سهروا فضيعوا صلاتهم

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2023-07-14 - 1444/12/26 2023-07-19 - 1445/01/01
التصنيفات: الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
1/أقسام السهر 2/علاج السهر 3/نصيحة للشباب والآباء والأمهات 4/عظم صلاة العصر وعقوبة المتهاون بها

اقتباس

علاجُ السهرِ الضارِ بأمورٍ منها: أن يبدأَ بالتعودِ على النومِ المبكرِ، وأخذِ حظهِ من نومِ بعضِ الليلِ، الذي لا يعدلُه نومُ كلِ النهارِ...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

الحمدُ للهِ نحمدُه ونستغفرُه، فهو خيرُ من غفرَ وعفا، وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لاَ شريكَ لهُ، تصديقًا ومُعْترَفاً، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسُولُه، النّبيُ المصطفَى، صلَّى اللهُ وسلمَ عليهِ وآلهِ وصحبِه أهلِ الوفا، ومن علَى نهِجِهم اقتفَى، أما بعدُ: فاتقُوا اللهَ فتقواهُ خيرُ زادٍ ليومِ المعادِ.

 

وإليكمْ علاجًا لمشكلةٍ تكثرُ في الإجازاتِ، وهي مَدعاةٌ لعقوقِ الآباءِ والأمهاتِ، يستوي فيها البنينُ والبناتُ، ألا وهيَ مشكلةُ السهرِ بالليلِ والنومِ بالنهارِ، خلافًا لسنةِ اللهِ الكونيةِ القائلِ: (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا).

 

والسهرُ ينقسمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:

الأولُ: السهرُ على طاعةِ اللهِ تعالى؛ كالسهرِ على مصالحِ المسلمينَ، وإحياءِ الليلِ بالعلمِ وبالصلاةِ. فهذا السهرُ محمودٌ، إذا لم يؤدِ إلى تضييعِ مصلحةٍ راجحةٍ أو واجبٍ شرعيٍ أعلى منه، فأما من يسهرونَ في أمرٍ شرعيٍ، ثم تفوتُهم صلاةُ الفجرِ، فهذا خللٌ كبيرٌ.

 

الثاني: السهرُ على معصيةِ اللهِ -عزَ وجلَ-؛ كمشاهدةِ الفواحشِ، والألعابِ المحرمةِ.

 

القسمُ الثالثُ: السهرُ المباحُ؛ كمؤانسةِ الضيفِ والصديقِ، شريطةَ ألا يؤديَ إلى تضييعِ واجبٍ. ومن غلبَ على ظنهِ أنه لن يستيقظَ للصلاةِ لو نامَ مثلاً بعد الواحدةِ ليلاً، فإنه لا يجوزُ له شرعاً أن ينامَ بعد هذهِ الساعةِ.

 

وعلاجُ السهرِ الضارِ بأمورٍ منها:

أن يبدأَ بالتعودِ على النومِ المبكرِ، وأخذِ حظهِ من نومِ بعضِ الليلِ، الذي لا يعدلُه نومُ كلِ النهارِ. قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: “إِنَّ الْعَيْنَ إِذَا عَوَّدْتَهَا السَّهَرَ اعْتَادَتْ، وَإِذَا عَوَّدْتَهَا النَّوْمَ اعْتَادَتْ”.

 

أن يعوِضَ حاجتَه إلى النومِ بالقيلولةِ، فقد قالَ عمرُ -رضي اللهُ عنه-: "قِيلُوا؛ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لا تَقِيلُ".

 

أن يتفكرَ فيما يترتبُ على السهرِ من الأضرارِ: فمنها أنه يؤدي إلى النومِ في غيرِ وقتِ النومِ، فينامُ السهرانُ أكثرَ النهارِ. ويفوتُه بركةُ البكورِ أولَ النهارِ، ولا يأنسُ أهلُه بالجلوسِ معه، ولا يشاركُهم وجباتِهم.

 

أيُها الشبابُ والموظفونَ المُجازونَ: ليسَ الخوفُ على صلاةِ الفجرِ في أزمانِنا، بل الخوفُ من النومِ نهارًا، وتضييعِ الظهرِ، وربما العصرِ؛ فلنوازنْ نومَنا بالليلِ؛ لحفظِ صَلاتِنا، وتنظيمِ صِلاتِنا. ومن نامَ وفي نيتهِ الاستيقاظُ للصلاةِ فإن اللهَ يُهيئُ له ما يوقظُه.

 

أيُها الشبابُ: احذرُوا أن يكونَ سهرُكم سببًا في عقوقِكم لأمهاتِكم وآبائِكم، وذلك حين تُسببونَ لهم العنتَ في إيقاظِكم للصلاةِ، فإن كان منكم تضييعٌ للصلاةِ فالمصيبةُ أشدُ، والإثمُ أشقُ؛ فاحفظُوا أوقاتَكم، وقُوا أنفسَكم من الفسوقِ والعقوقِ.

 

الصلاةَ الصلاةَ يا نائمًا عنها بلا عذرٍ؛ واعتبرْ بالفاروقِ عُمَرَ وهم يوقظونَه لِصَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي طُعِنَ فِيهَا فيقول: "نَعَمْ وَلَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ". فَصَلَّى عُمَرُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا؛ فماذا يقولونَ من يغطونَ في نومِهم، مع أن أهلَهم يوقظونَهم فلا يستيقظونَ، بل ربما يَسبونَ ويَشتمونَ: (أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا).

 

أيُها الآباءُ والأمهاتُ: اصبرُوا بل اصطبرُوا على إيقاظِ أولادِكم للصلاةِ، ولا تضجَرُوا ولا تقولُوا: عجَزْنا! فربُنا يقولُ: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) وتذكرُوا أن أمرَ الأهلِ بالصلاةِ موجودٌ حتى في بيوتِ الأنبياءِ؛ فالتقصيرُ والغفلةُ واردةٌ؛ فهذا نبيُ اللهِ إسماعيلُ كانَ (يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ) فادعُوا لأولادِكم كلَّ وقتٍ بدعاءِ الأنبياءِ: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي).

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ وكفى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفَى.

 

أما بعدُ: أرأيتم لو أن أحدَنا خرجَ من المسجدِ يريدُ بيتَه وأولادَه، فإذ به يُفاجأُ بمفاجأة مَهُوْلَةٍ، وإذ به يجدُ بيتَه قد احترقَ على مَن فيه من زوجةٍ وأولادٍ! إنها مصيبةٌ من أعظمِ المصائبِ، يُخشَى أن يختلَ عقلُ صاحبِها؛ فهل تعلمونَ -أيُها الإخوةُ- أن بعضَ الناسِ يُعرِّضُ نفسَه لأمرٍ خطيرٍ أشدَ من تلكمُ المصيبةِ؟!

 

إن الجوابَ في قولِه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ"(رواه البخاري ومسلم).

 

إنها صلاةُ العصرِ -معاشرَ المسلمين- أعظمُ الصلواتِ الخمسِ، والمصيبةُ بتركِها كمصيبةِ مَن فقدَ أهلَه ومالَه جميعًا، قالَ ابنُ تيمية رحمهُ اللهُ: “وتفويتُ الْعَصْرِ أعظمُ من تَفْوِيتِ غَيرِهَا .. ومن تركَها فلا ينبغيْ السلامُ عليهِ، ولا إجابةُ دعوتِه”.

 

فيا نائمونَ عن أعظمِ صلاةٍ: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى).

 

ويا مفوتًا لصلاتَي الظهرِ والعصرِ خصوصًا: أيُ خيرٍ ضيعتَه وفاتَكَ؟ وكيف تلقَى ربَك حينَ يكتبُ وَفاتَك؟ فأَقْبِل قبل أن تبلغَ روحُكَ الحلقومَ، وقبلَ أن تلقَى رباً ضيعتَ حقَه يومَ ضيعتَ نفسَك.

 

(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)

 

فاللهم اجعلنا من المحافظينَ المقيمينَ للصلاةِ، القارّينَ بها عينًا.

 

اللهم ارزقنا عيشةً هنيةً، وميتةً سويةً، ومردَّاً غيرَ مخزٍ ولا فاضحٍ.

 

اللهم ابسط علينا من بركاتِك ورحمتِك وفضلِك ورزقِك.

 

اللهم اجعلنا ووالدِينا وأهلِينا ممن يُورثونَ الجنانَ ويُبشرونَ برَوحٍ وريحانٍ وربٍ غيرِ غضبانٍ.

 

اللهم ارحمِ المسلمينَ المستضعفينَ في كلِ مكانٍ، وفرجْ همومَهم، ووحدْ صفوفَهم.

 

اللهم يا ذا الجلالِ والإكرامِ احفظْ ملِكَنا ووليَ عهدِه، وأعنهم ببطانةٍ صالحةٍ على إدارةِ مملكتِهم، ووفقهُم إلى الصوابِ في قراراتِهم.

 

اللهم صلِ وسلمْ على عبدِك ورسولِك محمدٍ.

المرفقات

سهروا فضيعوا صلاتهم.pdf

سهروا فضيعوا صلاتهم.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات