبدانكم، (وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ)، أي: وطلبكم للرزق بالنهار، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) [23]، أي: سماع تفهم واستبصار.

(وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا) [24]، أي: أنه يريكم البرق خوفاً من الصواعق، وطمعاً في الغيث والمطر، (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)، أي: وينزل المطر من السماء فينبت به الأرض بعد أن كانت هامدة جامدة لا نبات فيها ولا زرع، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [24]، أي: لَعِبَراً وعظات لقوم يتدبرون بعقولهم آلاء الله.

(وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ)[25]، أي: تتماسك السماوات بقدرته بلا عمد، وتثبت الأرض بتدبيره وحكمته فلا تنكفئ بسكانها، ولا تنقلب بأهلها، (ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) [25]، أي: ثم إذا دعيتم إلى الخروج من القبور إذا أنتم فوراً تخرجون للجزاء والحساب لا يتأخر خروجكم طرفة عين.

قال المفسرون: وذلك حين ينفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية، ويقول: يا أهل القبور قوموا. فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر، (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) [26]، أي: منقادون لأمر الله تعالى.

وتمضي السورة في ضرب الأمثال للمشركين في عباداتهم لغير الله، مع أنه وحده الخالق الرازق، (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [28]، أي: مثلا واقعياً من أنفسكم، (هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ)، أي: هل يرضى أحدكم أن يكون عبده ومملوكه شريكا له في ماله الذي رزقه الله تعالى؟ فإذا لم يرض أحدكم لنفسه ذلك فكيف ترضون لله شريكاً؟.

(فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) هذا من تتمة المثل، أي: لستم ترضون أن يكون عبيدكم شركاء لكم في أموالكم، فيكف رضيتم لله شريكاً في خلقه وملكه؟ (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[28]، أي: مثل ذلك البيان الواضح نبين الآيات لقوم يستعملون عقولهم في تدبر الأمثال. (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) [29].

ويأمر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بقوله (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا) [30]، أي: دين الإسلام، مائلاً عن كل دين باطل فهو الدين الحق، (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)، أي: فطرة التوحيد، كما في الحديث: "كل مولود يولد على الفطرة"، والفطرة : الخلقة، أي: خلقة الله التي خلق الناس عليها، (لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)، أي: لا تغيير لتلك الفطرة السليمة، (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)، أي: الدين المستقيم، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [30]، أي: أكثر الناس جهَلة لا يتفكرون فيعلمون أن لهم خالقاً معبوداً.

(مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[31]، أي: راجعين إليه بالتوبة وإخلاص العمل، وخافوه وراقبوه في أقوالكم وأفعالكم، وأقيموا الصلاة لوجهه ولا تكونوا ممن عبد الله مع إله غيره؛ ثم فسرها بقوله: (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا) [32]، أي: اختلفوا في دينهم وغيروه وبدلوه فأصبحوا شيعاً وأحزاباً، كُلٌّ يتعصَّبُ لدينه، وكُلٌّ يعبد هواه، (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [32]، أي: كل فرقة متمسكون بما أحدثوه، مسرورون بما هم عليه من الدين المعوج، يحسبون باطلهم حقاً.

عباد الله: هذا ما تيسر إيضاحه في الخطبة الأولى عن سورة الروم، نفعنا الله بها وبهدي كتابه الكريم، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله واسع الفضل والعطاء، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين.

أما بعد: عباد الله: استكمالا للحديث عن بعض ما اشتملت عليه سورة الروم من معانٍ فإن الآيات العشرين الأخيرة منها تحدثت عن الأسباب الموجبة للمحنة والابتلاء، وهي الكفر، وانتشار المعاصي، وكثرة الموبقات التي بسببها تقل الخيرات والبركات.

ومن ذلك قوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [41]، قيل المراد بالفساد الجدب، وكثرة الحرق والغرق، ومحق البركات، وكثرة المضار؛ بشؤم معاصي الناس، أو بكسبهم إياها؛ ليذيقهم الله وبال بعض أعمالهم في الدنيا قبل أن يعاقبهم في الآخرة؛ لعلهم يتوبون ويرجعون عمَّا هم عليه من المعاصي والآثام.

وتمضي السورة في ضرب الأمثال بهلاك الأمم السابقة؛ تنبيهاً لقريش، وأمراً لهم بالاعتبار بمن سبقهم من المشركين المكذبين، كيف أهلكهم الله بسبب طغيانهم وإجرامهم، ولنا وقفة مع الآية التالية: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) [54]، أي: خلقكم أيها الناس من أصل ضعيف وهو النطفة، وجعلكم تتقلبون في أطوار: الجنين، الوليد، الرضيع، المفطوم؛ وهي أحوال في غاية الضعف، فصار كأن الضعف مادة خلقكم.

(ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) [54]، أي: ثم جعل من بعد ضعف الطفولة قوة الشباب، (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً)، أي: ثم جعل من بعد قوة الشباب ضعف الهرم والشيخوخة، (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ)، أي: يخلق الله ما يشاء من ضعف وقوة، وشباب وشيب، (وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) [54].

وقال تعالى (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) [55]، أي: يوم القيامة، يوم يبعث الناس للحساب، (يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ)، أي: يحلف الكافرون المجرمون بأنهم ما مكثوا في الدنيا غير ساعة من الزمن، (كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ) [55]، أي: كذلك كانوا في الدنيا يصرفون من الحق إلى الباطل، ومن الصدق إلى الكذب.

وفي ختام السورة يقول الله تعالى (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) [60]، أي: فاصبر يا محمد على تكذيب المشركين وازدرائهم لك؛ فإن وعد الله بنصرك وإظهار دينك حق لابد من إنجازه، (وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) [60]، أي: ولا يحملنك على الخفة والقلق جزعاً مما يقوله الضالون الشاكون، ولا تترك الصبر بسبب تكذيبهم وإيذائهم.

عباد الله: استعرضنا بعض معاني آيات سورة الروم، وأدعو الله أن ينفعنا بها، وأحثكم على الاطلاع على تفسيرها، فلم نذكر إلا القليل أو الراجح مما فسرها به المفسرون. وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأسأل الله أن نكون ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.

وصَلُّوا وسلِّموا -عباد الله- على خاتم رسل الله، نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

الروم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات