عناصر الخطبة
1/ تفضيل الله لنبيه -صلى الله عليه وسلمَ- بجوامع الكلم 2/ المقصود بجوامع الكلم وجوانبها 3/ حديث "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَهْدِ الْبَلاَءِ..." وشرحه ومعانيه 4/ الحث على الدعاءاقتباس
الشقاء ضد السعادة، وهو دنيوي وأخروي, أما الدنيوي, فهو انشغال القلب والبدن بالمعاصي، واللهث وراء الدنيا والملهيات، وعدم التوفيق. وأما الأخروي, فهو أن يكون المرء من أهل النار -والعياذ بالله-. فإذا استعذت بالله من درك الشقاء فأنت بهذه الاستعاذة تطلب من الله...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يَهْدِه الله فلا مُضِلّ له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].
أما بعد:
فإن نبينا محمداً -صلى الله عليه وسلمَّ- فضّله الله على إخوته الأنبياءِ بعددٍ من الفضائل، ومنها كما جاء في الصحيح: أنه أوتيَ وأُعْطي "جَوَامِعَ الْكَلِمِ"، ويعني أن أعطي الألفاظ اليسيرة المختصرة ذات المعاني الكثيرة.
وجوامع كلمه صلى الله عليه وسلمَ في كلِّ شيء، في الوعظ، وفي التذكير والنصح، وفي الأحكام الفقهية، وحتى في أوامره وتوجيهاته بصفته رسولُ الأمة وقائدها.
ومن المواضع التي يبرز فيها ذلك هي: جوامعه في الدعاء؛ فنجد أن النبي -صلى الله عليه وسلمَ- يدعو بالأدعية الجامعة المختصرة، ويحثّنا عليها، ولذلك جاء عن عَائِشَةَ -رَضي الله عنها- أنها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ- يَسْتَحِبُّ الْجَوَامِعَ مِنَ الدُّعَاءِ وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ".
ومن الأدعية المختصرة التي حثّنا عليها النبي -صلى الله عليه وسلمَ- هي: ما جاء عن أبي هريرة -رَضي الله عنه- عَنِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلمَ- أنه قَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَهْدِ الْبَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ".
أمَّا "جَهد البلاء" فهو المشقّة، وهي كُلُّ ما يضايق الإنسان ويَجهده ويَشقُّ عليه من ابتلاءات الدنيا، بمَا لَا طَاقَة لَهُ بِحمْلِهِ وَلَا قدرَة لَهُ على دَفعه؛ من الفقر، وضيق العيش، والديون الضخمة، والأمراض المزمنة والمشاكل الدائمة، ونحو ذلك من الأمور التي تضيق الأرضُ بما رحبت على الإنسان، ويتمنى بعضهم الموتَ لأجلها، ويدخل في جهد البلاء: الأمورُ المعنوية كأن يتسلّط على الإنسان شخصٌ يؤذيه بالكلام والنميمة والبهتان أو حتى الحسدِ والعين، والنبي -صلى الله عليه وسلمَ- أمر بالاستعاذة من ذلك؛ لِأَن ذَلِك مَعَ مَا فِيهِ من الْمَشَقَّة على صَاحبه قد يحصل بِهِ التَّفْرِيط فِي بعض أُمُور الدّين وَقد يضيق صَدره بِحمْلِهِ فَلَا يصبر فَيكون ذَلِك سَببا فِي الْإِثْم.
أما "دَرك الشقاء" فهو الاستعاذة بالله من أن يُدرك الإنسانُ الشقاء في الدنيا والآخرة، بسبب الذنوب والمعاصي، أو بسبب عدم اتباع أمر الله في الابتلاءات التي تقع على الإنسان.
فيسعى ويسعى وهو يَحسَب أن يُحسن صُنعاً، وما درى أن سالكٌ مسلك الشقاء الذي يُشقيه.
والشقاء الحقيقيُّ الذي لا نجاة منه هو شقا الآخرة، حينما يفرّط الإنسان في عمل الدنيا فيحصل له شقاء الآخرة ولات ساعة مندم.
والشقاء ضد السعادة، وهو دنيوي وأخروي, أما الدنيوي, فهو انشغال القلب والبدن بالمعاصي واللهث وراء الدنيا والملهيات وعدم التوفيق. وأما الأخروي, فهو أن يكون المرء من أهل النار -والعياذ بالله-.
فإذا استعذت بالله من درك الشقاء, فأنت بهذه الاستعاذة تطلب من الله ضده, ألا وهو: السعادة في الدنيا والآخرة.
أما "سوء القضاء" هُوَ مَا يسوء الْإِنْسَان ويحزنه من الْأَقْضِيَة الْمقدّرَة عَلَيْهِ عموماً، بل وفيها استعاذة من القرارات الخاطئة التي قد يتخذها الإنسان في حياته، ونحن نؤمن بقضاء الله وقدره وما ينزله ويُقدّره علينا، ونحن نستعيذ بالله من سوء ما ينزل بنا؛ لأن هذا هو أمر الله وأمرُ رسوله، ولأن الله قد يردُّ عنا هذا الابتلاء؛ فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلمَ- أنّه قال: "لاَ يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ".
أما "شماتة الأعداء" فهِيَ فَرَحُ الْعَدُوِّ بِبَلِيَّةٍ تَنْزِلُ بِك، والاستعاذة منها؛ لأن شماتة الغير بك لها تأثيرٌ كبيرٌ على النفوس، وتغتاظ لها القلوب، وقد تكون لدى الإنسان ردةُ فعل عكسية مغايرةٍ للمشروعِ من أمر الله، فقد تجده بسبب هذه الشماتة يستحل ما حرّم الله من الانتقام للنفس، أو الظلم، أو حتى التضجّر والتسخّط من قضاء الله وقدره، فليحذر المسلمُ أن تكون الابتلاءات مفتاحاً للشيطان ليسخط من قضاء الله أو يعترض على قدر الله أو ينتقم لنفسه أو يظلم ويحيف.
نسأل الله أن يقينا شرَّ أنفسنا، وشرّ الشيطان.
اللهمَّ إنَّا نعوذ بك مِنْ جَهْدِ الْبَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره وأتوب إليه وأستغفره. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الحقَّ -تبارك وتعالى- يقول لكم في كتابه داعياً وحاثَّاً ومُنذراً أيضاً: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين) [غافر: 60]، فجعل الله -سبحانه وتعالى- الدعاء من العبادة، وهو كذلك؛ لما فيه من يقين الإنسان ابتداءً بأن الله هو الإله الخالق المدبر المتصرف والمعطي والمانع، ولذلك جاء عن النَّبِي -صلى الله عليه وسلمَ- أنه قَالَ: "لَيْسَ شَيءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- مِنَ الدُّعَاءِ".
فألحّوا على الله وأكثر من دعائه، والدعاء المختصر الذي ذكرناه في الخطبة الأولى هو أحد الأدعية المختصرة، وإحدى جوامع كلمه صلى الله عليه وسلمَ، فينبغي للإنسان أن لا يحتقر نفسَه ولا دعاءه، فإن الله يحب من عبده المؤمن أن يدعوه.
ولكن الشيطان يحرِص على يصوّر الوهمَ للإنسان بأنه لا يعرف كيف يدعو، ولا يحفظ الأدعية الواردة.
ولكن هذا الوهم غيرُ صحيح، بل هذه الأدعية الصغيرة يمكن لأي إنسان أن يقولَها ويدعو بها، وإن لم تستطع فخذ إحدى الكتيبات التي جمعت أدعية الكتاب والسنة وردّدها، وإن لم تستطع فكن مثل ذلك الصحابي الذي سأله النبي -صلى الله عليه وسلمَ- فقال له: "كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلاَةِ؟" قَالَ: أَتَشَهَّدُ وَأَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ أَمَا إِنِّي لاَ أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلاَ دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ؟ فَقَالَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلمَ-: "حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ" (يعني حول الجنة ودخولها ندور في دعائنا).
اللهمَّ إنَّا نعوذ بك مِنْ جَهْدِ الْبَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نؤمن بِقَضَائِك خَيره وشره، ونعوذ بك من شَرّ مَا قضيت فقنا شَره وَأَعْطِنَا خَيره يَا من بِيَدِهِ الْخَيْر وَالشَّر وَالعطَاء وَالْمَنْع وَالْقَبْض والبسط.
اللهم اجعل ألسنتنا رطبة بذكرك ونفوسنا سمعة مطيعة لأمرك وجوارحنا ساعية في خدمتك.
اللهم ارزقنا زهدًا في الدنيا ورغبة في الآخرة إنك على كل شيء قدير.
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة والنجاة من النار.
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم
الدعاء والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلمَ-
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم