عناصر الخطبة
1/ الحث على الصدق والتحلي به 2/ انتشار الكذب بين المسلمين 3/ انتشار السخرية ومظاهرها بين المسلمين 4/ ذم الكبر وفضيلة التواضعاقتباس
وغير خاف على أحد من المسلمين منزلة الصدق وعظم ذنب الكذب، وأنه من الكبائر، والكذب كما عرفه العلماء هو الإخبار بخلاف الواقع، فتعالوا إلى بعض صور الكذب المنتشرة اليوم، أليس الكذب في المزاح اليوم صار وكأنه شيء عادي عند بعض المسلمين!! وفي الحديث: "أنا زعيمٌ ببيتٍ في رَبَضِ الجنَّةِ لمن ترك المراءَ وإن كان مُحِقًّا، وببيتٍ في وسطِ الجنةِ لمن ترك الكذبَ وإن كان مازحًا".
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً).
أما بعد:
معشر الكرام: كان حديثنا الجمعة الماضية عن سلوكيات تخالف هداية آيات، والأخلاق والسلوك داخلة في جملة الأوامر الشرعية، التي يتقرب بها العبد إلى ربه، فكما أن العبد يتقرب إلى الله بالصلاة مثلاً فإن عليه أن يستشعر تقربه إلى ربه في إعانة محتاج، وإكرام ضيف، وابتسامة وطلاقة وجه، وحسن كلام، فهذا وغيره كثير هي أبواب لأجر كبير.
وسيكون حديثنا اليوم عن سلوكيات تخالف هداية آيات، فتعالوا نمر على بعض الصور من واقعنا.
يقول الحق سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)، وغير خاف على أحد من المسلمين منزلة الصدق وعظم ذنب الكذب، وأنه من الكبائر، والكذب كما عرفه العلماء هو الإخبار بخلاف الواقع، فتعالوا إلى بعض صور الكذب المنتشرة اليوم، أليس الكذب في المزاح اليوم صار وكأنه شيء عادي عند بعض المسلمين!! وفي الحديث: "أنا زعيمٌ ببيتٍ في رَبَضِ الجنَّةِ لمن ترك المراءَ وإن كان مُحِقًّا، وببيتٍ في وسطِ الجنةِ لمن ترك الكذبَ وإن كان مازحًا". أخرجه أبو داود وحسنه الألباني.
أليس في واقعنا كثير من الموظفين اليوم يكتب عند توقيع حضور الدوام وقتًا غير الذي حضر فيه؟! يكتب بعضهم وقتًا قبل حضوره بربع ساعة أو نصف ساعة، وبعض الناس يظن أن الكتابة لا يشترط لها الصدق، والكتابة كالكلام باللسان، ولو أن زوجًا طلّق زوجته بالكتابة لوقع الطلاق، وأظن أنك حين تكتب الوقت الذي حضرت فيه فعلاً سيعترض عليك -واعتراضه ليس حقًا-، ولكن لو بكرت خمس دقائق أو نحوها لصدقت واندفع عنك الإحراج مع غيرك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ).
النكت التي تختلق من صور الكذب المنتشرة اليوم، وفي الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي: "ويلٌ للذي يحدِّثُ بالحديثِ ليُضحكَ به القومَ فيكذبُ، ويلٌ له، ويلٌ له". حسنه الألباني وصححه الشيخ ابن باز.
بعضهم يتغيب عن العمل أو الدراسة ثم يأتي بتقرير طبي يفيد بأنه كان مريضًا ولم يكن كذلك، وهذا من الكذب، يخشى من خصم ريالات لا تحل له، أوليست النار أولى بأن يخشاها؟! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)، أوليس النبي -عليه الصلاة والسلام- حذّرنا من الكذب فقال: "وإيَّاكم والكذِبَ؛ فإنَّ الكذِبَ يهدي إلى الفجورِ، وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النَّارِ". كما في صحيح مسلم.
بعضهم يسأله فضولي عن أمر يحب كتمانه، فيقول: لا أدري، مع أنه يدري، وليس ملومًا على كتمان أمره، ولكنه ملوم على الكذب، والواجب أن يبحث عن إجابة لهذا الفضولي يسلم فيها من الكذب، كأن يجيب عن أمر آخر، أو يبادر السؤال بسؤال، أو يصرف الحديث إلى موضوع آخر، أو يسكت ولا يجيب، أو غير ذلك من المخارج المباحة، فلو أن شخصًا سُئل: بكم اشتريت السلعة الفلانية؟! هو أمام خيارات عدة لو أراد كتمان شرائه، فمن الممكن أن يقول مثلاً: بالرزق المقسوم، أو يسأل السائل عن حال فلان المريض، أو يقول بأكثر من كذا، أو يسكت، وغير ذلك من الأساليب التي يسلّم فيها نفسه من الكذب، ولو أنه لم يخطر بباله جواب وأخبر بالصدق لكان خيرًا له من الكذب الذي يهدي إلى الفجور.
(قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
اللهم اجعلنا من عبادك الصادقين في نياتهم وأقوالهم وأفعالهم، واستغفروا الله إنه كان غفارًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على نبيه وعبده وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فإن من السلوكيات المخالفة لهدي القرآن: السخرية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ).
يتداول كثير من الناس النكت وفيها سخرية، قد تكون السخرية من جنسية أو قبيلة أو مدينة، تلمز بصفة سيئة كبخل أو كسل أو غباء أو غير ذلك، والتوجيه الرباني: (لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ).
أيها الفضلاء: التواضع خلق كريم، ووسط بين خلُقين مذمومين كما يقول ابن القيم، وسط بين الكبر وبين المهانة، وفي التنزيل: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)، وفي آية أخرى قال في وصفِ مدح: (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)، وهذا ذل رحمة وعطف وشفقة وليس المراد به ذل الهوان كما قال الله: (أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ).
حين يأتي بعضهم ويصافح من في المجلس أو دائرة العمل ويترك عامل النظافة أو السائق، أليس هذا تعاليًا وكبرًا؟!
يخطئ بعضهم والخطأ من طبيعة البشر، ولكن المشكلة حين يراوغ المخطئ يمنة ويسرة عن الاعتراف بخطئه والاعتذار عنه وكأنه معصوم عن الخطأ، وقد قال سبحانه: (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ).
لماذا بعض الناس لا ينادي العامل باسمه مع أنه يعرف اسمه؟! وربما يلجأ إلى مناداته بألفاظ فيها قلة أدب! ألا يخشى هذا يوم توضع موازين القسط ويوزن فيها مثقال حبة الخردل؟! (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ).
أيها المربون: هل تعلم أبناؤنا وطلابنا التواضع منا؟! هل يرون التواضع فينا سلوكًا معهم ومع غيرهم؟! إن أفعالنا وسلوكنا أعظم أثرًا عليهم من أقوالنا ولو كثرت، والله المستعان.
هذه بعض الظواهر السلوكية المخالفة للقرآن، ولكن السؤال المهم: ما سبب ضعف تطبيق القرآن واقعًا وسلوكًا؟! أبسبب هجر تلاوته أو قلتها؟! أم بسبب ضعف تدبره؟! أم بسبب ضعف الإيمان؟! أم بسبب اجتماعها.
رزقني الله وإياكم عفوه وعونه، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم