سماحة الإسلام

صالح بن فوزان الفوزان

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: الفكر والثقافة
عناصر الخطبة
1/الأمم السابقة والإسلام 2/ معنى الإسلام لغة واصطلاحاً 3/ سماحة الإسلام 4/ الاستغلال السيء لسماحة الإسلام.
اهداف الخطبة
التعريف بالإسلام وسماحته / التحذير من الفهم الخاطئ لسماحة الإسلام .
عنوان فرعي أول
الإسلام وما سبقه
عنوان فرعي ثاني
إنه دين السماحة

اقتباس

من الناس من يريد أن يستغل سماحة الإسلام استغلالاً سيئاً، فيبيح لنفسه فعل المحرمات وترك الواجبات.

 

 

 

 

الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام ديناً. وجعله دين يسر وسماحة (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: "ماخُيِّر بين أمرين إلاّ اختارَ أيْسرَهما ما لم يكن إثماً". صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تمسك بسنته إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد

أيها المسلمون اتقوا واشكروه على ما اختصكم به من هذا الدين العظيم. وبعثة هذا النبي الكريم.(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ). إن هذا الدين الذي جاء به نبينا من عند الله هو دين الرحمة والخير والسعادة للبشرية. فلم يطرق العالم دين أكمل ولا أشمل ولا أسهل من هذا الدين الحنيف. الدين الذي أوصانا الله أن نتمسك به إلى الممات

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). ودعا به الخليل وابنه إسماعيل لهما ولذريتهما فقالا:(رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا).(وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

 

فالإسلام الذي هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك وأهله هو دين الأنبياء جميعاً. قال نوح عليه السلام: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ)

فالإسلام بمعناه العام يتناول كل شريعة بعث الله بها نبياً، ولفظ المسلمين يتناول كل أمة متبعة لنبي من الأنبياء قبل بعثة خاتم النبيين نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- فببعثته توحدت الديانة السماوية وشملت رسالته كل العالمين الجن والإنس، وامتدت إلى آخر الدنيا لا تبدل ولا تنسخ إلى يوم القيامة، وأوجب الله على جميع الخلق اتباعه وطاعته (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ورفع الله به الآصار والأغلال عمن آمن به واتبعه: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) فشرائع الإسلام كلها يسر (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)

 

ويقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ويقول –صلى الله عليه وسلم- بعثت بالحنيفية السمحة" وقد راعى الله سبحانه في هذا الدين العظيم أحوال عباده رحمة بهم وتخفيفاً عليهم، فشرع لكل حالة ما يتناسب معها، فرخص للمسافر بالإفطار في نهار رمضان والقضاء من أيام أخر يكون صيامها أسهل عليه.

ورخص له بقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، وأباح له الجمع بين الصلاتين في وقت أحداهما، وشرع للخائف أن يصلي على حسب حاله ماشياً أو راكباً مستقبل القبلة وغير مستقبلها.(فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً) وشرع للمريض أن يصلي على حسب استطاعته قائماً أو قاعداً أو على جنب. ورفع سبحانه عن هذه الأمة المؤاخذة بالخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وروى الطبراني وابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم –صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه".

 

كما شرع سبحانه للضرورات أحكاماً تناسبها فيباح للمضطر ما هو محرم في غير حال الضرورة كأكل الميتة قال تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). وشرع الله للمسلم إذا عدم الماء أو خاف ضرراً باستعماله أن يتيمم التراب، فيمسح بوجه ويديه بدل الماء. قال تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

 

ولما شرع الله سبحانه الجهاد في سبيله بقتال الكفار بالأموال والأنفس راعى أحوال الذين لا يستطيعون ذلك فخفف عنهم وعذرهم، قال تعالى:(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وقال تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ).

إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة لسماحة الإسلام. ولأجل ذلك حرم الله الغلو في الدين، لأنه يتنافى مع سماحة الإسلام ويسره، فقد نهى –صلى الله عليه وسلم- عن أن يشق الإنسان على نفسه في العبادة. وحث على الاقتصاد فيها. فروى الإمام مسلم بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هلك المُتنطِّعون" أي: المتشدّدون.

 

وروى البخاري رحمه الله: أن ثلاثة رهط جاؤوا إلى بيوت أزواج النبي –صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم- فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها. فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم- وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟! قال أحدهم: أمّا أنا فإني أصلي الليل أبداً. وقال الآخر: أنا أصوم النهار ولا أفطر. وقال الآخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا. أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له. لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأرقد، وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنّتي فليس مني"

وهكذا سنة الرسول –صلى الله عليه وسلم- وسط بين الإفراط والتفريط. لا غلوّ ولا تساهل. بل مداومة على فعل الخير من غير تحامل على النفس بما يشق عليها.

أيها المسلمون: من الناس من يريد أن يستغل سماحة الإسلام استغلالاً سيئاً، فيبيح لنفسه فعل المحرمات وترك الواجبات. ويقول: الدين يسر –نعم، الدين يسر- لكنها كلمة حق أريد بها باطل. فليس معنى يسرية الدين وسماحته التفلّت من واجباته وارتكاب محرماته. وإنما معنى ذلك الانتقال بالعبد من العبادة الشاقة إلى العبادة السهلة. كالانتقال بالمسافر من الصلاة التامة إلى الصلاة المقصورة، والانتقال به من الصيام في أيام السفر على صيام في أيام أخر. والانتقال به من الطهارة بالماء إلى الطهارة بالتراب.

 

وهكذا إسقاط الواجب عمّن عجز عنه مع نية فعله إذا قدر عليه. لا أن يترك الواجب رغبة عنه وكراهية له، فمن ترك الواجب لعجزه عنه مع عزمه على فعله إذا استطاع، كتب له من الأجر مثل أجر من فعله، ففي حديث أنس أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "إن بالمدينة أقواماً ما قطعتم وادياً، ولا سرتم سيراً إلا وهم معكم". قالوا: وهم بالمدينة. قال: "نعم، حبسهم العذر" وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: "لقد خلفتم بالمدينة رجالاً ما قطعتم وادياً، ولا سلكتم طريقاً إلا شركوكم في الأجر، حبسهم المرض".

فليس معنى يسر الدين أن تترك واجباته، وترتكب محرماته، بل من فعل ذلك استحق العقوبة في الدنيا والآخرة. ولهذا شرعت الحدود والعقوبات لردع هؤلاء وإلزامهم بشرائع الدين. ومثل هذا من يفعل المعاصي، فإذا نهي عنها يقول: الدين ليس بالمظاهر، الدين في القلب.

ويحتج بقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "التقوى ههنا وأشار إلى صدره –صلى الله عليه وسلم-" وهو احتجاج باطل، لأن من كان في قلبه تقوى فإنه يبغض المعاصي ويتجبنها.

وأما من ضعفت التقوى في قلبه أو عدمت، فإنه لا يأنف من المعاصي ولا يستنكرها. قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) وفساد الظاهر يدل على فساد الباطن. صلاح الباطن يظهر أثره في صلاح الظاهر، فالتقوى أصلها في القلب. وقال –صلى الله عليه وسلم- "إن في الجسد مضغة إذا صلُحَت صلُح الجسدُ كله، وإذا فسدت فسد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلب" اللهم أصلح قلوبنا وثبتها على الحق (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ).

 

 

 

المرفقات

268

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات