عناصر الخطبة
1/ تعريف بسورة الحج 2/ لمحات من آيات تناولت الحج وفرضه 3/ فكرة مجملة عن السورة الكريمةاقتباس
ومع أنها مدنية إلا أنه يغلب عليها جو السور المكية، فموضوع الإيمان والتوحيد والإنذار والتخويف وموضوع البعث والجزاء ومشاهد القيامة وأهوالها هو البارز في السورة الكريمة، حتى يكاد يخيل للقارئ أنها من السورة المكية، هذا إلى جانب الموضوعات التشريعية من الإذن بالقتال، وأحكام الحج والهدي، والأمر بالجهاد في سبيل الله، وغير ذلك من المواضيع التي هي من خصائص السور المدنية، حتى لقد عدها بعض العلماء من السور المشتركة بين المكي والمدني ..
الحمد لله الذي فرض الحج إلى بيته الحرام على المؤمنين لمن استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله أفضل من صلى وصام، ووقف بالمشعر الحرام، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الأطهار، ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام الخمسة، فرضه الله على عباده المسلمين مرة واحدة في العمر، وما زاد فهو نفل.
والحجُّ اسمُ سورةٍ في كتاب الله الكريم، هي السورة الثانية والعشرون في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها ثمان وسبعون آية، وهي مدنية، تتناول جوانب التشريع كسائر السور المدنية.
ومع أنها مدنية إلا أنه يغلب عليها جو السور المكية، فموضوع الإيمان والتوحيد والإنذار والتخويف وموضوع البعث والجزاء ومشاهد القيامة وأهوالها هو البارز في السورة الكريمة، حتى يكاد يخيل للقارئ أنها من السورة المكية، هذا إلى جانب الموضوعات التشريعية من الإذن بالقتال، وأحكام الحج والهدي، والأمر بالجهاد في سبيل الله، وغير ذلك من المواضيع التي هي من خصائص السور المدنية، حتى لقد عدها بعض العلماء من السور المشتركة بين المكي والمدني.
وسميت بسورة الحج تخليداً لدعوة الخليل إبراهيم -عليه السلام- حين انتهى من بناء البيت العتيق، ونادى الناس لحج بيت الله الحرام، فتواضعت الجبال حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع نداؤه من في الأصلاب والأرحام، فأجابوا النداء: لبيك اللهم لبيك.
قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) [الحج:25]، أي: جحدوا بما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- ويمنعون المؤمنين عن إتيان المسجد الحرام لأداء المناسك فيه، قال القرطبي: وذلك حين صدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المسجد الحرام عام الحديبية (الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ)، أي: الذي جعلناه منسكاً ومتعبداً للناس جميعاً، سواء المقيم الحاضر فيه والذي يأتيه من خارج بمعصية، (نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [25]، أي: نذقه أشد أنواع العذاب الموجع.
(وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ)، أي: واذكر يا محمد حين أرشدنا إبراهيم وألهمناه مكان البيت، (أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا)، أي: أمرناه ببناء البيت العتيق خالصاً لله، (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [26]، أي: طهر بيتي من الأوثان والأقذار لمن يعبد الله فيه بالطواف والصلاة بما فيها أعظم أركانها الركوع والسجود.
(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) [27]، أي: ونادِ في الناس داعياً لهم للحج إلى بيت الله العتيق، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له: أذِّن في الناس بالحج. قال: يا رب، وما يبلغ صوتي؟ قال أذن وعليَّ البلاغ، فصعد إبراهيم على جبل أبي قبيس وصاح: يا أيها الناس إن الله قد أمركم بحج هذا البيت ليثيبكم به الجنة، ويجيركم من النار. فأجابه مَن كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء: لبيك الله لبيك.
(يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ)، أي: يأتوك مشاة على أقدامهم، أو ركباناً على كل جمل هزيلٍ قد أتعبته وأنهكته المسافة، (يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)، أي: من كل طريق بعيد [27].
(لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ)، أي: ليحضروا منافع لهم دينية ودنيوية، (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)، أي: ويذكروا عند ذبح الهدايا والضحايا اسم الله في أيام النحر شكراً لله على نعمائه، وعلى ما رزقهم وملَّكهم من الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم والماعز، (الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [28]، أي: كُلوا من لحومها وأطعموا منها البائس الذي أصابه بؤس وشدة، والفقير الذي أضعفه الإعسار.
(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ)، أي: ما أوجبوه على نفوسهم بالنذر طاعة لله تعالى، (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [29]، أي: ليطوفوا حول البيت العتيق طواف الإفاضة، وهو طواف الزيارة الذي من تمام التحلل، والعتيق: القديم، سُمِّيَ به لأنه أول بيت وضع للناس.
(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)، أي: ومن يعظم ما شرعه الله من أحكام الدين، ويجتنب المعاصي والمحارم، فهو خير له ثواباً في الآخرة، (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ)، يعني: أحللنا لكم جميع الأنعام إلا ما استثني في الكتاب المجيد كالميتة والمنخنقة وما ذبح على النصب وغير ذلك، (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ)، أي: اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان كما اجتناب الأنجاس، وهو غاية المبالغة في النهي عن عبادتها وتعظيمها، (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) [30]، أي: اجتنبوا شهادة الزور، أي شهادة الكذب.
(حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ)، أي: مائلين إلى الحق، مسلمين لله، غير مشركين به أحداً، (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ)، تمثيل للمشركين في ضلاله وهلاكه، أي: ومَن أشرك بالله فكأنما سقط من السماء فتخطفه الطير وتمزقه كل ممزق، (أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) [31]، أي: أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المهالك البعيدة.
(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [32]، أي: ذلك ما وضحه الله لكم من الأحكام والأمثال، ومن يعظم أمور الدين، ومنها أعمال الحج والأضاحي والهدايا، فإن تعظيمها من أعمال المتقين لله؛ وأضاف التقوى إلى القلوب لأن التقوى محلها القلب.
(لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [33]، أي: لكم في الهدايا منافع كثيرة من الدَّرِّ للَّبَنِ والنسل والركوب إلى وقت نحرها أو ذبحها في الحرم بمكة أو منى.
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا)، أي: شرعنا لكل أمة من الأمم السابقة من عهد إبراهيم -عليه السلام- مكاناً للذبح تقرباً إلى الله، (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ)، أي: أمرناهم عند الذبح أن يذكروا اسم الله، وأن يذبحوا لوجهه تعالى، (عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)، أي: شكراً لله على ما أنعم عليهم من بهيمة الأنعام، (فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) [34]، أي: فربكم ومعبودكم أيها الناس إله واحد لا شريك له، فأخلصوا العبادة له، واستسلموا لحكمه وطاعته، وبشِّر المطيعين المتواضعين بجنات النعيم.
ثم وصف الله تعالى المخبتين بأربع صفات فقال: (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)، أي: خافت وارتعشت بذكر الله قلوبهم، (وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ)، أي: يصبرون في السراء والضراء على الأمراض والمصائب والمحن وسائر المكاره، (وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ)، أي: الذين يؤذونها في أوقاتها مستقيمة كاملة، مع الخشوع والخضوع لله سبحانه، (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [35]، أي: ومن بعض الذي رزقناهم مِن فضلنا ينفقون في وجوه الخيرات.
(وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) [36]، أي: والإبل السمينة -سميت بدناً لبدانتها وضخامة أجسامها- جعلناها من أعلام الشريعة التي شرعها الله لعباده، قال ابن كثير -رحمه الله-: وكونها من شعائر الدين أنها تهدي إلى بيته الحرام، بل هي أفضل ما يهدي، (لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ)، قال ابن عباس: -رضي الله عنهما-: نفع في الدنيا، وأجر في الآخرة، (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ)، أي: واذكروا عند ذبحها اسم الله الجليل عليها حال كونها صواف قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن.
(فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا) أي: فإذا سقطت علي الأرض بعد نحرها، وهو كناية عن الموت، (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)، أي: كلوا من هذه الهدايا وأطعموا القانع، أي: المتعفف، والمعتر: أي السائل. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-، وقال الرازي: الأقرب أن القانع هو الراضي بما يُدفع إليه من غير سؤال وإلحاح، والمعتر هو الذي يتعرض للناس ويطلب، ويعتريهم حالا بعد حال، (كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [36]، أي: قبل ذلك التسخير البديع جعلناها منقادة لكم مع ضخامة أجسامها لكي تشكروا الله على إنعامه.
ثم قال تعالى: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا) [37]، أي: لن يصل إليه تعالى شيء من لحومها ولا دمائها، (وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)، أي: ولكن يصل إليه التقوى منكم بامتثالكم أوامره، وطلبكم رضوانه، (كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) [38]، أي: كذلك ذللها لكم لتكبروا الله على ما أرشدكم إليه من أحكام دينه، وبشِّر المحسنين في أعمالهم بالسعادة والفوز بدار النعيم.
عباد الله: هذه لمحة عن آيات من سورة الحج تناولت الحج وفريضته، نسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا، وأن يُيَسِّرَ لنا ولجميع عباده المسلمين الحج إلى بيته الحرام، وأن يتقبل من الجميع أعمالهم في الحج وفي غيره، وأن ينفعنا بهدي كتابه الكريم، وسنة خاتم المرسلين.
أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي شرع لعباده الحج إلى بيته الحرام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: أيها المسلمون: لم نتكلم في الخطبة الأولى عن سورة الحج إلا عن جزء يسير منها، وسنحاول في هذه الخطبة أن نعطي فكرة مجملة عن هذه السورة، فنقول -وبالله التوفيق- إن سورة الحج ابتدأت بمطلع عنيف مخيف ترتجف له القلوب، وتطيش لهوله العقول، ذلكم هو الزلزال العنيف الذي يكون بين يدي الساعة، ويزيد في الهول على خيال الإنسان؛ لأنه لا يدك الدور والقصور فحسب، بل يصل هوله إلى المرضعات الذاهلات عن أطفالهن، والحوامل المسقطات لحملهن، والناس الذي يرتجفون كأنهم سكارى من الخمر، وما بهم شيء من السكر والشراب، ولكنه الموقف المرهوب، الذي تتزلزل له القلوب.
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [1-2].
ومن أهوال الساعة التي دلت على البعث والنشور تنتقل السورة لتقيم الأدلة والبراهين على البعث بعد الفناء، ثم الانتقال إلى دار الجزاء، لينال الإنسان جزاءه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر؛ وتحدثت السورة عن بعض مشاهد القيامة حيث يكون الأبرار في دار النعيم، والفجار في دار الجحيم.
ثم انتقلت للحديث عن الحكمة في الإذن بقتال الكفار، ومنها الدفاع عن المقدسات، وحماية المستضعفين، وتمكين المؤمنين من عبادة الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) [38]، أي ينصر المؤمنين، ويدفع عنهم بأس المشركين، وهذه بشارة للمؤمنين بإعلائهم على الكفار، وكف كيدهم عنهم، فإنه تعالى يبغض كل خائن للأمانة، جاحد نعمة الله.
ثم قال تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [39]، أي: أذن الله لهم في القتال بسبب أنهم ظلموا. قال ابن عباس -رضي الله عنه-: هذه أول آية نزلت في الجهاد. قال المفسرون: هم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان مشركو مكة يؤذونهم أذى شديداً، وكانوا يأتون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين مضروب ومشجوج، ويتظلمون إليه، فيقول لهم: "اصبروا؛ فإني لم أؤمر بقتالهم"، حتى هاجروا فأنزلت هذه الآية، وهي أول آية أذن الله فيها بالقتال، بعد ما نهى عنه في أكثر من سبعين آية.
وإن الله قادر على نصر عباده من غير قتال، ولكنه يريد منهم أن يبذلوا جهدهم في طاعته، لينالوا أجر الشهادة. (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) [40]، أي: أخرجوا من أوطانهم ظلماً وعدواناً بغير سبب موجب للإخراج إلا أنهم وحَّدوا الله ولم يشركوا به أحداً.
(وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ)، أي: لولا ما شرعه الله من الجهاد وقتال الأعداء لاستولى أهل الشرك على أهل الأديان، وتعطلت الشعائر، ولكنه تعالى دفع شرهم بأن أمر بقتالهم، (لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ)، أي: لهُدِّمَت معابد الرهبان وكنائس النصارى، (وَصَلَوَاتٌ)، أي: كنائس اليهود، (وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا)، أي: ومساجد المسلمين التي يعبد فيها الله بكرة وأصيلاً، وخص المساجد بهذا الوصف تعظيماً لها وتشريفاً لها؛ لأنها أماكن العبادة الحقة.
(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)، أي: لَينصرنَّ الله من ينصر دينه ورسوله، (إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [40]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: هم المهاجرون والنصارى والتابعين لهم بإحسان والمعنى: هؤلاء الذين يستحقون نصرة الله هم الذين إن جعلنا لهم سلطاناً في الأرض وتملكاً واستعلاء عبدوا الله وحافظوا على الصلاة وأداء الزكاة (وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)أي دعوا إلى الخير ونهوا عن الشر ومرجع الأمور إلى حكم الله تعالى وتقديره.
وتناولت سورةُ الحج الحديث عن القرى المدمَّرة بسبب ظلمها وطغيانها وتكذيبها، وذلك لبيان سنة الله في الدعوات، وتطميناً للمسلمين بالعاقبة التي تنتظر الصابرين.
وفي ختام السورة ضربت مثلاً لعبادة المشركين للأصنام، وبينت أن هذه المعبودات أعجز وأحقر من أن تخلق ذبابة، فضلاً عن أن تخلق إنساناً سميعاً بصيراً، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [73].
ثم دعت السورة إلى اتِّباع ملة الخليل إبراهيم -عليه السلام- كهف الإيمان، وركن التوحيد، وتدعو عباد الله المؤمنين إلى عبادة الله، وفعل الخير والجهاد في سبيل الله، والاعتصام بالله في جميع الأمور، فهو المولى ونعم المصير.
عباد الله: هذه لمحةٌ عن سورة الحج إجمالية، مع الإشارة إلى بعض الآيات بشيء من التفصيل، أسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا، وأن ييسر لنا قراءتها ودراستها وتدبر معانيها والعمل بها هي وكل السور والآيات في كتاب الله الكريم، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
وصَلُّوا وسلِّمُوا عباد الله على خاتم رسل الله نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم