سورة إبراهيم

مسفر بن سعيد بن محمد الزهراني

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ تناول سورة إبراهيم لموضوعات العقيدة الكبرى من إيمانٍ بالله واليوم الآخر 2/ محور السورة هو الرسالة والرسل 3/ تسميتها بسورة إبراهيم 4/ استعراضٌ لملامحها 5/ تفسير بعض آياتها 6/ من مشاهد يوم القيامة

اقتباس

ويكاد يكون محور السورة: الرسالة والرسول، فقد تناولت دعوة الرسل الكرام بشيء من التفصيل، وبينت وظيفة الرسول، ووضحت معنى وحدة الرسالات السماوية، فالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين جاءوا لتشييد صرح الأمة، وتعريف الناس بالإله الحق الذي عنَت إليه الوجوه، وإخراج البشرية من الظلمات إلى النور، دعوتهم واحدة وهدفهم واحد وإن كان بينهم اختلاف في الفروع ..

 

 

 

 

الحمد لله الذي أنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له ملك السموات والأرض وهو الغني الحميد.

وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، فبلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده؛ وترك أمته على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك. الهمَّ صلِّ عليه وسلِّم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

فيا عباد الله: مع سورة إبراهيم، السورة الرابعة عشر في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها اثنتان وخمسون آية، وهي سورة مكية تناولت موضوع العقيدة في أصولها الكبيرة: الإيمان بالله، والإيمان بالبعث والجزاء.

ويكاد يكون محور السورة: الرسالة والرسول، فقد تناولت دعوة الرسل الكرام بشيء من التفصيل، وبينت وظيفة الرسول، ووضحت معنى وحدة الرسالات السماوية، فالأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- أجمعين جاءوا لتشييد صرح الأمة، وتعريف الناس بالإله الحق الذي تعنو إليه الوجوه، وإخراج البشرية من الظلمات إلى النور، دعوتهم واحدة، وهدفهم واحد، وإن كان بينهم اختلاف في الفروع.

بدأت السورة بإيضاح سبب إنزال القرآن على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وأن الهدف هو إخراج البشرية من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم والإيمان بأمر الله وتوفيقه، لتهديهم إلى طريق الله سبحانه.

(الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) [إبراهيم:1-3].

إن هلاكاً ودماراً ينتظر الكافرين من عذاب الله الأليم، الذين من صفاتهم أنهم يفضلون الحياة الفانية على الآخرة الباقية، ويصرفون الناس، ويمنعونهم عن دين الإسلام، ويريدون أن يكون دينُ اللهِ مُعْوَجَّاً ليوافق أهواءهم، فالمتصفون بهذه الصفات الذميمة في ضلال عن الحق المبين، لا يرجى لهم صلاح ولا نجاح.

ثم بيَّن الله سبحانه أنه ما أرسل في الأمم الخالية من رسول إلا ليبلِّغ قومه، ليُبين لهم شريعة الله، ويفهمهم مراده، لتتم الغاية من الرسالة؛ وليست وظيفة الرسل إلا التبليغ، وأما أمر الهداية والإيمان فذلك بيد الله سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [4].

ثم تحدثت السورة عن رسالة موسى -عليه السلام-، ودعوته لقومه إلى أن يعبدوا الله ويشكروه، وضربت الأمثال للمكذبين بالرسل من الأمم السابقة، كقوم نوح وعاد وثمود: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [5].

والمراد بأيام الله: أياديه ونعمه عليهم، (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) [6]، أي: يذيقونكم أسوأ العذاب، (وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) [6]، أي: يذبحون الذكور ويستبقون الإناث على قيد الحياة مع الذل والصَّغار، وفي تلك المحنة ابتلاء واختبار لكم من ربكم عظيم.

(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [7]، أي: لئن شكرتم إنعامي لأزيدنَّكُم من فضلي، ولئن جحدتم نعمتي بالكفر والعصيان فإن عذابي شديد؛ (وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) [8]، أي: قال موسى -عليه السلام- لبني إسرائيل بعد أن أيس من إيمانهم، لئن كفرتم أنتم وجميع الخلائق فلن تضروا الله شيئاً، فالله غني عن شكر عباده، مستحق للحمد في ذاته، وهو المحمود، وإن كفر به من كفر.

ثم تناولت السورة موضوع الرسل مع أقوامهم على مَرِّ العصور، وحكت ما جرى بينهم من محاورات ومناورات انتهت بإهلاك الظالمين: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ * وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) [13-15].

أي: واستنصر الرسل بالله على قومهم، وخسر وهلك كل متجبر معاند للحق، (مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ) [16]، أي: مِن وراء ذلك الكافر جهنم، ويُسْقَي فيها من ماء صديد، وهو من قيح ودم، (يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ) [16]، أي: يُبَلَّغُه مرة بعد مرة لمرارته، ولا يكاد يسيغه لقبحه وكراهته، ويأتيه الموت بأسبابه المحيطة به من كل مكان، ولكنه لا يموت؛ ليستكمل عذابه، ومن بين يديه عذاب أشد مما قبله وأغلظ.

وتحدثت السورة عن مشهد الآخرة حيث يلتقي الأشقياء المجرمون المتكبرون بأتباعهم الضعفاء، وذكرت ما يدور بينهم من حوار طويل ينتهي بتكدس الجميع في نار جهنم يصطلون سعيرها، فلم ينفع تلك اللعنات والشتائم التي وجهوها إلى رؤسائهم، فالكل في السعير.

(وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ) [21]، أي: ليس لنا من مهرب أو ملجأ.

(وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ) [22]، أي: ما أنا بمغيثكم وما أنتم بمغيثي من عذاب الله، (إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ) [22-23]. وبعد أن ذكر الله سبحانه حال الأشقياء ذكر حال السعداء، وأن الملائكة تحييهم بالسلام مع الإجلال والإكرام.

ثم ضربت الآيات مثلا لكلمة الإيمان الطيبة بالشجرة الطيبة، وكلمة الضلال الخبيثة بالشجرة الخبيثة، (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [24-25]، أي: تُعطي ثمارها الطيبة كل وقت بتيسير الخالق وتكوينه، قال ابن عباس -رضي الله عنه-: الكلمة الطيبة (لا إله إلا الله)، والشجرة الطيبة (المؤمن).

وقال تعالى (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ) [26]، أي: ومثَل كلمة الكفر الخبيثة كشجرة الحنظل الخبيثة، (اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) [26]، أي: استؤصلت من جذورها واقتُلِعَتْ من الأرض لعدم ثبات أصلها، ما لها من استقرار وثبات.

ثم قال الله تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [27]، أي يثبتهم على كلمة التوحيد (لا إله الا الله) وعلى الإيمان في هذه الحياة، فلا يزيغون ولا يهلكون، وفي الآخرة عند سؤال الملكين في القبر، كما في الحديث الشريف: "المسلم إذا سُئِلَ شَهِدَ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا)" أخرجه البخاري.

ثم تحدثت السورة الكريمة عن حال الكفار الذين غيروا نعمة الله بالكفر والتكذيب، وهم كفار مكة، فقد أسكنهم الله حرَمَه الآمن، وجعل عيشتهم في السعة، وبعث فيهم محمداً -صلى الله عليه وسلم-، فلم يعرفوا قدر هذه النعمة وكفروا به وكذبوه، فابتلاهم الله بالقحط والجدب، ثم بين الله سبحانه بأن مصيرهم إلى نار جهنم -أعاذنا الله منهم ومنها-.

ثم أمر اللهُ الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- أن يقول لعباده المؤمنين: (قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ) [31]، أي: يوم القيامة الذي لا انتفاع فيه بمبايعة ولا صداقة، ولا فداء ولا شفاعة.

ثم استمرت الآيات توضح نعم الله سبحانه من إنزال المطر، وإخراج الزرع والثمار، رزقاً للعباد، وتسخير السفن الكبيرة لتجري في البحر بأمر الله بما ينفع الناس، وتسخير الأنهار الجارية العذبة للشرب والسقيا والزراعة، وتسخيره سبحانه الليل لتسكنوا فيه، والنهار للمعاش وطلب الرزق.

(وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ) [34]، أي وأعطاكم الله سبحانه من كل ما تحتاجون إليه وما يصلح أحوالكم ومعاشكم (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [34]، أي: لا تطيقوا حصرها وعَدَّها، وإن الإنسان ظالم لنفسه بتعديه حدود الله، وجحوده لنعم الله، إلا مَن رحم الله، وقيل: ظلوم في الشدة، أي: يجزع، كفَّار في النعمة، أي: يجمع ويمنع.

عباد الله: هذه معاني بعض آيات سورة إبراهيم، نفعنا الله بها وبهدي كتابه الكريم، وسنة خاتم المرسلين، وبما نقول ونسمع، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي جعل الدعاء مخ العبادة، بل هو العبادة نفسها، ووعد من يدعوه بالاستجابة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، صلَّى اللهُ عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه.

عباد الله: استكمالا للحديث عن سورة إبراهيم نقول، وبالله التوفيق: إن السورة الكريمة سُمِّيَتْ (سورة إبراهيم) تخليداً لمآثر أبي الأنبياء، وإمام الحنفاء إبراهيم الخليل عليه السلام، الذي حطم الأصنام، وحمل راية التوحيد، وجاء بالحنيفية السمحة دين الإسلام الذي بُعث به خاتم المرسلين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.

وقد قص الله علينا سبحانه دعواته المباركات بعد انتهائه من بناء البيت العتيق (الكعبة المشرفة)، وكلها دعوات إلى الإيمان والتوحيد: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) [35]، أي: اجعل مكة بلداً آمناً يأمن أهله وساكنوه، واحمني يا رب وجنبني وأولادي عبادة الأصنام.

(رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [36-37]، أي: فاجعل قلوب الناس تحِنُّ وتُسرع إليهم شوقاً، وارزقهم من أنواع الثمار؛ ليشكروك على جزيل نعمك. وقد استجاب الله دعاءه فجعل مكة حرماً آمناً يجبي إليه ثمرات كل شيء رزقاً من عند الله.

(رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ) [38]، أي: الحمد لله الذي رزقني على كِبَرِ سِنِّي وشيخوختي إسماعيل وإسحاق، قال ابن عباس -رضي الله عنه-: ولد له إسماعيل وهو ابن تسع وتسعين سنة، وولد له إسحاق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة!.

ثم دعا الله تعالى: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) [40-41]، سبع دعوات دعا بها إبراهيم -عليه السلام-، تقبل الله دعاءه سبحانه، وأسأل الله أن يكون قدوتنا مع نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وكل رسله، وأن يتقبل دعاءنا، ويغفر لنا ذنوبنا، إنه سميع مجيب الدعاء.

وينتقل السياق في السورة الكريمة إلى مشاهد القيامة وما فيها من الأهوال، حيث تتزلزل القلوب والأقدام، قال الله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) [42]، أي تشخص فيه الأبصار من الفزع والهلع، فتظل مفتوحة مبهوتة لا تطرف ولا تتحرك.

(مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) [43]، أي: مسرعين لا يلتفتون إلى شيء، رافعي رؤوسهم، مع إدامة النظر لا يطرفون بعيونهم، وقلوبهم خالية من العقل من شدة الخوف والفزع.

ثم تستمر السورة في بيان أحوال الكافرين، ثم تختم بقوله تعالى: (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [52]، أي: هذا القرآن بلاغ لجميع الخلق من إنس وجان ليخافوا به عقاب الله، ويتعظ به أصحاب العقول السليمة، وهم السعداء أهل النهي والصلاح.

عباد الله: هذا ما استطعنا أن نوضحه من المعاني العظيمة لسورة إبراهيم، وفَّقَنا الله وإياكم لما يُحِبُّ ويرضى، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.

وصَلُّوا وسلِّمُوا عباد الله على خاتم رسل الله، نبينا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

إبراهيم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات