سلسلة خطب الدار الآخرة (13) الحوض المورود

عبدالله محمد الطوالة

2023-09-15 - 1445/02/30 2023-09-26 - 1445/03/11
عناصر الخطبة
1/مراحل يوم القيامة 2/أشد ما يعانيه الناس في عرصات القيامة 3/صفات حوض النبي صلى الله عليه وسلم 4/الواردون الحوض والمطرودون عنه 5/بداية فرح المؤمنين في الآخرة 6/أسباب الفوز بالشرب من الحوض.

اقتباس

إذا كانَ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- سينتظرنا بجوار حوضه، وسيعرفنا من بين الناس.. فماذا أعددْنا لذلك اللقاء المصيريِّ المهيبِ، ماذا أعددنا ليُسمحَ لنا بأن نقتربَ ونشرب، فليس كلُّ المسلمينَ سيُسمحُ لهم، هناك مَن سيُطردُ ويُذاد....

الخطبةُ الأولَى:

 

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)[الأنعام: 1]، (وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[القصص: 70].

 

وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريك له، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[التوبة: 33]، (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)[الشورى: 25]، (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ)[المؤمنون: 78].

 

وأشهدُ أن محمداً عبدهُ ورسولهُ، وصفيهُ وخليلهُ، إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وسيد ولد آدم أجمعين، -صلى الله عليه وسلم- عليهِ، وعلى آله وصحابتهِ والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ: فاتقوا اللهَ عباد الله، وأخلِصُوا النيّةَ للهِ جهْدَكُم، فإنَّما الأعمالُ بالنياتِ، واجتهِدوا في الطاعة، فقد أفلحَ من جدَّ في الطاعات، والزَموا الصدْقَ، فإن دينَ اللهِ هو الصدقُ في المُعاملات .. (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].

 

أيُّها المؤمنونَ الكرام: هذه هي الحلقةُ الثالثةُ عشرةَ من سلسلة دروسِ الدارِ الآخرة، وكنَّا قد ذكرنا في الحلقة الماضية، أنَّ أحداثَ يومِ القيامةِ كثيرةٌ متنوعة, يمكنُ تقسيمها إلى مراحل مختلفة، المرحلةُ الأولى منها مرحلةُ نمو الأجسام، وخروجُ الناسِ من قبورهم، والمرحلةُ الثانية: سَوقُ الناسِ كُلّ إلى مكانهِ المخصَّصِ حسبَ إيمانهِ وعمله.

 

وذكرنا بعضَ أحوالِ المؤمنينَ في العرصات، وأنهم يستظلونَ بظل العرشِ، وإنَّ يومَ القيامَةِ على طوله يمرُّ عليهم كقدْرِ ما بينَ الظُّهرِ والعصرِ.. وأمَّا العصاةُ فكلٌّ يُعذّبُ حسبَ معصيتهِ ..

 

ثم تحدثنا عن المرحلةُ الثالثة: وهي مرحلةُ الانتظارِ الطويل، في صحيح مسلمٍ قال -صلى الله عليه وسلم-: "تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ القِيامةِ مِنَ الخَلْقِ، حتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كمِقْدارِ مِيلٍ، فيَكُونُ النَّاسُ على قَدْرِ أعْمالِهِم في العَرَقِ، فمِنْهُم مَنْ يَكُونُ إلى كَعْبَيْه ومِنْهُم مَنْ يَكُونُ إلى رُكْبَتَيْه، ومِنْهُم مَنْ يَكُونُ إلى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُم مَن يُلْجِمُهُ العَرَقُ إلْجامًا".

 

وإنَّ من أشدِّ ما يُعانيهِ الناسُ في ذلك الموقفِ الرَّهيبِ الطَّويل: انعِدام الماء، حتى يصلَ العطشُ بالناس مبلغاً عظيماً، ويكونونَ في كربٍ أليم، وحرٍّ وظمأٍ شديد، تجفُّ اجوافهم، وتلتهب حلوقهم، وتتقرحُ أشداقُهم، فمن رحمةِ اللهِ بعباده المؤمنين أن يجعلَ لهم بأرض المحشرِ أحواضَ ماءٍ، يُشرفُ عليْها الأنبياءُ الكرام، ويرِدُها المؤمنونَ ليشربوا، وهذه هي المرحلةُ الرابعة: مرحلةُ الورود..

 

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا، وإنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أيُّهُمْ أكْثَرُ وارِدَةً، وإنِّي أرْجُو أَنْ أَكُونَ أكْثَرَهُمْ وَارِدَةً"(صححه الألباني). إذن فلكلِّ نبيٍّ حوضٌ خاصٌ به، وأعظمُها حوضُ نبينا محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: أغفى رسولُ اللَّهِ إغفاءةً، فرفعَ رأسَهُ مبتَسِمًا، فقالوا لهُ لِمَ ضحِكْتَ يا رسولَ اللَّهِ فقالَ: "إنَّهُ أُنْزِلَت عليَّ آنفًا سورةٌ، فقرأَ سورة الكوثر حتَّى ختمَها"، ثم قالَ لهم: "هَل تَدرونَ ما الكَوثرُ؟" قالوا اللَّهُ ورسولُهُ أعلَمُ. قالَ: "هوَ نَهْرٌ أعطانيهِ ربِّي -عزَّ وجلَّ- في الجنَّةِ علَيهِ خيرٌ كثيرٌ..".

 

والكوثرُ  غيرُ الحوضِ، فالكوثرُ: كما في صحيح البخاري، أنَّ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ الْمُجَوَّفِ قُلْتُ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِى أَعْطَاكَ رَبُّكَ، فَإِذَا طِينُهُ مِسْكٌ أَذْفَرُ".

 

وأمَّا الحوضُ: فهو مجمَعُ الماءِ في أرض المحشر، وماؤهُ مُستمدٌ من نهر الكوثر، فالكوثرُ والحوضُ ماؤهما واحدٌ، إلا أنَّ أحدهما في الجنة، والآخرُ في أرض المحشر، وكلاهما يُسمى الكوثر, لكثرته وعِظَمِ خَيرِه، قال -صلى الله عليه وسلم- في وصف الحوضِ كما في صحيحِ مُسلم: "يَغُتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنَ الْجَنَّةِ"، ويغتُّ: أي يتدفقُ تدفُقاً شديداً .. وأحاديثُ الحوضِ ثابتةٌ متواترةٌ، تزيدُ على الخمسينَ حديثاً ..

 

وقد ذكرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أوصافاً عجيبةً لحوضه الشريف، ترغيباً وتحفيزاً للمؤمن ليبذلَ الأسبابَ الموجبةَ لوروده والشُّربِ منهُ.. كقوله -صلى الله عليه وسلم-: حَوْضِي مَسِيرةُ شَهْرٍ، سِعتهُ كما بينَ أيلةَ وصنعاء، وزَوَاياهُ سَوَاءٌ، طولهُ مَسيرةُ شهرٍ، وعرْضهُ مَسيرةُ شهر، ماؤهُ أشدُّ بياضاً من الثلج، وريحهُ أطْيبُ من المِسك، وطعمهُ أحلى من العسلِ باللَّبن، وكِيزانهُ كنجوم السَّماء، أي في عددِها ونورِها ولمعانِها، مَن شرِب مِنهُ شربةً لا يظْمأ بعدها أبدًا .. وكلُّ ذلك ثابتٌ في الأحاديث الصحيحة ..

 

وهكذا يا عباد الله: فجمالُ صفاتِ هذا الحوضِ العظيم تُذهِلُ العقل، وتُحركُ المشاعِر، وتستثيرُ إيمانَ المسلم ليُجدِّدَ العهدَ مع اللهِ -تعالى-.. والمؤمنُ الصادقُ إذا سمعَ بمثل هذه الأحاديثِ اشتاقت نفسهُ، وعلت همتهُ ليعملَ كلَّ ما يستطِيعُ حتى لا تفوتُهُ هذه الشربةُ الهنيئة..

 

فاللهُ -تعالى- سيكرمُ نبيهُ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وأُمتهُ المرحومةَ بحوضٍ عظيم، لونه أشدُّ بياضاً من الثلج، وريحهُ أطْيبُ من المِسك، وطعمهُ أحلى من العسلِ، وحينَ يُرفعُ لهم هذا الحوضُ ويتراءونَهُ، ينطلِقونَ إليه مُستبشرين، حتى إذا ما أتوهُ وجدوا أنَّ نبيهم -صلى الله عليه وسلم- قد سبقهُم إليه، قائماً ينتظرهم هناك، فيصِلونَ إليه وقد بلغَ بهم العطشُ مبلغاً عظيماً..

 

جاء في صحيح مُسلمٍ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنِّي علَى الحَوْضِ أَنْتَظِرُ مَن يَرِدُ عَلَيَّ مِنكُمْ"، وفي مُسلم أيضاً: "وإنِّي لأَصُدُّ النَّاسَ عنْهُ، كما يَصُدُّ الرَّجُلُ إِبِلَ النَّاسِ عن حَوْضِهِ"، قالوا: يا رَسُولَ اللهِ، أَتَعْرِفُنَا يَومَئذٍ؟ قالَ: "نَعَمْ، لَكُمْ سِيما ليسَتْ لأَحَدٍ مِنَ الأُمَمِ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا، مُحَجَّلِينَ مِن أَثَرِ الوُضُوءِ".

 

وإبعاد النبي -صلى الله عليه وسلم- للآخرينَ عن حوضه إنَّما هو بأمر اللهِ وحكمتِه، فذهابُ كُلُّ مؤمنٍ من الأُمم الأخرى لحوض نبيهم، هو أبلغُ في ظهور مكانةِ ذلك النبي عندَ قومهِ .. كما أنَّ فيه إبرازًا لمكانةِ هذه الأمةِ وخيريتها من بين الأمم ..

 

أيُّها الأحبةُ الكرام: إذا كانَ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- سينتظرنا بجوار حوضه، وسيعرفنا من بين الناس.. فماذا أعددْنا لذلك اللقاء المصيريِّ المهيبِ، ماذا أعددنا ليُسمحَ لنا بأن نقتربَ ونشرب، فليس كلُّ المسلمينَ سيُسمحُ لهم، هناك مَن سيُطردُ ويذاد، ففي صحيح البُخاري، أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ مِنِّي، وَمِنْ أُمَّتِي، فَيُقَالُ: هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، وَاللَّهِ مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ".

 

فتصوروا يا عباد الله: فالناسُ سيرِدُونَ الموقفَ وهيَ عطْشى بأمس الحاجةِ ليطفؤوا ظمأهم، فيرِدُ المؤمنونَ أحواضَ أنبيائهم، ويذادُ عنها مَن خالفَ جماعتهم، وفارقَ سبيلهم، نعم سيُطردُ عنها أولئك الذين بدَّلوا دينَهم وحرَّفوه، وأحدثوا فيه وبدلوه، وكذلك سيطردُ الظَّلمةُ المسرفونَ في جورهم، وأصحابُ الكبائرِ المصِّرينَ على كبائرهم..

 

 أمَّا الكفَّارُ ومن استوجبَ الخلودَ في النَّار فلهم شأنٌ آخر، قال -جلَّ وعلا-: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[النور: 39]، وقال -تعالى-: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا)[الكهف: 29].

 

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلاماً على عباده الذين اصطفى ..

 

 أمَّا بعدُ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[التغابن: 16].

 

معاشِرَ المؤمنين الكرام: الحوضُ -بإذن اللهِ ورحمته- موعِدُنا مع حبيبنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، فالحوضُ المورودُ هو مُلتقى أهلِ الإيمان, قبل دخولهم الجِنان، هناك يُطفأُ ظمأهم، ويَسكُن خوفهم، وتَقرُّ عُيونهم، برؤية نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، وصحابتهِ الكرام، وسادةُ الأمَّةِ الأعلام..

 

الحوضُ: هو بدايةُ فرحِ المؤمنين في الآخرة؛ لأنه لا يصلهُ إلاّ الفائزون المفلحون..

 

ولقد ذكرَ العلماءُ عِدةَ أسبابٍ تُمكِّنُ المؤمنَ من أن يصلَ للحوض ويفوزَ بتلك الشربةِ الهنيئة ..

 

وأولُ تلك الأسبابِ وأهمِّها: الاستقامةُ على دينِ الله؛ فالمتمسكُ بكتاب اللهِ الحكيم، المتَّبِعُ لسنة رسولهِ الكريم، الحريصُ على اتباع هديهِ القويم، البعيدُ عن البدعِ والظُّلمِ وكبائر المنكرات، هو من سيأتي ربهُ بقلبٍ سليم..

 

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إني قد تركتُ فيكم شيئينِ لن تضلوا بعدهما: كتابُ اللهِ وسُنّتي، ولن يتفرقا حتى يرِدا علىَّ الحوض"(صححه الألباني).

 

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنِّي فَرَطُكُمْ علَى الحَوْضِ، مَن مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، ومَن شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أقْوامٌ أعْرِفُهُمْ ويَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحالُ بَيْنِي وبيْنَهُمْ. فأقُولُ إنَّهُمْ مِنِّي، فيُقالُ: إنَّكَ لا تَدْرِي ما أحْدَثُوا بَعْدَكَ، فأقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَن غَيَّرَ بَعْدِي"(متفق عليه).

 

وثاني الأسباب: عدمُ إعانةِ الظَّلمةِ على ظُلمهم، فعن كعبِ بن عُجرةَ أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ له: "أعَاذَكَ اللَّهُ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ"، قَالَ: ومَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ؟ قَالَ: "أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي لاَ يَقْتَدُونَ بِهَدْيِي وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي؛ فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُمْ، وَلاَ يَرِدُوا عَلَى حَوْضِي، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ وَسَيَرِدُون عَلَى حَوْضِي"(والحديث صححهُ الألباني).

 

وثالثها: الصبرُ على نقصِ حُظوظِ الدنيا، واستئثارُ الآخرينَ بها، ففي صحيح البخاري ومسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ للأنصار: "إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي، وَمَوْعِدُكُمْ الْحَوْضُ".

 

ورابعُ الأسباب: المحافظةُ على الوضوء، فأمَّةُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- سيأتونَ يوم القيامةِ مميزينَ عن غيرهم، يُعرفون بمجرد النظر إليهم، ففي صحيح مُسلمٍ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تَرِدُ عَلَيَّ أُمَّتي الحَوْضَ، وَأَنَا أَذُودُ النَّاسَ عنْه، كما يَذُودُ الرَّجُلُ إِبِلَ الرَّجُلِ عن إِبِلِهِ"، قالوا: يا نَبِيَّ اللهِ أَتَعْرِفُنَا؟، قالَ: "نَعَمْ, لَكُمْ سِيما ليسَتْ لأَحَدٍ غيرِكُمْ, تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِن آثَارِ الوُضُوءِ".

 

ألا فاتقوا الله عباد الله، وتمسَّكوا بالكتاب والسنة تفلحوا، وإياكم والظُّلم، فالظُّلمُ ظُلماتٌ يوم القيامة، وأسبغوا الوضوءَ؛ فالطَّهورُ شَطْرُ الإيمانِ، وحافظوا على الصلاة, فالصلاةُ نور، وأكثروا من الصدقة، فالصدقةُ بُرهان، وعليكم بالصبر فالصَّبْرُ ضِياء .. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آل عمران: 200].

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين...

 

 

المرفقات

سلسلة خطب الدار الآخرة (13) الحوض المورود.doc

سلسلة خطب الدار الآخرة (13) الحوض المورود.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات