عناصر الخطبة
1/الحكمة من سنن الفطرة 2/سنن الفطرة العشر 3/من أحكام سنن الفطرة 4/حكم حلق اللحيةاقتباس
والغرض من هذه السنن هو تحقيق الطهارة الظاهرة؛ من النظافة والتجمل وتحسين الهيئة فإن للبدن حقًا، ومن حقه على صاحبه أن ينظفه من الأوساخ، وفيها الاقتداء بالأنبياء والاهتداء بهديهم، ومخالفة المشركين وأهل الكتاب ومن يقتدون بهم من...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: هذا اليوم يوم الجمعة، أفضل أيام الأسبوع، وقد فضله دين الإسلام على سائر الأيام بصلاة الجمعة، وهي صلاة لا تقام إلا جماعة.
ومن أدب المجيء إلى الجمع والأعياد وصلوات الجماعة التنظف وتحسين الهيئة، ولذلك رأيت أن نجعل هذه الخطبة تذكيرًا بسنن الفطرة؛ لأن البعض يجهلها، والبعض الآخر ينساها، ثالث يتركها مدة طويلة متجاوزًا التوقيت الذي وقته رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو أربعون يومًا.
وقد جاء في صحيح الإمام مسلم عن عائشة قالت: قال رسول الله: "عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظافر، وغسل البَرَاجِم، ونَتْف الإبط، وحلق العانة، وانتِقاص الماء". وقال مصعب أحد رواة الحديث: "ونسيت العاشر إلا أن تكون المضمضة". وفي رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الفطرة خمس أو خمس من الفطرة: الختان والاستحداد وتقليم الأظفار ونتف الإبط وقص الشارب".
ومعنى قوله: إن هذه السنن من الفطرة أنها من مقتضى الفطرة التي فطر الله عليها العباد، من فعلها فقد وافق فطرته، ووافق السنة التي اتفق عليها الأنبياء جميعًا.
والغرض من هذه السنن هو تحقيق الطهارة الظاهرة؛ من النظافة والتجمل وتحسين الهيئة فإن للبدن حقًا، ومن حقه على صاحبه أن ينظفه من الأوساخ، وفيها الاقتداء بالأنبياء والاهتداء بهديهم، ومخالفة المشركين وأهل الكتاب ومن يقتدون بهم من الكفرة والملاحدة.
وليس القصد الآن تفصيل القول فيها، ولكن القصد هو التذكير بها جملة، مع الإشارة إلى معنى كل سنة بإيجاز.
أيها المسلمون: إن أول هذه السنن: الختان، وهو قطع القُلْفة التي تكون في ذكر الولد، وهو واجب على الذكور جملة ومَكْرمة للإناث، ووقته غير محدد، وكلما كان في الصغر كان أفضل، والسنة فيه هو اليوم السابع.
الثاني: انتقاص الماء، وهو الاستنجاء بالماء لإزالة النجاسة العالقة بالقبل والدبر، وهو من جملة آداب قضاء الحاجة، ويكون بالماء أو بالحجارة وما يقوم مقامهما.
الثالث: السواك، وهو استعمال عود أو فرشاة أو نحوهما لإزالة صُفرة الأسنان ورائحة الفم، والأحاديث فيه كثيرة، في جميع الأوقات: عند الاستيقاظ، وعند النوم، وبعد الأكل، وعند تغير الفم، وعند الوضوء، وعند الصلاة.
الرابع: تقليم الأظافر، وهو قطع الزائد منها في اليد والرجل، كي لا تتجمع الأوساخ والنجاسة والأذى فيها.
الخامس والسادس: قص الشارب وإعفاء اللحية، قص ما سقط على الشَّفة من الشارب والأخذ منه، وإعفاء اللحية أي: توفيرها وعدم حلقها.
السابع والثامن: الاستحداد ونتف الإبط، والاستحداد هو حلق شعر العانة، وهو الشعر النابت فوق الذكر والفرج، والحلق هو السنة في شعر العانة، وفي شعر الإبط النتف، فمن كان يؤلمه النتف حلقه.
التاسع: غسل البراجم، والبراجم هي عُقد الأصابع التي في ظهر الكف، فقد رُكبت أصابع اليدين من عظام صغيرة، بينهما مفاصل، وعندما يبسط المرء كفه يتجمع الجلد على هذه المفاصل، وأحيانًا يغلظ خاصة عند الفلاحين والصناع، فيتجمع الوسخ في هذه العُقد، فكانت السُّنة غسلها، ويستفاد من ذلك من باب أولى غسل اليدين، فغسلهما مستقل وإن لم يكن بنية الوضوء إذا كان فيهما وسخ.
العاشر: المضمضة والاستنشاق، وهو إدخال الماء في الفم والأنف، وهما سنتان في الوضوء، لكنهما سنتان من سنن الفطرة في غير الوضوء، فإذا تغير الفم أو بقي فيه دسم أو خرج منه دم فمن السنة المضمضة من غير وضوء، وكذلك إذا اجتمع مخاط في الأنف كان الاستنشاق بالماء ونثره للتطهر من السنة، فقد يحتاج المسلم المضمضة والاستنشاق دون الوضوء كله.
واعلم أن هذه السنن للرجل والمرأة سواء، وقد روى الإمام مسلم في صحيحة عن أنس بن مالك قال: "وُقِّت لنا في قص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة أن لا تترك أكثر من أربعين ليلة".
قال الإمام النووي في هذا الحديث: "ليس المعنى أن يتركها أربعين ليلة، وإنما المعنى أنه لا يتركها أكثر من أربعين ليلة، وهذه أوضح؛ لأن من هذه السنن ما يفعله المسلم يوميًا، ومنها ما يحتاج إليه بعد أسبوع، أو خمسة عشر يومًا، ولذلك حددت الشريعة أجلاً أقصى لها، ولم تحدد الأجل الأدنى".
ويسن في التي لها تعلق بالأعضاء المزدوجة من البدن البدء باليمين؛ مثل تقليم الأظافر ونتف الإبط, والسنة -أيضًا- أن يفعل هذه السنن بنفسه، فإذا استعان بغيره فلا بأس، إلا حلق العانة فلا يجوز ذلك إلا بين الزوجين.
عباد الله: إن العناية بنظافة الأجساد وطيب ريحها متأكد في وقت لا سيما في أوقات الحر، وبعد الأعمال المكلفة.
وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- من أكل بصلا أو ثوماً أو كراثاً نهى من أكل هذه أن يقرب المسجد"، وقال: "إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم".
ومثل هؤلاء من يتعاطى علاجاً ذا رائحة بأكله أو يدهن به فإن عليه أن يقطع الرائحة قبل حضوره المساجد ومجالس الناس وإن كان محتاجاً لذلك ولا بد له منه فإن له رخصة أن يصلي في بيته حتى تزول حاجته لهذا الدواء الذي له رائحة مؤذية.
فاتقوا الله -عباد الله- وطيبوا روائحكم بنظافة أجسادكم بالاغتسال خصوصاً في يوم الجمعة، وبتعاهدها بالطيب الطيب تتأسون بسنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، وتنشرح صدوركم، ويأنس بكم جليسكم.
وفي ثواب هذه الأعمال يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان له، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد ثم يركع إن بدا له ولم يؤذ أحداً، ثم أنصت إذا خرج الإمام حتى يصلي كانت كفارة لما بينهما"(رواه أحمد وصححه ابن خزيمة).
وفي حديث آخر: "وزيادة ثلاثة أيام".
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
عباد الله: إن من هذه السنن ما هو مؤجد عليها بالأمر بها وبحرمة تركها وحي إعفاء اللحية. يقول -صلى الله عليه وسلم- "أعفوا اللحى"، "خالفوا المشركين وفروا اللحى"، "أوفوا اللحى"، "أرخوا اللحى" هذه ألفاظ النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأمر بوجوب توفيرها، وتحريم حلقها وقصها؛ فأين أنتم يا حالقي اللحى عن هذه الأحاديث؟!
ألا فليتق الله أمرؤٌ قدَّم هواه على أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- (فليحذر الذين يخالفوا عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصبيهم عذاب أليم)
استعينوا بالله على تركها تعظيماً لأمر نبيكم، وتشبهاً بالمرسلين، وموافقة لعمل المؤمنين.
وإياكم من التأخير، أو الخجل من الناس، أو الخوف أن يقال فلانٌ ربى لحيته، فلئن يقولوا فلانٌ ربى لحيته خيرٌ من أن يقولوا ما زال فلانٌ يحلق لحيته.
وإذا أراد أحدٌ أنْ يُعَرِّف به تجده يقول فلانٌ الحليق، أو فلانٌ الذي يحلق لحيته، فما أقبحه وصفه، وما أعظمه من جرم شهد به الناس عليك.
إنَّ مداومة حلق اللحية إصرار على المعصية!
كيف تطيب نفسك بالإصرار على معصية الله؟
أغرك كثرة من يحلقون لحاهم وعلوّ جاههم وعظم مناصبهم؟ أو غرك إمهال الله لك؟
وربما كان فعلك هذا سبباً في تساهل أبنائك وأقرانك ومنهم تحت يدك فحلقوا لحاهم فصرت داعية سوءٍ من حيث لا تشعر.
يقول أحد العلماء -رحمه الله-: "أما ترون وجوه الحالقين لها كيف يذهب بهاؤها ووقارها، لا سيما عند المشيب، وتكون وجوههم كوجوه العجائز قد ذهبت محاسنهم، وهذا من أعجب العجب". فاللهم أعنا على أنفسنا
عن ابن عباس -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "طهروا الأجساد طَهَّركم الله فإنَّه ليس عَبدٌ يبيت طاهراً إلا بات معه في شَعارَه مَلك لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال : اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهراً"(رواه الطبراني بسند جيد).
هذا؛ وصلوا وسلموا على رسول الله...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم